"فرقة الموسيقى العربية لإحياء التراث".. باب مفتوح على جماليات الماضي

"فرقة الموسيقى العربية لإحياء التراث" تحيي أمسية في دمشق تتضمّن موشحات وقدوداً وأغاني وأناشيد شكّلت نافذة مفتوحة على جماليات الماضي.

أقلّ ما يُقال عن الأمسية التي أحيتها "فرقة الموسيقى العربية لإحياء التراث" بقيادة صلاح القباني في "قصر العظم" بدمشق، بأنها نافذة مفتوحة على جماليات الماضي بما تضمّنته من موشحات وقدود وأدوار وأغانٍ وأناشيد يليق بها أن تبقى في الذاكرة.

وتأتي هذه الأمسية التي رعتها مديرية المسارح والموسيقى استكمالاً لما بدأه القباني منذ سنوات بتحويل كتاب "جامع النفحات القدسية" الذي ألّفه والده الشيخ الراحل محمد عربي القباني إلى أعمال فنية حيّة بغية توثيقها بكتاب يضم كلمات الأغنيات مع نوتاتها وتسجيلات لها.

افتتح الحفل بمقطوعة موسيقية أدّتها الفرقة المؤلفة من عود وقانون وناي وتشيللو وكمان وطبلة ورق، تلتها وصلة موشحات على مقام البيات، بدأت بموشح "املأ لي الأقداح صرفاً.. واسقنيها للصباح.. شربها تيهاً وعجباً.. نورها كالفجر لاح" من ألحان أبو خليل القباني.

تلاه موشح إن "طال جفاك يا جميل" الذي أبدع في تلحينه عمر البطش على مقام بيات الحسيني وإيقاع الاكرك، ومن كلماته "إن طال جفاك يا جميل يطول نواحي.. وفي هواك صرت عليلاً زاد افتضاحي.. العقل فيك يا جميل سكران وصاحي.. وفرط وجدي لك دليل على افتضاحي".

ومن كلمات الشاعر لسان الدين الخطيب قدّمت الفرقة موشح "جَلَّ من قد صورك بدر من ماء وطين.. وجعل من منظرك بهجة للناظرين". ثم من أشعار الشيخ أمين الجندي صدحت حناجر الكورس بموشّح "يـا صـاح الصَبر وَهى مِني. وَشَـقـيـق الروح نَـأى عَني. قــولوا لِعَــذولي قَـد لامـا. مُـت أَنـتَ بِـغَـيـظـك الأَما. بِــجَــنـهـم تَـلقـى آثـامـا.. أنا وحبيبي في عدن". لتختم الفرقة وصلة البيات بموشح "بالذي أسكر من عذب اللمى.. كل كأس تحتسيه وحبب..  والذي كحّل جفنيك بما.. سجد السحر لديه واقترب" من كلمات الشاعر أحمد الكيواني على إيقاع اليورك سماعي.

وبعد الموشحات قدّمت الفرقة وصلة ضمَّت مجموعة من الأغنيات الفولكلورية المنتمية لعدد من المحافظات السورية، وفيها ما يشبه النبش في الوجدان السوري الغنائي، ما أثار أشجان الحاضرين في باحة قصر العظم، إذ إنّ لكل أغنية من تلك الأغنيات ذكرى أو فرحاً مكنوناً لا يلبث أن يظهر مع مطلعها.

وتضمّنت تلك الوصلة أغنيات شعبية منها: "شفتك يا جفلة ع البيدر طالعة"، "قوم درجني وامش قدامي ولا تخاف من هلي ولا عمامي"، "من مفرق جاسم للصنمين"، "رواح يما ع الحصاد رواحي"، "آه يا أسمر اللون حبيبي الأسمراني" وغيرها.

والجميل فيها التنويعات المقامية التي انتقلت من السيكا إلى الراست فالحجار، لتواصل الفرقة قطافها من دُرَر التراث الغنائي السوري عبر مجموعة أغنيات من مقام البيات والراست والهزام والحجاز بكل ما فيها من جماليات غزيرة أدَّاها العازفون باقتدار.

ومن تلك الدُّرَر: "الأراصية منين منين". بعد ذلك انجذب الجمهور إلى مقام الصبا مع معزوفة "رقصة ستي" تأليف عمر النقشبندي، والتي جاءت بمثابة فاصل بين الموشحات والأغنيات التراثية وبين الأناشيد الدينية والروحية التي أدّتها الفرقة وكان حضور آلة الناي فيها بارزاً.

وبدأت الفقرة الدينية من "يا سيد الكونين"، واستمرت من خلال "بلبل الإقبال غرّد.. وبشير السعد قال.. ظهر الهادي محمد.. شمس أفلاك الكمال"، ثم "الله حي"، وبعدها "يا سايق الجمال سوق الجمل بالتالي.. قلب المحب مهيم بالمصطفى والآل".

ومع عزف منفرد على الناي ثم بعازفي الفرقة والكورال ختمت الفرقة الحفل بأناشيد "تناسقت أحرف الجلالة.. أربعة للبدور هالة"، ثم "يا إمام الرسل يا سندي.. أنت بعد الله معتمدي.. فبدنياي وآخرتي.. يا رسول الله خذ بيدي"، و"مدد يا رسول الله مدد"، "شيئاً لله يا رسول الله".

وما أضفى على هذه الأناشيد طقوسية جميلة هو راقصو المولوية الذين ملأوا ساحة قصر العظم بدورانهم وإيماءاتهم ذات المغازي المنتمية إلى فلسفة الشيخ جلال الدين الرومي في الانوجاد والتوحّد مع الخالق.