أعظم من راسبوتين: ثعابين تتفنّن في طبخ السموم!
مهما بلغت معارف الإنسان، فإنه يجهل الكثير عن عالم الطبيعة. هل لديكم فكرة عن ثعابين رابدوفيس؟ وكيف تطبخ سمّها؟
"را.. را.. راسبوتين
عشيق الملكة الروسية
دَسُّوا له سمّاً في الأكل
را.. را.. راسبوتين
في روسيا هو أعظم عاشق
شَربَ لآخِر قطرة وقال: أشعر أني بخير"
بوني إم، أغنية "راسبوتين"، 1978
يروي بعض القصص أن الراهب الروسي غريغوري يفيموفيتش راسبوتين نجا من محاولة اغتياله بالسم لأنه كان يدرّب نفسه على تناول كميات ضئيلة للغاية من السموم كل يوم. ربما يكون هذا التفصيل واحداً من عشرات الأساطير التي نُسجت حول ذلك الرجل العجيب، لكنَّ دراسةً[1] نُشرَت حديثاً كشفَت عن تفصيلٍ حقيقيٍّ تماماً، يتجاوز في غرابته كل ما سبق أن قيل عن راسبوتين.
هناك جنسٌ من ثعابين جنوب شرق آسيا يسمّى "رابدوفيس"[2]، لا يُوصَف فقط بأنه من الكائنات السامَّة، بل "المُسمَّمة" أيضاً. قد لا ينتبه المتحدثون باللغة العربية إلى الاختلاف بين المعنيين، لكن هناك فارق واضح في اللغة الإنكليزية بين كلمتَيّ "venomous" و"poisonous"، رغم أن المقابل العربي المستخدَم لكليهما هو في الغالب "سامّ". لهذا سوف نفرِّق هنا بين الوصفين، باعتبار أن الكائن السامّ "venomous" هو الذي يحقِن ضحاياه مباشرةً بعضّات أو لدغات سامة مثل الأفاعي والعقارب، أما المسمَّم "poisonous" فهو الذي يتسبّب في تسميم المفترسات التي تحاول التهامه، مثل بعض أنواع الأسماك والبرمائيات.
من السموم الناقعات
يقول الباحث في علم الزواحف في جامعة ولاية يوتاه الأميركية، آلان ساڤيتزكي، في دراسةٍ تتناول ثعابين "رابدوفيس"، إنَّ أنواعاً من هذه الثعابين "تحمل حول أعناقها غدداً تخزِّن فيها موادّ تُدعى البوفادينوليدات[3]، وهي من الستيرويدات السامة التي تفرزها الفرائس المسمّمة المفضَّلة لتلك الثعابين".
ويتابع ساڤيتزكي دراسته شارحاً "تُقوِّس ثعابين رابدوفيس أعناقها المتوهجة بالألوان الصارخة في وضعيات دفاعية تهدِّد بها المهاجِمين بأن عضّة واحدة ستجعلهم على موعد مع جرعات مخيفة من السموم. وقد كان العلماء في ما مضى يعتقدون أن تلك الثعابين تُنتِج سمومها بأنفسها، لكنهم اكتشفوا في ما بعد أنها تحصل عليها من غذائها، وبالتحديد من الضفادع والعلاجيم".
وفي السابقة التي أعلنتها الدراسة، اكتشف ساڤيتزكي وفريقه البحثي الدولي من جامعات ومعاهد عديدة حول العالم، أن "هناك أنواعاً من ثعابين رابدوفيس لم تعُد تعتمد على الضفادع كغذاء أساسي، وصارت تلجأ إلى ديدان الأرض بدلاً منها. وديدان الأرض لا تُنتج سموماً في الواقع، لكن هذه الثعابين تتغذى أيضاً على يرقات اليراعات (الخنافس المضيئة)، التي تُنتِج مواد سامة قريبة للغاية في تركيبها من سموم الضفادع".
يوضح ساڤيتزكي أنَّ "هذه هي الحالة الأولى التي تُوثِّق تحوُّل مفترس فقاري من استهداف فريسة فقارية إلى استهداف أخرى لا فقارية، من أجل الاعتماد عليها كمصدر بديل لسمومٍ يستخدمها المفترس كسلاح دفاعي ضد مفترساته الخاصة. وهو ما يُعَد مثالاً لافتاً لآليات التكيّف التي قد تلجأ إليها الكائنات الحية في استجاباتها للتغيرات التي تلحق ببيئاتها الطبيعية".
ويبدو أن لدى أغلب الناس انحيازاً ظالماً إلى بني جنسهم، يَحُول بينهم وبين إدراك ما في العالم الطبيعي الكبير من الأمور المدهشة، ويحدوهم إلى نسج الأساطير الخيالية عن غرائب ما كان -أو حتى ما لم يكن قط - في حياة البشر، مُعرِضين عن أعاجيب حقيقية تماماً تحدث أمام أعينهم وتحت أنوفهم طوال الوقت. وحتى بين أهل الفن أنفسهم، رأينا من يتجاهل تلك الثعابين المذهلة السامَّة والمسمَّمة، ويخصِّص لرجلٍ نجح مرةً واحدةٍ فقط في الفرار من الاغتيال بالسم أغنيةً شديدة الجاذبية، يتغنّى لحنها الراقص باسمه ويخلِّده في الأذهان، التي كلما ذُكِر اسم الراهب الأسطوري أمامها وجدَت صوتاً داخليّاً يدندن: را.. را.. راسبوتين!
المصادر
[1] https://www.pnas.org/doi/10.1073/pnas.1919065117
Dramatic dietary shift maintains sequestered toxins in chemically defended snakes