الفلسفة والعيش معاً: "المعيّة في عالم مشترك"

الطبع يدفع الناس بغرائزهم إلى "الاجتماع السياسي".. ما هو الدور الذي تؤديه الفلسفة للوصول إلى تعلّم "العيش معاً"؟

  • الفلسفة والعيش معاً:

" ... ولما كان سطح الأرض دائرياً، فقد استحال على الناس أن ينتشروا انتشاراً لا حدّ له، وكان لا بدّ من أن يلتقوا وأن يتحمّلوا مجاورة بعضهم لبعض، إذ الأصل أن الأرض مشاع بينهم وليس لأحد منهم أكثر من نصيب غيره".

(إيمانويل كانط، مشروع للسلام الدائم).

***

وَسَمَ المُعلِّم الأول الإنسان بأنه "كائن اجتماعي" بالطبع، والذي يكون غير ذلك يستروح الحرب "لأنه غير كفؤ لأيّ اجتماع كجوارح الطير" [1]. وبهذا الاعتبار فإنه وحده يدرك من بين سائر الحيوان، مشاعر الخير والشر والعادل والظالم "وكل الأحاسيس من هذا القبيل التي باجتماعها تؤلّف بالضبط العائلة والدولة" [2]. وينجم عن ذلك، أن الطبع يدفع الناس بغرائزهم إلى "الاجتماع السياسي" [3]، ويفرض أرسطو (322 - 384 قبل الميلاد) على الإنسان أن يحيا بالقوانين والعدل، وقد تلقى "عن الطبع أسلحة العدل والفضيلة التي ينبغي أن يستعملها ضدّ شهواته الخبيثة. 

فمن دون الفضيلة يكون هو أكثر ما يكون فساداً وافتراساً، فليس له إلا ثورات الحب والجوع البهيمية. فالعدل ضرورة اجتماعية لأن الحق هو قاعدة الاجتماع السياسي وتقرير العادل هو ذلك الذي يرتّب الحق" [4].

والمعنى نفسه قال به العلاّمة إبن خلدون (1332 - 1406) "في ضرورة الاجتماع البشري": وعنده "أنّه لا تمكن حياةَ المنفرد من البشر، ولا يتمّ وجودُه إلا مع أبناء جنسه، وذلك لما هو عليه من العجز عن استكمال وجوده وحياته، فهو مُحْتاج إلى المُعاونة في جميع حاجاته أبداً بطبعه، وتلك المُعاونةُ لا بدّ فيها من المفاوضة أوّلاً، ثمّ المشاركة وما بعدها، وربّما تفضي المعاملةُ عند اتحاد الأغْراض إلى المُنازعةِ والمُشاجرةِ، فتنشأ المُنافَرة والمُؤَالَفة، والصَداقة والعداوة، وتؤول إلى الحرب والسِلم بين الأمم والقبائل، وليس ذلك على أيّ وجه اتّفق، كما بين الهَمَل من الحيوانات، بل البشر بما جعل الله فيهم من انتظام الأفعال وترتيبها بالفكر كما تقدّم، جعل ذلك مُنتظماً فيهم، ويسّرهم لإيقاعه على وجوه سياسيّة وقوانينَ حكميّة، ينكِّبُون فيها عن المفاسد إلى المصالح، وعن القبيح إلى الحَسَن بعد أن يميّزوا القبائحَ والمَفْسَدةَ بما ينشأ عن فعل ذلك عن تجربة صحيحة، وعوائد معروفة بينهم، فيفارقون الهمَل من الحيوان، وتظهر عليهم نتيجة الفكر في انتظام الأفعال وبعدها عن المفاسد" [5]. 

اختلال العالم

  • حنة ارندت
    حنة ارندت

جرى التعبير عن "اختلال العالم"[6]، كما يقول الروائي اللبناني أمين معلوف، بظواهر عدّة، منها: التفكّك الاجتماعي وزيادة اللامُساواة والظُلم الاجتماعي وبروز أشكال جديدة من الفقر والإقصاء والتهميش. وأزمة عميقة في القِيَم الإنسانية، في معنى العمل ومعنى الحياة. وقادت الجرأة في تحدّي السلطات وفي مُساءلتها، مع تعاظُم حجم البطالة إلى مَنْحِ اللاعقلانية حيِّزاً مهماً في التفكير، وفي إلقاء اللّوم على الأجنبي والغريب والمُهاجر، وهو ما عنى إن انفكاك الروابط يؤدّي حتماً إلى الحرب، لتغدو السِمة المُميَّزة للعلاقات بين البشر، بدلاً من التعاون والتفاهم. وهو ما دعا الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس (1929) الى إطلاق دعوته في حاجة الناس إلى الاتصال (أو التواصل)، بحرية، بعيداً من أية هيمنة[7].  فغياب الحوار بين الشعوب هو أحد الأسباب العميقة للحروب الداخلية التي تمزِّق المجتمعات.

والحال، تطرح التعدّدية ولا سيّما التعدّدية الثقافية ضرورة تركيز المهمة التربوية على تعلّم "العيش معاً" [8]، بوصفه مدخلاً رئيساً للمواطنة، بحسب ما تقول منظمة "اليونيسكو". ويُعبِّر هذا عن نفسه في ترقية فَهْم واحترام الآخرين، كما اعتقاداتهم وقِيَمهم وثقافاتهم، من منظار اعتبار الاختلاف موارد لبناء "الخير العام" (le bien commun)، ويتميَّز هذا البناء بمسار غير عُنفي وتعايُش سلمي.

ومن أهداف هذا البرنامج: صَوْن وتعزيز كرامة الإنسان، والاحترام والتفاهم المُتبادَل، والتقمّص العاطفي، أي القدرة على وضع النفس مكان الآخر، والمسؤولية الفردية والجماعية، والمصالحة والعمل على بناء الجسور، وأخيراً تعليم الأخلاق [9]. وفي السياق نفسه، رأى الفيلسوف الفرنسي، لوك فيري (Luc Ferry)، الذي تقلّد منصب وزير التربية بين الأعوام 2002 و2004، إن المهمة الرئيسة، إنْ لم تكن الوحيدة، للتعليم هي تشكيل المواطنين، ما يوجِب "تعليم الطلاب، على نحو مُلِحّ، كيفية العَيْش معاً (Le vivre ensemble)" [10].

الأمر الذي يساهم في بناء عالم مشترك، كما فَهِمَته حنة أرندت (1906 - 1975)، عالم  أساسه الفعل، يتجاوز عدم التسامُح واللامُبالاة، من خلال الاهتمام والعناية بالآخرين [11].  وهي تعرض في كتابها الوضع البشري Condition de l’homme moderne (مجموعة محاضرات ألقيت في العام 1956 في جامعة شيكاغو، ونشرت في العام 1958 باللغة الإنكليزية) لمفهوم "الحياة العملية" في التقليد الفلسفي، الذي بدأ مع سقراط (توفّى عام  399 ق. م) من لحظة النزاع بين المدينة والفيلسوف، فتجده حاضراً عند القدّيس أوغسطين (354 - 430) وأرسطو وفي مسيحيّة القرون الوسطى، وقد عنى "الحياة التأمّلية"، وهي تنحاز إلى مفهوم آخر ترى فيه "أن الإنسان لا يستطيع أن يعرف إلا ما يفعل هو نفسه".

تطرح التعدّدية ولا سيّما التعدّدية الثقافية ضرورة تركيز المهمة التربوية على تعلّم "العيش معاً"، بوصفه مدخلاً رئيساً للمواطنة. ويُعبِّر هذا عن نفسه في ترقية فَهْم واحترام الآخرين، كما اعتقاداتهم وقِيَمهم وثقافاتهم، من منظار اعتبار الاختلاف موارد لبناء "الخير العام"، ويتميَّز هذا البناء بمسار غير عُنفي وتعايُش سلمي.

وتؤكّد الفيلسوفة الألمانية، نزيلة الولايات المتحدة، على دور "الوسط" البشري والمادي في حياة الإنسان، ولا يمكن تصوّر أيّ فعل خارج هذا الإطار، لا بل هو مشروط "بالحضور الدائم للآخرين" أي المجتمع، إذ أن الإنسان "حيوان اجتماعي". وقد أدّى ميلاد المدينة – الدولة إلى اكتساب الإنسان سِمة ثانية هي "الحياة السياسية" (حيوان سياسي كما يقول أرسطو)، أو التنظيم السياسي، فإلى حياته الخاصة بات هناك ما هو مشترك ، وانقسم الفضاء على هذا النحو إلى مجالين: المجال العمومي والمجال الخاص، فكل ما يظهر في الأول "يمكن أن يراه الجميع ويسمعوه، وهو يتمتّع بأكبر قَدْرٍ من الإشهار"، ويُعادِل "الواقع"، وتصوّرنا له يعتمد على "المظهر"، ويرتبط بما ينتجه البشر وما يقيمونه من صِلات: "أن نعيش معاً في العالم يعني أساساً أن عالماً من الأشياء يوجد بين مَن يشتركون فيه، مثلما توجد طاولة بين مَن يجلسون حولها، إن العالم مثل كل ما هو مشترك بين إثنين، يربط البشر ويفرّقهم في الوقت نفسه. والحال، فالسِمة الأساسية لهذا العالم الحديث هي الاغتراب، ومعادلها في الفلسفة الحديثة العودة إلى الذات ورائدها الفرنسي رينه ديكارت (1596 - 1650)، وتوجز أرندت: "ليس اغتراب الأنا، كما كان كارل ماركس (1818 - 1883) يعتقد هي خاصيّة العصر الحديث، بل هي الاغتراب عن العالم" [12].

الفلسفة والراهن

  • ماكس هوركهايمر
    ماكس هوركهايمر

في بحثه عن الدور الاجتماعي للفلسفة، رأى ماكس هوركهايمر (1895 - 1973)، أحد أركان مدرسة فرانكفورت، إنها غالباً ما قامت ضدّ التقليد وأبت الخضوع للمشكلات الحاسمة للوجود، واضطلعت بإلقاء نور الوَعي على الصلات الإنسانية[13]. وفي زعمه أن علاقة الفلسفة بالواقع كانت دوماً مُتوتّرة، بالضبط لأنها ترفض الخضوع للتقاليد المحميّة جيداً، وهو يستفيد من تجربة الفيلسوف اليوناني سقراط الذي طالب الإنسان بمعرفة ماذا يفعل، وصُنْع مصيره بيديه، باستخدام عقله وإرادته، وبهذا المعنى يُدرِك هوركهايمر الوظيفة الأصلية للفلسفة [14]. ويصل إلى مُبتغاه، واضعاً للفلسفة وظيفة نقد كل ما هو سائد، وغَرَضه أن يوائم الإنسان بين أفعاله الخاصة وبين حياة المجتمع بأكمله [15].

وفي سياقً آخر رأى مع زميله تيودور ف. أدورنو (1930- 1969) إن الفلسفة تمثّل "مشروع مقاومة للإيحاء، خيار مُتحرِّر من أجل الحرية العقلية والفعلية" [16]، وفي بحث صلتها بالواقع لا نجد عندها "أي انحناء خاص أمام العَظَمة، ولذلك فهي تظلّ غريبة عن الواقع، وقادرة على تفهّمه بقوّة. ينتمي صوتها إلى الموضوع، ومن دون أن يريد هذا ذلك، يظلّ صوتها صوت التناقض، والذي من دونها بدل أن نسمع، سيكون انتصاراً للصمت" [17].

 وفي ذات يوم من العام 2004 تناظَرَ في العاصمة النمساوية، فيينا، كل من الفرنسي الان باديو (1937) والسلوفيني سلافوي جيجك (1949)، حول العالم المتحوّل ولا سيّما بعد حدث 11 أيلول/سبتمبر 2001 وتداعياته، أي حول الحَدَث والواقع وصلة الفلسفة بالسياسة، وثمرة الحوار كانت كتاباً، مُقاربة أراد منها الفيلسوفان اليساريان المعروفان بآرائهما ومتابعتهما لوقائع ما سُمّي بــــــ "الربيع العربي"، أن تبرز مساهمة الفلسفة في الحاضر.  

يبدأ باديو في محاضرته بتوضيح دور الفيلسوف، المُطالَب اليوم بأن يتحدّث في كل شيء، في حين أن الفلسفة تعني، في المقام الأول، "ابتكار مشكلات جديدة"، بمعنى أنها مَن يصوغ الإشكالات ونوع الفكر الناجم عن مُقاربتها للقضايا.

  • الان باديو
    الان باديو

ويقتضي الأمر تحديد ما يمكن عدّه قابلاً للنظر الفلسفي، أي ما يندرج تحت مُسمّى "الوضع الفلسفي"، وفي رأيه، بعد دراسة الأمثلة، ولا سيّما من أفلاطون، يتشكّل الوضع الفلسفي في اللحظة التي يتمّ فيها تفسير الخيار، "خيار وجود أمْ خيار فكر".

يقترح مُصطلح "التثاقُف" كونه "يجعل العالم ممكناً وقابلاً للتساكُن"، لأنه يُقيم رابطة مشتركة بين الهويّات المختلفة. ما يقتضي وضع أفكار الكونيّة والحَداثة موضع النقد والتفكيك لبيان حمولاتهما الثقافية والحضارية، والتخلّص من شوائبهما التاريخية. 

ومهمّة الفلسفة (الحال الفلسفية) توضيح المسافة اللازمة بين السلطة والحقائق. ويعثر باديو على "الوضع الفلسفي": في المقابلة غير المُتكافئة بينهما وفي خَرْق القواعد الاعتيادية، وحينها تُملي الفلسفة علينا "أن نفكِّر بالحَدَث... أن نفكِّر بالاستثناء": يجب أن نعلم ما علينا قوله في شأن ما هو غير اعتيادي، علينا التفكير بتحوّل الحياة. والحال، يلخّص باديو واجبات الفلسفة بإزاء الأوضاع: أولاً، أن تبيّن الخيارات الجوهرية للفكر، وثانياً، أن تدرس المسافة بين التفكير والسلطة، وثالثاً، أن تفحص "الاستثناء" وقيمته قبالة استمرارية الحياة وفي مواجهة التحفّظ الاجتماعي. مطلوب من الفلسفة إذاً أن تكون أكثر من مجرَّد نظام معرفي أكاديمي [18]. 

وقد عبَّرت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونيسكو، في مناسبة الاحتفال بــ "اليوم العالمي للفلسفة" في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2016، عن رؤيتها لدور الفلسفة، ففي زَعْمها" تقوم الفلسفة على احترام ومُراعاة وتفهّم تنوّع الآراء والأفكار والثقافات التي تُثري كينونة الإنسان في هذا العالم. وتندرج في عِداد سُبُل العَيْش معاً في ظلّ احترام الحقوق والقِيَم المشتركة، شأنها في ذلك شأن التسامُح. وهي وسيلة تُتيح للمرء رؤية العالم بعين ناقِدة تُراعي آراء الآخرين وتستنير وتزداد قوّة بفضل حرية الفكر والرأي والوجدان والعقيدة"[19].

في الحوار الثقافي

  • علي بن مخلوف
    علي بن مخلوف

في مُقاربة الفيلسوف التونسي، فتحي التريكي (1947)، لموضوعة "التعدّد الثقافي والفلسفة"، وفي تقصّيه للكونيّة يقول: "بأن الكونيّة بالنسبة إلى فلسفة الحياة اليومية تكمُن أساساً في التجربة الوجودية المُتعالية على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة، وذلك بحثاً عن المعنى الذي يجعل العالم قابلاً للتساكُن" [20].

ولتجاوز حال العنف في العلاقات الدولية، يدعو إلى "الحوار الثقافي والحضاري" [21]، ويستند في ذلك إلى ما طرحه الفيلسوفان الفرنسيان جيل دولوز (1925 - 1995) وفليكس غاتاري (1930 - 1992) حول "الشخص المفهومي"[22] (Le Personnage Conceptuel) في إطار نقاش التريكي للتنوّع الثقافي وتأثيراته في العيش معاً [23].

وهو يروم في بحثه النظر في مدى توافق التنوّع الثقافي "مع الكونيّة المؤسِّسة لتواصليّة الإنسان" [24]، إذ السِمة الغالبة للآن هي الحرب. ولا يقتصر التنوّع على المجتمعات متعدّدة القومية والإثنية، بل يشمل أيضاً مجتمعات "الواحدية الثقافية" [25]. والتناقُض الحاصل في مجتمعات اليوم، إن العَوْلَمة القائمة على الليبرالية تدعو إلىحرية التنقّل وتحرير الإنسان من كل قَيْد وحدّ، ثم تعود إلى محاولة التحكّم بحركة الناس، وممارسة الضغوط عليهم حتى في أماكن استقرارهم وإقامتهم. فمع تواتُر الكلام عن "التنوّع" تسعى أوّليات الدولة إلى فرض أنماط من الاندماج، تنتج مقاومة تعبّر عن نفسها في التشبّث بالهويّة وثقافة الأصل، مثابة ردّ فعل على منطق الدَمْج القَسْري والاستبعاد والإقصاء.

والرهان الكبير، في زَعْم التريكي، يدور حول "ما إذا كانت الإنسانية قادرة على الحفاظ على عاداتها المختلفة وثقافاتها المتعدّدة في نفس الوقت الذي تتطلّع فيه إلى "العَيْش معاً" في حدود الكرامة" [26]، وهو يخشى من تحوّل المُصطلح الفلسفي "التنوّع الثقافي" إلى مجرّد أيديولوجيا، لأنه يفهمه عياناً في عالم الحياة اليومية [27].

ويقترح مُصطلح "التثاقُف" كونه "يجعل العالم ممكناً وقابلاً للتساكُن" [28]، لأنه يُقيم رابطة مشتركة بين الهويّات المختلفة. ما يقتضي وضع أفكار الكونيّة والحَداثة موضع النقد والتفكيك لبيان حمولاتهما الثقافية والحضارية، والتخلّص من شوائبهما التاريخية. 

فالكونية القائمة على أُسُس عادلة "هي مصير الإنسان، والحَداثة هي مساره الأفضل" [29]. ويدعو التريكي إلى ما يُسميّه "تضافُر الثقافات"، مثابة هويّة جديدة للكونيّة تهتدي بالعقل، والأمل أن تضمن لنا النواة العقلية "من خلال اللغة والترجمة ومن خلال المنطق العام أن نتفاهم ونتقابل ونتحاور، مهما كانت ثقافاتنا وأدياننا ومواقفنا" [30].

ويُقِدّم لنا المُفكّر المغربي، علي بن مخلوف (1959)، أستاذ الفلسفة في جامعة باريس (إيست كريتاي) والجامعة الحرّة في بروكسل، الذي يستعين به التريكي، شهادة تُفيد إن المسلك الغربي الخاص بالكوني ليس السبيل الوحيد للوصول إلى العقل النهائي الكامل، إذ "تزخر الحضارات الأخرى بمُعطيات كونية واضحة كمسار العقل مثلاً في الثقافة العربية الإسلامية" [31]. وإلى كونيّة الضيافة بعد تشذيبها ونقدها، المُستندة إلى "الإنسان الفردي جذرياً" ولقاء الثقافات، يشير التريكي إلى "التثاقُف ضمن المعقوليّة" وضرورة أن يتمّ "بفعل الأنس والمحبّة"، وتعريفه للتأنُّس أنه "عَيْش مشترك ضمن الإنسجام المُتّفق عليه" ويُترجِم نفسه في عدالة مُصاحبة بعقلٍ وحبٍ وتفاهمٍ بين البشر [32].

جمالية العيش معاً

  • فتحي التريكي (عن النت)
    فتحي التريكي (عن النت)

يُنادي التريكي بما يُسمّيه "جمالية العَيْش المشترك" ويقدِّم له تعريفاً يجعله في "قُدرة الإنسان على تغيير اجتماعيّته الطبيعية وتحويلها إلى اجتماعية مُعَقْلَنة وواعية. فالعَيْش المشترك الذي يتحقّق في إطار الاجتماعية الواعية هو تعايُش مُنظّم حسب قاعدة الأنس والمحبة" [33]. وهو يدعم مقولته بشواهد من التراث العربي من عند أبي حيّان التوحيدي (923 - 1023) وإبن مسكويه (932 - 1030)، فالمحبّة تعني جهازاً من المشاعر ينعته مسكويه بـــ "العشق والصداقة والوَلَه والمودَّة". لكن هذه المحبّة تتأسّس ضرورة على الأنس (المؤانَسة)، لأنه ضرورة ضاغطة لتحقيق حال تجعل الأفراد المُتفرّقين، جماعة مُنْتَظِمة ومُترابِطة إلى درجةٍ تصبح معها فرداً واحداً، ويسعى كل فرد إلى القيام بالعمل الصالح نفسه [34].

يرغب التريكي في مساهمة الفلسفة بفاعلية في "جعل العَيْش المشترك مُتاحاً للجميع، لمُتساكني الأرض بعيداً من التعصّب في أيّ شكلٍ من أشكاله، ومن دون نزوع نحو الهيمنة أو القمع والاضطهاد، وعند هذا المُنعطف تحمل الفلسفة ملمحها النضالي الذي يبدو في قبول الآخر صديقاً من خلال بيداغوجيا التسامُح والعَيْش سوياً"، كما يقول محمد جديدي [35].

تستند فلسفة العيش معاً إلى جملة من المفاهيم والمبادئ، وهي في سعيها إلى التحقّق، تستعين بـ"الديمقراطية وقوّة العقل النقدي والتعقّلية، من أجل ألا تتحوّل الهويّة إلى نزعة هوَويّة والإسلام إلى نزعة إسلامية، والأيديولوجيا إلى نزعة شمولية".

ويوجِّه التريكي الدعوة إلى إعادة قراءة سقراط (توفّى في 399 ق. م) (لا سيّما الأتيقا) والفارابي (872 - 950) (لا سيّما التعقّل عنده)، لأنهما "يمثّلان لحظتين نموذجيتيّن، تُتيحان التفكير في مُلتبسات العَيْش معاً في هذا العالم الذي لا يسهل العَيْش فيه" [36]، وذلك بإعادة الاعتبار للعقل والأتيقا. وهو يشرح، معنى لفظ التعقّل: "مُطابقة العقل مع الحياة اليومية للناس، وكذلك مُطابقته مع البُعد الإنساني للإتيقا. والتعقّلية هي ما يعطى العقل بُعده الاجتماعي على حدّ رأى الفيلسوف الفارابي (872 - 950) لأنه يمكنها أن تكون أصل النسيج المُتكوّنة منه العلاقات بين الناس بما هي محكّ أساس كل نزعة إنسانية فهي منظومة المقاييس النظرية والحالات العملية، التي يتطلّب تحقيقها في الممارسة اليومية للإنسان تحوِّل الفرد إلى عاقلٍ يعيش وفق مُتطلّبات العقل. 

فالتعقّل يضيف بُعداً اجتماعيا وإنسانياً إلى العقل. فالتعقّلية داخل الأسرة بما هي مبدأ للتدبير الجيّد لكل الشأن العائلي، والتعقّلية المدنية بما هي قاعدة التدبير داخل المدينة، والتعقّلية الإنسية الساعية إلى سعادة الجنس البشرى تمثّل كلها مستويات ثلاثة لاجتماعية الوعي الإتيقى" [37].

ويُنادي التريكي بمبدأ التسامُح، فإذا كان العقل مَلَكة تهتمّ بتنظيم معارفنا وسلوكنا، فإن التسامُح، في زعمه "موقف مُتعقّل وأخلاقي في السلوك والعلاقات البشرية"، وهو لا يحصره في المجال الديني فحسب، بل يجعل منه "موقفاً سياسياً ضدّ كل تعصّب وانغلاق في العلوم والأديان والسياسة والأخلاق. وهو بالأحرى مبدأ النضال ضدّ كل ما لا يُقبَل انطلاقاً من إنسانية الإنسان، فالتسامُح نضال ضدّ اللامقبول" [38].

ويؤكّد أن العَيْش المشترك يعبّر "عن إنسانية قوامها حق الاختلاف والاحترام والمحبّة" [39]. وغَرَض كاتب الفلسفة الشريدة (2009) إمكان فتح "فضاء جديد لإنقاذ الإنسان" من المصائب المُتّسمة بالوحشية التي يشهدها قرننا هذا [40]. ولأن التريكي نصير الكونية، يراها "تتجلّى من خلال رؤية لا اختزالية للعالم، ومن خلال تواصلية تحترم اختلاف الثقافات والتعابير الإنسانية، ومن خلال تثاقُف مُبْدِع للقِيَم المُحطّمة للسيطرة والإمبريالية، ومن خلال عقلانية تضع حدّاً للدوغمائية الفكرية، ومن خلال التَوْق إلى (حال) سلم أبدية" [41].

من أفكار الفيلسوف الفرنسي بيار هادو ندرك أن "الفلسفة كما نحيا بها"، تقتضي مجموعة طرائق نتعلّمها، ومنها: "أن نتعلَّم كيف نحيا، أن نتعلَّم كيف نحاور، أن نتعلَّم كيف نموت، أن نتعلَّم كيف نقرأ".

والحال، تستند فلسفة العَيْش معاً إلى جُملة من المفاهيم والمبادئ، وهي في سعيها إلى التحقّق، تستعين بـ"الديمقراطية وقوّة العقل النقدي والتعقّلية، من أجل ألا تتحوّل الهويّة إلى نزعةٍ هَوَويّةٍ والإسلام إلى نزعةٍ إسلامية، والأيديولوجيا إلى نزعةٍ شمولية" [42].

وفي إطار التأسيس الفلسفي لـ" العَيْش معاً" سبق للفيلسوف الألماني أمانويل كانط (1724 - 1804) في مشروعه للسلام الدائم (1795) أن وضع في المادة النهائية الثالثة، من أجل تحقيقه ودوامه "مبدأ الضيافة": "حق النزيل الأجنبي، من حيث التشريع العالمي، مقصور على إكرام مثواه" [43]، مثابة حقّ كوني، مقرون طبعاً بشروط تعود إلى الدولة المُضيفة، لكنه اعتبر الكرة الأرضية كلها مسرحاً لتنقّل البشر وتلاقيهم. 

  • سلافوي جيجك
    سلافوي جيجك

وقد وجد بعض الباحثين الغربيين إن أساس الفلسفة النقدية عند كانط هي إعادة وَصْل الحوار بين الفلسفة والرأي. وقد عبَّر مؤرِّخ الفلسفة الفرنسي أليكسي فيلوننكو (1932 - 2018)، عن هذا المعنى، في تعليقه على نصّ فيلسوف كونيغسبرغ "ما التوجّه في التفكير؟" (1786)، بقوله: "ننسى غالباً بأن المسألة في نقد العقل المَحْض (الطبعة الأولى في العام 1781، والطبعة الثانية في العام 1787) تقوم على معرفة كيف يمكن لأنواع الوَعي أن تتواصل، وكيف لها أن تتخطّى الذاتية، نحو عالمٍ مُشتركٍ بينها" [44].

بدوره استند الفيلسوف الفرنسي، جاك دريدا (1930 - 2004) إلى بعض أفكار كانط ليكتب نصّاً عن "قوانين الضيافة"[45]، مركِّزاً على مُفارقاتها والتباساتها، حتى كاد يقول إنه "لا يعلم ما هي الضيافة"، وهو يجد أيضاً إنها تفعل دائماً نقيض ما تدّعي القيام به "إنها تتوقّف عند عَتَبَة ذاتها، عند العَتَبَة التي تؤسّسها وتكوّنها، أي عند ذاتها، وبالتالي عند ظاهرها وباطنها" [46]. وعنده "إن سؤال الضيافة ذاته، هو سؤال الهو هو، سؤال الأنا نفسها.  وبعبارةٍ أخرى، لا يمكننا أن نتشكّل من ذواتنا وفي ذواتنا، كذات، كمواطن، كذات ناطقة...الخ، من دون أن تكون تجربة الضيافة قد استكملت[47].

توكل كثير من الدراسات إلى الفلسفة مهمة القيام بدور رائد في "التربية على المواطنة"، ولا سيّما للشباب، الذي يعتبر بمثابة تحدّ أمامها في عالم يتّسم بالتنوّع والاختلاف والنزوع إلى الاحتراب. ويقدّم تاريخ الفلسفة وتجاربها، ميداناً واسعاً لاختيار ما يُلائم هذه المهمة، من حِكَم وتجارب وادي الرافدين ووادي النيل وبلاد كنعان وغيرها.

وفي سياق تصوّر الشروط اللازمة التي تسمح بالعَيْش معاً في سلام، يرى هانس يورغ زاندكهلر (Hans JÖrg Sundkϋhler) أستاذ الفلسفة السياسية والحقوق في جامعة بريمن الألمانية، إن الحقوق الأساسية ضرورية، ولا سيّما حقوق الإنسان، سواء أخذت البُعد الكوني أم لم تأخذ، فهي تمتلك شحنة قِيَميّة لا جِدال فيها، ويُقدِّر أن الشروط الضرورية للعَيْش معاً "هي شروط تقتضي حقاً عادلاً وديمقراطية اجتماعية، لا مجرّد ديمقراطية سياسية صوَرية، ودولة تخضع للحقوق الأساسية، وتقتضي أناساً أحراراً لا يخضعون لأيّ قمع سياسي أو اقتصادي، أناساً لديهم استعداد للتعاون والتعاضُد" [48].

بعد مناقشة لموقف التريكي من الاستعمار ومن التنوّع الثقافي، يقدّم الباحث الألماني، لودغير كونهاردت (Lodger Kunhardt)، تقييماً عاماً لمسعى الفيلسوف التونسي في "العَيْش معاً"، ويقول:" إن أفكار التريكي حول قيمة الحب والعلاقة بين الحب الإنساني والحب الإلهي لبُرهان على أوجه التقارُب في التقاليد الروحية بين المسيحيين والمسلمين. وهذا الأمر لا يفيدهم وحدهم فحسب في أساليب تفكيرهم، وإنما أيضاً يُعمِّق فكرة "العَيْش سوياً" بين جميع الناس. إن الاعتراف بالتنوّع مع القبول بالقِيَم الكونية، والذي يجد جذوره في الحب بين الناس وحب الله، نتيجة لا يمكن تفاديها، إذا ما علمنا أن دعوة التريكي "للتفاهُم المشترك" تروم التحقّق الفعلي بالمعنى المادي والمعنوي للكلمة" [49]. 

  • كارل ماركس
    كارل ماركس

والحال، عادت الفلسفة لتنشغل باليومي، وبمشكلات الحياة، وليتبنّاها البعض أسلوب حياة غير مُعلَن، تساعدنا على تحمّل المصاعب، وأبرزها "العَيْش معاً"، ومن أفكار الفيلسوف الفرنسي، بيار هادو  (Pierre Hadot)، ندرك أن "الفلسفة كما نحيا بها" تقتضي مجموعة طرائق نتعلّمها، ومنها: "أن نتعلَّم كيف نحيا، أن نتعلَّم كيف نحاور، أن نتعلَّم كيف نموت، أن نتعلَّم كيف نقرأ"، لكن للقراءة هنا خصوصيّاتها، فلا يتعلّق الأمر بالتعليق على النصوص، وتفسيرها؛ لكن بالقراءة كأسلوب في الحياة، "فنحن نقضي حياتنا في القراءة من دون أن نعرف كيف نقرأ، فالقراءة يجب أن تعلِّمنا متى نتوقَّف، وكيف نتحرَّر من همومنا، وأن نعود إلى ذواتنا" [50].

وفي إثر هادو، أكَّد الفيلسوف المغربي، عبد السلام بنعبد العالي (1945)، على ما سمّاه ميشال فوكو (1926 - 1984) "جماليات الوجود" موضحاً أنها لا تُردّ إلى نزعة فردانية متجاوزة، ولا تدلّ "على هَجْر أو إنكار للبُعد السياسي للحياة البشرية، فما من فنّ للعَيْش ممكن اليوم إلا كفن للعَيْش – معاً" [51]، وأضيف فن عَيْش المشترك الإنساني سوياً.

هذا، وتوكِل كثير من الدراسات إلى الفلسفة مهمة القيام بدورٍ رائدٍ في "التربية على المواطنة"، ولا سيّما للشباب، مثابة تحدّ أمامها في عالمٍ يتّسم بالتنوّع والاختلاف والنزوع إلى الاحتراب. ويقدّم تاريخ الفلسفة وتجاربها، ميداناً واسعاً لاختيار ما يُلائم هذه المهمة، من حِكَم وتجارب وادي الرافدين [52] ووادي النيل وبلاد كنعان وغيرها، وديمقراطية أثينا وحرية الكلام والخطاب والحِجَج والإقناع، إلى كونيّة القِيَم الإنسانية والتجارب الحيّة في عَيْش التنوّع والاختلاف [53]، مثل الحرية والعدالة والحق، ولا سيّما "حقوق الإنسان"، والإعلاء من شأن العقل والفحص النقدي كأساس لأيّ حُكم أو موقف يخصّ الذات أو الآخرين [54].

المراجع والمصادر
 

[1] أرسطو ،السياسة، ترجمه عن الإغريقية جول بارتلمي – سانت هيلير، نقله إلى العربية أحمد لطفي السيد. طبعة جديدة عن طبعة الدار القومية للطباعة والنشر في القاهرة (د. ت) صدرت  في (بيروت – الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016)، في 560 صفحة. الشذرة رقم  9، ص 138 و139.
[2] المصدر نفسه، الشذرة رقم 10، ص 139.
[3] المصدر نفسه، الشذرة رقم 13، ص 139.
[4] المصدر نفسه، الشذرة رقم 13، ص 140.
[5] إبن خلدون، المُقدّمة ، تحقيق عبد السلام الشدادي، طبعة بيت الفنون والعلوم والآداب، (الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2005)، في 5 أجزاء، الجزء الثاني،  الفصل السادس: " في العقل التجريبي وكيفية حدوثه"، ص 341. 
[6] أمين معلوف، اختلال العالم، (بيروت، دار الفارابي، 2009.) في 308 صفحات . فقي مطلع القرن الواحد والعشرين ظهرت على العالم علامات اختلال عديدة. اختلال فكري يتميّز بانفلات المُطالبات المتعلّقة بالهويّات من عقالها، ما يجعل من العسير استتباب أيّ تعايُش مُتناغِم وأيّ نقاش حقيقي. وكذلك اختلال اقتصادي ومالي يجرّ الكوكب بأسره إلى منطقة من الاضطرابات يتعذّر التكهّن بنتائجها ويُجسِّد بحد ذاته عوارض اضطراب في نظامنا القِيمي. وأخيراً اختلال مناخي ناجم عن فترة طويلة من الممارسات غير المسؤولة.
[7] J. HABERMAS, Théorie de l’agir communicationnel,  (Paris, Ed, fayard, 1987). T 1. Rationalité de l’agir et rationalité de la socièté.  p. 56.
[8] العيش معاً بسلام، بحسب الأمم المتحدة: هو أن نتقبّل اختلافاتنا وأن نتمتّع بالقدرة على الاستماع إلى الآخرين والتعرّف عليهم واحترامهم، والعيش معاً مُتّحدين في سلام. وأعلنت الجمعية العامة بموجب قرارها 72/130  يوم 16 أيار/مايو يوماً عالمياً للعيش معاً في سلام، مؤكّدة أن يوماً كهذا هو السبيل لتعبئة جهود المجتمع الدولي لتعزيز السلام والتسامُح والتضامُن والتفاهُم والتكافُل، والإعراب عن رغبة أفراد المجتمع في العيش والعمل معاً، متّحدين على اختلافاتهم لبناء عالم ينعم بالسلام وبالتضامن وبالوئام.  ويمثّل هذا اليوم دعوة للبلدان لزيادة تعزيز المصالحة وللمساعدة في ضمان السلام والتنمية المُستدامة.
[9]  للتوسّع أنظر: "تعلّم العيش معاً"، برنامج التواصل بين الثقافات والأديان لتعليم الأخلاق، (اليونسكو واليونسيف، 2011)، في 245 صفحة. النسخة الإنكليزية في العام 2008.
[10]  Luc Ferry, Vaincre Les Peurs: La Philosophie comme amour de la sagesse (Paris, Ed. Odile Jacob, 2006), P. 158.
   [11] Hannah Arendt, Condition de l'homme moderne , traduit par Georges Fradier (Paris, Ed. Calman levy, 2002),  coll. Agora. P. 213.(poche)
[12]  عفيف عثمان، " دعوة حنّة أرندت لنا للتفكير في ما نفعل"، والنص عبارة عن مراجعة لكتاب الوضع البشري المنشور باللغة العربية بترجمة هادية العرقي (بيروت، دار جداول، والمغرب، مؤمنون بلا حدود، 2015) في 366 صفحة. ، في صحيفة المستقبل (لبنان)، بتاريخ 13 تشرين الأول/ أكتوبر، 2015، صفحة رأي وفكر.
[13] Max Horkheimer, “la fonction sociale de la philosophie”, Tumultes, n 17-18. P. 346. (341 – 361). 
[14] Ibid, P. 349.
[15] Ibid, P. 353.
[16] ماكس هوركهايمر وتيودور ف. أدورنو، جدل التنوير، شذرات فلسفية (بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2006)، في 328 صفحة ، ترجمة الدكتور جورج كتورة. ص 294.
[17] المصدر نفسه، ص 295.
[18] آلان باديو & سلافوي جيجك، تحرير بيتر إنغلمان، الفلسفة في الحاضر (بيروت، دار التنوير، 2013)، في 147 صفحة. ترجمة وتقديم يزن الحاج. وهنا أقتصرت على رأي باديو من الفلسفة وراهني~تها.أنظر مراجعتنا للكتاب في صحيفة المستقبل (بيروت)، تحت عنوان " باديو وجيجك في مناظرة فلسفية عن الحدث والواقع"، 25 شباط، 2014. صفحة رأي وفكر.
[19] إيرينا بوكوفا، " أرسطو ولايبنتس وضعا الفلسفة في صميم الحياة العامة"، كلمة منشورة على الشبكة.
[20] فتحي التريكي، فلسفة الحياة اليومية (بيروت - تونس، الدار المتوسطية للنشر، 2009)، في 218 صفحة. ص 89. (ضمن سلسلة الكوثر).
[21] لا بأس هنا من الإستئناس برأي سقراط في الحوار. يقول بيار هادو"إن سقراط لم يكن يُلِّح إلا على نوع من الاتفاق بين مخاطبيه. إذ الحوار هو تقدّم مشترك من خلال اتفاقات مُتعاقبة بين مُخاطبين مُتحاورين. فبمُقتضاه يمتثلون لمُقتضيات التماسُك العقلاني ويرقون إلى وجهة نظر مشتركة لا فردية. هكذا يتكشّف ويتحقّق الانشغال بالآخر من خلال الحوار ذاته. يتعلّق الأمر بمعرفة وجود وجهة نظر أخرى غير وجهة نظرنا، ويتعيّن، من هذا المُنطلق، على كل من السائل والمُجيب، أن يتجاوزا وجهتيّ نظريهما في اتجاه الامتثال للمُقتضيات الموضوعية للعقل. من هذا المنظور بالذات، يتحدَّد الانشغال بالذات كنجاح للذات في تجاوز فرديّتها والتهيّؤ للانخراط في رؤية كونية، عقلانية وموضوعية”. من حوار معه أجراه فرانسوا إيوالد "حول مقولة الهم"، ترجمة عبـد الله زارو. نشر الحوار الأصلي في Magasine Littéraire, Aout, 1996، والنصّ المُتَرْجَم في مجلة فكر ونقد المغربية، العدد 39، أيار / مايو 2001
[22] الشخص المفهومي مقولة صاغها دولوز وغاتاري، لتشير لى شخصيّات غير حقيقية أو شبه حقيقية، ابتدعها مؤلف أو أكثر كي تُعبِر عن فكرة أو عدة أفكار، ومن ثم يستخدمها الكاتب لصالحه. من أمثلة الوضحّة: زرادشت نبتشه، سقراط أفلاطون، ودون جوان الخاص بكيركجارد، وأبله كوز (Cuse). وللتوسع في الشخصية المفهومية، يمكن مراجعة:  جيل دولوز وفليكس غاتاري، ما هي الفلسفة ؟ (بيروت - باريس، دار عويدات الدولية، 1993) في 223 صفحة. تعريب الدكتور جورج سعد. ص 67 وما يتبع.
[23]  التريكي، المصدر نفسه، ص 90.
[24] المصدر نفسه، ص 91.
[25] المصدر نفسه، ص 91.
[26] المصدر نفسه، ص 97.
[27] المصدر نفسه، ص 97.
[28] المصدر نفسه، ص 99.
[29] المصدر نفسه، ص 122.                                                                                                                                                                                                   
[30] المصدر نفسه، ص 129.
[31] مذكور عند التريكي،  المصدر نفسه، ص 132.
[32] التريكي، المصدر نفسه، ص 139.
[33] من مقدمة فتحي التريكي للعمل المشترك الذي أشرف عليه، وقد عنونها "فلسفة الغيرية والعيش معاً". جمالية العيش المشترك (تونس، دار الوسيطي للنشر، 2012)، في 129 صفحة. ص 5.
[34] فتحي التريكي، " العيش سوياً"، نص ضمن: كتاب العيش سوياً: قراءات في فكر فتحي التريكي، مجموعة من الباحثين (القاهرة، دار الثقافة العربية، 2008)، في 260 صفحة. اصدارات أوراق فلسفية. تحرير الدكتور أحمد عبد الحليم عطية.ص 245. (من ص 243 الى ص 248). والنص مُستل من كتاب التريكي: لنتفلسف حول العيش سوياً (تونس، مطبوعات كرسي اليونسكو للفلسفة، 1998)، ترجمة محمد علي الكبسي.
[35] د. محمد جديدي "فلسفة الصداقة والعيش سوياً"، ضمن كتاب العيش سوياً: قراءات في فكر فتحي التريكي، مجموعة من الباحثين (القاهرة، دار الثقافة العربية، 2008)، في 260 صفحة. اصدارات أوراق فلسفية. تحرير الدكتور أحمد عبد الحليم عطية.ص 183 و184..
[36] المصدر نفسه، ص 246.
[37] المصدر نفسه، ص 244 و 245.
[38] فتحي التريكي، "الحداثة والفكر السياسي"، مجلة الفكر العربي المعاصر، العددان 78 – 79 (بيروت، مركز الإنماء القومي، 1999)، ص 21. ص 21. نقلاً عن نص د. محمد جديدي "فلسفة الصداقة والعيش سوياً"، ضمن كتاب العيش سوياً: قراءات في فكر فتحي التريكي، مجموعة من الباحثين (القاهرة، دار الثقافة العربية، 2008)، في 260 صفحة. اصدارات أوراق فلسفية. تحرير الدكتور أحمد عبد الحليم عطية.ص 173.
[39] المصدر نفسه، ص 6.
[40] المصدر نفسه، ص 8.
[41] F. Triki, philosopher le vivre - ensemble,( Tunis, Ed. L’or du Temps, 1998)  46 Pages. , P. 11.
[42] F. Triki, philosopher le vivre - ensemble,( Tunis, Ed. L’or du Temps, 1998)  46 Pages. , P7..

[43] إيمانويل كانط، مشروع للسلام الدائم، ترجمة عثمان أمين (بيروت، طبعة نشرتها دار المدى بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة بمصر، 2007)، في 69 صفحة. ص 33.
[44] Alexis Philonenko,  Kant, Qu'est-ce que s'orienter dans la pensée, (Paris, Ed. Vrin, 1979), l’ introduction, 43 -44.
[45]  جاك دريدا،  (J. Derrida) "قوانين الضيافة"، مجموعة من المؤلفين، جمالية العيش المشترك ، بإشراف د. فتحي التريكي (تونس، دار الوسيطي للنشر، 2012)، في 129 صفحة. من ص 11 الى ص 35. ترجمة أحمد أمين الزراعي وصلاح الداودي.
[46] المصدر نفسه، ص  32.
[47] المصدر نفسه، ص 35.
[48] هانس يورغ زاندكهلر، "دولة القانون والحقوق الأساسية في عالم التثاقف"، ضمن: جمالية العيش المشترك  (مجموعة من الباحثين)، بإشراف د. فتحي التريكي (تونس، دار الوسيطي للنشر، 2012)، في 129 صفحة. (من ص 57 الى ص 71). ترجمة جلال الدين سعيد. ص 70.
[49] لودغير كونهاردت، "العيش سوياً"، ضمن كتاب جمالية العيش المشترك، مصدر مذكور. ص 126. (من ص 121 الى ص 126). ترجمة معز مديوني.
[50] تفروت لحسن، " الفلسفة كما نحيا بها: تجربة بيير أَضُو (Pierre Hadot). مقالة منشورة على الشبكة العنكبوتية. وهادو (2010 – 1922)  فيلسوف فرنسي، أستاذ بكوليج دو فرانس، متخصص في الفلسفة اليونانية والرومانية. يدافع عن الفلسفة بوصفها فن العيش، و نمط في الحياة. اهتم بالتجارب الروحية في الفلسفة اليونانية، من مؤلفاته مدخل لدراسة فكر مارك أوريل (1992)، ما الفلسفة اليونانية؟ التجارب الروحية والفلسفة اليونانية (1987). وقد نقل د. عادل مصطفى مع تعليقات كتاب هادو : الفلسفة طريقة حية، التدريبات الروحية من سقراط الى فوكو (القاهرة، دار رؤية للنشر والتوزيع، 2019)، في 323 صفحة.
[51] عبد السلام بنعبد العالي، الفلسفة فناً للعيش (المغرب، دار توبقال للنشر، 2012)، في 140 صفحة. ص 11.
[52] أنظر على سبيل المثل كتاب: سهيل قاشا، الحكمة في وادي الرافدين ( بيروت، دار الرافدين، 2006)، في 264 صفحة.
[53] أنظر على سبيل التوسع: مجموعة من الباحثين، المسلمون في كندا وتحديات العيش معاً (دبي، مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2019)، في  276 صفحة. كتاب المسبار رقم 148، نيسان /ابريل 2019. اشراف د. ريتا فرج.
[54] يعرض تزفيتان تودوروف (1939 -2017) في مؤلفه الحياة المشتركة: بحث أنتروبولوجي عام  (1995) (بيروت، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي)، في 244 صفحة. للأفكار التي تناهض فكرة إجتماعية الإنسانية وتركز على "الوحدة" عنده والإنعزال، ولا سيّما عند جان جاك روسو (1712- 1778) وينقل عن مونتايني  Montaigne (1592 – 1533) في تجاربه، قوله:" فلتكن موافقتنا منوطة بنا، والتخلص من كل الإرتباطات التي تربطنا بالآخر، ولنحمل على عاتقنا القدرة على العيش وحدنا بدراية، وأن نعيش كما يحلو لنا". ص . 14.