إبتهال - أنفال

من أسماء الإناث ومشتقان من التقوى والإيمان.. من هما ابتهال وأنفال؟

يَقطعُ الليلَ آهةً وانتِحابا
وابتِهالاً لِله أيَّ ابتِهالِ
تارةً راكِعاً وطَوراً سُجوداً
ذا دُموعٍ تَنهَلُّ أيَّ انهِلالِ
ولهُ نَحبَةٌ إذا  قامَ يَتلو
سُوَراً بعدَ سُورَةِ الأنفالِ


تلك حال المؤمن العابد الصالح الذي يقضي ليله قائماً يُصلّي ويتضرّع إلى الله تعالى أن يتقبّل صلاتَه ويغفر ذنوبه ويمحو سيّئاته، ودموعه تنهَلّ ونحيبه يعلو حتى لَيُسمَع في هدأة الليل. هذه الصورة الوصفية للمتعبّد الصادق يرسمها شاعر  يُعرف بالنابغة الشَيباني (ت 743 م) نسبة إلى قومه بني شَيبان. كان يُقيم في البادية ويفِد إلى الشام فيمدح خلفاء بني أمَيّة ويأخذ عطاياهم ومنهم عبد الملك وأبناؤه. ويرى صاحب كتاب "الأغاني" أبو الفرج الأصفهاني (897 - 967م) أن النابغة الشيباني كان مسيحياً ويستدلّ على ذلك بقوله "لأني وجدته في شِعره يَحلِف بالإنجيل والرُهبان وبالأَيمان التي يحلف بها النَصارى". ويغلب على شعره النفس الطويل وله قصائد وجدانية يُكثر فيها الوصفَ والحكمة والزُهد. من ذلك قوله:

ليسَ حَيٌّ يَبقى وإن بلغَ الكَبْ
رَةََ إلّا مَصيرُهُ لِزَوالِ
إنْ تَمُتْ أنفُسُ الأنامِ فَإنّ
اللهَ يَبقى وصالِحُ الأعمالِ
فَاتّقِ اللهَ ما استطَعتَ وأحسِنْ
إنّ تَقوى الإلهِ خَيرُ الخِلالِ

بعد هذه النبذة عن الشاعر نعود إلى بَيتَي قصيد في ما سقناه من أبيات له هما الابتِهال والأنفال اللذان اشتُقّ منهما اسمان من أسماء الإناث تَنِمٌّ التسميةُ بهما عن التقوى والإيمان، وهما إبتِهال وأنفال.

أمّا الابتهال فهو التضرُّع في الدُعاء. مصدر الفعل ابتَهل. يقال: ابتهلَ، يَبتَهِل ابتِهالاً، إذا  تَضرّع ورجا رجاءً حارّاً. وابتهل إلى الله تعالى أي دعا بِإخلاص واجتهاد وتضرّع أن يهديه الله سَواءَ السبيل، وأن يجنّبه الشرور ويحقق له ما يتمنّاه إلى  ما هنالك من صالح الأعمال والأحوال.

وأمّا التسمية بأنفال فأوّل ما تُحيلُ إليه هو التيمُّن بسورة الأنفال في القرآن الكريم ومطلعها: "يَسألونَك عنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالُ للهِ والرسولِ..."، والمقصود بالأنْفال هنا الغنائم التي يستولي عليها جيش المسلمين من العدوّ وكيفية قِسمتها. وهي جمع مُفردُه نَفَل، أي غنيمة. وأصل المعنى هو العطاء والإعطاء. ومنه النافلة وهي عَطِيّةُ الطَوعِ من حيث لا تجب، وهي كلّ زيادة على النصيب أو الحقّ أو الفَرض والجمع أنفال. من ذلك قول كُثَيِّر عَزّة نسبةً إلى حبيبته واسمه كُثَيّر بن عبدالرحمن (660 - 723م): 

سَقْياً لِعَزّةَ سَقْياً لها
إذ نحنُ بِالهَضَباتِ مِن أمْلالِ
إذ لا تُكلّمنا وكانَ كلامُها
نَفَلاً نُؤمِّلُهُ مِنَ الأنْفالِ

يقال: نَفَلهُ،يَنفُله، نَفْلاً، فهو نافِل: إذا أعطاه نافِلةً، أي ما يزيد على ثوابه. ونَفَلَ القائدُ جُنْدَه إذا جعل لهم ما غنموه من العدوّ، والجمع أنفال.

والنافِلةُ أيضاً ولدُ الولدِ أي الحفيد. ومنه قُرآناً حكايةً عن أبي الأنبياء إبراهيم: "ووَهَبنا له إسحقَ ويعقوبَ نافِلةً وكُلّاً جَعلنا صالِحين".

والنافِلة صلاة لم تُفرض على المؤمنين شرعاً، وإنما هي زيادة على الصلوات المفروضة من باب التطوّع والاستحباب، والجمع أنفال.