"العبور نحو الدولة الحديثة".. البحرين ما بين 1919-1939

تزايدت الهجرة إلى البحرين في مطلع القرن العشرين من البلدان الآسيوية المجاورة، ولا سيما من إيران والهند، نتيجة انتعاش التجارة، وبخاصة تجارة اللؤلؤ وتجارة العبور. 

  • كتاب
    كتاب "العبور نحو الدولة الحديثة: البحرين ما بين 1919-1939".

الكتاب: العبور نحو الدولة الحديثة: البحرين ما بين 1919-1939م

-المؤلّفة: رملة عبد الحميد. 

-الناشر: مركز أوال للدراسات والتوثيق. 

-الطبعة الأولى : بيروت ، أغسطس / آب 2015 |

لا تزال البحرين، ومنذ انطلاق الانتفاضة الشعبية فيها ضد حكم آل خليفة قبل سنوات(شباط /فبراير 2011)، موضع اهتمام بعض الدول الإقليمية والأجنبية ووسائل الإعلام أو مراكز الأبحاث التابعة لها، لدوافع مختلفة، سياسية أو اقتصادية أو أمنية. ومن هنا تتأتّى أهمية التعرّف على هذه الدولة (المملكة) في مرحلة مفصلية من تاريخها، وهي انتقال البحرين من نظام القبيلة إلى  نظام الحكم المركزي. 

في هذا الكتاب تتحدث المؤلّفة عن مرحلة جديدة بناها البحريني ما بين (1919-1939)، لينتقل من القبيلة إلى الدولة. وبفضل حراكه، انطلقت البحرين نحو الحداثة والتنظيم والتطوير. 

ففي الجانب السياسي تحديدًا، انتقلت البحرين من النظام القبلي التقليدي إلى الحكم المركزي القائم على أساس التنظيم الإداري والمالي، وتشكيل المجالس البلدية المنتخبة. كما كانت مرحلة سياسية مضطربة عرفت فيها البحرين المعارضة السياسية، بشكليها السلمي والثوري.

في الباب الأوّل (الأوضاع السياسية في البحرين 1919-1939)، وفيه عدة فصول، تتناول الباحثة العلاقات السياسية بين البحرين وبريطانيا في عهد الشيخ عيسى بن علي، وانتقال البحرين من النظام القَبَلي إلى الحكم المركزي، فنشوء الحركة الإصلاحية في العام 1938.

تقول المؤلّفة إن أسرة آل خليفة- حكّام الزبارة- استطاعوا دخول البحرين عام 1783م؛ ومنذ ذلك التاريخ خضعت البحرين إلى حكم تلك الأسرة، التي تنتسب إلى فخذ عتبة من قبيلة عنزة الساكنة في الهدار، وهي قرية من قرى الأفلاج بنواحي نجد بشبه الجزيرة العربية. 

وإثر خلافات دموية داخل الأسرة الحاكمة (آل عبدالله وآل خليفة)، قرّرت بريطانيا التدخل، حيث أرسلت مقيمها السياسي في بوشهر، الكولونيل لويس بيلي، على متن بارجة حربية إلى البحرين، ليُصدر أوامره بإخراج جيش آل عبدالله من البلاد، وينفي الشيخ محمد بن خليفة إلى الهند؛ كما تمّ الاتفاق مع أسرة آل خليفة على استقدام الشيخ عيسى بن علي من قطر ودعوته لحكم البحرين عام 1869م. ومنذ قبول الشيخ العرض، بدأ فصل جديد من تاريخ البحرين. 

لم يواجه الشيخ عيسى بن علي أي اعتراض حين تسلّم الحكم، سواء من قِبل بريطانيا أو القبائل الموالية لآل خليفة، إذ اعتبرته بريطانيا أفضل من يحكم البحرين من أسرة آل خليفة؛ فقد فرض الإنكليز سيطرتهم على البلاد حين ربطوا الشيخ بسلسلة من المعاهدات والاتفاقيات التي تحدّ من حريّة تصرّفه في شؤون السياسة الخارجية للبحرين.

لكن العلاقة ساءت بين الطرفين فيما بعد، إذ أرادت بريطانيا المزيد من الإصلاحات التي تدعم سيطرتها وتحدّ من سلطة الشيخ في البحرين، وذلك بتفعيل عدة إجراءات تمثّلت في:

-القضاء على النظام القَبَلي.

-إعطاء المجلس البلدي صلاحيات واسعة. 

-تشكيل جيش منظّم بعيداً عن نظام الفداوية.

-إعطاء المعتمد (السياسي البريطاني) سلطات واسعة. 

انقسام المجتمع البحريني

ونتيجة تلك الإجراءات انقسم المجتمع البحريني إلى عدّة تكتّلات ذات اتجاهات مختلفة:

1.الأسرة الحاكمة، ويترأسها الحاكم الشيخ عيسى بن علي، الذي يرفض الإجراءات البريطانية لأنها تقلّص من صلاحياته. 

2.السنّة، وغالبيتهم من القبائل العربية التي دخلت مع آل خليفة إلى البحرين، وهم يشتغلون في أعمال التجارة والبحر. وهؤلاء عارضوا الإجراءات البريطانية لأنها تؤثّر سلباً على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية المرفّهة. 

3.القوى المثقّفة، وهم أبناء كبار التجّار البحرينيين، وأعضاء مجلس التعليم، وكانوا يتبنّون آراء الحزب الوطني المصري المناهض للاستعمار الإنكليزي.

4. المثقّفون العرب، الذين جاؤوا إلى البحرين للمشاركة في النهضة العلمية والأدبية، حيث انخرط معظمهم في التدريس بمدرسة الهداية الخليفية بالمحرق. وهم عملوا على نصب العداء لبريطانيا ومساعدة القوى الوطنية ضدّها. 

5.الشيعة، وكانوا قسمين؛ الأول وهم قلّة من ملّاك الأراضي الزراعية والتجّار. أما القسم الثاني فهم الغالبية من الفلّاحين وصيّادي السمك والغوّاصين وأصحاب الحِرف اليدوية. وهذه الجماعة كانت تعاني من الضرائب المثقلة عليها؛ وقد وجدت ضالّتها في الإنكليز الذين منحوا تلك الفئة المزيد من الطمأنينة وحريّة التعبير. 

6. المقيمون في البحرين من أهالي نجد وفارس: وهم يُعتبرون ضمنياً من رعايا بريطانيا. وكان عدد الرعايا الفرس يقدّر في تلك الفترة بحوالى 12 ألفاً، في حين كان عدد العرب 182 ألفاً.

وفي ضوء هذه المعطيات تحرّك المعتمدون الإنكليز لمواجهة سلطة الشيخ عيسى بن علي، من خلال رفع التقارير للإدارة البريطانية والحث على تنفيذ إصلاحات جذرية في البحرين، مع التلويح بإسقاط حكم الشيخ من داخله (بإشعال الفتنة الطائفية) إذا ما بقي على موقفه. 

عزل الشيخ عيسى بن علي

في العام 1923، وبعد عزل الشيخ عيسى بن علي، اعتلى ابنه الشيخ حمد سدّة الحكم. وقد اتّسم عهده بمجموعة من الإصلاحات التي نقلت البحرين من النظام العفوي ذي القبلية المفرطة إلى روح السلطة المركزية، والتنظيم الإداري المتمثل في: احتساب الميزانية، وتنظيم الدواوين والوزارات، والتنظيم المالي، وتنظيم الجمارك، ونظام الغوص(في البحر لاستخراج اللؤلؤ)، وتسجيل الأراضي، وإصلاح القضاء وتشكيل الشرطة، وحفظ النظام والأمن، وذلك عن طريق التعاون مع السلطات البريطانية عبر ممثّلها في دار الاعتماد الميجر ديلي، والذي أعدّ ونظّم تلك الإصلاحات بنفسه.

لكن يبدو أن إصلاحات بريطانيا لم تحقّق المطالب الشعبية، وخاصة بعد تحكّم المستشار بلغريف في شؤون البلاد؛ ولذلك بدأت الحركات الإصلاحية تأخذ مداها الواسع في الحياة السياسية في البحرين في الثلاثينيات من القرن العشرين. مع العلم بأنها لم تختلف عن الحركات السياسية الأخرى في المنطقة، كونها لم تكن تسعى إلى تغيير النظام السياسي، ولا إلى إنهاء السيطرة البريطانية الملتفة حوله. وقد تحمّل أعباء العمل الوطني في البحرين، قيادة وقاعدة، أبناء الطبقة التجارية قبل النفط، وأبناء الطبقة البرجوازية في عصر النفط. 

 الحركة الإصلاحية في البحرين

وسريعاً تطوّرت هذه الحركة الإصلاحية، حيث ابتعدت عن المطالب المحصورة في النطاق الوظيفي أو الطائفي إلى المطالبة بإصلاح عام وشامل؛ وتُعتبر حركة 1938 الإصلاحية في البحرين امتداداً طبيعياً للحركة الوطنية التي قامت في الكويت ودبي؛ وهاتان الحركتان كانتا نتيجة حتميّة للأحداث التي شهدها الوطن العربي آنذاك.

لكن هذه الحركة الإصلاحية، والانتفاضة الشعبية التي دعمتها، انتهت إلى الفشل بعدما بادرت السلطات البريطانية للقبض على قادتها ونفي غالبيتهم، بينما فرّ آخرون إلى العراق. إلاّ أن فشل تلك الحركة لم يُلغِ وجود الوعي السياسي لدى البحرينيين، والذي تبلور في الحركة العمّالية من جانب، واشتراك الطلبة في صفوف المعارضة من جانب آخر. 

هذا الوعي السياسي لدى الطلبة لم يُخلق إلاّ عن طريق التطوّر الذي عرفته البحرين في مجال التعليم الذي برز بشكل ملفت في تلك المرحلة التاريخية. 

الحركة التعليمية في البحرين

في هذا السياق، وفي الباب الثاني من الكتاب (الحركة التعليمية والثقافية في البحرين 1919-1939)، وضمن عدة فصول، عرضت المؤلّفة للعديد من الوقائع والمتغيرات، على الشكل الآتي:

-بدأ التعليم في البحرين بمبادرات أهلية اتخذت المنحى الطائفي والعِرقي لسببين، أوّلهما: أن التعليم في بداياته كان تعليماً دينياً مرتبطًا باختلاف المذهبين السنيّ والشيعي، وثانيهما: يكمن في تمركز الطائفتين، كلٌ على حدة، في مناطق معيّنة، حيث يتمركز غالبية السنّة في المحرق والرفاع، وتقطن الغالبية الشيعية في المنامة وقرى شارع البديع، بينما وجِد الإيرانيون متجمّعين في أحياء سكنية في المحرق والمنامة. ونظراً لذلك أسّست الطائفة السنيّة مدارس خاصة لها، وتبعهم الشيعة في ذلك؛ كما أسّست الجالية الفارسية مدارس خاصة لأبنائها في البحرين. 

لكن لم يظل التعليم تابعاً للقطاع الأهلي طويلاً في البحرين، إذ سرعان ما تبنّته الحكومة خوفاً من أن يفلت الزمام من يديها؛ فلذلك بدأت بدمجه تحت إدارة حكومية، وتنظيمه وإخضاعه لقوانين إدارية لزاماً على المنضوين تحت لوائه من مديرين ومعلّمين وطلَبة.

-يُعتبر الغوص والزراعة من أهم موارد العيش التي ارتبط بها الإنسان البحريني ارتباطاً كبيراً حتى أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي. وقد تأثّر بهما نسق الحياة العامة والتفاعلات الاجتماعية؛ ونتج عن ذلك إرثٌ ثقافي شعبي واسع، تمثّل في القصص والحكايات والمواويل المرتبطة بالبحر والشجر. 

النهضة الثقافية في البحرين

-من أهم عوامل النهضة الثقافية في البحرين، التي بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر:

1. التجارة التقليدية، وخاصة تجارة اللؤلؤ التي مارسها الأهالي مع تجّار الهند وإيران وسواحل أفريقيا، حيث أحدثت تلك التجارة احتكاكاً ثقافياً مع شعوب تلك المناطق، وخاصة في مجال الفنون والملابس والأطعمة. 

2. الإرساليات التبشيرية، والتي جاءت إلى البحرين عام 1881، برئاسة المبشّر صموئيل زويمر، الذي قام بافتتاح مقرّ لها عام 1893 في المنامة. وقد مارس المبشّرون عملهم في البحرين من خلال تقديمهم للخدمات في مجالي الصحة والتعليم. 

3. الطباعة: في عام 1913، دخلت المطبعة الحجرية البحرين على يد الحاج أحمد بن عبد الواحد فرامرزي والحاج ميرزا علي جواهري. وبعد الحرب العالمية الأولى قام صاحبا المطبعة بجلب آلة طابعة حديثة أخرى من ألمانيا، حيث استطاعت المطبعة طبع القرطاسيات، والأوراق الرسمية والتجارية، وبعض الكتيّبات الدينية، ومنها دعاء ختم القرآن، وطبع الكتب العلمية. 

4. المجالس والمكتبات الخاصة. 

5. الصحف والمجلات الوافدة. 

6. النفط وظهور التيارات الفكرية؛ فمع بدء إنتاج النفط في البحرين مع مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، تغيّر نمط الحياة، حيث انخرط عدد كبير من أبناء البحرين في العمل لدى شركة النفط التي ساهمت بدور كبير في تعليمهم وربطهم بالثقافة الغربية؛ ومعهم ظهرت مفاهيم جديدة، من أبرزها الديموقراطية والليبرالية والقومية، وحقوق الطبقة العاملة. 

-برزت مظاهر النهضة الثقافية في البحرين، في الفترة الممتدة من عام 1919-1939، من خلال  الحركة الفنيّة (المسرح والغناء)، والصحافة (الجرائد اليومية)، وإنشاء الأندية (الفكرية والثقافية والأدبية، مثل المنتدى الإسلامي ونادي العروبة)؛ ناهيك عن تأثير مهم للعديد من رجالات الدين والقضاء والتربية والتعليم، من داخل وخارج البحرين، ومنهم الشيخ عبد الحسين الحلّي من العراق، والشيخ عبد العزيز الرشيد من الكويت، والملا حافظ وهبة من مصر. 

الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في البحرين

في الباب الثالث (الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في البحرين 1919-1939)، وفي فصول، تحدّثت رملة عبد الحميد أوّلاً عن التشكيل السكاني في البحرين، بهدف معرفة تأثير الوضع الاقتصادي على السكّان، وتسليط الضوء على الهجرات القادمة. فطبيعة البحرين كجزيرة تقع في وسط الخليج جعلها مركز استقطاب لهجرات متعددة الأجناس والأطياف عبر التاريخ.

ويمكن تصنيف السكّان في البحرين (عددهم حالياً أقل من مليوني نسمة) على النحو الآتي:

العرب: وهم غالبية السكان من طائفتي السنّة والشيعة؛ مع الإشارة من قِبل الأوساط المحلية إلى أن الشيعة (البحارنة) هم السكان الأصليون في البحرين ويمثّلون الغالبية العظمى فيها، لكن لا توجد إحصاءات رسمية لتلك الفترة تؤكد ذلك.

أما السنّة، فينتمي أغلبهم إلى القبائل العربية التي هاجرت من نجد والأحساء وقطر بالتزامن مع دخول آل خليفة إلى البحرين في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي. 

أ-الجاليات الأجنبية: وتضم الفرس الإيرانيين، الذين قطنوا البحرين منذ احتلال الشاه عباس الأول البحرين عام 1602، بعد طرد البرتغاليين منها. وظلّت البحرين منذ ذلك التاريخ تحت الحكم الفارسي ما يقارب المائة والخمسين عاماً، حتى قدوم آل خليفة إليها عام 1783.

ب-الهنود: قدم الهنود إلى البحرين بكثرة في مطلع القرن العشرين للعمل بالتجارة أو الانخراط في سلك الشرطة. ويُعتبر الهنود المعروفون بالبانيان من أكبر تجّار اللؤلؤ في الخليج، حيث كوّن غالبيتهم ثروات طائلة لدرجة أن شيوخ الخليج كانوا يلجؤون إليهم للاقتراض عند حاجتهم الماسّة لمبالغ مالية كبيرة. 

وفي المجال الاجتماعي أيضاً، تتكلّم المؤلّفة عن الهجرة إلى البحرين، والتي تزايدت في مطلع القرن العشرين من البلدان الآسيوية المجاورة، ولا سيما من إيران والهند؛ ومن أبرز أسبابها:

1.انتعاش التجارة في البحرين، وبخاصة تجارة اللؤلؤ وتجارة العبور. 

2.انفتاح البلد وعدم وجود قوانين ملزمة تحدّ من الهجرة والانتقال. 

3.الظروف السياسية والاقتصادية الطارئة على إيران والهند، والمتمثلة في سياسة الشاه رضا بهلوي العسكرية في إيران، وتسريح أعداد كبيرة من الهنود من الخدمة العسكرية. 

4.السياسة الاستعمارية البريطانية في البحرين، والتي لعبت دوراً كبيراً في هجرة الهنود إلى البحرين، حيث اعتبرتهم من رعاياها في المنطقة؛ وبالتالي قامت بإجراء تسهيلات لهم في التجارة أو الانخراط في سلك الشرطة. 

5.الصلات التاريخية بين البحرين وكلٍ من إيران والهند. 

6.السمات الحضارية والمدنية للمجتمع البحريني، والتي جعلته مجتمعاً منفتحاً متقبّلاً للآخر. 

وهذه الهجرات التي كانت لها تداعيات كثيرة على المجتمع البحريني(لجهة إضعاف تماسكه) ترافقت مع مجيئ الغربيين، وبخاصة البريطانيين والأميركيين، الذين وفدوا مع تدفق النفط. 

الموارد الاقتصادية للبحرين

أما عن الموارد الاقتصادية للبحرين، فهي كانت متعددة بتعدّد منافذ الرزق المرتبطة بالطبيعة، والمتمثلة في الأرض والبحر من جانب؛ ومن جانب آخر ما أوجده الإنسان البحريني البسيط من حِرف يدوية ونشاط تجاري يكفي به مؤونته ورزق عياله. 

ومن تلك الموارد الحيوية لاقتصاد البلاد في تلك المرحلة: الزراعة (وخاصة زراعة النخيل)، والحِرف الصناعية التقليدية (مثل الفخّار وحياكة النسيج والحدادة وصناعة السفن وصناعة السلال)، والغوص(في البحر بحثاً عن اللؤلؤ)، والذي سعت الحكومة لتنظيمه من أجل قمع المخالفات منذ العام 1924.

وهناك أيضاً التجارة كمصدر رزق مهم للبحرينيين، لما لها من ارتباط وثيق بالحياة العامة، مع العلم بأن التجارة الخارجية في البحرين غير مجدية إلاّ في اللؤلؤ، بينما عانت التجارة الداخلية (الأسواق، الباعة الجائلون) من صعوبات، مثل قلّة المواصلات وضعف التواصل بين جزر البحرين(عددها 40، وبمساحة 760 كيلومتر مربّع فقط). 

فيما يرتبط بإنتاج النفط وتأثيره على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البحرين، تقول المؤلّفة إن قصّة ظهور النفط في البحرين لا تختلف كثيراً عن قصص جاراتها من إمارات الخليج. ويُعتقد أن الفضل في اكتشاف النفط فيها يرجع إلى مواطن نيولندي يُدعى فرانك هولمز، والذي قدم إلى البحرين على رأس وفد لشركة النقابة الشرقية العامة، وهي شركة بريطانية متخصصة في التنقيبات عن الآبار الارتوازية. 

وقد وقّع حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، في عام 1920 عقداً لامتياز التنقيب عن النفط مع شركة الخليج الشرقية، والتي تنازلت عنه لشركة "ستاندر أويل أوف كاليفورنيا" بالعقد نفسه. ومن الملاحظ أن الشركة الأميركية حصلت على امتيازات كبيرة من خلال هذا العقد، وتمثلت في السيطرة الكاملة على منابع إنتاج النفط من حيث التنقيب والتسويق، إضافة إلى أن المبالغ المالية التي حدّدت للجانب البحريني من إنتاج النفط لم تكن مرهونة بسعر البرميل في السوق، فضلاً عن مدة العقد الطويلة جداً، وغير ذلك.

وكما كان لاتفاقيات وعقود امتيازات النفط تأثير كبير في زيادة النفوذين البريطاني والأميركي في البحرين، ظهرت أيضاً تأثيرات مهمة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في هذا البلد، إن لجهة إنقاذه من كارثة اقتصادية في سنة 1932، بحسب قول المؤرّخ الاقتصادي "لونج مج"، على خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت في سنة 1929.

ومع ظهور النفط والثروة الهائلة اندثرت صناعة الغوص وتقلّص الإنتاج الزراعي الذي اقتصر على ثمار النخيل وبعض الخضراوات. أما التجارة الخارجية فقد نمت بشكل كبير. 

اجتماعياً، أدّى ظهور النفط إلى تحوّل المجتمع من البحر والزراعة إلى الآلة والتقنيات وعالم المال والاستقرار الوظيفي.

وأمام هذا التغيّر لم تصمد عادات المجتمع وتقاليده، بل اهتزّت وتداخلت مع ثقافة جديدة مغايرة امتدّت إلى اللباس والأطعمة والبيت، ليصل التأثير الغربي الثقافي إلى كل معالم الحياة في البحرين، مع انتشار مفاهيم جديدة مرتبطة بالديموقراطية والقومية الليبرالية والاتجاه نحو التحديث والتغريب. 

وختاماً، دعت المؤلّفة إلى المزيد من الدراسة والتحليل لتلك الفترة التاريخية (1919-1939)، التي تُعدّ نقطة تحوّل مهمة في تاريخ البحرين الحديث والمعاصر، في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع تأكيدها على استمرار الأطماع الأجنبية في البحرين، وذلك لأهميتها الاقتصادية والجغرافية والاستراتيجية، مع وجوب تفهّم الأحداث التاريخية بكل حيثياتها وخصوصياتها، وعدم التلويح بها عند أي مواجهة سياسية أو حوار وطني في البلاد، بعيداً عن الاعتبارات الطائفية أو الشخصية.