استراتيجيات التفكير الصينية بين التراث والثقافات الأخرى

يحاول المؤلّف رصد نشاط الحركة الثقافيّة التي شهدتها الصين في عشرينيّات القرن الماضي. وهي حركة حاولت إعادة إحياء الثقافة التقليدية الأصيلة، لكن عبر دراسة نظيرتها الغربية والمقارنة بينهما.

  • تعود التقاليد الصينية إلى آلاف السنين وهي مرتبطة بفلسفات وأساطير قديمة.
    تعود التقاليد الصينية إلى آلاف السنين وهي مرتبطة بفلسفات وأساطير قديمة.

من أجل أن نعرف الجديد، علينا مراجعة القديم"

"جوهر التقاليد الصينية" من الكتب القيمة للمؤلف وانغ كه بينغ، نقله إلى العربية عن اللغة الصينية عباي جواد كديمي ولي وانغ يا، وصدر عن مؤسسة الفكر العربي في بيروت.

يهدف الكتاب الى البحث بصورة جديدة ومعمقة في جوهر التقاليد الصينية أي في "روحها" الأساسية ومشاعرها الكامنة المتجّذرة بعمق في عقلية الشعب الصيني والمتجسدة في العديد من أوجه تراثه الثقافي لتحقيق الاستقرار والعيش باحترام وسلام.

يطمح الكاتب إلى تمهيد الطريق أمام العالم لتحقيق الاستقرار والعيش باحترام وسلام، بعد أن أسهمت العولمة في خلخلة هذه الأسس كلّها.

يحاول المؤلّف الصيني وانغ كه بينغ رصد نشاط الحركة الثقافيّة الجديدة التي شهدتها الصين في عشرينيّات القرن الماضي. وهي حركة اجتهد غالبية المفكّرين الصينيّين من خلالها لإعادة إحياء الثقافة التقليدية الأصيلة، والتي تتشكّل من معتقدات المجتمع الصيني وطقوسه والممارسات المؤثّرة فيه، لكن عبر دراسة نظيرتها الغربية والمقارنة بينهما. فتابع المؤلّف عمل الكونفوشيوسيّين الجدد، وبخاصّة أعمال الباحث والشاعر الصيني ثوم فانغ (فانغ دونغ مي 1899-1977) وفلسفته في التناغم الكوني، كمسعىً ثقافيّ وفلسفيّ عابرٍ للثقافات يرمي إلى تعزيز تفاعلها. فبحث في الأصول المتباينة للأنموذج الثقافي العابر للثقافات، وعرض الروح الثقافية والشخصية الجمالية لقدامى اليونانيّين والأوروبيّين والصينيّين، متّبعاً في هذا العرض مقارنةً عمودية وأفقية.

يقول الكاتب إن هذا الأسلوب في دراسة الثقافات المختلفة ومقارنتها على نحو يتتبّع أصولها ونشأتها، لا يهدف إلى المقارنة من أجل المقارنة، بقدر ما يهدف إلى تسليط الضوء على أوجه الاختلاف والتشابه بين الثقافات الغربيّة والصينيّة، واستيعاب عناصرها في أنموذج ثقافي يؤلّف بينها، بغية خلق احتمالات جديدة من شأنها تحديث الثقافة والارتقاء بالجنس البشري.

  • كتاب
    كتاب "جوهر التقاليد الصينية" لمؤلفه وانغ كه بينغ.

المُثُل الثقافية في الصين 

فقد عالج القسم الأوّل من الكتاب المُثُل الثقافية في الصين، مستنداً إلى التراث الثقافي الصيني ومدارسه الفكرية التي بدأت تخرج إلى النور منذ مطلع القرن السابع قبل الميلاد، ومن أبرزها الطاويّة، بوصفها إحدى هذه المدارس التي تتمتّع بامتداد تاريخي وتأثير قوي، والتي عُرفت مع مؤسّسها لاو تسي (لاو- تسو). فعرض هذا القسم بعض المفاهيم الثقافيّة انطلاقاً من جذورها الفلسفيّة، مثل إعادة اكتشاف الوحدة أو التطابق بين السماء والبشر، باعتبارها إحدى الصيغ المثالية للحياة الروحية، والتي تمّ تطويرها مع الطاويّة الجديدة، والكونفوشيوسيّة الجديدة، والمدارس الفكرية الحديثة في سياق التاريخ الصيني.

وجاءت مقاربة عقيدة وحدة السماء والإنسان أو وحدة الطبيعة والإنسان من جوانبها الروحية والجمالية والاجتماعية والبيئية، على ضوء أوضاع البشر في العالم الراهن، وإمكانية الانسجام أو المواءمة بين الثقافات من "دون قولبة" أو استنساخ، أي من دون الذوبان في ثقافة الآخر وفقدان الهويّة الثقافية الأصيلة. كما عالج هذا القسم مفهوم السعادة في الفلسفة الصينيّة والمعتقد الديني في الصين، والآثار المحتمَلة للحكم بالفضيلة في الوقت الحالي.

حقيقة الأمر أن عقيدة وحدة السماء والإنسان هي من الأهمّية بمكان بالنسبة إلى الشعب الصيني، ومن ثمّ، فإن سعي الصينيّين نحو فضائل أخلاقية أسمى يتمّ استلهامه وتوجيهه بشكل كبير من خلال سعيهم نحو تحقيق حالة الوحدة بين السماء والإنسان. ومن هنا جاء تركيز هذا القسم والقسمين اللذين تلياه على البحث في ثلاثة مفاهيم على صلة باهتمامات البشرية عموماً في عصرنا الحالي، وهي تياندي أي الطبيعة، وشيانداو أي طريق السماء، وتيانشيا أي الأرض تحت السماء أو العالم، لكونها منظومة ثلاثيّة الأطراف في نظرية وحدة السماء والإنسان.

إعادة اكتشاف وحدة السماء والانسان

يحاول الكاتب سبر أغوار العلاقة بين السماء والبشر من خلال اقتفاء آثار خطّها الفكري عبر التاريخ، باعتبارها صيغة الحياة الروحية التي تم تطويرها مع الطاوية الجديدة مع الإشارة إلى التفسيرات الحديثة لتلك العلاقة، من خلال التفاعل بين الأطراف الثلاثة (السماء والأرض والإنسان).

وركز الكاتب على ثلاثة مفاهيم ثقافية انطلاقاً من جذورها الفلسفية لما لها من أهمية كبيرة وصلت بإهتمامات البشرية في عصرنا الحالي كمنظومة ثلاثية الأطراف في نظرية وحدة السماء والأرض والإنسان.

اهتم المفكرون الصينيون بعلاقة الطبيعة بالإنسان وتأثير كل طرف بالآخر معتبرين أن الطبيعة وحدة عضوية كلية للمخطط الكوني ذات تطبيقات ملائمة للبشرية ويجب العناية بها لتحقيق الهدف العام المتمثل في "التنمية المستدامة".

فكانت نظرة منيوس، خليفة الحكيم "كونفوشيوس"، نظرة عملية تميل إلى التأكيد على الاستقلالية والتفاعل المتبادل بين الطبيعة والبشرية لتحقيق تطور متوازن لمصلحة الوجود البشري بخلاف اهتمام تشوانغ تسي بالطبيعة الجمالية، ودنغ الذي عزز التشابه بين السماء والإنسان بغية احتفاء الإنسان بالطبيعة من منظوره الصوفي.

الطاوية واستراتيجيّات التفكير 

القسم الثاني من الكتاب بحث في استراتيجيّات التفكير، مع التركيز على الطاويّة بمراحلها المبكرة، وقد أولى هذا القسم أهمّية خاصّة للحكمة الأدبية للوجود الإنساني، والطريقة الرمزية للتفكير عبر الأساطير، وذلك بما يُلقي الضوء على فهم إمكانيّات الحياة واحتمالاتها، والاستقلالية الشخصية، والحرّية الروحية من منظور الطاويّة.

يدعو الكتاب إلى الاستفادة من التراث الصيني ومصادره ومنابعه لإعادة بناء الحاضر، عبر تشكيل استراتيجيّات "تهذيب شخصي" و"تأمّل جمالي" من شأنها أن تغذّي الروح، وذلك بما يمهّد الطريق أمام البشر في العالم بأسره لتحقيق الاستقرار والعيش باحترام وسلام وكرامة. إذ يتمّ البحث في هذه الموضوعات ليس بهدف تطوير المفاهيم الثقافية والمعايير الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية في العالم فحسب، بل لتشكيل استراتيجيات تفكير أيضاً، إلى جانب استراتيجيّات التهذيب الشخصي والتأمل الجمالي وتعزيز غذاء الروح، وما شابهها.

استراتيجيات متعددة الثقافات.. تناغم لا استنساخ

أتت الألفية الجديدة على خلاف التوقعات يكتنفها الإرهاب والحرب والتوتر والمعاناة، فالافتقار إلى التفاهم المتبادل بين الثقافات والقيم المعنية يساعد بشكل طبيعي في بروز الفكر المتطرف والذي يجعل الوضع أسوأ مما هو عليه لإسهامه بالترويج للأعمال اللا إنسانية. فلا بد من توجيه الاهتمام الكافي لتعزيز الاحترام المتبادل بين الثقافات وعبر الدراسات والسعي نحو إستراتيجيات عالمية كنقطة إنطلاق. 

وفي نظر الكاتب كانت النظرية الكونفوشيوسية للتناغم إحدى المبادئ الفلسفية التي تم نشرها لمواجهة الفوضى المتعلقة بالعولمة في المرحلة الراهنة.

فرضية التقاء الشرق والغرب

العولمة من أكثر الاتجاهات الثقافية التي نواجهها في العديد من المجالات، ولايزال العالم منقسماً ثقافياً وجغرافياً الى نصفين هما الشرق والغرب وبذل العلماء جهوداً لإزالة هذه الحدود منهم الفيلسوف اف أي اس نورثروت فكانت له نظرة متقدمة لإحداث تحول يحقق التواصل بين الثقافات في كتابه "لقاء الشرق والغرب". فقد رأى أنه يمكن تحقيق السلام العالمي من خلال المعرفة الكامنة والنسج المتكامل للثقافتين وتوصل الى علاقة الارتباط المعرفي بين الشرق والغرب، ترتكز على مكونين، الجمالي والنظري. فالأول يرمز إلى روح الثقافة الشرقية والثاني إلى روح الثقافة الغربية.

المثالية الثقافية

حاول المؤلف رصد نشاط الحركة الثقافية الجديدة التي شهدتها الصين حديثاً، حيث يميل أغلب المفكرين الصينيين الى البحث عن إمكانية بناء الثقافة الأصلية والتي تشكل من معتقدات المجتمع الصيني وفقاً لنظيرتها الغربية. الباحث والشاعر الصيني ثوم فانغ مي (1899-1977) واحد منهم، وهو يدعو الى تطوير علم النفس الارتقائي سعياً لتعزيز العلوم الأخلاقية والتغلب على التنمية غير المتوازنة للعلوم الطبيعية.

وصف الكاتب مثالية فانغ الثقافية بالتثقيف الإنساني لتحديث الثقافة والارتقاء بالجنس البشري. فقد بحث ثوم في الأصول المتباينة للثقافات اليونانية القديمة التي ركزت على العقل وتقديس الحقيقة والعدالة في سياق الثقافة العقلانية وثقافة المنطق، والثقافة الأوروبية الحديثة التي تمحورت حول وسائل الراحة التي غذّت القوة الصناعية والحرفية وتأليه السلطة فكانت أكثر تحليلية وأقل تكاملية. اهتم الصينيون بالفهم الدقيق للطبيعة واعتمدوا حكمة الواقع واستخدموا حكمة الراحة وحاولوا تحجيم الوهم والعودة الى الصدق وربط أفكارهم بالتهذيب الأخلاقي وتجسدت حياتهم الوطنية في ثلاث شخصيات هم: لاوتسي، وكونفوشيوس وموتسي.

التنوير الفكري والسموّ الأخلاقي 

أما القسم الثالث والأخير من الكتاب، فقد ركّز على موقف الصينيّين ونظرتهم إلى الطبيعة وتوقّعاتهم الكامنة من التنوير الفكري والسموّ الأخلاقي عبر التأمّل الجمالي، ولاسيّما أن هذا التوجّه حافظ على استقراره في التقاليد الصينيّة. تلك التقاليد التي توفّر الطريق الصائب نحو التحرّك الجديد المتمثّل بالتفاعل بين الشرق والغرب والتبادل بينهما بشكل عام، والنظرة إلى الجماليّات بشكل خاص. فما يحتاج إليه الصينيّون في الوقت الراهن- بحسب الكتاب- هو تفتّح العقل والأمانة والإخلاص وليس معارضة الثقافة الغربية وازدرائها.

ولعلّ مَن يُطلَق عليه لقب الحاكم المطلق هو الشخص الذي يتجاوز عيوب اليونانيين القدماء ويكون أوروبياً وصينياً مثالياً، ويتجاوز مثالب الأوروبيين ويكون صينياً ويونانياً قديماً مراعياً للفضيلة، ويتجاوز نقائص الصينيين، ويكون أوروبياً ويونانياً قديماً متميّزاً. فالإنسان الكامل فقط، أي الذي يجسّد الأنواع الثلاثة المختلفة من الحكمة، هو الجدير بأن يكون حاكِماً مطلقاً.

التحول العابر عبر الثقافات والحاكم المطلق

يعتبر النهج العابر للثقافات تنويراً الى حد ما تكمن إمكانياته في خيال الناس وتطلعاتهم. فهو عملية انتقائية وتركيبية تعتمد بشكل كبير على منبع الثقافة المحلية، وليس استبدال تام لثقافة بثقافة أخرى، تبدأ بمقارنة عابرة للثقافات من خلال تحديد أوجه الاختلاف والتشابه والمزايا والعيوب الجوهرية عبر حكم تقديري لتشكيل علاقة متكاملة.

ومن يطلق عليه لقب الحاكم المطلق هو الشخص القادر على مزج الحكمة الفلسفية واستيعاب كل الثقافات القيمة على اختلافها ويكون قادراً على حمل القيمة المكتشفة حديثاً في العالم والاضطلاع بالمسؤولية الثقافية. 

مفهوم السعادة في الفلسفة الصينية

"السعادة التامة تفتقر الى السعادة"

"له" مصطلح صيني للسعادة يعبّر عن الفرح من الداخل هذه الكلمة التي تم بحثها على نطاق واسع في مدارس الفكر الصيني، الطاوية، والكونفوشيوسيّة والبوذية.

كانت نظرة الكونفوشيوسية للسعادة تتمثل بالطاعة والولاء للأهل التي تمنح الدفء العائلي والخروج من حالة الانحدار المجتمعي والانحراف الخلقي.

وفي نظر تشوانغ تسي فإن الكثير من البشر تعميهم الأشياء المادية وتستعبدهم إذ يضحون بجودة حياتهم من أجل نظرة خاطئة عن السعادة. فالمرء يكون قريباً من السعادة المطلقة إذا أبصر الطبيعة الحقة للحياة أو الموت، وعلى الإنسان أن يقبل الموت مثلما يقبل الحياة.

وشرح لاوتسي في فلسفته أن الأشياء تتألف من الشيء ونقيضه: الحياة والموت، السراء والضراء ... وأن كل شيء قابل للتغيير للنقيض، فالشيء ونقيضه ليسا منعزلين في الوجود بل يتفاعلان بصورة متبادلة.

ولئن مثّلت هذه الرؤية نظرة رومانسية ومثالية لمحاولة الدمج العابر للثقافات، إلا أن ذلك لا يلغي أهميّة الإلهام الداخلي الكامن في هذه النظرة، وأهمّية النهج العابر للثقافات كموجِّه لمستقبل علم الجماليات. وهذا ما شكّل الرسالة الأساسيّة للكتاب.

الحكم بالفضيلة في المجتمع الصيني

كانت أفكار الطاوية جزءاً مكملاً للكونفوشيوسية. فالحكم بالفضيلة هو إرث الفلسفة السياسية الكونفوشيوسيّة التي تؤكد على فضائل الصدق والإخلاص الإنساني بوصفه النهج الأهم في الدولة، لكنه واجه تحديات غير مسبوقة مع انفتاح الصين. واتبعت الثقافة الصينية المعاصرة الحكم بالقانون كمرحلة أولية مع الدفع بالحكم بالفضيلة بطريقة تكميلية.

الآثار المحتملة للحكم بالفضيلة حالياً

الحكم بالفضيلة سياسة تقليدية، يعطي نوعاً من التشكيك بأن الحكم بالقانون هو الأمثل والاستراتيجية الأقوى فيعد ضعيفاً وأمراً انتقالياً مما يعيق تقدمه. ويمكن أن يتحول الحكم بالفضيلة الى أيديولوجيا سياسية ووسائل مفيدة للدعاية السياسية مما يؤثر سلباً على شموليته وديمومته.

المعتقد الديني الصيني

الديانة البوذية التي انتقلت إلى الصين من الهند، "بوذية تشان" تعد الأكثر انتشاراً في الصين فهي تدعو للتنوير المفاجئ والتركيز على الجوهر الحقيقي ونفي العالم الظاهري. 

فالبوذية موجودة في كل إنسان بالفطرة والمرء لديه القدرة لتحصيل الحكمة والارتقاء خطوة واحدة.

استراتيجيات التفكير الطاوية

تعد الطاوية من أهم مدارس الفكر في التراث الصيني وترجع الى مؤسسها الفيلسوف لاوتسي. والطاو يعني هو السبيل والسير على منوال الطبيعة وهو أصل الكون ووجوده متعالِ على الزمان مجسداً السمو والعمق والأبدية واللانهاية.

ويعتبر طاو المنطق أهم الإسهامات العظيمة التي مثلت قفزة كبيرة إلى الأمام على طريق الفكر الفلسفي الصيني من خلال فكرة أساسية هي: "الانعكاس هو حركة الطاو والضعف هو وظيفة الطاو". فكل شيء محتدم عليه التراجع بمجرد الوصول إلى القمة.

ويهتم الطاو بحكمة الكنوز الثلاث: العطف والتوفير وعدم الجرأة على أن تسبق العالم، والهدف الرئيسي للوجود الإنساني هو التناغم مع الطاو من خلال الوقوف تجاه الحياة ذاتها ونهايتها الطبيعية التي هي الموت، وخاصة في عالم طغت فيه الحضارة على الوجود الإنساني، وصارت تغيّراتها المتسارعة سبباً لإرهاقه وتشتته.

وقارن لاوتسي بين طاو السماء الذي هو فكرة مثالية ويمنح من خلال الطبيعة، وطاو الانسان الذي هو حسي، والوحدة بين السماء والإنسان من الجانب الروحي تكون بالرضا الذاتي، والجانب الجمالي بتأمل الإنسان للأشياء الخارجية، والجانب الاجتماعي بالتكيّف مع الطبيعة، والبيئي بإدراك الإنسان لضرورة حماية البيئة. فالطاوية فلسفة تأملية طبقت أساليب التأمل وتهذيب الروح الإنسانية.

وفي مجال السياسة ترتكز سياسة الطاو بشكل أساسي في النظرية المتمثلة بالتراجع من أجل التقدم. فالسلاح في نظر لاوتسي هو أداة للشر ويجب تطبيق طاو السلام لإقامة دولة مثالية .

التفكير من خلال الأساطير

 تشوانغ تسي هو أوائل المفكرين الطاويين الذين استخدموا الأساطير لتوضيح أفكارهم بشكل رمزي. فقد ركز على الظروف الإنسانية بشكل عام والتهذيب الشخصي بشكل خاص. ووضع في كتابه "الفصول الداخلية" ثلاثة رموز صينية تعني رحلة حرة بين السماء والأرض فهي متعة ذاتية من كل الجوانب.

وغالباً ما دافع عن  فكرة المساواة كمبدأ جوهري لفلسفته، أي أن تكون الأشياء والآراء متساوية ومتوازنة مع الطاو بما لا يخلق صراعات بين الناس. فالطاو - في رأيه - هو طريق عدم التمييز ويمثل مرادفاً للواحد العظيم الذي يمثل الاندماج النهائي لجميع الكون.

الاعتزاز بالطبيعة في ضوء الجماليات 

أوضح الكاتب نظرة الصين للطبيعة عبر التأمل الجمالي من خلال ثلاثة مستويات للتجربة الجمالية: الأول لحظي وسهل الإدراك متمثل بالمتعة الحسية والرضا.

الثاني يحمل عمقاً أكبر ناتجاً عن الاستكشاف والبحث ويجسد الأشياء من منظور نفسي وثقافي.

الثالث متمثل بالتنوير والتسامي الروحي ويساعد تأثيره على إعادة تشكيل شخصية المرء.

فالإرادة والروح تتساميان وترتقيان إلى عالم المثل الأخلاقية العظمى، والحرية الروحية المطلقة.

التأثيرات الجمالية لوحدة السماء والإنسان

تدعو الطاوية إلى تقدير الطبيعة من خلال منظور وحدة السماء والإنسان. فلا بد من إعادة اكتشاف هذه الوحدة وتقيميها من خلال العقلانية المنطقية والعملية على خلفية الأزمات الإيكولوجية والمشكلات البيئية التي نواجهها في الوقت الراهن.

التفاعل بين الجماليات الغربية والصينية

ظهرت الجماليات الصينية الحديثة من خلال عملية التبادل والاحتكاك بين الثقافات الغربية والصينية وبدأت بالترجمة والاقتباس والاستنساخ الميكانيكي مع إعادة الصياغة من الجماليات الغربية، وحققت تقدماً عبر نماذج تصور تطورها وأسلوبها في السياق الأكاديمي، مما أكسبها شكلاً ونمطاً فريدين في وضع الأفكار الصينية على اتصال وثيق بالتراث الصيني. وكان ثمة نماذج مختلفة لهذا التبادل:

أنموذج التوضيح المجزأ: ارتكز على التقديم والكم الكبير من الأعمال المترجمة.

أنموذج الدمج النظري: من خلال الإصلاح والإبداع المستند على الاتصال بين الشرق والغرب.

أنموذج المناهج المختلفة والتطبيق الشامل لتعليم الفنون: ارتكز على كفاءة العلوم التطبيقية.

أنموذج الاعتبارات الثقافية المتعددة: استند الى البحث في الأصول الثقافية المختلفة.

وما يميزها هو دمج ما هو تراثي بما هو حديث واستيعابه في سياق التحولات الثقافية بين الشرق والغرب.

خلاصة

هذا الكتاب موسوعي ويعد مدخلاً لأي شخص يرغب في التعرف على الجذور والآفاق الثقافية في الصين في ضوء الكلاسيكيات والأساطير الصينية. وهو يحوي توثيقاً غنياً يقارن بين الثقافات الصينية والغربية واليونانية ويحاكي أصل المفاهيم والتقاليد الثقافية مع إعادة إحيائها.