المحيط الهندي: منطقة سياسية وأمنية جديدة

كان من الضروري للصين العمل على الحفاظ على الإستقرار في المحيط الهندي وفي بحر الصين.

  • كتاب
    كتاب "المحيط الهندي: منطقة سياسية وأمنية جديدة".

الكتاب عبارة عن مؤلف مشترك للكاتبين فريدريك غارسيا وجان- لوب سمعان. وهو حصيلة عملية طويلة استمرت لمدة عقد ونصف، التقى قبلها الكاتبان وعملا معاً في مديرية الإستراتيجية لشؤون وزارة الدفاع الفرنسية. فكلا الكاتبان كانا مطلعين على أجزاء مختلفة من منطقة المحيط الهندي، وكل منهم خبير بمناطق تختلف عن تلك التي يعرفها الآخر، وكان ذلك بالنسبة لهما أمر ملفت. ثم قاما بتحرير عدد خاص من المجلة الفرنسية الجيوسياسية "مجلة هيرودت" المتخصصة بشؤون المحيط الهندي والتي صدرت أول مرة في العام 2011. قادت هذه التجربة في السنوات التي تلتها إلى سلسلة من المنشورات الخاصة بكل كاتب على حدة وذهب كل منهما في متابعة طريقته وعمق فهمه الخاصين للمنطقة. بعد عدة سنوات من العمل معاً، افترق الكاتبان مع القرار بتوحيد جهودهما لإنتاج ملف كتاب عن منطقة المحيط الهندي بأكملها. خلال تلك المرحلة، تطورت منطقة المحيط الهندي بشكل كبير وتأثرت بكم من العوامل الداخلية والخارجية. فحاول الكاتبان التقاط الديناميكيات المحركة لهذه العوامل من أجل المتابعة والفهم لما يحدث في المنطقة، وعبر النتاج المشترك خرج الكتاب الذي بين أيدينا.

نشر الكتاب في العام 2022، وهو صادر عن دار بالغريف- ماكميلان للنشر في سويسرا.

فريدريك جراري: زميل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية يعمل على قضايا المحيطين الهندي والهادئ، وزميل أول غير مقيم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. تركزت أبحاثه في كارنيغي على ديناميكيات المحيطين الهندي والهادئ والبحث في هندسة الأمن وقضايا أمن جنوب آسيا. قبل كارنيغي، عمل جراري مستشاراً في مركز التحليل والتنبؤ والاستراتيجية بوزارة الخارجية الفرنسية، ورئيساً لمكتب آسيا في مديرية الشؤون الاستراتيجية في وزارة الدفاع الفرنسية. كما عمل في السفارة الفرنسية في باكستان، وبين الأعوام 1999 إلى 2003 مديرًا لمركز العلوم الاجتماعية والإنسانية في نيودلهي. كتب جراري على نطاق واسع في قضايا الأمن في آسيا، ولا سيما جنوب آسيا. وله مجموعة من الكتب.

جان لوب سمعان، باحث في معهد الشرق الأوسط من جامعة سنغافورة الوطنية، وهو أيضاً باحث مشارك في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية. كان سمعان مساعد محاضر في كلية ييل- نوس، ويركز في أبحاثه على على الشؤون الاستراتيجية الشرقية، ولا سيما الصراع بين "إسرائيل" وحزب الله، وتطور نظام الأمن الخليجي. قبل ذلك، عمل سمعان كمحلل للسياسات في مديرية الشؤون الاستراتيجية في وزارة الدفاع الفرنسية (2008-2011)، ومستشاراً باحثاً في كلية الدفاع التابعة لحلف الناتو (2011-2016)، وأستاذًا زائراً في الدراسات الإستراتيجية المنبثقة عن مركز الولايات المتحدة للشرق الأدنى وجنوب آسيا إلى كلية الدفاع الوطني الإماراتية (2016-2021). وله مجموعة من المؤلفات والمقالات. 

ديناميكيات الأمن في المحيط الهندي

تم تقسيم الكتاب إلى ثمانية فصول متتالية يقدم كل منها منظوراً مختلفاً لديناميكيات الأمن في المحيط الهندي الجديد، ويتعلق بشكل مباشر بالدول التي يدور حولها الحديث في كل فصل. 

1-    المقدمة: وفيها تقديم لفرضيات البحث، وما يقدمه الكتاب من معلومات جديدة بعد استعراض مجموعة من الكتابات السابقة.
2-  الفصل الثاني: "نشوء الإستراتيجية الصينية نحو المحيط الهندي"، يستكشف هذا الفصل الإستراتيجية الجديدة للصين بشأن المحيط الهندي خلال العقدين الماضيين. ويحلل أهداف بكين واستراتيجياتها في منطقة المحيط الهندي إضافة إلى تأثيرها على جميع اللاعبين الآخرين في المنطقة، ويؤكد على وجه التحديد كيف أصبحت الصين عاملاً موحِّداً ومستقطِبًا في المنطقة. حيث تعمل مبادرة الحزام والطريق الخاصة بالصين على تحويل منطقة المحيط الهندي إلى منطقة منافسة كبيرة، مما يولد سلسلة من عمليات إعادة التنظيم فيها. لقد شاركت الصين في تمويل وبناء العديد من المرافق التجارية والموانئ في دول مثل باكستان وسريلانكا وميانمار وبنغلاديش وكينيا. كما أقامت قاعدة عسكرية في جيبوتي، ومع زيادة وجودها البحري في المنطقة، وربطه بشكل استثنائي بالمحيط الهندي، يفترض الكاتبان أن التطورات فرضت خروج الصين عن الخطاب السلمي المعهود لها وأثار أسئلة حرجة حول نوايا الصين في المحيط الهندي. وبالتاكيد هذا النوع من الفرضيات هو ما يؤرق الأميركيين اليوم. 

 إعادة إحياء ارتباطات الهند

3-  الفصل الثالث: "ما بين الشرق والغرب، إعادة إحياء ارتباطات الهند"، يلقي الفصل نظرة على ردات فعل الهند على التحدي الصيني في المحيط الهندي. تعتبر دلهي تاريخياً أن المحيط الهندي فناءها الخلفي، وإن كان في الغالب فناءً فارغاً. ونتيجة لذلك، فقد ضاعفت الهند بحذر، شراكاتها الدفاعية مع الجهات المحلية الفاعلة. وابتدأت سلسلة من التقارب مع الدول الجزرية الصغيرة في المحيط الهندي من خلال المبادرة الثلاثية التي تقدمت بها. واتبعت الهند سياسة الإستيعاب مع دول مثل اليابان وفرنسا مما أكسبها أهمية خاصة. ويظهر الفصل السياسة الحذرة التي تبنتها دلهي مع واشنطن مستفيدة من الواقع الجديد وخلالها تحولت العلاقة التاريخية الصعبة ما بين البلدين لتصبح أكثر ندية.

 التوازن البحري في المحيط الهندي

4-  الفصل الرابع: "الولايات المتحدة، التوازن البحري في ظل التنافس على المحيط الهندي"، يفحص هذا الفصل دور الولايات المتحدة الجديد في منطقة المحيط الهندي، وإذا ما كانت الولايات المتحدة لا تزال لاعباً رئيسياً أم لا، وإن كانت أميركا تعد أهم لاعب عسكري حتى اليوم. فمصالح الولايات المتحدة في المنطقة تأتي كنتيجة ثانوية لتنافسها الإقتصادي مع الصين. لذلك، يجادل الفصل بأن واشنطن تنظر في المقام الأول إلى المحيط الهندي من منظور التنافس بين القوى الكبرى - وتحديداً الهند والصين - وتميل إلى اعتبار القضايا واللاعبين المحليين الآخرين على أنها ثانوية. في النهاية، يسلط الفصل الضوء على أولويات السياسة الأميركية، حيث تشير استراتيجيتها الجديدة في المحيطين الهندي والهادئ صراحة إلى أنه في التقييم الأمني ​​للحكومات في واشنطن، فإن الاحتكاك والمنافسة في المحيط الهندي سيكونان في الأساس امتداداً للتطورات الناشئة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ. لكن مثل هذا التقييم يمنع الولايات المتحدة من استيعاب الاتجاهات الناشئة في المنطقة بشكل كامل، على سبيل المثال في القرن الأفريقي أو الخليج. وهذا حقيقة ما شهدناها خلال الأسابيع الماضية من تطور اطرادي للعلاقة ما بين دول الخليج العربية والصين.

الصراع الأوروبي على التأثير الإقليمي في المنطقة

5-  الفصل الخامس: "بريطانيا وفرنسا: الصراع الأوروبي على التأثير الإقليمي في المنطقة"، ابتداء من الفصل الخامس، يبدأ الكتاب بمناقشة دور اللاعبين الجدد في منطقة المحيط الهندي، حيث نشهد بداية عودة القوى الوسطى الأوروبية وبالتحديد فرنسا والمملكة المتحدة، حيث لا تزال باريس ولندن تلعبان دوراً مهماً من خلال تطوير شراكاتهما الخاصة وخاصة في أفريقيا ودول آسيان. هذا مع العلم أن منطقة المحيط الهندي لم تشكل تاريخياً مساحة للتعاون بين الأوروبيين، بل كانت تعتبر منطقة منافسة لكسب النفوذ. وهذا ما سيقوض في نهاية المطاف قوتها بسبب طموحات البلدان التي تكافح للحفاظ على مكانة عالمية، خاصة في ضوء القيود المالية المتزايدة. ولذلك فإن العالم سيشهد اليوم تراجعاً كبيراً في السياسات الإقتصادية الأوروبية وخاصة في أفريقيا والقائمة على الإستغلال والتحول إلى سياسات إقتصادية استثمارية إن استطاعت أوروبا منافسة الصين هناك.

دول الخليج والمحيط الهندي

6-  الفصل السادس: "تحول ممالك الخليج العربية من بوابات للبحار إلى لاعبين استراتيجيين في المحيط الهندي". يبحث الفصل السادس في صعود الممالك الخليجية العربية في المنطقة. اذ قامت دول مثل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة بتوسيع نطاق سياساتها الخارجية واستخدامها الاستثمارات الاقتصادية والأصول العسكرية لكسب النفوذ في العديد من المناطق الفرعية من منطقة المحيط الهندي مثل القرن الأفريقي أو جنوب آسيا. على الرغم من أن هذه التطورات تدل على نمو لاعبين وسطيين محليين في مجمع منطقة المحيط الهندي الأمني​، إلا أنها تسلط الضوء أيضاً على الطموحات الجديدة وكيف يمكنها أن تتسبب بعدم الاستقرار الإقليمي. وتبدو عواقب ذلك جلية من خلال التنافس الواضح ما بين الإمارات وقطر على القرن الأفريقي. وجود هذا الفصل والبحث فيه، يدل على تغيرات موازين القوى التي باتت تخضع لها المنطقة ويجعل من الكتاب ذا أهمية واضحة في إعادة قراءة توازن القوى في المحيط الهندي.

7-  الفصل السابع: "تحول استراليا وأعضاء دول آسيان من أصحاب مصالح إلى صناع قرار مستقبلي". يشكك الفصل السابع في السياسات المتطورة لأستراليا والدول الأعضاء في رابطة أمم جنوب شرق آسيا تجاه المحيط الهندي. ويؤكد كيف أدى التحول في النظرة الأسترالية لصعود الصين في منتصف عام 2010 إلى مراجعة وضعها الإقليمي والاستثمار المتزايد في شراكات استراتيجية تركز على المحيط الهندي مع الولايات المتحدة والهند وفرنسا. وفي الوقت نفسه، يشرح الفصل التحولات في دول آسيان والمرتبطة بشكل مباشر بتطور منطقة المحيط الهندي الأمني. كما يوضح الفصل العوائق التي قد تمنع من مشاركة هذه الدول الاستراتيجية أو قد تبقيها محدودة بسبب محدودية قدراتها والمعضلات الخاصة التي خلقوها تجاه الصين.

المحيط الهندي وأفريقيا

8-  الفصل الثامن: "المحيط الهندي وأفريقيا، من أصحاب مصالح إلى وسطاء الطاقة المستقبليين؟". وهنا لا بد من الإشارة إلى الأهمية التي توليها أوروبا والولايات المتحدة لقارة أفريقيا ولدورها المستقبلي، خاصة وأن أفريقيا قد ابتدأ التحول الداخلي فيها ولم تعد أوروبا قادرة على السيطرة على مواردها الغنية كما فعلت لأكثر من قرنين من الإستعمار. يبحث الفصل الثامن في دور دول شرق إفريقيا في تشكيل المحيط الهندي الجديد. إنه يوضح كيف تكافح معظم هذه البلدان بسبب كونها دول تابعة، بمعنى أنها لا تملك إمكانيات المبادرة وليس النية للعمل بها. ففيما عدا دولة جنوب إفريقيا، فإن باقي الدول الإفريقية ليس لديها القدرة على العمل كقوة بحرية. ومع ذلك، ونظراً لمواردها الطبيعية، تبقى دول شرق إفريقيا محور اهتمام القوى الإقليمية، وبالتالي فإن التحدي الذي يواجهها هو تحويل قوة اللاعبين الخارجيين إلى نفوذ لمصلحتها الخاصة، والانتقال من موقع أصحاب المصلحة فقط ليصبحوا سماسرة السلطة الحقيقية.

9-  الفصل التاسع: إعادة هندسة أمن المحيط الهندي. أخيراً، يبني الفصل التاسع على هذه المنظورات المتعددة خلال الفصول السابقة للتفكير في التحدي المتمثل في إدارة منطقة المحيط الهندي. ويناقش بأن التحدي الحاسم في المنطقة، هو تحويل القدرات الاقتصادية والعسكرية للاعبين المحليين والخارجيين إلى أدوات للحكم، بدلاً من أدوات للمنافسة. ويرى الكاتبان أنه نظراً لانتشار لاعبين جدد في المنطقة، يجب على صانعي القرار ألا يفاقموا الصراع على السلطة ولكن يجب أن يعملوا على تعزيز الآليات المتعددة الأطراف للحكم في منطقة المحيط الهندي. وكما ينبغي أن يتم ذلك من خلال منهج عملي مرن يجمع ما بين عمل المنظمات الإقليمية الموجودة مسبقاً (على الرغم من القيود الموضوعة عليها) ويضع أطر تعاون جديدة متخصصة، أسواء كان ذلك على مستويات ثنائية أو ثلاثية أو متعددة الأطراف في العلاقات ما بين الدول والمنظمات. والهدف من هذا النهج هو منع تحول منطقة المحيط الهندي إلى ساحة معركة مستقبلية بين القوى العظمى. 
بحسب مجلة منطقة المحيط الهندي الفصلية فإن منطقة المحيط الهندي تعد ولفترة طويلة منطقة مهملة بالنسبة لصناع السياسة في العالمين الغربي والشرقي على حد سواء، خاصة إذا تمت مقارنتها بالمناطق الأخرى. وكان من الصعب على الجميع تتبع الأهمية الإستراتيجية للمنطقة خاصة وأنها تجتذب انتباه عدد محدد من الأكاديميين وصناع السياسة في العالم مقارنة بمنطقتي المحيطين الأطلسي والهادئ. اذ يتم التعامل مع المنطقة على أنها مجزأة سياسياً وخالية من الأقطاب الهامة، ولا يوجد تهديد مشترك قادر على حشد الدول الساحلية في محيطها.

لذا يشرح الكاتبان أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد التفكير في استراتيجيتها بما يتعلق بمنطقة المحيط الهندي إلا بعد العام 2017. إذ كانت واشنطن تعتبر أن التحديات في كل من المحيطين الهادئ والهندي، هي تحديات  مرتبطة ببعضها البعض. وبحسب الكتاب عند تطبيق معادلة المحيطين كان المحيط الهندي أقل أهمية بكثير من المحيط الهادئ. وما تغير منذ العام 2017، هو ظهور التنافس الشديد على العلاقات في محيط المحيط الهادئ ما بين الولايات المتحدة والصين، ثم أظهر تتبع الأحداث أن المحيط الهندي ليست منطقة ملحقة بمنطقة المحيط الهادئ، بل هي منطقة تنافس حقيقي وتستوجب وضع إطار جديد للمشاركة العسكرية والدبلوماسية الأميركية والغربية بشكل عام. صحيح أن غراري وسمعان يريان أن الولايات المتحدة ستبقى اللاعب الذي لا غنى عنه في المحيط الهندي. لكن حالة عدم اليقين الناجمة عن موقف أميركا الجديد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والالتزام العسكري الاقتصادي فيهما، دفع الجهات الفاعلة المحلية إلى السعي إلى توثيق العلاقات مع واشنطن، وفي الوقت نفسه بناء شراكات جديدة مع قوى أخرى، مثل الصين، بهدف تنويع أنشطتها ومن ضمنها خيارات السياسة الخارجية. فقد ولّدت المنافسة الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية التي نجمت عن مبادرة الحزام والطريق الصينية ديناميكية جيدة للدول الساحلية، وخلقت مساحة أكبر لريادة الأعمال ودفعت نحو زيادة التقارب بين الدول الساحلية للسماح بمزيد من التعاون فيما بينها. خلال هذه العملية، تطور وضع اللاعبين الرئيسيين. 

قد لا تزال الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة الإقليمية ولكن دوافعها تطورت هيكلياً  مع ازدياد تحدي هيمنتها في مكان آخر، فتقلصت قدرتها وإرادتها السياسية وهي غير قادرة على التصرف بمفردها. ويصر الكاتبان على أنه حتى اليوم لا تزال الولايات المتحدة لاعباً "لا غنى عنه"، وهي على استعداد لتوفير الأمن للمنطقة ولكن بطريقة غير مباشرة من خلال بناء الشراكة مع دول المنطقة الأكثر قدرة، وبخاصة الهند. هذا التطور هو جوهر العلاقة مع الهند ويهدف إلى الوقوف في وجه الصين بالتحديد. ويمكن ذلك من خلال تفعيل دور المنظمات الغربية الهوى الموجودة في المنطقة، والتي ترعى العديد من الحوارات والنقاشات الجدية. حيث تعتبر كل من "رابطة حافة المحيط الهندي" و"الندوة البحرية للمحيط الهندي"، وهي منتدى لقادة البحرية، المنظمتين الوحيدتين الموجودتين في المحيط الهندي. في الواقع ، كلا المؤسستين أنشأتا كمجالس للنقاش، والروابط التي أنشئت ليست ملزمة ولا توازي الالتزامات الأمنية المتبادلة خلال النقاشات. وبمعنى آخر، فإن اللاعبين المحليين والخارجيين والمتناقشين يزنون خياراتهم بحذر في مقابل تطورات المثلث الأميركي - الصيني - الهندي. ورابطة حافة المحيط الهندي، المعروفة سابقًا باسم مبادرة حافة المحيط الهندي ورابطة حافة المحيط الهندي للتعاون الإقليمي، هي منظمة دولية تتكون من 22 ولاية ساحلية على الحدود مع المحيط الهندي. 

يتساءل الكتاب عن إمكانية وجود بنية أمنية ذات مغزى، مما يسمح بإدارة التوترات الناشئة في المحيط الهندي والأمن البحري، أي أمن الملاحة البحرية، وخاصة مع وجود العوائق التقليدية لتطوير نظام إقليمي فعال، لأنها تفتقر إلى التكامل الإقليمي والثقافة، وعدم تناسق القوى الرئيسية بين الدول الساحلية. أضف إلى ذلك، أن المنظور الخاص بالمنطقة قد تم فرضه جزئيًا من قبل لاعبين خارجيين. ولكن ما أدى إلى ظهور أسئلة جديدة في مقدمة الكتاب ليتم نقاشها من خلاله هو أهداف كل من الفاعلين المحليين والخارجيين التي تغيرت، والتي لحظنا خلال الفصول المتلاحقة الحديث عنهم وعن تغيير أدوارهم. أي بكلمات أخرى، فإن الكتاب يحقق في مستوى القوى في منطقة المحيط الهندي وخاصة الولايات المتحدة والصين، وما هو مستوى دور القوى المتوسطة والصغيرة مثل الهند وبريطانيا وفرنسا ودول الخليج العربية ودول آسيان. لأنه عند الحديث عن المنافسة الإستراتيجية في المنطقة، لابد من الحديث عن السياسات المتبعة فيها والتطورات الإقتصادية والمناخ وتأثيراتها على التعقيدات الأمنية في منطقة المحيط الهندي. 

تحولات التجارة العالمية

ضمن النقاط التي يناقش فيه دور منطقة المحيط الهندي في تحولات التجارة العالمية والعلاقة ما بين التطور الصناعي الكبير في الصين وازدياد حاجتها للطاقة واستيرادها من منطقة الشرق الأوسط وغرب ىسيا تحديدا،ً تبرز في الكتاب أهمية الحديث عن الممرات المائية والتي تربط المحيط الهندي، وأهمها بالنسبة للصين مضيق ملقا، الذي يقع في منطقة جنوب شرق آسيا بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الأندونسية، ويصل ما بين بحر أمدان في الشمال الغربي من المحيط الهندي وما بين بحر الصين في الجهة الجنوبية الشرقية للمحيط. ولهذا كان التركيز في الكتاب على العلاقة التي تتطور ما بين الصين وما بين الدول الجزرية، أي التي تعد عبارة عن مجموعة من الجزر.

يعد المضيق أقصر طريق ما بين الشرق الأوسط وشرق آسيا مما يجعله مهماً من أجل خفض تكاليف النقل ما بين الخليج (الفارسي)  والصين. والخطر المحدق بمضيق ملقا يتأتى من هجمات القرصنة ونشاط السرقات البحرية وأنه مركز لعبور بضائع السوق السوداء العالمية. لذلك لطالما شكل مضيق ملقا - الذي يربط بين إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة - طريقاً تجارياً رئيسياً من وإلى آسيا. ويعد المضيق ثاني  أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم بعد مضيق هرمز، وما جعله يستعيد مكانته في الوقت الراهن، تزايد أهمية العامل الجيوبولتيكي في العلاقات الدولية وتحديداً ما يتعلق منها بالقوة البحرية. 

مع افتتاح قناة السويس في عام 1181، زادت أهمية المضيق، حيث أصبح رابطاً مهماً بين المحيط الهادئ والمحيط الهندي، وهو ما انعكس على زيادة الترابط الجغرافي بين أوروبا والشرق الأقصى. ففي الآونة الأخيرة أصبح المحيط الهندي يشكل طريق عبور رئيسي للسلع الأساسية اللازمة لتغذية اقتصادات آسيا والعالم سريعة النمو، فالتجارة العالمية - بما في ذلك على وجه الخصوص جزء كبير من موارد الطاقة في العالم- ترتكز على "نقاط الإختناق"- بين مناطق الإنتاج ووجهتها النهائية. ولأن مضيق ملقا يربط بحر الصين بالمحيط الهندي، أحد أهم نقاط الإختناقات المرورية الكبيرة في العالم، حيث يعتبر الطريق عبر المضيق هو أقصر طريق بحري من القرن الإفريقي والخليج إلى شرق آسيا والمحيط الهادئ؛ وهو ما يجعله ليس مجرد قناة لحركة المرور البحري، ولكنه ممر يضمن تدفق الطاقة إلى الصين. ولذلك كان لا بد لها من الحفاظ على ممرات مصادر الطاقة المهمة بالنسبة لها.

لذلك كان من الضروري للصين العمل على الحفاظ على الإستقرار في المحيط الهندي وفي بحر الصين. وضمن إجراءات اللااستقرار وتأمين الممرات المائية كان بناء الغواصة النووية وحاملات الطائرات الثلاث التي تجوب بحر الصين والمحيط الهادئ من أجل تأمين الملاحة، وخاصة من الهجمات التي قد تتعرض لها السفن من القراصنة وخاصة من دولة جيبوتي. لذلك حتى في هذا المجال عملت الصين على إقامة العلاقة مع جيبوتي ومع الدول الصغيرة المتناثرة عبر المحيط الهندي وبناء العلاقات التجارية معها، وتشبيك العلاقات ضمن خطة نطاق وطريق وبالتالي التنمية والإستثمارات في هذه الدول. هذه العلاقات يشير إليها الكتاب ضمن فصوله المختلفة، مما يدفع القارئ إلى إعادة التفكير بأولويات الأمن وكم الحاجة من التحول إلى أن يكون المحيط الهندي محيطاً آمناً للتجارة العالمية مع الصين، بدلاً من أن يكون محيطاً يتحكم به القراصنة. لكن هذا الأمر وتطوير القوة العسكرية الصينية، إضافة إلى تطور التجارة والإقتصاد الصينيين، باتا أمراً مقلقاً بالنسبة للولايات المتحدة، التي تجد في القوة العسكرية الصينية الصاعدة تهديداً لها، وخاصة بعد  افتتاح الصين في جيبوتي لقاعدتها البحرية الأولى في الخارج، كشفت الصين من خلاله عن طموحاتها الجيوسياسية. وهذا ما يقلق الغرب في العام 2017، إذ اعتبر الفاعلون الإقليميون وغير الإقليميين على حد سواء (باستثناء شركاء الصين التقليديين)، أن هذا ينم عن نوايا للسيطرة على خطوط التجارة العالمية.

الصين والمحيط الهندي

ولذا يدعي كل من جراري وسمعان أن محاولة الصين إنشاء موطئ قدم دائم في المحيط الهندي باتت سمة مثيرة للجدل بشأن وجهات نظر الصين في المنطقة، وخاصة مع تزايد نفوذها في المنطقة. ولذلك رأى العديد من المحللين في الولايات المتحدة والبعض في الهند، أن هذا المفهوم وسيلة لتحدي الهيمنة الأميركية أو الموقف الهندي في المنطقة، مما يعكس بشكل أكبر في الحالة الأخيرة مخاوف الهند الخاصة. على الرغم من ذلك، ظل آخرون، بما في ذلك الصين، متشككين بشأن الأساس المنطقي لمحاولة تأمين إمدادات الطاقة الصينية بشكل أساسي من خلال الوسائل العسكرية. وفي هذا السياق، تكتسب الممرات الاقتصادية الصينية أهمية خاصة، ففي حين لم يكن غرب الصين، وهو المستهدف الأول في مشاريع التنمية في الصين، يتمتع يوماً بسهولة الوصول إلى الأسواق العالمية من قبل ولم يكن يمكنه ذلك من جذب استثمارات أجنبية كبيرة قط. وهنا يمكن الإضافة، أنه لولا الانفتاح الصيني على منطقة المحيط الهندي، لما استطاعت الدولة الصينية رفع المستوى الإقتصادي لغرب الصين أشواطاً بعد أن كانت تعد منطقة فقيرة مقارنة بشرق الصين.