معارك إثيوبيا.. لماذا بدأ العالم يهتم؟

السبب الرئيسي للتخوف الإقليمي والدولي هو التقارب بين الفصيلين الرئيسيين اللذين يقاتلان القوات الفيدرالية الإثيوبية، وهما قوة دفاع تيجراي وجبهة تحرير أورومو.

  • لا يتوقع أن تنتهي المعارك الإثيوبية بشكل سريع، سواء بدخول العاصمة أم بتدخل دولي أو إقليمي.
    لا يتوقع أن تنتهي المعارك الإثيوبية بشكل سريع، سواء بدخول العاصمة أم بتدخل دولي أو إقليمي.

تسارعت خلال الأسابيع الأخيرة وتيرة التطورات الميدانية في المعارك الدائرة في عدة أقاليم إثيوبية. وعلى الرغم من أن هذه المعارك دائرة فعلياً منذ أكثر من عام، فإن المحيط الإقليمي والدولي لإثيوبيا بدأ يستشعر بشكل واضح خطورة المنحى الذي وصلت إليه هذه المعارك، وخاصة بعد أن باتت المعارك متاخمة للحدود الشمالية والغربية للعاصمة الإثيوبية. 

السبب الرئيسي للتخوف الإقليمي والدولي في هذه المرحلة، كان التقارب الذي بات أمراً واقعاً بين الفصيلين المسلحين الرئيسيين اللذين يقاتلان القوات الفيدرالية الإثيوبية، وهما قوة دفاع تيجراي وجبهة تحرير أورومو، حيث التقت للمرة الأولى، هذا الشهر، وحدات كلا الجانبين في المناطق الجنوبية الشرقية لإقليم أمهرا، الذي يعدّ مسرح العمليات العسكرية الأساسي حالياً لقوة دفاع تيجراي، ليتم بذلك التدشين الفعلي للتحالف الذي أعلنه كلا الجانبين في أغسطس/آب الماضي. 

تجمّع المعارضة المسلحة ضد أديس أبابا

هذا التطور الميداني أعاد إلى الأذهان تصريحات قائد جيش تحرير أورومو "كومسا ديربا"، الذي قال في آب/أغسطس الماضي، إنه تم التوصل إلى اتفاقية تعاون بين الجانبين منذ أسابيع قليلة، بناءً على اقتراح من قوة دفاع تيجراي، وهي تتضمن مستوى من التفاهم والتنسيق الميداني، نظراً إلى مواجهتهما الخصم نفسه على المستوى العسكري، مضيفاً أن هذا التفاهم يتضمن تبادل المعلومات الميدانية، والاستمرار في القتال بهدف إدامة الضغط بشكل متواز على الجيش الإثيوبي.

هذا التوجه من جانب قوة دفاع تيجراي وجيش تحرير أورومو، كان على ما يبدو محفّزاً لبقية الفصائل المعارضة للحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، كي تقوم بمبادرات مماثلة، فكان الإعلان في الرابع من الشهر الماضي عن "الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية الإثيوبية"، وهي عبارة عن مظلة جامعة للفصائل المعارضة لحكومة آبي أحمد، سواء كانت تلك الفصائل سياسية أم مسلحة، حيث تشمل هذه الجبهة كلاً من جبهة الوحدة الديمقراطية الثورية في إقليم عفر، وحركة "آغاو" الديمقراطية، وحركة تحرير بني شنقول، وحركة "كيمانت" الشعبية اليمينية، وحزب "كيمانت" الديمقراطي ، وجبهة تحرير "سيداما"، وحركة المقاومة في إقليم الصومال، إلى جانب جيش تحرير أورومو، والحكومة الإقليمية التابعة لجبهة تحرير شعب تيجراي.

اللافت هنا أن تدشين هذه الجبهة تم خلال اجتماع لممثلي هذه الفصائل في العاصمة الأميركية واشنطن، وهو ما كان بادرة لافتة بالنظر إلى أن موقف الولايات المتحدة من الأزمة الإثيوبية، بصفة عامة، كان يتركز على ملف المساعدات الإنسانية لإقليم تيجراي، والذي كان السبب الرئيسي في اتخاذ إدارة جو بايدن لمجموعة من العقوبات ضد مسؤولي كل من إثيوبيا وإريتريا؛ فواشنطن بدأت منذ أشهر بالوصول إلى اقتناع مفاده أن الحكومة الإثيوبية تقوم عمداً بتعطيل الحركة البرية والجوية لقوافل الإغاثة المتجهة إلى إقليم تيجراي شمال البلاد.

عقوبات واشنطن المتأخرة

رداً على هذا النهج من جانب أديس أبابا، بدأت واشنطن بفرض سلسلة من العقوبات على إثيوبيا مطلع آذار/مارس الماضي، حين طبّقت قيوداً واسعة النطاق على المساعدات الاقتصادية والأمنية لإثيوبيا، وكذلك قيّدت منح تأشيرات الدخول إلى أي مسؤول أمني أو حكومي حالي أو سابق، في الحكومتين الإثيوبية والإريترية، ثبت ضلوعه في انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم تيجراي، وفرضت في آب/أغسطس الماضي عقوبات على رئيس أركان الجيش الإريتري للسبب نفسه.

في أيلول/ سبتمبر الماضي، وقّع الرئيس الأميركي أمراً تنفيذياً ينص على نظام عقوبات جديد يسمح لواشنطن باستهداف المسؤولين عن إطالة أمد النزاع في إثيوبيا أو المتواطئين معه أو عرقلة وصول المساعدات الإنسانية أو منع وقف إطلاق النار، كما يمنح وزارة الخزانة السلطة اللازمة لمحاسبتهم، وهذا ترافق مع إعلان مديرية ضوابط التجارة الدفاعية (DDTC) التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، عن تنفيذها الفعلي لسياسة رفض تصدير المواد والخدمات الدفاعية إلى القوات المسلحة أو الشرطة أو الاستخبارات أو قوى الأمن الداخلي في إثيوبيا وإريتريا، وإرسالها إشعاراً إلى الشركات الدفاعية الأميركية لتطبيق تلك السياسة.

طبيعة العقوبات السالف ذكرها، والتي في مجملها غير مؤثرة بشكل مباشر وجدّي على أديس أبابا، عكست الرؤية الأميركية السابقة بشأن أن الحكومة المركزية في إثيوبيا ما زالت بنحو أو بآخر متماسكة، رغم خروج معظم مناطق إقليم تيجراي والقسم الشرقي من إقليم أمهرا عن سيطرتها. لكن التطورات الميدانية التي حدثت خلال الأيام الأخيرة، سواء عبر تكثيف جبهة تحرير أورومو لعملياتها غربي العاصمة الإثيوبية، وتمكّنها من دخول مدينتي "بورايو" شمالي غربي العاصمة، ومدينة "سيبيتا" جنوبي غربيّها، واللتين تبعدان عن العاصمة نحو 40 دقيقة، أم التقاء قوات جبهة تحرير أورومو وقوة دفاع تيجراي في جنوب شرق إقليم أمهرا، واقترابهما حثيثاً من مدينة "ديبري برهان"، التي تبعد نحو 130 كيلو متراً فقط عن التخوم الشمالية الشرقية للعاصمة، كانت جميعها مؤشرات دفعت واشنطن إلى اتخاذ خطوات أكثر تصعيداً، فأرسلت مبعوثها إلى القرن الأفريقي جيفري فلتمان إلى إثيوبيا برفقة مبعوث الاتحاد الأفريقي، من أجل محاولة وقف إطلاق النار قبل خروج الأمور عن السيطرة، وانتهاء الشكل الفيدرالي لإثيوبيا، وخاصة أن معظم الكيانات المسلحة التي تقاتل الجيش الإثيوبي حالياً باتت تمتلك الأفضلية الميدانية، التي تمكّنها من دخول العاصمة عسكرياً، لكن لم تسفر مهمة المبعوثين الأميركي والأفريقي عن أيّ تطور ملموس.

فجبهة تحرير تيجراي رفضت بشكل قاطع إيقاف التقدم نحو العاصمة، إلا في حالة تنحِّي رئيس الوزراء الحالي عن منصبه، وتأليف حكومة انتقالية موسعة تضم أقاليم إثيوبيا كافة وتجهز البلاد لانتخابات عامة. أما حكومة أديس أبابا، التي أعلنت حالة الطوارئ وبدأت بحشد ما تستطيع من مقاتلين، سواء في إقليم أورومو أم إقليم أمهرا، فقد قالت إنها لن توقف القتال كذلك إلا في حالة اعتراف جبهة تحرير تيجراي بنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وانسحابها من جميع المناطق التي دخلتها في إقليم أمهرا وعفر، وإيقافها الهجمات الحالية كافة، وهذا كله يعني عملياً تضاؤل احتمالات إيقاف المعارك، التي توسعت لتشمل الأجزاء الجنوبية الغربية من إقليم عفر شرقي إقليم تيجراي، حيث أطلقت قوة دفاع تيجراي هجوماً بهدف قطع طريق الإمداد الرئيسي بين جيبوتي وأديس أبابا.

عقوبات أميركية جديدة، ومعاناة إنسانية مستمرة

عقب فشل مهمة فلتمان، بدأت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على شخصيات إريترية، بموجب الأمر التنفيذي الذي سبق أن وقّعه الرئيس الأميركي، وشملت هذه العقوبات عدة أشخاص وكيانات، من بينهم "أبرهة كاسا"، رئيس جهاز المخابرات الإريترية، ومؤسّسة الجيش الإريتري، وحزب الجبهة الشعبية الحاكم. كذلك تعتزم الوزارة استبعاد إثيوبيا من الاستفادة من قانون النمو والفرص في أفريقيا، الذي تحصل بموجبه الدول الأفريقية جنوب الصحراء على عدة امتيازات، منها تسهيل الشراكات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، ومنح منتجاتها إعفاءات جمركية عند دخولها الأراضي الأميركية.

استمرار المعارك وتوسعها، فاقما بنحو كبير معاناة بعض الأقاليم، خاصة إقليم تيجراي شمال البلاد، فضلاً عن أن أديس أبابا قلّصت بشكل واضح حرية عمل المؤسسات الإغاثية الدولية، بداية من منظمة "أطباء بلا حدود" و"المجلس النرويجي للاجئين"، اللذين تم إجبارهما على تعليق أنشطتهما على الأراضي الإثيوبية أواخر تموز/يوليو الماضي، بعد أن اتهمتهما الحكومة الإثيوبية بـ"نشر معلومات مضللة"، مروراً بطرد سبعة من كبار موظفي الأمم المتحدة العاملين على الأراضي الإثيوبية، وعلى رأسهم ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، بذريعة تدخلهم في الشأن الداخلي الإثيوبي، وصولاً إلى اعتقال السلطات الإثيوبية، عقب إعلان حالة الطوارئ، نحو 16 موظفاً من موظفي الأمم المتحدة.

رغم فداحة الخسائر التي تعرّضت لها القوات الإثيوبية خلال الأسابيع الأخيرة في المعدّات والأفراد، ما زال إقليما عفر وأمهرا يمثّلان نقطة ارتكاز أساسية لدعم الجيش الإثيوبي ضد قوة دفاع تيجراي وجبهة تحرير أورومو، حيث يستمر كلا الإقليمين في حشد المقاتلين وتدريبهم، بهدف إطلاق هجومين متزامنين على الجانب الشرقي لإقليم تيجراي، وعلى خط الإمداد الرابط بين الإقليم وعناصر قوة دفاع تيجراي وجبهة تحرير أورومو، الذين يقاتلون في شرق إقليم أمهرا، متجهين جنوباً نحو العاصمة.

يضاف إلى هذا بدء ظهور أسلحة نوعية في تسليح الجيش الإثيوبي، وتحديداً الطائرات الهجومية من دون طيار، حيث تم رصد الطائرات الصينية من دون طيار (CH-4)، والطائرات التركية من دون طيار (بيرقدار)، ضمن المجهود العسكري الإثيوبي الذي يستهدف مواقع تقدم قوة دفاع تيجراي شرق إقليم أمهرا، وهو ما يوحي بوجود أطراف خارجيين قد يريدون استمرار النزاع الحالي على وتيرته السابقة، من دون أن يتطور ليصبح إسقاطاً للحكومة الإثيوبية، وهي النقطة التي تراهن عليها أديس أبابا، لعلمها بأن المحيط الإقليمي سيتأثر بشكل كبير بأيّ تطورات دراماتيكية في إثيوبيا.

خلاصة القول إن المعارك الإثيوبية وإن كانت قد اقتربت حثيثاً من العاصمة أديس أبابا، إلا أنه لا يتوقع أن تنتهي بشكل سريع، سواء بدخول العاصمة أم بتدخل دولي أو إقليمي، فالعالم فعلياً ظل يشاهد هذه المعارك مستعرة لمدة عام كامل من دون أن تجرى أيّ محاولات جدية لإيقافها، بل تم تجاهل ملفات إثيوبية أخرى مهمة، مثل ملف سد النهضة، الذي للمفارقة قد تصل إليه المعارك قريباً، بعد أن نشطت بشكل لافت، في المناطق المتاخمة له، جبهة تحرير شعب بني شنقول.

لذا يمكن وصف المعادلة الحالية في إثيوبيا بأنها معادلة صفرية، لن يكون لها حل سوى تكرار سيناريو إطاحة حكومة منغستو عام 1991، او استمرار القتال لسنوات طويلة، بما يستتبعه هذا من تبعات خطرة على المستوى الإقليمي، وهنا لا بد أن نذكّر بأن منغستو  توقف عن القتال في النهاية، وطلب اللجوء إلى زيمبابوي، بعد أن رفعت الإدارة الأميركية حينها الغطاء عنه.