محمد علي شمس الدين في معرض الكتاب.. حضور ساطع رغم الغياب

يُنظَّم "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" هذا العام في ظل غياب محمد علي شمس الدين، لكنه سيكون حاضراً في 3 كتب، هي ديوان شمس الدين الأخير، وكتابان يتناولان سيرته حواراً وتحليلاً.

تكتسب الدورة الـ64 من "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" أهمية خاصة، إذ تأتي بعد توقف دام 3 سنوات فرضته الظروف الأمنية والأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان بالتزامن مع تفشي فيروس "كورونا". علماً أن الدورة التي أقيمت في آذار/مارس الماضي شهدت إقبالاً خفيفاً في ظل إحجام عدد كبير من الناشرين عن المشاركة، ولا يمكن اعتبارها أكثر من نسخة "تجريبية" قبل العودة الحقيقية بمشاركة وازنة من دور النشر المحلية والعربية وإقبال كامل من الزائرين في الموعد الذي ارتبط في ذاكرة اللبنانيين بهذه الفعالية وارتبطت به، وهو النصف الأول من الشهر الأخير من السنة.

وهي استثنائية أيضاً من حيث كونها الدورة الأولى التي يغيب عنها واحد من أبرز الوجوه الأدبية والثقافية في لبنان والوطن العربي، وهو الشاعر محمد علي شمس الدين الذي رحل في 11 أيلول/سبتمبر الماضي، تاركاً عشرات المؤلفات الشعرية والنثرية التي أثرت المكتبة العربية وزينت معارض الكتب العربية على الدوام واستأثرت باهتمام جمهور القراء ومتذوقي الشعر.

ولأن القصيدة لا تموت، فإن شمس "الأميرال" حاضرة رغم الغياب وعصية على الأفول، وهو سيشرق في هذا المعرض أيضاً من خلال مؤلفاته الكثيرة وآخرها مجموعته "خدوش على التاج" التي قدر لها أن تبصر النور بعد رحيله (حفل إطلاق وتوقيع المجموعة بحضور أسرة الراحل يوم الأحد 4 كانون الأول/ ديسمبر 2022 من الساعة الثالثة عصراً حتى السادسة مساءً، في جناح دار الرافدين)، وكذلك من خلال مجموعة مؤلفات صدرت حديثاً وتناولت تجربته الشعرية والأدبية والإنسانية. نستعرض هنا لمحات موجزة عن مضامين هذه الكتب.

"الشعر جرح الغيب"، للشاعر والمترجم محمد ناصر الدين

  • ..
    ..

يجمع ناصر الدين في هذا الكتاب 3 حوارات كان قد أجراها مع الشاعر الراحل في السنوات الثلاث الماضية، وآخرها حوار طويل في بيت الشاعر ضمن فعاليات "دار الرافدين" في شهر رمضان المبارك الفائت، بالإضافة إلى مساهمات الشاعر في ملحق "كلمات" في جريدة "الأخبار"، ومقالة لأنسي الحاج يشيد فيها بمحمد علي شمس الدين وقصيدته "البرتقالة" ويوجه له تحية قال عنه فيها إنه من شعراء التفعيلة القلائل الذين يستمتع بشعرهم.

العنوان يختصر كل القضايا التي تهم الشعر انطلاقاً من الوصف الذي كان يطيب لشمس الدين أن يطلقه على الشعر، فحين يسمو الشعر بأي شيء إلى المطلق، وحين يتحدث لغة المطلق، وحين يفتح نافذة على الخلق، لا يكون إلا "جرحاً من جروح الغيب".

اجترح محمد علي شمس الدين هذا التعريف وفصل فيه كثيراً انطلاقاً من المحاولة التي فعلها الصوفيون لمصالحة الغيب مع الشعر وهو الذي لم يخف إعجابه بشخصية الشيخ الأندلسي الأكبر محي الدين ابن عربي الذي كانت له – في رأيه - فتوحات في الخيال، وهو ما أعاد الاعتبار إلى الشعر وتفوق على النظريات الغربية في هذا المضمار.

كما تكلم في هذا الحوار عن حركة الحداثة في الشعر العربي وتجربة مجلة شعر وموضع تجربته بالنسبة إلى التراث وإلى حركة الحداثة هذه في بيروت، من بداياته الجنوبية: المطالع الكربلائية والشجن في مجالس جده في "بيت ياحون"، إلى الحروب المستمرة على جنوب لبنان، الأرض التي عمدت بالدم وبالبارود، متناولاً تجربته الشعرية الممتدة على مدار نصف قرن منذ دواوينه الأولى "أناديك يا ملكي وحبيبي" و"قصائد مهربة إلى حبيبتي آسيا" مروراً بالشيرازيات التي أعاد فيها صياغة حافظ الشيرازي شعراً، إلى تجاربه الأخيرة مثل "اليأس من الوردة".

وتبدت في الحوار الشخصية الفذة والحساسة لشمس الدين، ولم يخل من استذكار الجانبين لبعض المقاطع التي وسمت هذا الشعر مثل قصيدة "دخان القرى" وقصائد أخرى كثيرة كرس شمس الدين نفسه بواسطتها واحداً من أهم شعراء العربية في العصر الحديث.

ولم يخل الحوار أيضاً من التطرق إلى السياسة وخصوصاً أن الشاعر كان له موقف سياسي واضح لم يعجب كثيراً من الشعراء والمثقفين المتموضعين في الضفة الأخرى، وقد انسحب من جائزة خليجية مرموقة بسبب رفضه للتطبيع، كما كان في الحوار كلام عن المقاومة والحراك الثقافي المرتبط بها، حيث استشرف خروج روائيين وشعراء بعد وقت حين تختمر تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان.

"الرؤية إلى العالم في شعر محمد علي شمس الدين"، للشاعر فاروق شويخ

يعود سبب اختيار فاروق شويخ هذا العنوان إلى أنه كما يقول في المقدمة، وبعد قراءة سابرة لمجمل نتاج الشاعر، وبعد علاقة شخصية جمعت بينهما، بدا له عقلًا مسكوناً بالغيب، وقلباً متخماً بالحدس الشعري والطفولة الجنوبية بمناخها الكربلائي والطقوس الاجتماعية، مسكوناً بمكتبة الجد والشعور بهاجس المعرفة وتبعة التثقف والوجد الديني الفطري، كل هذا في إطار لغوي استفاد من معطيات التراث ومفرداته، ورموز الأدب العرفاني الصوفي في أسلوب يتسم بكثير من الانزياح والإيجاز ورشاقة الصياغة وبداهتها، ومواقف خاصة من ظواهر الوجود. فضلًا عن مواكبته، التي تنعكس في كتاباته، طروحات الحداثة الشعرية وإشكالياتها وثقافتها. هذه الخلفيات والمشارب الفكرية المتعددة، أوحت إلى الكاتب بأنها يمكن أن تؤسس لرؤية شاملة للشاعر؛ فماذا يمكن أن تعني الحياة الفكرية لشاعر من الشعراء؟ أليست رؤيته إلى العالم؟

تتناول الدراسة في قراءة شاملة نتاج شمس الدين الشعري، هادفةً عبر دراسة بنيوية تكوينية إلى محاولة استخلاص رؤية الشاعر إلى العالم؛ التي يفترض أن تتشكل من المواد المكونة للنزعات الإنسانية والفلسفية والصوفية للشاعر والتي تقوم عليها هذه الرؤية، لا سيما إن تحققت عبر تحليل النصوص الشعرية التي تختص في المقام الأول بالرؤية إلى الأقانيم الكبرى وهي الله والكون والإنسان.

"الواقع وشعريته في شعر محمد علي شمس الدين"، للشاعر داوود مهنا

يبحث هذا الكتاب في الواقع وشعريته في شعر محمد علي شمس الدين، ويركز على تحليل قضايا الواقع، والظواهر الإيقاعية، وملاحظتها، وبيان كيفيتها، ورصد مظاهرها، ومحاولة ربطها بدلالة النص.

والمقصود بالواقع هو الواقع الحياتي بمختلف جوانبه، وفي مختلف القضايا: السياسية والثقافية والاجتماعية. فيظهر الشعر بوصفه عملًا فنيًا يعكس ما في الذات، ويتميز بطبيعة خاصة تختلف عن طبيعة الواقع الخارجي، وإن استمد مادته الأولية من هذا الواقع.

أما الشعرية، فتسعى إلى كشف مكنونات النص الأدبي، وكيفية تحقيق وظيفتيه الاتصالية والجمالية، أي إنها تعني قوانين الإبداع الفني. وهذا العلم لا يعنى بالأدب الحقيقي، بل بالأدب الممكن. وبعبارة أخرى، يعنى بتلك الخصائص المجردة التي تصنع فرادة الحدث الأدبي أي الأدبية. 

من خلال هذه الرؤية الشاملة، يحاول هذا الكتاب أن يقدم معرفة تتعلق بالقضايا السياسية والثقافية والاجتماعية المطروحة في شعر محمد علي شمس الدين.