ثورة البنزين في إيران

النصر الإيراني في محطات البنزين والديزل لم يكن كمّاً فحسب، فقد استطاعت إيران خلال السنوات الماضية مجاراة محاصريها برفع جودة منتجاتها من البنزين والديزل لتناسب المعايير الأوروبية.

  • ثورة البنزين في إيران
    مصفاة "نجمة الخليج" هي أكبر مصفاة لتكثيف الغاز في العالم وأكبر مصفاة إيرانية

يتنقَّل يومياً عشرات الملايين من المواطنين الإيرانيين على امتداد الجغرافيا الإيرانية. ولحركة هذه الأمواج البشرية كلمة سرّ واحدة هي البنزين؛ المادة الَّتي لم تسلم هي أيضاً من عصا العقوبات الغربيَّة منذ عقد من الزمن. 

عصا العقوبات كسرتها الجمهورية الإسلامية في إيران بإطلاق برنامج استراتيجيّ تضمّن خططاً لزيادة الإنتاج وتحسين الجودة في مصافي البلاد، وتوّج ذلك بتشغيل مصفاة "نجم الخليج" في العام 2019، وتطوير مصفاة الإمام الخميني في العام 2011، وهما المصفاتان اللتان لم تحقّقا الاكتفاء الذاتي لإيران في إنتاج البنزين فحسب، بل جعلتاها أيضاً مصدّراً فعّالاً لهذه المادة في المنطقة والعالم.

ضارّة العقوبات تمخّض عنها نافعة الاكتفاء الذاتي الَّذي جعل إيران أكبر منتج للبنزين في المنطقة وفي منظمة أوبك، وثاني أكبر منتج للديزل بين دول منظمة أوبك، فزادت الطاقة الإجمالية لتكرير النفط من 1،850،000 برميل يومياً إلى أكثر من 2،150،000 برميل، وتم أيضاً توسيع إنتاج المشتقات النفطية، كالبنزين، إلى حدود غير مسبوقة. وأيضاً بلغة الأرقام، كانت إيران في العام 2010 تنتج 51 مليون ليتر من البنزين يومياً. وفي العام نفسه، استوردت حوالى 10 ملايين ليتر منه. 

أما اليوم، أي بعد أكثر من 10 سنوات، فقد حقّقت إيران اكتفاءً ذاتياً في إنتاج البنزين، بل بات من الممكن تصديره بحجم أكبر من الواردات في العام 2010، ليصل إنتاجه إلى أكثر من 112 مليون ليتر يومياً، بحسب آخر أرقام رسمية نشرت في العام 2020.

النصر الإيراني في محطات البنزين والديزل لم يكن كمّاً فحسب، فقد استطاعت إيران خلال السنوات الماضية مجاراة محاصريها برفع جودة منتجاتها من البنزين والديزل لتناسب المعايير الأوروبية، وتحديداً معايير يورو 4 و5، ليصل الإنتاج اليومي إلى معدل 91 مليون ليتر من البنزين المستوفي لهذه المعايير، و73 مليون ليتر ديزل "مازوت" حتى العام 2019، والأرقام في تصاعد مستمر.

لكن كيف أصبحت إيران مصدّراً للبنزين خلال عقد من الزمن وهي تحت حصار اقتصادي مطبق؟ كما ذكرنا سابقاً، وضعت إيران برنامجاً استراتيجياً طويل الأمد تضمّن خططاً لتطوير قطاع المصافي والتكرير، وكان أهم مشروع فيه، وهو الذي جعلها تتمتع بالاكتفاء الذاتي في إنتاج البنزين وتصديره، تشغيل مصفاة "نجمة الخليج"، وهي أكبر مصفاة لتكثيف الغاز في العالم وأكبر مصفاة إيرانية، وهي تقوم بتكرير ما يصل إلى 450 ألف برميل من مكثفات الغاز يومياً، فمع افتتاح المرحلة النهائية من هذه المصفاة في كانون الثاني/يناير 2018، وصلت الطاقة الإنتاجية اليومية للبنزين في هذه المصفاة إلى 47 مليون ليتر من البنزين و15 مليون ليتر من الديزل يومياً.

هذا المشروع سبقه وتبعه توسيع وتطوير عدة مصافٍ أخرى حول البلاد، منها مصفاة الإمام الخميني، وهي في المرتبة الثانية بعد "نجمة الخليج"، بإنتاج يومي يبلغ 17 مليون ليتر من البنزين، ومصفاة بندر عباس، التي يبلغ إنتاجها اليومي 12 مليون ليتر من البنزين، ومن بعدها مصفاة أصفهان التي تمتلك طاقة إنتاجية يومية تبلغ 12 مليون ليتر من البنزين العالي الجودة.

بعد هذه المصافي، طُوّرت مصفاة طهران التي باتت تنتج 7 ملايين ليتر من البنزين يومياً، وهي تؤدي دوراً رئيسياً في الحفاظ على أمن الطاقة في البلاد، وتساهم في سهولة التوزيع ووصول المحروقات إلى كل أنحاء البلاد بسرعة وسهولة أكبر. إلى جانب مصفاة طهران، طورت الطاقة الإنتاجية اليومية لكل من مصفاتي تبريز ولافان في شمال إيران وشمال غربها، لتصل إلى 3 ملايين ليتر من البنزين يومياً.

إلى جانب هذه المصافي، تم توسيع وتطوير مجمع "كات كراكر" الجديد في مصفاة "عبادان"، والذي ينتج ما يصل إلى 15 مليون ليتر من البنزين العالي الجودة يومياً. وتشير التوقعات إلى أنَّ طاقة مصافي إيران ستصل إلى مستويات أعلى بكثير مما وصلت إليه حتى تاريخ الأرقام الرسمية أعلاه، أي 2019-2020، إذ قد تتخطّى 2.4 مليون برميل يومياً هذا العام.

وفي المحصّلة، وبمطابقة الأرقام، تكون إيران قد حقَّقت خلال فترة العقوبات (2020-2010) نمواً بمقدار 16% في توسيع مصافيها النفطية، فيما زادت قدراتها الإنتاجية للبنزين العالي المواصفات بنحو 80%، وهو ما ساعدها للتحول إلى بلد مصدّر للبنزين والمشتقات النفطية، بعد أن كانت تستوردها. ووفقاً لأرقام العام 2019 الرسمية، كانت إيران تصدّر يومياً 3 مليون ليتر من البنزين.

يُظهر هذا التحوّل النوعيّ انتصاراً على العقوبات الأميركيّة، في تكريسٍ عمليٍ للمقاومة الاقتصادية. العالم الذي يعي ما تعنيه قوة الأرقام والحقائق، بات يدرك صعوبة الوقوف في وجه بلد لا تكمن قوّته بنفطه فحسب، بل بامتلاكه أيضاً سلاحاً يسمّونه هنا "الاقتصاد المقاوم المنتج والقيادة التي تملك رؤية وإرادة".