كيف يبدو الواقع اللبناني قبل الانتخابات النيابية؟

بالرغم من أن انتخابات هذا العام لم ينجُ القانون الذي سيُعتمد فيها من جلسة تعديلات ولو طفيفة على القانون السابق لناحية اقتراع اللبنانيين المغتربين، إلا أنها تمثّل محطة رهان لبعض قوى الداخل.

  • كيف يبدو الواقع اللبناني قبل الانتخابات النيابية؟
    كيف يبدو الواقع اللبناني قبل الانتخابات النيابية؟

ترسم الانتخابات النيابية في كل دول العالم المسار الذي ستكون عليه السلطة والنهج الذي ستسلكه على مستويات الداخل ومع الخارج.

وفي لبنان وما بعد اتفاق الوفاق الوطني في الطائف (المدينة السعودية) الذي أنهى الحرب عام 1990، التي امتدت على مدى خمسة عشر عاماً، وأصبح دستور البلاد، شكّل اللهو والعبث بقانون الانتخاب مع كل استحقاق ودورة انتخابية منذ أولى دوراتها بعد الحرب وفق الدستور الجديد العام 1992، سمة طبيعية لدى منظومة القوى السياسية التي حكمت البلاد منذ الطائف وصولاً الى الاستحقاق المقبل المنتظر بعد خمسة أشهر في أيار (مايو) من هذا العام 2022، حيث كانت في كل دورة تعمد إلى تغييره وتبديله أو على الأقل إجراء تعديلات جوهرية عليه غالباً ما كانت على قياسها، بغية تعزيز وضعيتها الانتخابية بما يؤمّن لها الأكثرية النيابية ويبقيها متحكمة في السلطة من دون "وجع رأس" من أي طروحات تغييرية وسواها.

حتى التغيير الذي اعتُبر جوهرياً في الدورة الماضية في انتخابات العام 2018 بالتحوّل بالاقتراع من قاعدة النظام الأكثري الى قاعدة النسبي الذي فُصّل على قياس المنظومة تلك، وأتاح لها تركيب بعض اللوائح ونسج التحالفات المركبة وفق بدعة التحالفات الانتخابية بديلاً من التحالفات السياسية أو البرامجية الاقتصادية أو الاجتماعية، وهو أقل الإيمان في احترام عقول الناخبين.

وبالرغم من أن انتخابات هذا العام لم ينجُ القانون الذي سيُعتمد فيها من جلسة تعديلات ولو طفيفة على القانون السابق لناحية اقتراع اللبنانيين المغتربين، إلا أنها تمثّل محطة رهان لبعض قوى الداخل التي تسمّي نفسها قوى "ثورية" أو تغييرية تتخذ من حركة احتجاجات السابع عشر من تشرين الأول منطلقاً لطروحاتها، زادت عليها الأوضاع الكارثية، من أزمات سياسية وانهيارات اقتصادية واجتماعية ومالية وانهيار للعملة الوطنية، وحالات بؤس وفقر وجوع ترافقت مع مأساة الانفجار المدمّر الذي طال مرفأ بيروت وما خلّفه من نكبات وموت للبشر والحجر، كما تشكل هذه الانتخابات، وبدرجة عالية، عامل ضغط رفيع المستوى من المجتمع الدولي المستميت لقلب الواقع اللبناني الداخلي وتغيير الأكثرية النيابية ممّن يسمّون القوى الحليفة للمقاومة، وفي طليعتها الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) والتيار الوطني الحر (تيار رئيس الجمهورية ميشال عون)، لصالح من يشكلون أو يعتبرهم هذا المجتمع أدواته في السياسة التي يسعى إلى فرضها في لبنان، مجنّداً قدراته المؤثرة من تهديدات بعقوبات جائرة على رموز من قوى تتشكل منها هذه الأكثرية، الى إغداق المساعدات المالية وتجنيد الوسائل الإعلامية الأوسع انتشاراً والأقوى تأثيراً في الرأي العام.

وسط هذا المشهد، وبمعزل عمّا إذا جرت الانتخابات أو لم تجرِ، لاحتمالات عديدة يتخوّف منها البعض داخلياً وخارجياً، تبعاً للتطورات التي تتسارع، وللأوضاع المأزومة سياسياً واقتصادياً، ولتخوّف أكثر من جهة من احتمالات وقوع أحداث أمنية، إضافة إلى تفاقم تبعات جائحة كورونا، كيف يبدو الواقع على الأرض؟:

إلى الآن جبهتان أو خياران لم يبرز ثالث لهما سوى القوات اللبنانية التي تحاول أن تستفيد من موجة توق الناس إلى التغيير وتعثر قوى التغيير نفسها من النجاح في تشكيل لوائحها، عبر تقديم وجوه غير حزبية وغير استفزازية.

فالأولى هي ما يُسمّى قوى المنظومة (قوى السلطة) وهي التي تشكل غالبية المجلس النيابي، والثانية قوى التغيير التي ينضوي إليها أكثر من مسمّى، تبدأ من "ثوار 17 تشرين" (حركة الاحتجاجات التي قامت في تشرين الأول 2019)، الى قوى التغيير، الى المجتمع المدني وسواها... والاثنان مرتاحان لوضعيّتهما نظرياً الى الآن، وفي الوقت نفسه مأزومان عملياً، فكيف ذلك؟

الأولى وعوامل الارتياح:

وأغلبيّتها حزبية مطمئنة الى أن محازبيها وجمهورها لن يخذلوها يوم الاستحقاق، وخصوصاً في حمأة التجييش الانتخابي والتوعّد بإزاحتها من المشهد السياسي ومحاسبتها.

ما زالت تمسك بإدارة العملية الانتخابية وأدواتها في السلطة.

قادرة على تركيب لوائح تؤمّن لها الحواصل الانتخابية القادرة على رفع حصتها من المقاعد.

تملك ماكينات انتخابية فاعلة ذات كفاءة خاضت الانتخابات النيابية والبلدية لثمانية استحقاقات انتخابية.

خصومها مشتّتون ولم يُبلوا البلاء الحسن في خلال إدارتهم لحملة الاحتجاجات، لا لناحية الإدارة ولا لناحية توزيع المساعدات التي أُغدقت عليهم لمحتاجيها، فكانوا نسخة أسوأ عن بعض من يتهمونهم بالفساد من بعض السياسيين.

وخصومها هؤلاء لا يملكون مشروعاً واضحاً، ولا رأساً قائداً لهم ولا حتى مدبّراً، والجميع فيهم رؤوس من دون عسكر منتظم.

عوامل القلق:

الثأثير الإيجابي الذي طال جماهيرهم مع بداية حركة احتجاجات السابع عشر من تشرين.

النقمة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي أصابتهم وتصيبهم كما سائر المواطنين.

تسرّب العديد من الأفراد والعائلات من الولاء المطلق لزعاماتهم وإجراء مراجعة للمسار بكلّيته.

تحميل مسؤوليهم عن الوصول إلى الأزمة الحالية، وخصوصاً الممسكين منهم بالسلطة على مدى ثلاثين عاماً.

عدم قدرة أولئك المسؤولين على إيجاد حلول تلجم التدهور، وهم لم يقدموا للمستقبل القريب أي خطة إنقاذية، ولو على شكل مشروع وعود يخوضون على أساسه الانتخابات المقبلة.

الثانية: قوى التغيير:

من دواعي ارتياحها فقط أن الناس تتوق إلى التغيير

أما دواعي القلق فتتوزع على النقاط التالية: 

لا تملك مشروعاً ولا برنامجاً الى الآن، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً.

لم تقدم قائداً رمزاً لها.

قادتها مجهولون ومجموعاتها عبارة عن قلة من أفراد مشتّتين.

فشلها في توحيد منصّتيها الأساسّيتين (نحو الوطن وكلنا إرادة) المعبَّر عنهما إعلامياً ودعائياً فقط عبر اللوحات الإعلانية المدفوعة الثمن.

عجزها عن تقديم مرشحين إلى الآن، فكيف للناخبين المتحفّزين للتغيير، الاختيار والتعرّف إلى من سيولونهم ثقتهم لقيادة هذا التغيير؟

رفض مجموعات منها التحالف مع الأحزاب التي ساندتها ورفدتها بالحشود أثناء حركة الاحتجاجات، الأمر الذي عزّز وضعيتها في الشارع، تحت أكثر من ذريعة وسبب، منها مشاركتهم في بعض حقبات السلطة، ومنها ما هو مرتبط بذاكرة الحرب.

في المحصّلة، ثمة من يقول إن من المبكر لنحدد مسار الانتخابات، وبناء التحالفات، وثمة آخرون يجزمون بأنه مهما تكن النتيجة، فالواقع اللبناني نموذجٌ مختلف، وأياً يكن الرابح أو الخاسر، لا يمكن لهذا البلد إلا أن ينتظم إلا بالتوافق، فلا أكثرية قادرة على الحسم، ولا معارضة باستطاعتها إسقاط منظومة متجذّرة في التاريخ والجغرافيا، والأهم الأهم في الطائفة والطائفية.