أيكون هذا عدد مجلة "الآداب" الأخير يا سماح؟!

كان سماح إدريس مثقفاً ميدانياً، يحمل همّ فلسطين بوعي عميق، شعاره: "إذا تخلينا عن فلسطين تخلينا عن أنفسنا".

  • عمل سماح إدريس رئيساً لتحرير مجلة
    عمل سماح إدريس رئيساً لتحرير مجلة "الآداب" بعد إعادة إصدارها إلكترونياً

قبل نحو عام رحل الدكتور سماح إدريس، مساء يوم الخميس 2021/11/25، ابن سهيل إدريس وعايدة مطرجي إدريس. وقد فُجع كثيرون برحيله السريع المفاجئ، وأنا منهم، فهو ما زال في الستين، شاباً معافى نشيطاً حيويَّ الحضور مشهوداً له. وهو كذلك مثقف ميداني، يحمل همّ فلسطين بوعي عميق، شعاره: "إذا تخلينا عن فلسطين تخلينا عن أنفسنا". وقد عمل أيضاً رئيساً لتحرير مجلّة "الآداب"، بعد والده المؤسس للمجلّة ودار "الآداب" للنشر، مع رفيقة عمره السيدة عايدة مطرجي إدريس، التي رافقت ابنها وابنتيها في حمل رسالة المجلّة والدار.

عرفتُ سماحاً في بيت الأسرة المجاور لجامعة بيروت العربيّة، في الفاكهاني، وكنت أزورهم في بيتهم الذي محضني صداقة سأبقى أعتز بها، مع العزيزين الدكتور سهيل ورفيقة عمره عايدة، وكل أفراد الأسرة...

في الذكرى السنوية الأولى لرحيل سماح، أصدرت مجلة "الآداب" عدداً خاصّاً، وكانت قد توقفت عن الصدور بعد رحيل رئيس تحريرها سماح. ضمّ هذا العدد الخاص شهادات كثيرة، وضعتها "الآداب" في محاور تناسبها.

في ختام افتتاحية العدد الخاص بسيرة سماح العلمية والثقافية والسياسية، نقرأ ما يلي: "وسماح كان إنسان قضيّة، وكانت الآداب خيمته الأولى والأخيرة، ما مصيرها بعده؟...".

ليأتي الجواب في آخر الافتتاحية: "لن نرضى بأن نهدي الأوغاد والعملاء والخونة والسارقين متعة الرقص على جثثنا وأحلامنا". ونحن نقول: قد لا ينبت لـ"الآداب" أجنحة جديدة لتحلّق بها إلى حين، لكن مهما طال الانتظار، لا خوف على الآداب من ألسنة الحسّاد وندوب الدهر، فبفضل سهيل إدريس، ومن ثم سماح إدريس، فإنّ لـ"الآداب" إرث منيع يحميها.

واضح أن صدور "الآداب" ورقية أمر صعب جداً، بسبب ظروف النشر والتوزيع  في الوطن العربي، ناهيك عن العبء المالي الذي لن تستطيع تحمله دار النشر، ولغياب من يستطيع القيام بهم وعبء إصدار المجلة ومواصلة رسالتها بكفاءة.

بدأت علاقتي بـ"الآداب" بمقالة عن المجموعة الشعريّة الأولى لصديقي الشاعر فواز عيد (في شمسي دوّار)، نشرتها المجلة في العدد السادس (حزيران/يونيو 1964). وهكذا يمكن القول إنني من كتاب الجيل الثاني لـ"الآداب"، التي أسسها الدكتور سهيل إدريس في عام 1953. وقد واظبت على الكتابة فيها بعد رحيل الدكتور سهيل، وبدعوة من الصديق سماح الذي تعمقت علاقتي به بعد عودته من أميركا، والتعرف به ناشطاً يحمل راية فلسطين، ويؤيد المقاومة اللبنانية، ويجدد في حقبة تسلمه رئاسة تحرير "الآداب" بتحويلها إلكترونية لتجاوز الرقابة، وخفض تكلفة الطباعة والتوزيع، ويستقطب جيلاً جديداً من الكتاب، القصاصين، وشعراء قصيدة النثر، الذي لم يكن الدكتور سهيل يعترف بأنه شعر.

عدد الآداب الورقي الأخير حمل صورة كبيرة لسماح، كتب على غلافه بخط كبير: سماح إدريس، وتحت الاسم 1961-2021.

وفي الصفحة الثانية للغلاف: إلى الأستاذ رشاد 

وتحت: مع تحياتي

وتحت: سارية وناي إدريس

وهما ابنتا سماح. فهل سنرى يوماً إحداهما تترأس تحريرها بعد الجد والأب؟ من يدري!

وعلى الصفحة الأولى كُتِب؛ رئيس التحرير: سماح إدريس (1992-2021).

غاب كتّاب وشعراء "الآداب" عن العدد، الذي قد يكون الأخير ورقياً، بسبب موت كثيرين ممن واكبوا صدورها في زمن المؤسس الدكتور سهيل، وأيضاً غاب من احتضنتهم في الستينات، من شعراء وقصّاصي المقاومة، الذين لم يبق منهم سوى القلائل الذين هرموا، أو توقفوا عن الكتابة. (أنا هرمت، ولكنني لم ولن أتوقف).

دعاني سماح للكتابة ومواصلة نشر قصصي في زمن "الآداب" الإلكتروني، وقد فعلت، وإن كنت هرماً بين شباب وشّابات استقطبهم سماح.

هناك منجز لمجلة "الآداب" يحفظ تاريخها وتراثها، وهو أرشيفها لأعدادها الكاملة منذ صدورها ورقية، وهكذا فبمقدور الباحثين، والمعنيين بمعرفة تطوّر قصيدة التفعيلة،أو الشعر الحُر، والقصّة القصيرة العربية منذ الخمسينات، أن يجدوا ما يعينهم في أرشيفها.

عدد مجلة "الآداب" الخاص بسيرة سماح بكل جوانبها، يحفظ سيرة مفكّر وناقد وقاص ومترجم وناشط ثوري تقدمي، رحل وهو في الميدان بموت اختطفه وهو في ذروة عطائه، الذي سيبقى في الوجدان والعقول.

سماح إدريس لروحك السلام، ولذكراك المجد.