الصهيونية وخيوط العنكبوت

يشير المسيري إلى كثرة المتاحف في الكيان الإسرائيلي التي تبلغ 1500 متحف آثار تعكس حب تضخيم الذات وغياب الجذور .

  • الصهيونية وخيوط العنكبوت
    الصهيونية وخيوط العنكبوت

لعل أحد أسباب هزيمة 1967 هو عدم معرفتنا بمؤامرات "إسرائيل" والصهيونية. وهنا تأتي أهمية ما فعله الباحث المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري بإصدار أول موسوعة موجزة عن اليهود والصهيونية وأعقبها بعد ذلك بموسوعة مطولة تحدث فيها بصراحة وموضوعية عن اليهودية فى مختلف المجالات، وقد اعتبرت أحد أكبر الأعمال الموسوعية فى القرن العشرين.

ففي حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973 تم التعرف على "إسرائيل" كما هي لا كما نحب. فشاهدنا لأول مرة لأول مرة فى التاريخ طوابير الأسرى الإسرائيليين الذين أسرتهم القوات المصرية. فالمعرفة بأي عدو أهم أسلحة الفوز عليه.

عنوان كتاب "الصهيونية وخيوط العنكبوت" للدكتور عبد الوهاب المسيري الصادر عن دار الفكر المعاصر في بيروت/ دمشق، مقتبس من مقولة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله التي يصف فيها "إسرائيل" بأنها "أوهن من بيت العنكبوت" التي أطلقها بعد انتصار عام  2000 في مدينة بنت جبيل الجنوبية غداة انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من لبنان، وهي المقولة التي أقر بصوابها رئيس أركان جيش العدو الإسرائيلي السابق موشيه يعلون معتبراً بان قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود محدودة للغاية. 

الكتاب هو دراسة ديموغرافية - اجتماعية - ثقافية عن واقع الصهيونية واليهود في فلسطين المحتلة، وبمسار الصراع العربي الصهيوني. ويمكن القول إن هذه الدراسة هي محاولة لاستخدام النماذج التي طورها المؤلف في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد لتفسير الأحداث والوقائع التي يتعرض لها الكتاب بالتحليل والمعلومات التي ترد فيه.

يكشف الباحث خرافة  فكرة "الشعب اليهودي الواحد" بقيام المجتمع الإسرائيلي على مجموعتين متنافرتين هما اليهود الغربيون (الأشكيناز) واليهود الشرقيون (السيفارد) ومجموعات هامشية من يهود الهند ويهود داغستان وجورجيا والعبرانيين السود والفلاشا الذين يعيشون أزمة عميقة بسبب تمييز المجتمع الصهيوني ضدهم إلى درجة الجريمة المنظمة. فيهود اليمن مثلاً فقدوا 1033 طفلاً بين أعوام 1949 و1952 من دون أن تسفر التحقيقات المتواصلة عن نتيجة.

يوضح الباحث أن الأمور تغيرت بعد عشرين سنة من تأسيس الدولة. فتراجع الدافع العقائدي ونموذج "عضو الكيبوتس" فالصهاينة الأوائل كانوا يحملون البارودة بيد والمعول باليد الأخرى، وظهر اليوم النموذج الإستهلاكي وظهر مجتمع الفولفو والفيلا والفيديو واستغلال المناصب لتحسين الوضع، واستغلال المجندات جنسياً، والإباحية، والشذوذ الجنسي، وانتشار العنف الداخلي، وارتفاع نسبة الفقر. فإحدى الإحصائيات وجدت أن واحداً من كل أربعة إسرائيليين يعيش تحت خط الفقر  ما دفع أحد المفكرين اليهود إلى القول: من الصعب أن يكون الفرد يهودياً وإنساناً في الوقت نفسه. إضافة إلى تفشي الفساد (رقيق أبيض، بيع لوائح المرشحين للكنيست).

يتناول الكاتب مسألة الديموغرافية اليهودية عبر التاريخ وصولاً إلى الدولة الإسرائيلية، ويعرض أسباب نقص أعداد اليهود داخل الكيان الصهيوني بدلاً من زيادتها كما يدعون، فمنها: تردي الوضع الأمني داخل "إسرائيل" مما يجعلهم يعزفون عن الإنجاب، وأيضاً هذا يجعلهم يحلمون ببلاد أخرى مثل أميركا وكندا والنظر إليها كأرض الميعاد وشوق الرحيل إليها، وتزاوج الإسرائيلين مع الأجناس الأخرى، ولا ننسى يهود شرق أوروبا الذين ادعى بعضهم اليهودية حتى يحظى بوضع معيشي أفضل. يقول أحد المهاجرين عن الأسباب التي دعتهم إلى ترك الاتحاد السوفياتي: "إن الحياة هناك أصبحت مملة. فالهجرة إلى إسرائيل هي مجرد بحث عن الإثارة".

وأشار مهاجر آخر إلى أنه هاجر لأنه يريد أن يعيش حياة أفضل . فذكر أنه جاء لا ليشتري سيارة ولكن لتكون لديه سيارة بمحرك أكبر! ويشير اليهود إلى هؤلاء المهاجرين بأنهم مواطنون يجلسون على حقائبهم! بمعنى: متى ما تسنت الفرصة لهم للهجرة إلى بلد مثل أميركا أو كندا هاجروا وضربوا أرض الميعاد والهوية اليهودية بعرض الحائط.

إقرأ: كتاب "عشر خرافات عن إسرائيل" للكاتب الإسرائيلي "إيلان بابيه"

ويكشف الكاتب مسألة شوق اليهود إلى أرض الميعاد وحلمهم بالحياة على أرضها بأنها كذبة لم يوفقوا بها، فكثير من اليهود خارج أرض الميعاد ولا ينوون الهجرة إليها مطلقاً ويحظون بالكثير من الامتيازات المعيشية كمواطنين أصليين في البلد الذي يحويهم، بل إن اليهود الذين في "إسرائيل" يفكرون بالنزوح عنها. 

يؤكد المسيري أنه من الصعب تلفيق (ثقافة يهودية مستقلة) بتأسيس متحف أو أكلة فلافل شعبية أو زي فلاحة فلسطيني مقتبس لمضيفات الطيران الإسرائيلي.

ولا يقر المسيري بمصطلح "المثقف اليهودي" فداوود حسني ويعقوب صنوع مصريا الثقافة ونعوم تشومسكي أميركي وبوريس باسترناك وايليا هرنبرغ وليف شستوف ومارتن بوبر ورزفايج ودريدا وكافكا وفرويد مسيحيو الثقافة، برغم نسبتهم اليهودية وغني عن البيان أن هؤلاء يكتبون بلغاتهم الوطنية فالشاعر هاينريش هايني وماركس كتبا بالألمانية ومارسيل بروست بالفرنسية وبينجامين دزرائيلي وسول بيلو بالإنجليزية. وكان ثيودور هرتزل نبي الصهيونية يجهل العبرية.

ويتوقف الباحث محللاً معمار متحف الهولوكوست في واشنطن وطريقة تصميمه التفكيكية المحايدة التي تعطي المعروضات قيمة مطلقة. ويقول النقاد عن هذه المتاحف المقامة حتى في أميركا أن حادثة الإبادة هذه لم تكن الوحيدة في العالم ( كأنها السر الإلهي) فالهنود الحمر في أميركا والسود أيضاً تعرضوا للإبادة إلى غيرها من حوادث الإبادة التي حدثت في العالم.

ويضيف: لكن اليهود استغلوا حادثة الإبادة كشهادة لنبذ العالم لهم .. حتى أن الغجر وغيرهم تجرعوا مرارة الإبادة مثل اليهود تماماً .. ولا نجد لهم ذكراً في متاحف الإبادة إلا بشكل يسير وكأنهم لم يتعرضوا للإبادة.. يسأل المسيري عن فظائع اليهود في صبرا وشاتيلا وغيرها من المجازر ألا تعد حوادث إبادة. ويتساءل لماذا لا تقيم أميركا متاحف لهم؟ مع وجود إبادات أكثر قسوة لجماعات وشعوب لم تحظَ بالتكريم والمواساة مثل الهنود الحمر والأفارقة.

يشير المسيري إلى كثرة المتاحف في "إسرائيل" التي تبلغ 1500 متحف، وهي آثار تعكس حب تضخيم الذات وغياب الجذور وكثرة الجماعات غير المتجانسة التي تحمل تراثها العاطفي.

ويبيّن أن الإبادة التي وقعت لليهود على يد النازيين هي إبادة للعناصر غير المجدية أو غير النافعة في الحياة. فحال اليهود عند الإبادة كانوا يُؤخذون إلى معسكرات ويحبسون فيها ويميز بين الشخص الصالح منهم للحياة والعنصر غير النافع.

ويصوّب الباحث مصطلح معاداة السامية بأنه "معاداة اليهودية"  والذي سن له قانون في أميركا عام 2004 (كجزء من الإستراتيجية الأميركية لإعادة تشكيل العالم).

ويدحض المسيري خرافة "بروتوكولات حكماء صهيون" الساذجة التي طبعتها الشرطة السياسية الروسية للنيل من الحركات الثورية والليبرالية والتي روّجتها الصهيونية وأسباب شيوعها في العالم العربي ماراً بظواهر مثل النازيين الجدد بين الإسرائيليين أنفسهم.

ويتناول الفصل الأخير من الكتاب موضوع نهاية "إسرائيل" وهو موضوع يحجم الإعلام العربي الرسمي عن تناوله، بينما لا يتردد الإعلام الصهيوني في ذلك، فهاجس نهاية "إسرائيل" يطارد الإسرائيليين دائماً.

ويشير المسيري إلى أحد أعداد مجلة "نيوزويك" الأميركية الذي صدر عام 2002 وحمل غلافها السؤال التالي: "مستقبل إسرائيل: كيف سيتسنى لها البقاء؟" وقد سألت المجلة حينها: "هل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة؟ وبأي ثمن؟ وبأي هوية؟.

تقول المجلة إن 18 بالمائة  من الأميركيين الذين استطلعت اًراءهم  يرون أن "إسرائيل" ستختفي عن الوجود، وقال 23 في المائة ان "إسرائيل" لو استمرت فلن تكون دولة يهودية. ويعتبر المسيري بأن هذه النسبة عالية (41 بالمائة) وخاصة أن أحداً لم يكن يتجرأ حتى على طرح هكذا سؤال من قبل.

إقرأ: "إسرائيل".. دولة الفصل العنصري المقنعة

وينقل المسيري عن أبراهام بورغ رئيس الكنيست السابق قوله في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت" 2003 "إن نهاية المشروع الصهيوني على عتبات أبوابنا وهناك فرصة لأن يكون جيلنا أصغر جيل صهيوني".

 يذكر المسيري أن مسألة "نهاية إسرائيل" مسألة مطروحة على جدول البحث سواء السياسي او الإجتماعي. ويذكر أن احد البرامج الإذاعية عام 2004 استطلع آراء عدد من المتخصيين عما بات يعرف بقضية "موت الشعب اليهودي" وهو برنامج يتحدث عن انصراف الأجيال الجديدة عن التعايم والشعائر الدينية اليهودية وتزايد معدلات اندماج الجماعات اليهودية في الشعوب التي تعيش بينها، ولم يخفِ كثير من المتحدثين انزعاجهم مما يمكن أن يكون عليه مستقبل الدولة اليهودية وهو ما دفع بعضهم إلى إلى الحديث عن أن أحد الحلول المطروحة هو: "الإستسلام" .. إلى جانب الحلول التقليدية مثل الإهتمام بتعليم الدين اليهودي وزيادة معدلات الولادة وبناء الجدار العازل الذي يفترض أن يحمي المستوطنين الصهاينة من "الخطر الفلسطيني" المتصاعد.

تفكك "إسرائيل"

يذكر المسيري أن هناك العديد من الكتاب الصهاينة يعتبرون أن المشروع الصهيوني بأسره وصل إلى منتهاه وأن إعلان وفاته مسألة وقت ليس إلا. ويتوقف المسيري عند أحد أكبر المتخصصين في الاستراتيجية العسكرية اليهودية مارتين فان كريفلد.

إقرأ: مركبات القوة والانحطاط في جيش الاحتلال الإسرائيلي

يرى كريفلد أن ظاهرة رفض الخدمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي دليل على أن الجيش في حالة تفكك. ويعتبر أن ذلك  أفضل تطور للصهيونية لأنه قد يضطرهم إلى الخروج من الأرض المحتلة.

ويروي كريفلد حادثة تبيّن مدى التهور الذي وصلت إليه قيادات الجيش. ففي عام 1994 كان يلقي محاضرة على هيئة الأركان التي كان قائدها اَنذاك إيهود بارك. فقد خرج كريفلد مصعوقاً من المحاضرة بعدما وصف سلوك جنرالات الجيش بأنهم مجموعة  من المتخلفين الذين يجهلون موضوعهم الرئيسي أي الجيش الإسرائيلي بما في ذلك تاريخ الجيش والنظريات العسكرية. وتبدى هذا التخلف من خلال سلوكهم أثناء المحاضرة فبعضهم انشعل في تناول الشطائر والبعض الاَخر أخذ يثرثر أو يعبث في الأوراق.. ويعلق كريفلد قائلاً: لقد فعلوا أثناء المحاضرة كل ما يمكن أن يفعله طالب فوضوي ما عدا قذف الحاضر بالأوراق.