مكتبة صغيرة في وداع العام: أفضل كتب 2022 وأكثرها قراءة

بين الكتب الأدبية، والفكرية، والعلمية والموسيقية، الصادرة باللغة الإنجليزية، ها هي بين أيدينا مكتبة صغيرة في وداع عام 2022: 

  • "كتاب الإوزة"، للروائي إيون لي.

مع اقتراب نهاية عام 2022، تتسابق المواقع والمجلات الالكترونية لنشر قوائم بما تعتبره "أفضل كتب العام" في محاولةِ تحديد ربما لا تكون هيّنة بقدر ما تبدو. من الأكثر قراءة إلى الكتب التي نالت جوائز خلال العام، إلى الكتب التي اعتبرها النقاد بالغة الأهمية، قدمت لنا صحف مثل نيويوركر، الغارديان، واشنطن بوست وغيرها قوائمها المفضلة، ومن تلك القوائم اخترنا قائمة خاصة بنا تطلع القارئ العربي على الجديد وتهيئه لما قد يُتَرجم ويسافر إلى المكتبة العربية. 

بين الكتب الأدبية، والفكرية، والعلمية والموسيقية، الصادرة باللغة الإنجليزية، ها هي بين أيدينا مكتبة صغيرة في وداع عام 2022: 

"كتاب الإوزة"، إيون لي

تتناول الرواية حكاية مراهقتين في زمن الخمسينيات، أغنيس وفابيان، تعيشان في قرية منعزلة الحرمان فيها بعد روحيّ بقدر ما هو مادي. وهذه القرية التي دمّرتها الحرب العالمية الثانية هي من نوع الأمكنة الذي تبدو فيه حتى لحظات البهجة مشوبة بالموت. ترتاد أغنيس المدرسة، في حين تمضي فابيان وقتها في العناية بالحيوانات وخدمة أخوتها وأبيها السكيّر. كل ما تريده أغنيس من الحياة هو هذه الصداقة، أما ما تريده فابيان، على غرابته، فهو أن تؤلف كتاباً يعرّي واقع الحياة الريفية. 

لذلك، وبسبب رغبتها بجعل الناس يحسّون بشعورها، تروي فابيان القصص لأغنيس، لتؤلف تلك القصص كتاباً يُنشر باسم أغنيس، ويحقق نجاحاً كبيراً. يسبب نشر الكتاب تغييراً في مجرى حياة أغنيس، إذ تتولى امرأة بريطانية أن تتلقى أغنيس تعليمها في مدرسة للطبقة العليا، وترسل فابيان صديقتَها مع تعليمات لاستكشاف العالم خارج حدود القرية. 

هذا الخط من الحكاية له سمة حكاية خرافية؛ أغنيس هي الإوزة التي أُبعدِت لتعيش كأميرة، على عكس الحكاية الشعبية المعروفة. تبدأ الرواية بعد هذه المرحلة بكثير، مع سماع أغنيس لخبر موت صديقة طفولتها، فابيان، لتأخذ، كمراهقة تعيش في أميركا، بتذكر نشأتها في فرنسا مع فابيان وتبدأ برواية نسختها من الأحداث. خلال ذلك، تتناول الرواية أيضاً التناقض والعلاقة بين عالمي باريس والريف الفرنسي. "إن كل العوالم، مفبركة كانت أم لا، هي حقيقية بذات القدر. وهي لا حقيقية بذات القدر أيضاً"، تقول أغنيس. 

إنها حكاية وجودية توضح تشابك وتعقيد دوافعنا للكتابة: فهم حقيقة وجودنا، جعل الآخرين يعرفون حقيقة شعور أن نكون نحن، وإحياء ذكرى البشر الذي يستمرون بالعيش في قرى قلوبنا. 

  • كتاب
    كتاب "متمردون رائعون"، للكاتبة أندريا وولف.

"متمردون رائعون"، أندريا وولف

إنه عمل عن التاريخ الفكري يرسم مجموعة من البورتريهات بسرد مفعم بالحيوية. وهو سجّل زمني لحياة الرومانسيين الأوائل يخص فترة أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر حين كانت جينا مقراً لمجموعة أدبية "وضعت الذات في صدارة تفكيرها"، وآمنت بالحب الحر والتعبير عن الذات. كانت جينا مدينة جامعية صغيرة في ساكسونيا في قلب ألمانيا ليس فيها إلا 800 منزل وأقل من 5000 شخص، غير أنها ظلت لبعض الوقت العاصمة الثقافية لأوروبا. يلقي الكتاب الضوء على مجموعة من المفكرين الاستثنائيين منهم الشاعر يوهان غوته والكاتب المسرحي فريدريك شيلر الذين اجتمعوا هناك وقدموا مفهوم الرومانسية. 

هكذا، تخبرنا أندريا وولف قصة المجموعة التي تسميها "مجموعة جينا"؛ مجموعة من الكتاب الشباب والشعراء اجتمعوا في "هذه الزاوية الصغيرة الجميلة المجنونة من العالم"، كما وصفها غوته. في مركز مجموعة جينا هذه كان هنالك آل شليغل، أوغست فيلهلم شليغل وزوجته كارولين اللذان عملا على ترجمة مسرحيات شكسبير إلى الألمانية؛ فريدريك، أخ أوغست الأصغر وهو كاتب وناقد؛ الشاعر فريدريك فون هاردنبرغ؛ والفيلسوف الشاب فريدريك شيلينغ. تتفرق مجموعة جينا عام 1803، عبر ألمانيا وخارجها، لينتهي الكتاب بفصل درامي مع وصول القوات الفرنسية إلى جينا عام 1806، ونهبها للبلدة وحرق مبانيها. في تلك الليلة، نام الإمبراطور المنتصر في سرير غوته. لكن، بالنسبة إلى مجموعة جينا، لم يكن نابليون عدواً بل بطلاً؛ لقد أعجبوا به على أنه قوة الطبيعة. أخيراً، في خاتمة الكتاب تتّبع الكاتبة أثر تلك المجموعة عبر الأجيال اللاحقة: عبر الشعراء الرومانسيين الإنكليز، بعض الفلاسفة الأميركيين، وأفكار سيغموند فرويد وجيمس جويس، امتداداً إلى الوقت الحاضر. 

  • رواية
    رواية "بيت الحلوى"، للكاتبة جينيفر إيغان.

"بيت الحلوى"، جينيفر إيغان

كما في روايتها الفائزة بجائزة بوليتزر عام 2010، رواية إيغان "بيت الحلوى" مكتوبة بطريقة مماثلة؛ كل فصل يُروى من منظور مختلف من قبل مجموعة من الشخصيات المتداخلة، ما يخلق رؤية موشورية عن كيف تحلّ التكنولوجيا محل تجارب الحياة الحقيقية. تستخدم الكاتبة أساليب سردية عدة من الراوي العليم إلى ضمير المتكلم "نحن" إلى ثنائية الأصوات. والتقنية التخييلية المتناولة في الرواية تسمح للبشر بأن يحمّلوا ذكرياتهم في بنك معلومات جماعي، شرط أن يوافقوا على مشاركتها مع الجميع. وخزان التجربة الإنسانية هذا - وهو بمثابة منزل حلوى هانسل وغريتل في الحكاية الشعبية - له فوائده، لكنه أيضاً يجبر شخصيات إيغان على مراجعة فهمهم لماضيهم بطرق مؤلمة وكاشفة. وضمن هذا المفهوم الكبير، تعشّش الأزمات الصغيرة للحيوات الفردية لهذه الشخصيات التي تتقاطع حياتها عبر عقود: صبي صغير وفتاة مراهقة ومدمن كحول متعافٍ تعطي محاولته الانتحار فرصة لرجل آخر ليشفي جرحاً قديماً. إنها رواية عن الذاكرة، الموثوقية وإغراء التكنولوجيا الجديدة. في عالم مخيلة إيغان، ثمة أولئك الذين يطاردون الرغبات وأولئك الذين يفهمون ثمن أخذ قضمة من بيت الحلوى. الرواية، مع تركيزها على وسائل التواصل الاجتماعي، والعوالم البديلة، تقدم شهادة عن استعصاء التوق البشري للتواصل الحقيقي، للحب، العائلة، والخصوصية.

  • كتاب
    كتاب "صناعة التاريخ: الرواة الذين صاغوا الماضي"، للكاتب ريتشارد كوهين.

"صناعة التاريخ: الرواة الذين صاغوا الماضي"، ريتشارد كوهين

عندما نستمع إلى حكاية، علينا دوماً أن نضع الراوي في حسباننا. من هذا المنظور، يستكشف هذا الكتاب أولئك الذين يصنعون التاريخ، من هيرودوت إلى هنري لويس غيتس الإبن، مصوّراً خلفياتهم وشخصياتهم، ملخّصاً نتاجهم، ومحدداً أجنداتهم. إن تأريخ الماضي يعكس منظور وأجندة مؤلفيه. يقول كوهين: إنها لسخرية كبيرة في مجال الكتابة عن الماضي أن "أي مؤلف هو سجين شخصياته وظروفها، لكنهم رغم هذا نتاج صناعته في أغلب الأحيان". 

يعتقد كوهين أيضاً أن "التاريخ الشفهي ليس أكثر عرضة لاختلاق الأشياء أو تغيير الماضي ليناسب الحاضر من التاريخ المكتوب". مع هذا، الشيء الجيد في شأن هذا الكتاب هو أنه، رغم فرضيته الأساسية، ليس اختزالياً ولا فاضحاً. إنه كتاب وليس موسوعة، وكل ما يكتب كوهين عنه يكتبه باندفاع وحماس. يكتب كوهين عن المؤرخين القدماء، المؤرخين الإسلاميين، المؤرخين السود، والمؤرخات، بالإضافة إلى المؤرخين الأكاديميين. كما أنه يأخذ بعين الاعتبار مؤلفي الأدب التاريخي بمن فيهم شكسبير، ديكنز، تولستوي، توني موريسون وغيرهم. ويكتب عن الصحافيين، صانعي الأفلام الوثائقية، والمؤرخين الشعبيين مثل وينستون تشرشل. بالنتيجة، ما يقوله هذا الكتاب ليس أن المؤرخين غير جديرين بالثقة، بل أن التحيّز في صناعة التاريخ هو أمر محتوم. 

  • كتاب
    كتاب "فلسفة الأغنية الحديثة"، للشاعر بوب ديلان.

"فلسفة الأغنية الحديثة"، بوب ديلان

هذا هو أول كتاب يصدر لبوب ديلان منذ حصوله على جائزة نوبل للآداب عام 2016. وقد بدأ ديلان العمل عليه عام 2010 ليقدم من خلاله رؤى حول طبيعة الموسيقى الشعبية. يضم الكتاب أكثر من ستين مقالة تركز على أغانٍ لفنانين مختلفين، وهي مقالات مكتوبة بنثر ديلان الفريد؛ إنها غامضة، فصيحة، عميقة، وظريفة إلى حد كبير. يلخّص الكتاب إذاً ست وستين أغنية، يفصّل وزنها الوجودي، ويشرح ما يمكن لأغنية أن تعنيه أو تفعله؛ جذرها العاطفي أو المشاعر التي تثيرها. كذلك، يحتوي الكتاب على الكثير مما تعلمه ديلان خلال السنوات عن حرفته، وهو مثل كل شيء يفعله، إنجاز فني عظيم. 

ورغم أن هذا الكتاب يبدو في ظاهره كتاباً عن الموسيقى، فإنه في الواقع يحوي تأملات مهمة في الشرط البشري. مع هذا، عنوان الكتاب ليس إلا كذبة؛ ليس ثمة من فلسفة هنا، لا نظرية أو مناقشة عن كتابة الأغنيات أو غنائها. ولا يوجد حتى شرح لسبب اختيار ديلان لهذه الأغنيات بالذات كموضوع لمقالاته التي تشمل النقد، والتاريخ، والمنطق. تتراوح الفصول بين مقطع واحد وصفحات عدة، وهي مكتوبة غالباً بصيغة المتكلم، لكن الضمير "أنت" هنا قد يعني أحياناً المغني وأحياناً المستمع. "في كثير من الحالات، تكمن الفنيّة في ما لم يُقَل"، يقول ديلان، كما يحذّر من "فخ القوافي السهلة". 

لقد أمضى ديلان معظم حياته وهو يتحدى التحليلات التي تربط بين حياته الشخصية والأغاني التي يكتبها، وهو هنا يلاحظ حدود كلمات الأغاني التي تروي سيرة ذاتية لكاتبها: "أحياناً عندما يكتب كتّاب الأغاني عن حياتهم، يمكن أن تكون النتائج محددة للغاية، فلا يتمكن الآخرون من الارتباط بها". أخيراً، ولأن ديلان عمل على هذا الكتاب لزمن طويل، ووضع الكثير من الأغنيات تحت المجهر، فهو يستنتج أنه: "كلما درست الموسيقى أكثر، فهمتها أقل". وكل ما يمكنه تقديمه هو ذلك "الشيء المستعصي على الفهم الذي يحدث عندما توضع الكلمات على الموسيقى. إن المعجزة هي في اتحادهما".

  • رواية
    رواية "الأخاديد"، للكاتبة ناموالي سيربل. 

"الأخاديد"، ناموالي سيربل 

تضرب هذه الرواية ثوابتَ اللغة مثل فراشة تضرب زجاج نافذة. وهي تفعل ذلك من خلال الراوية الأساسية فيها، كاساندرا ويليامز، التي تروي كيف مات أخوها "وين" ذو السبعة أعوام أثناء رعايتها له عندما كانت هي في الثانية عشرة. أثناء العاصفة، يختفي وين تحت أمواج المحيط، "الأخاديد العظيمة في الماء" الشبيهة بأخاديد حقل. 

والقصة، كما يتضح، هي قصة ذهاب وين بعيداً؛ وكيف يشتت ذلك شمل العائلة. لكن خطوط القصة تتحول وتلتف، متناولة كذلك مسألة الطبقات والعرق، مع بقاء دقة لغة الكاتبة تحت السيطرة، واستمرار تذكيرنا في كل صفحة بأن كل قصة هي بالضرورة فعل تزييف. 

إن هذه الرواية، وهي الرواية الثاينة لناموالي سيربل، تضفي صيغة درامية على الانخلاعات النفسية للحزن الذي يمتد لحياة كاملة من خلال قصة هذه المرأة المسكونة والمطاردة نفسياً بذكرى أخ مات منذ زمن. لا تهتم الكاتبة بالحدث في حد ذاته، بل بآثاره البعيدة، الوحدة والحزن والإحساس بالذنب وغيرها. ففي الرواية تتكرر هذه اللازمة: "لا أريد أن أخبركم ما الذي حدث، أريد أن أخبركم كيف كان الشعور المترتب على ذلك".

  • رواية
    رواية "وحوش أقل شهرة للقرن الحادي والعشرين"، للكاتبة كيم فو.

"وحوش أقل شهرة للقرن الحادي والعشرين"، كيم فو

يضم الكتاب مجموعة من اثنتي عشرة قصة عن شخصيات تتعامل مع سيناريوهات تقع على الحد بين الواقع والخيال. في واحدة من القصص، ينمو لفتاة جناحان على نحو غامض، ليجبر ذلك التطور أصدقاءها على التفكير بأجساد مراهقتهم دائمة التغيير. في قصة أخرى، تعاني شخصية الأرق الدائم ثم تصبح معتمدة على زيارات رجل غريب مصنوع من الرمل قد يكون هو السر لتمكنها من النوم في آخر الأمر. 

وفي حكاية غريبة أخرى، يقتل زوجان واحدهما الآخر، مرة تلو أخرى، ليُبقيا علاقتهما حية. تشير هذه القصص السريالية والذكية إلى أزمات تقبع تحت السطح، ومن خلالها تقدّم الكاتبة كيم فو تعليقاً عميقاً على التقاطعات بين التكنولوجيا، والحب، والفقدان. 

تتكئ فو في هذه المجموعة على الواقعية السحرية وتصعّدها، واضعةً معارك شخصياتها العاطفية ضمن عوالم مبينة على نحو رائع. إنها مجموعة خيالية إلى حد جامح وتحوي عناصر من الفنتازيا، والخيال العلمي، وحتى أدب الجريمة. وقصصها، على الرغم من اختلافها الكبير، تتشارك بعض الثيمات والعناصر التي تضفي على المجموعة نوعاً من الوحدة.

  • رواية
    رواية "ثقة"، للكاتب هرنان دياز.

"ثقة"، هرنان دياز

رواية تستخدم تقنية كتاب ضمن كتاب، وهي مقسّمة إلى أربعة أجزاء يكمل واحدها الآخر. تفتتح الرواية بحكاية تاجر ثري غامض وزوجته في نيويورك في عشرينيات القرن الماضي، بينجامين وهيلين راسك، يعرفهما الجميع بوصفهما الزوجين الثريين المتربعين على قمة العالم المالي تقريباً. يتبعها في القسم الثاني مذكرات مبعثرة إلى حد ما لأحداث الحكاية ذاتها، إنما مع اختلافات مهمة في الحقائق. أما في القسم الثالث، فتبدأ أجزاء الحكاية بالترابط بفضل راوٍ جديد؛ امرأة من بروكلين يوظفها مؤلف المذكرات. 

وفي القسم الرابع تبدأ كل الحيل بالانكشاف أمام أعيننا. تقول الرواية بشكل أساسي إن المال، لا سيما الكميات الكبيرة منه، يأتي مغلّفاً بالتخييل وبكذبات أخرى. 

أما معنى العنوان فهو معنى ثلاثي من حيث أنه يشير إلى: الميثولوجيا المحيطة بالثروة الأميركية، الأداة المالية التي تُحفَظ بواسطتها الملكية لشخص آخر، والثقة التي يستشفها القارئ في الراوي. لكن، كل هذه الثقات قائمة على أوهام، وكل راوٍ لديه أجندة تؤثر على كيفية رواية الحكاية. 

إن تجربة قراءة هذه الرواية ليست تمريناً فكرياً خاملاً. وفي قلبها، كما في قلب كل الكتب العظيمة، يكمن لغز البشر، حقيقتهم، بالإضافة إلى سؤال: هل يمكن للحقيقة أن تخبرنا بما يكفي؟!

  • كتاب
    كتاب "عالم شاسع"، للكاتب إيد يونغ.

"عالم شاسع"، إيد يونغ

يبدو الاندهاش الصرف صعب الحدوث هذه الأيام، لكن ترنيمة شكر إيد يونغ هذه تمنحه في كل صفحة. إنها ترنيمة شكر للأبعاد الخفية لبيئة الحيوانات وظروفها: العالم كما تدركه قدراتها الحسية الخاصة. 

يطرح الكتاب أمثلة من قبيل: كيفية تحديد الطيور البحرية لموقع الطعام في المحيط الواسع الذي يبدو لنا عديم الشكل؛ الطيور التي ترى ألواناً لا يمكن لأي كائن آخر رؤيتها؛ كيف يمكن للصراصير اكتشاف ممر الفوتون؛ تتّبع الفقمات لأثر الاضطرابات الدقيقة في المياه؛ وكيف تتحرك بعض الحشرات وفق حقل الأرض المغناطيسي. 

إن هذا الكتاب، قبل كل شيء، هو نداء لمغامرة المخيلة؛ وهو مليء بمخلوقات غريبة وتجارب غريبة عن ما تدركه الحيوانات، وما قد تريد إيصاله لنا لو استطاعت. 

في "عالم شاسع"، يحضنا يونغ على التوقف عن مقارنة حواس الحيوانات بحواسنا. إن علينا، وفقاً له، أن ندرك تجربتها المختلفة اختلافاً عميقاً عن تجربتنا واختبارها المختلف لبيئتها، ونعي كم أن تجاربها تلك ثمينة، وأننا في كل مرة نفقد فيها نوعاً حياً، نفقد عالماً كاملاً معه. إن البشر يرون العالم بطريقة، بينما تراه الكائنات الأخرى بعيون مختلفة تماماً، ولا يراه الكثيرون مطلقاً. يذكّرنا هذا الكتاب بأنه، رغم ذكائنا، إدراكنا لبيئتنا ليس إلا واحداً بين ملايين التجارب الأخرى، ويمكننا أن نتعلم الكثير من الطرق التي تستخدمها الحيوانات للإحساس ببيئتها.

  • كتاب
    كتاب "المملكة الخفية: إعادة تخيّل المرض المزمن"، للكاتبة ميغان أورورك.

"المملكة الخفية: إعادة تخيّل المرض المزمن"، ميغان أورورك

"مرضتُ بالطريقة التي يقول همنغواي إنك تفلس بها: تدريجياً ثم فجأة"، تكتب الشاعرة أورورك في كتابها "المملكة الخفية" واصفة صراعها الممتد لعقود مع مرض مزمن. 

في أواخر تسعينيات القرن العشرين، بدأت أورورك تعاني عوارضَ تتراوح بين الطفح الجلدي والإعياء الشديد. وعندما سعت إلى العلاج، أصبحت مواطنة في عالم شبحي يُنبَذ فيه المصابون بمرض مزمن من قبل الأطباء ويصبحون مغرّبين عن حيواتهم ذاتها. بناء على تجربتها الخاصة مع المرض "الخفي"، بالإضافة إلى عقدٍ من المقابلات مع الأطباء، والمرضى، والباحثين، وخبراء الصحة العامة، تقدّم أورورك دمجاً أنيقاً للمذكرات والتاريخ الثقافي. كما أنها تتتبع تطور العلاج الغربي الحديث وحدوده، وتنصح بتأسيس نموذج عناية صحية مجتمعية يُعامِل المرضى بوصفهم بشراً، لا مجرد أجزاء. إن "المملكة الخفية" هو في الآن ذاته عمل تعليمي وعمل عن التعاطف، وله القدرة على تحريك الجبال. إنه كتاب عن "العيش على حافة المعرفة الطبية"، واستكشاف ما نعرفه وما لا نعرفه عن الأمراض المزمنة، وكيف أنها في كثير من الأحيان ليست مفهومة إلا قليلاً. مع هذا، يمنح هذا الكتاب نوعاً من الأمل للمرضى، وطريقة جديدة لفهم أجسادنا وصحتنا.

ترجمة وإعداد: سارة حبيب