صفوان - صفا

مشتقان من أصل لغوي يدل على صفاء الشيء.. ماذا يعني اسما صفوان وصفا أيضاً؟

ما بالُ شِعرِيَ لم توزَنْ مَثوبتُهُ
وقد مضَت مِنهُ أزمانٌ وأزمانُ
مالي لَدَيكَ كأنّي قد زَرعتُ حصًى
في عامِ جَدبٍ وظَهرُ الأرضِ صَفْوانُ
أما لِزَرعيَ إبّانْ فَأنظُرُهُ
حَتّى يَريعَ كما لِلزَرعِ إبّانُ

هذه الأبيات لابن الرومي واسمه علي بن عبّاس بن جُريج  (836 - 896م) أحد كبار الشعراء في القرن الثالث الهجري والعصر العباسي الثاني. قيل في صفته إنه كان دميمَ الوجه نحيفاً تعرّض في حياته الشخصية لكثير من النكبات، مما جعله كثير التشاؤم والتطيّر. أجاد النظم في الوجدانيات والوصف، وفي المدح والهجاء يتقلّب بينهما بتقلّب الأحوال. وكان مُلحِفاً في طلب العطايا من الممدوح فإذا لم يُعطِه أو تأخّر العطاء هجاه.

هذا ما تبدو بشائره في هذه الأبيات التي يخاطب فيها الشاعر ممدوحه معاتباً لأنه لم يقدّر مدحه له حقّ قدره ولم يمنحه الجائزة السنيّة التي كان موعوداً بها. لكنه عتاب خالٍ من اللباقة بل هو هجاء واضح، وإلّا فكيف نُفسّر قوله إن الشعر الذي مدحه به لم يوزن ثوابُه بميزانه الصحيح على الرغم من مضيّ زمن طويل في انتظاره. لم يحصل منه على شيء وكأنه زارع زرع حصى على صَفوان أي حجر صلد أملس في عام جدب فلا يتوقّع لزرعه أن يَريع أي ينمو فليس لمثل هذا الزرع ميعاد يريع فيه ويحين جَنيُوه وحصاده.

الصوّان الذي تُشبّه به الأرضَ غير الصالحة للزراعة هو الصخر الأملس الصلد. ومنه قُرآناً في وصف مَن  يُنفق أموالَه مُراءةً للناس ويُبطل قيمة الصدقات بِالمنّ والأذى "فَمثَلُه كمَثلِ صَفْوانٍ عليه تُرابٌ فَأصابه وابِلٌ فتَركهُ صَلداً"، أي كحجر صلب أملس عليه تُراب فنزلَ عليه مطرٌ غزيرٌ فأزال ما عليه من تُراب فعاد أملس كما كان. 

وقد استوحى هذا المعنى الشاعر الأندلسي لِسان الدين بن الخطيب (1313 - 1374م) في والٍ يدعى ابن صفوان كانت ولايته شؤماً على البلاد أتى فيها على الزرع والضرع، فقال:

تَولّى ابنُ صَفوانٍ فلا رَبْعَ بَعدَهُ
مِنَ الأُنسِ إلّا عادَ وَهْوَ خَرابُ
وقد كانَ صَفْواناً عليهِ طلاوَةٌ
فأصبَحَ صَفواناً عليهِ تُرابُ

والصَفْوانُ هو الصخر الأملس الصَلد، واحدتُه صَفْوانَة. وبه يُسمّى المولود الذكر. واشتقاق الصفوان من المادة اللغَوية المكوّنة من الصاد والفاء والحرف المُعتلّ وتدلّ على خُلوصٍ الشيء من كلّ شَوب، أي أنه صافٍ غير مختلط بشيء آخر.

يقال صفا يصفو صفاءً إذا خَلَصَ. ومنه الماء الصافي النقي الذي لا يكدّره شيء. ومن هذا اشتقاق أسماء صافي وصفاء وصَفِيّة وصفيّ الدين ووَصفي التي تحدثنا عنها في حلقة سابقة من ميادين الأسامي.

والصفا الصخرة الصلبة، وحجارة عريضة ملساء واحدتُها صَفاة. يقال أصْفَى حافِرُ البئرِ ونَحوِه، يُصفي إصفاءً، إذا بلغ الصخرَ فارتدع عن الحفر.

وأصفَى الشاعِرُ، إذا انقطع شِعرُه ولم يقُل شِعراً بعد. وأصفى الرجلُ من المال إذا خلا منه. وأصفى الأميرُ
أو الحاكمُ دارَ فُلان، أو استصفى مالَه، إذا أخذه منه. وأصفت الدجاجةُ، إذا انقطع بيضُها.

والصفا اسم أحد جبلَي مَكّة، والآخر المَروَة، وهما من شعائر الحجّ. قال الشاعر الأُمَوِيّ نُصَيب بن رباح (ت 726م) يصف نِسوة في موسم الحج:

طَلَعنَ علَينا بين مَروَةَ والصَفا
يَمُرنَ على البَطحاءِ مَورَ السحائبِ
وكِدْنَ لَعَمْرُ اللهِ يُحدِثنَ فِتنةً 
لِمُختَشِعٍ مِن خَشيةِ اللهِ تائبِ

وصفا اسم علم مذكر مأخوذ من الصفا بمعنى الحجارة الملساء. أو هو اسم علم مشترك بين الإناث والذكور إذا كان مأخوذاً من الصفاء (بحذف الهمزة) بمعنى النقاء أو الإخلاص أو الهناء.