الدعاية الإسرائيلية: قراءة في القوة الناعمة

اهتمام الصهاينة بالإعلام حصل خلال المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 حيث كانت إحدى اللجان الخمس التي أنشأها لجنة سمّيت. كما تأسست "دائرة الدعاية" التابعة لرئيس المنظمة الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولى.

  • الدعاية الإسرائيلية: قراءة في القوة الناعمة
    الدعاية الإسرائيلية: قراءة في القوة الناعمة

الدعاية قديمة قدم الاجتماع البشري، فقد كانت دعوات الأنبياء والمبشرين والسياسيين عبارة عن دعاية، أيّاً كان موضوعها. الجديد في الدعاية أن وسائلها باتت حديثة، إذ كانت قديماً تنشر شفوياً، أما الآن فالوسائل التي تنقل بها لا تعدّ ولا تحصى من إذاعات وتلفاز وصحف ووسائل تواصل اجتماعي وغيرها.

الدعاية هي أحد أسلحة الصراع، إنها محاولة الانتصار على مستوى حشد الدعم الشعبي والعالمي لقضية ما، وتبني الرأي العام العالمي لها، وهذا ما يجعل الدول تنفق الكثير لنشر رؤيتها وسرديتها لقضاياها وقضايا العالم.

في دراسة الدعاية التي قد تكون الأعلى صوتاً وتضليلاً في العالم، أصدر مركز "رؤية للتنمية السياسية" في إسطنبول بتركيا كتاباً بعنوان "الدعاية الإسرائيلية قراءة في القوة الناعمة". الكتاب من تحرير عبد الله عدوي، وكتبت فصوله نخبة من الكتاب المختصين. يهـدف الكتـاب إلـى دراسـة الدعايـة الإسرائيلية الموجّهة إلـى الفلسطيـنييــن والعـرب وشـعوب العالـم، فضـلاً عـن دراسـة وتحليـل الأدوات الإسرائيلية فـي الدعايـة ومضاميـنها، ومعرفـة انعكاسـاتها علـى المستهدفين. يتكـوّن الكتـاب مـن سبعة فصـول، ويقع في (331) صفحة من القطع المتوسط.

أورد محرر الكتاب عبد الله عدوي في المقدمة تعريف الدعاية بأنها نشاط اتصالي تقوم به الدولة، أو أي هيئة، أو منظمة اجتماعية، أو سياسية بهدف التحكم بعقول الناس ومشاعرهم، وحملهم على دعم سياسة الجهة التي تقوم بالعمل الدعائي، ومن ثم تأييدها والاستجابة لما تطرحه من أفكار ومواقف، وما تتطلبه من تغيير لأنماط السلوك أو تثبيتها.

في ما يتعلق بأنواع الدعاية، فهي بيضاء واضحة في مضمونها والجهة التي تقف وراءها وتروّج لنفسها، ورمادية تعتمد التمويه حيث تخفي أموراً غير تلك التي تعلنها كخطاب السياسيين، والدعاية السوداء سرية لا يُعرَف القائمون عليها، وهي التي تستعمل من قبل المخابرات والأجهزة الأمنية لتشويه خصم أو بث صور إيجابية لجهة ما.

الفصـل الأول من الكتاب بعنوان "أسس الإعلام والدعاية الإسرائيلية" كتبه ساهر غزاوي، يتناول تاريخ الإعلام والدعاية الصهيونية، المؤسسات الإسرائيلية وصناعة الدعاية، التضليل الإعلامي الإسرائيلي، والدعاية الإسرائيلية الناعمة. توصل الباحث إلى أن الحركة الصهيونية من أقوى الحركات التي استخدمت الإعلام والدعاية لعملية غسيل الدماغ وتكوين الرأي العام وتهيئته لقبول سلوك الصهاينة وأفكارهم. أورد الباحث أن ما يصل إلى70 % من وسائل الإعلام الأميركية، إضافة إلى سيطرتهم على شركات الأفلام والسينما والمسرح.

كان الاهتمام بالإعلام قد حصل خلال المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، حيث كانت إحدى اللجان الخمس التي أنشأها لجنة سمّيت "مكتب التوجيه المركزي"، كما تأسست "دائرة الدعاية" التابعة لرئيس المنظمة الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولى. يورد الباحث أن فلسفة الدعاية الصهيونية تقوم على انتهاج منطق دعائي يتجه نحو دعم الصهيونية، وتشويه صورة العرب والفلسطينيين، عند إنشاء الكيان سنة 1948 كان هناك (18) صحيفة يومية. كما أن السينما الأميركية في هوليوود هي صناعة اليهود لتخدم أهدافهم السياسية والدعائية.

فيمـا يحمل الفصـل الثانـي عنوان "الدبلوماسية الرقمية" الإسرائيلية و"الاستراتيجيات الدعائية" كتبته لندا شلش. نقلت الباحثة تعريف الدبلوماسية الرقمية بأنها الاستخدام المتزايد لمنصات التواصل الاجتماعي من قبل الحكومة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية، وإدارة سمعتها وصورتها. قالت الباحثة إن "إسرائيل" هي الرابعة عالمياً بين الدول الأكثر استخداماً للدبلوماسية الرقمية. حلّلت الباحثة مضمون صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" الإلكترونية خلال شهر مايو/أيار 2021 الذي شهد أحداث الشيخ جراح واندلاع مواجهات في المسجد الأقصى، وتبعتها معركة "سيف القدس" بين "إسرائيل" والمقاومة الفلسطينية في غزة.

الفصـل الثالـث بعنوان "الدعاية الإسرائيلية الموجّهة دولياً" كتبه نواف التميمي، خلص إلى أن عمل أجهزة الدعاية الإسرائيلية تطور بشكل سريع، وذكر الباحث أن متابعي المنصات الإسرائيلية يصلون إلى أكثر من (200) مليون شخص حول العالم. رغم كل ما يبذل على الدعاية الإسرائيلية، فإن هناك تحوّلاً في الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية.

يتنـاول الفصـل الرابع "الدعايـة الإسرائيلية الموجـّهة إلى الشعوب العربية" كتبه سعيد أبو معلا، ونظراً إلى أهمية الدعاية فقد كانت الإذاعة الإسرائيلية مرتبطة بمكتب رئيس الحكومة، واستعملت لجمع المعلومات وتجنيد العملاء. تضمنت الدعاية تلميع صورة الاحتلال كـ"دولة" متسامحة وتعددية وقوية ومتطورة في مجالات عدة، في حين أن أعداءها يمثلون الشر المطلق. كما يقوم الخطاب الدعائي الإسرائيلي على تبرير استهداف المدنيين الفلسطينيين، وتحميل قوى المقاومة مسؤولية الخسائر في أرواح المدنيين. أما عن استراتيجية الدعاية الإسرائيلية فهي تقوم على استعراض قوة "دولة" الاحتلال، وأنها تعاني من الإرهاب، وثالثاً استراتيجية التقرب من الدول العربية وتغييب الفلسطينيين.

يتنـاول الفصـل الخامس "الدعايـة الإسرائيلية الموجّهة إلـى الفلسطيـنييــن" للدكتور عدنان أبو عامر، وجاء فيه أن تغييب الحقائق والافتقاد إلى التوازن هما ميزتان من ميزات الدعاية الإسرائيلية. عن أدوات الدعاية كان التلفاز الذي بدأ بثه عام 1966، والإذاعات الإسرائيلية، والصحف، وأدوات السينما وأدوات الإعلام الرقمي.

 يتناول الفصل السادس "الدعاية والترجمة عن الإعلام الإسرائيلي" كتبه عصمت منصور. يذكر الباحث حث غسان كنفاني ومعين بسيسو عليها. جاء في البحث أن حركة الترجمة عن الإعلام الإسرائيلي تشوبها عيوب مثل أنها تسير في اتجاه واحد من العبرية إلى العربية، وأنها مبعثرة وانتقائية، وتلزمها المرجعية الموجهة والحديثة. ذكر الباحث أن من آفات الترجمة عن العبرية عدم تحرير النصوص بحيث يتم تبني المصطلحات والمواقف السياسية للدعاية الإسرائيلية. كما أن العديد من وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية أفردت للترجمة عن العبرية صفحات لديها.

يتضمـن الفصـل السابع والأخير مـن الكتـاب "الإعلام الفلسطيــني ومواجهـة الدعايـة الإسرائيلية" كتبه سليمان بشارات، استعرضت الدراسة محطات في مسيرة الإعلام الفلسطيني بدءاً من صحيفة "القدس الشريف" التي صدرت عام 1867 عن الحكومة العثمانية باللغتين العربية والتركية، مروراً بالفترات التاريخية اللاحقة كالانتداب البريطاني والحكم الأردني والمصري والاحتلال الإسرائيلي، ثم تأسيس السلطة الفلسطينية وتأسيس كليات الإعلام في الجامعات الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي، وافتتاح عشرات المحطات الإذاعية والتلفازية والصحف والمجلات. كما تناول الباحث سرقة المحتوى الرقمي الفلسطيني عام 1948 كالأفلام والصور والتسجيلات الصوتية، وحالياً تلاحق المضمون الفلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي. خلص الفصل إلى أن هناك قدرة فلسطينية على بناء مضمون وخطاب إعلامي فلسطيني مضاد لدعاية الاحتلال، ولكنها تحتاج إلى قرار سياسي.

بعد استعراض ما جاء في الكتاب، لا بد من تسجيل الملاحظات الآتية:

يتضح الدعم الغربي لـ"إسرائيل" في تقبّل روايتها على عواهنها، ذلك أنه تم غسل دماغ الغربيين وإشباعهم بأفكار لا يقبلها العقل أو المنطق تتضح في بعض مما يلي:

كيف للغربي العلماني أن يؤمن بالوعد الإلهي الديني لليهود في فلسطين، وهو الذي فصل الدين عن الدولة في دساتيره وقوانينه وحياته العامة والخاصة ؟!.

وكيف للغرب الذي يكاد لا يؤمن بقداسة أي شيء أن يجعل من رقم (6) ملايين قتيل يهودي على يد النازية شيئاً مقدساً لا يقبل النقد أو الاعتراض أو التشكيك فيه، بل ويعرض للمحاكمة من يجعل من الرقم موضع تساؤل؟!. 

وكيف للغرب مدّعي الحريات على كل المستويات من حرية فردية ومجتمعية واقتصادية وعلى مستوى الشعوب والعالم كله أن يقبل حرمان الشعب الفلسطيني منها؟!.

وكيف تقبل أجيال من الشعب الألماني أن تبقى تحت الابتزاز الصهيوني لأكثر من (70) عاماً لتدفع تعويضات عن أفعال لم ترتكبها، وإلى أمد غير منظور؟!.

وكيف للغرب أن يقبل الربط بين انتقاد سياسة الحكومات الإسرائيلية ومعاداة للسامية وأي منطق في هذا؟!

هذا غيض من فيض من تأثير الدعاية الإسرائيلية على الغربيين، إضافة إلى ابتزازهم بوسائل أخرى مثل ادعاء المسؤولية عن اضطهاد اليهود في عصور سابقة، وربط قادة ومسؤولين غربيين بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بالترغيب أو الترهيب.

اليوم، فيما تدور حرب إبادة في غزة كان استهداف الصحفيين سياسة ممنهجة لإخفاء أي صوت لا يردد الأكاذيب الصهيونية، فتم اغتيال الصحفيين وعائلاتهم بحيث زاد عدد الشهداء من الصحفيين عن المئة حتى اللحظة، نذكر منهم استهداف وائل الدحدوح وعائلته واستشهاد ابنه الصحفي حمزة وصحفيين آخرين أمثال محمد أبو حطب ومحمد أبو حصيرة وسامر أبو دقة، ومن الصحفيات نرمين قواس وآيات خضورة وغيرهم.

لماذا يتابع العرب الإعلام الصهيوني؟ هذا سؤال أظن أنه يستحق البحث المعمق فيه؟ وبحسب علمي، لم يُثر أو يكتب عنه من قبل، وهي دعوة للباحثين والمؤسسات البحثية إلى إيلائه الاهتمام اللائق به.

 

في النهاية:

الكتاب، برأيي المتواضع، شامل ومتخصص، ويستحق القراءة وتعميق البحث أفقياً وعمودياً في موضوعاته، وأتمنى في طبعات لاحقة أن يتم تدارك الأخطاء التالية في محاولة الاقتراب من الكمال وهي كما يلي:

*يتكون الكتاب من سبعة فصول لكنه يعدها ثمانية، حيث يرقم الفصل الأخير على أنه الثامن (صفحة 9).

*عبارة "لو ترك لمنطقة الذاتي" (صفحة 13) والصحيح "لمنطقه".

* عبارة "أكثر سهولة وتعقدياً" (صفحة 22) والصحيح "وتعقيداً".

*ورد أن الأردن وقّع اتفاقية سلام عام 1993 (صفحة 83) والصحيح عام 1994.

*وردت جملة "الفريق المغربي لكرة القديم" (صفحة 181) والصحيح "القدم".

*عبارة "المجال البعيد عن السياسية" (صفحة 186) والصحيح "السياسة".

*عبارة "كيانا غير مرغوب به في المنقطة" صفحة (326) والصحيح "المنطقة".