مؤتمر المعارضة البحرينية..استعادة زمام المبادرة

نوع التحديات التي لا بدّ من الإشارة إليها، هي تلك المرتبطة بالصراع مع النظام، ومن غير المتوقّع أن يقف الأخير مكتوف اليدين من دون تخريب أي مخرجات تتسرّب إليه وإعاقة أي جهود تؤول لنجاح تقوية المعارضة

  • مؤتمر المعارضة البحرينية..استعادة زمام المبادرة
    مؤتمر المعارضة البحرينية..استعادة زمام المبادرة

عقدت المعارضة البحرينية في الخارج مؤتمرها الأول من نوعه جنوب لندن بالمملكة المتحدة في 3 شباط/فبراير وعلى مدى يومين، للخروج بمقاربات وصيغ مشتركة للنهوض السياسي، وإيجاد سبل مناسبة لمقارعة الظلم في البلاد. ضم المؤتمر نخبة من السياسيين والنشطاء، وقُدّمت فيه أوراق بحثية وعملية تخلص إلى ضرورة التقارب في أعمال مشتركة يكون منتوجها مختلفاً ومؤثّراً.

السلطة في البحرين استنفرت إعلامها، وجيّرت أقلامها للنيل من هذا التحرّك الوطني، وتسابق كتّاب السلطة على وصم المؤتمر بشتى أنواع القذع وبألفاظ بعيدة عن المهنية الصحافية. لكن ردّة فعل السلطة بُعيد سماعها أخباراً عن موضوع المؤتمر، لم تكن مفاجئةً، لكن المؤسف أنها استخدمت أحد المعارضين السابقين، ممن كشف تورّطه بتواصل دائم مع الجهاز الوطني والسفارة الأميركية في المنامة في البحرين، حيث كان يزوّدهما بكل صغيرة وكبيرة تخصّ المعارضين وتحرّكهم قبل أن يُنبذ خارج أسوار المعارضة.

لقد استخدمته السلطة حد الاحتراق، وبات من المتوقّع أن تستغني عنه كما استغنت عمّن أحرقتهم في البروبغندا الرسمية حتى نَشَفَتْ وجوههم واستُنفِدَت طاقاتهم، وانتهت مفرداتهم المسبّحة بآلاء الملك وحمده.

المؤتمر نشاط مختلف

ولعل السلطة تدرك أن هذا المؤتمر بالذات أمر مختلف لا يشبه النشاطات الأخرى للمعارضة، لأنه اتسم بتقابل المختلفين وصناعة رؤية بأيدي أولئك المختلفين أنفسهم، بأفكارهم وتوجّهاتهم وأهدافهم، للوصول إلى نقطة تلاقٍ، ينطلقون منها جميعاً في حراك متجدّد أرادت له السلطة أن يخمد لكنه لا يزال يحتفظ بأواره المشتعل.

ورش العمل التي تضمّنها المؤتمر اتسمت بالصراحة الكبيرة بين الحاضرين، ورسمت مساراً يمكن وصفه بالمسار الجديد، لكن ثمة تحديات تواجه المعارضة البحرينية في هذا المجال، وهنا سأورد بعض التحديات البعيدة عن الصبغة التقنية، كتحدي التمويل والتنظيم واللوجستيات لإعداد مؤتمر مشابه العام المقبل وما يصاحبه من مقدمات تنظيمية.

نوع التحديات التي لا بدّ من الإشارة إليها، هي تلك المرتبطة بالصراع مع النظام، ومن غير المتوقّع أن يقف الأخير مكتوف اليدين من دون تخريب أي مخرجات تتسرّب إليه وإعاقة أي جهود تؤول لنجاح تقوية المعارضة. ولعل من أبرز تلك السبل هو الولوج في الجسم المُعارض عبر عيون نحسبها صديقة وهي ليست كذلك، كما فعلت المخابرات البحرينية سابقاً، كما من أساليب أجهزة الأمن البحرينية هي الانتقام من الشريحة الشعبية الواقعة تحت قبضتها في البحرين، ما يعد من الانتهاكات المضاعفة لحقوق الإنسان.

ومن المعروف أن الأجهزة الأمنية استخدمت عدة أساليب للحؤول دون استفادة المعارضة في الخارج من الحاضنة الشعبية، ومن تلك الأساليب التفتيت، بشقّيه: الخشن والناعم. أما الخشن فهو القمع المعروف والذي تمارسه كل الدكتاتوريات تجاه شعوبها، من ثم تفريق الصابرين المحتسبين عمّن لا يستطيع الصبر والتحمّل، وأما التفتيت الناعم فيتلخّص في تغيير ثقافة البلد من خلال دفعه لملاحقة لقمة العيش من جهة، وتنويع أدوات التسويق والتشويق في السوق، لكسب شريحة شبابية همّها استهلاكها، وإيجاد فجوات اجتماعية بينية في مفاصل المجتمع المتماسك، ليتخلى عن تماسكه وتنهار قيمه شيئاً فشيئاً. 

من هنا أشدّد على أهمية وجود دراسات اجتماعية محترفة تعنى بالتغييرات التي تطرأ على الحاضنة الشعبية للمعارضة، والتي-أي التغييرات-لا تكون في سياق طبيعي كأي تغير يطرأ على أي مجتمع.

هذه الجنبة بضميمة خطة التجنيس السياسي المعروفة، والتي دأب النظام على تنفيذها منذ أكثر من عقدين، مبضعان جادان في استئصال القوة الاجتماعية في البلاد، ليس على صعيد الشيعة وحسب، بل حتى على صعيد السنة. وهذه التغييرات المراد حصولها تؤدي إلى مقامرة من قبل النظام في شأن إيجاد مجتمع لا يوالي بغير المال ولا يهتم إلا بالتكسب، وإذا ظن النظام أن هذه الصيغة ستوفّر له مساحة آمنة مستقبلاً - لأن الشعب حينها سيكون شعباً هجيناً غير ذي قضية- إن ظن النظام ذلك فهو مخطئ، فهذه الجنبات السيوسيولوجية تحتاج إلى مراجعات كبرى لكي لا تفقد المعارضة جزءاً وازناً من جمهورها، ذلك الجمهور الذي يعد من أهم ركائز قوتها.

لذلك فإنّ المؤتمر حمل على عاتقه استعادة المبادرة والنهوض بالجالية البحرينية في المنافي، وهذه نقطة مهمة جداً لأنها تدلل على نضوج سياسي واضح، أتى بعد التجارب الطويلة من الضربات الأمنية والعثرات الطبيعية التي يمر بها أي تنظيم في العالم صغيراً كان أو كبيراً.

كما أن التشديد على القضية الفلسطينية علامة على التمسك بهذه القضية المركزية، وهو من أهم ما خرج به المؤتمرون، لكن هذا السياق لا يأتي بتأكيد القضية المركزية وحسب، بل يشير أيضاً إلى أن جزءاً من  الصراع مع النظام البحريني صار معاداة الكيان الصهيوني، والأمر أبعد من التضامن المترف أو دغدغة المشاعر القومية، بل التحدي في هذا الشأن أمني بامتياز، وصار الدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي من قبل نظام البحرين كالدفاع عن كينونته المهدورة على مذبح السيادة، والتي صارت شياعاً للنظامين السعودي والإماراتي وقد أضيف إليهما الكيان الصهيوني.

وعليه؛ فإن مؤتمر المعارضة البحرينية مثلما رسم مساراً جديداً وجاداً نحو التغيير والوصول إلى القوة الذاتية، فإنه فتح نافذة جديدة للتحديات التي سيسعى النظام إلى اختراقها والتأثير فيها قدر الإمكان للحد من نجاحات المعارضة.