فِكر كونفوشيوس.. 2500 عام من القيم الصينية

احتفالات ومؤتمر دولي في مسقط رأس الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، بمناسبة الذكرى الـ2573 لميلاده، وتركيز على القيم التربوية والفكرية في فلسفته.

  • ركّزت فلسفة كونفوشيوس على الأخلاق والتعامل مع الآخرين بروحٍ إنسانيةٍ
    ركّزت فلسفة كونفوشيوس على الأخلاق والتعامل مع الآخرين بروحٍ إنسانيةٍ

يصادف يوم الـ28 من أيلول/سبتمبر الجاري، الذكرى الـ2573 لميلاد الفيلسوف الصيني كونفوشيوس (551-479 قبل الميلاد)، وتُقام بهذه المناسبة في مسقط رأسه مدينة "تشيوفو" في مقاطعة "شاندونغ"، شرقي الصين، احتفالات كبيرة لإحياء ذكرى هذا الفيلسوف الصيني الكبير، وهو أيضاً مؤلف ومعلم ومُنظِّر سياسي، وحكيم بارز يُعَدُّ من أشهر الحكماء المؤثرين في دول شرقي آسيا بشكلٍ خاصّ، وفي العالم بشكلٍ عامّ. 

كما ينعقد خلال الفترة من الـ26 إلى الـ28 من الشهر الجاري، في مدينة "تشيوفو"، منتدى "الكونفوشيوسية الدولي" لعام 2022، ومنتدى "نيشان الثامن للحضارات العالمية"، تحت عنوان "تنوع الحضارات البشرية والقيم المشتركة للبشر"، للسعي وراء أفكار التناغم والانسجام التي دعا إليها كونفوشيوس قبل 2500 عام.

ومن المتوقع أن يتبادل ما يزيد على 600 خبيرٍ وعالمٍ، من جميع أنحاء العالم، وجهات نظرهم حول القيمة المعاصرة للكونفوشيوسية وحكمة الشرق في تحقيق السلام والتنمية للبشرية، خلال المنتدى. 

أسَّس كونفوشيوس مدرسة تربوية فكرية تُعَدُّ الأولى من نوعها في الصين، وهي "المدرسة الكونفوشيوسية". وعلى الرغم من ظهور العديد من المدارس الفكرية الصينية لاحقاً، إلا أنَّ الكونفوشيوسية كانت دائماً الأكثر تأثيراً في الثقافة الصينية، وكانت أكثر تغلغلاً في وعي وهوية الصينيين، لتشكّل الخصائص النفسية وطريقة التفكير وأنماط الحياة المشتركة لأبناء الشعب الصيني. 

كان كونفوشيوس يعيش في "حقبة الربيع والخريف" (770-476 قبل الميلاد) من تاريخ الصين، وهو عصر ساده الصراع والفوضى، فحاول كونفوشيوس نشر المعايير الأخلاقية السامية لعلاج الظواهر اللا أخلاقية، التي كان من الممكن أن تتسبب في تدمير الحضارة والمجتمع الصينيين، وحاول صياغة القيم الإنسانية بفكره المتميّز ونشره بين الناس، للوصول إلى مجتمع متماسك وموحّد.

ركّزت فلسفة كونفوشيوس على الأخلاق، حيث يرى أنّه يجب التعامل مع الآخرين بروحٍ إنسانيةٍ، يسودها التسامح والصدق والتعاطف والعفو والتواضع... وقد طرح فكر "حب الآخر"، إذ يقول: "فقط حينما تعامل الناس بقلب مُحب، سيعاملك الناس بحب، وحينما تعاملهم بتسامح سيعاملونك بتسامح"، وهو ما يشكّل "تبادل الفضيلة بين الناس" في المجتمع، فإذا كنت تريد لنفسك النجاح، يجب أن تساعد الآخرين على تحقيق النجاح، وإذا كنت تريد التقدم، يجب أن تساعد الآخرين على تحقيق التقدم أيضاً. 

كما أولى كونفوشيوس اهتماماً كبيراً بدور الأخلاق في السياسة، وطالب الحاكم بأن يعطي القدوة الأخلاقية للناس، على أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب تطبيقاً لمَثَلٍ أخلاقي أعلى، وحرص في نظامه السياسي والاجتماعي على الربط بين السياسة والأخلاق، واتخاذ الأخلاق أساساً لهذا النظام. 

واهتم كوفوشيوس أيضاً بالتعليم والتربية، فهو أعظم معلّمٍ تربوي، وأول من أقام مؤسسة تعليمية خاصة في تاريخ الصين، وهو الذي وضع هيكل النظام التعليمي القديم في الصين، وقام بتدريس أكثر من 3000 طالبٍ في حياته، برز منهم 70 طالباً. وحتى اليوم، قامت الصين بتأسيس معاهد على اسم كونفوشيوس في مختلف أنحاء العالم، وما زال كونفوشيوس الحكيم الذي ولد قبل 2500 عام يلعب دوراً بارزاً في نشر اللغة الصينية في العالم.

إذا كنت تفهم فكر كونفوشيوس، ستفهم بشكلٍ أفضل مواقف الصين تجاه بعض صراعات العالم وقضاياه، فالصين تسعى دائماً إلى إجراء الحوار والمفاوضات بين أطراف النزاعات، وتتجنّب توسّع الصراعات، وتسعى إلى تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين، واحترام تنوع الحضارات، وخيارات شعوب الدول الأخرى...

يشهد عالم اليوم تغيّراتٍ عميقةً، ركوداً اقتصادياً وتأثيراً للأوبئة والصراعات الإقليمية وتغير المناخ... وسيكون هناك المزيد من التحديات التي يجب أن يواجهها البشر معاً، وقد ساهمت مبادئ كونفوشيوس وأفكاره في التقريب بين دول العالم، إذ إنّ من مبادئ كونفوشيوس العيش بسلام مع شعوب العالم كلها، مهما كان الاختلاف بينها في الأفكار واللون والدين. وهذا ما جعل الصين تدعو إلى بناء "مجتمع مصير مشترك للبشرية".