"الوعاء الخاوي" .. ملحمة فضائية في المستقبل البعيد

  • غلاف رواية
    غلاف رواية "الوعاء الخاوي" للكاتب باسم الخشن.

الرواية: الوعاء الخاوي

تأليف: باسم الخشن

الناشر: دار ن – القاهرة - 2022 -

الخيال العلمي هو ذلك النوع من الأدب الذي يمزج بين العلم والخيال، بل يمكننا القول إن الخيال العلمي يسبق العلم بخطوة، حيث تنبأ الخيال العلمي بأشياء كثيرة مثل الصعود إلى القمر والغوص في أعماق البحار على أيدي كُتّاب مثل جول فيرن وإتش جي ويلز قبل أن يحقق البشر هذا بعقود من الزمن. ورغم هذا فإنه لون من الألوان الأدبية التي نفتقد وجود عدد كافٍ منها باللغة العربية، فالأفلام العربية التي تكتب الخيال العلمي قليلة بالمقارنة مع تلك التي في الدول الغربية، بل والشرقية أيضًا مع صعود الخيال العلمي الآن في دول شرقية مثل الصين.

ومن روايات الخيال العلمي التي صدرت أخيرًا باللغة العربية رواية "الوعاء الخاوي" من تأليف الكاتب المصري باسم الخشن وصدرت الرواية عن دار ن للنشر والتوزيع بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2022. وتعد هذه الرواية أولى روايات الكاتب في أدب الخيال العلمي، حيث صدر له من قبل أربع روايات تنتمي إلى أدب الفانتازيا والرعب، قبل أن يقرر الكاتب أن يخوض غمار أدب الخيال العلمي.

أوبرا الفضاء والملاحم الفضائية

تنتمي رواية "الوعاء الخاوي" إلى نوع فرعي من الخيال العلمي يسمى "أوبرا الفضاء" والروايات التي تقع في هذا التصنيف تدور أحداثها غالبًا في الفضاء الخارجي وتتناول ملاحم فضائية وصراعات بين كواكب أو مجرات، أو قوى كونية ذات تكنولوجيا متقدمة للغاية، للصراع على موارد الكون أو فرض الهيمنة عليه، مثل سلسلة "Foundation" أو "القاعدة" للكاتب أيزك أزيموف أو سلسلة "Dune" أو "كثيب" للكاتب فرانك هربرت، ومثل بعض أعداد سلسلة "ملف المستقبل" للكاتب الراحل د. نبيل فاروق.

تدور أحداث رواية "الوعاء الخاوي" في المستقبل البعيد، فتبدأ الرواية بتمهيد سنة 2625 بسفينة فضاء تسمى "سفينة الأجيال" وهي سفينة قادرة على الإبحار في الفضاء لأكثر من ألف سنة، تنطلق عبر الفضاء بحثًا عن أقرب الكواكب الصالحة للحياة في المجرة. نتعرف بعدها على أن هناك جزءًا من سكان الأرض يسكنون في محطات فضائية تسمى الروافد، ومع مرور الزمن يكتسب ساكنو الروافد سمات شكلية جديدة تختلف عن سمات سكان كوكب الأرض بسبب العيش المستمر في الفضاء. 

ثم يقفز بنا الكاتب قفزة أبعد إلى عام 3370 لنلتقي ببطل الرواية "بيجين الراعي" الجندي الموجود على متن السفينة الحربية "تيامات" الذي يعاني من الكوابيس وضعف ثقته بنفسه بسبب تلعثمه في الحديث أو "التأتأة" كما يصفها الكاتب، ونتعرف على سمات المستقبل التكنولوجية في عالم الكاتب، حيث هناك "الانتغريشن" وهو شيء أشبه بالإنترنت في عالمنا، لكنه في عالم الرواية يربط بين الأرض والفضاء، وبين السفن والكواكب المتعددة.

ونتعرف أيضًا على سفن السجلات، فهذا العالم تحكمه سفن ضغط البيانات، فمن يتحكم في الاتصالات يتحكم في العالم. ونعرف من خلال مذكرات بيجين الراعي أن "الحكومات قد صارت مؤسسات تخدم الشركات المسؤولة عن ضغط وإرسال الملفات، ويتابع المهتمون بالشأن العام تغيرات مجلس إدارة تلك الشركات ليتوقعوا التغيرات السياسية. وإذا أردت أن يكون لك صوتٌ في أي تغيير أو تطوير فيجب عليك أن يكون لك سهم في تلك الشركات، التي يتقلص عددها باستمرار حتى تصبح شركة واحدة سائدة تتحكم في باقي الشركات، ومدى أهميتك كمواطن وكإنسان تتناسب طرديًّا مع حجم الأسهم المسجلة باسمك".

السفر عبر الفضاء في عالم الوعاء الخاوي

ومن النقاط العلمية الصعبة التي تواجه كتاب الخيال العلمي الذين يكتبون في أوبرا الفضاء هي السفر عبر مسافات شاسعة تقدر بملايين السنين الضوئية فيلجأ بعض الكُتّاب إلى استخدام سفن قادرة على السفر عبر الكون بسرعة الضوء التي تساوي ما يقارب 300 ألف كيلومتر في الثانية، بينما يلجأ كُتّاب آخرون للاستعانة بنظريات علمية أخرى مثل الثقوب الدودية أو السفر عبر الثقوب السوداء، كما فعل أزيموف في رواياته حيث تسافر السفن بالقفز عبر الفضاء الفائق لتقطع مسافات شاسعة في المجرة في ثوانٍ معدودة.

أما في عالم رواية "الوعاء الخاوي" فقد ابتكر الكاتب فكرة "النسيج المرمل" وهي الوسيلة التي يستخدمها البشر للسفر عبر المجرة إلى أماكن أبعد بكثير من التكتل المحلي، أماكن قد تحتاج من البشر إلى سنوات طوال، حتى بالسفر بسرعة الضوء، وتختصر هذا الزمن إلى لحظات معدودة. يعد النسيج المرمل خريطة مختصرة للكون، وتلعب الأحلام دورًا في الانتقال عبره، ومن ثم اخترع البشر محركات وسفن الأحلام التي تخترق هذا النسيج. وكانت أول سفينة اختبر البشر عليها محركات الأحلام محطة فضائية من محطات الروافد، وكانت هذه هي بداية ثورة الروافد وقرارهم بالانفصال عن الأرض.

ومن الأشياء العلمية المعقدة في كتابة الملاحم الفضائية وصف المعارك والاشتباكات الفضائية. ففي الفضاء لا يوجد أعلى وأسفل، والاتجاهات كلها نسبية، كما أن المساحات شاسعة للغاية، فإطلاق صاروخ لا يأخذ ثواني معدودة، بل قد يأخذ الصارخ دقائق وأحيانًا ساعات قبل أن يصل إلى هدفه، لذا فإن المعارك الفضائية تعتمد غالبًا على الذكاء والاستراتيجية أكثر من مجرد القوة العسكرية. 

وقد برع الكاتب في وصف المعارك الفضائية في روايته، فوصف الحركات والمناورات والضربات بتفصيل دقيق مما يدل على أنه بذل وقتًا من البحث العلمي قبل أن يشرع في كتابتها، والاعتماد على المصادر العلمية هو ما يميّز الخيال العلمي عن الألوان الأدبية الأخرى.

براعة في رسم الأجناس والشخصيات

وإلى جانب "بيجين الراعي" بطل الرواية هناك العديد من الشخصيات التي رسمها الكاتب ببراعة كما رسم عالمه، ومنهم الطفلة "تالي" التي يعثر عليها "الراعي" على متن سفينة الأجيال بعدما قضت السفينة قرونًا ضائعة في الفضاء، وتمثل "تالي" لغزًا طيلة الرواية، ولكنها تمثل مع "الراعي" ثنائيًّا مذهلًا. وهنالك أيضًا "سيڤا" المدير التنفيذي للشركات الأرضية الحاكمة، فالشركات هي المؤسسات الحاكمة الفعلية للأرض في مستقبل الرواية. وهناك "راندي ميتشوم" رئيس القطاع السابع من الفضاء والمسؤول عن الدفاع عنه، وهو القطاع الذي سيشهد لأول مرة في تاريخ البشرية لقاءً من النوع الثالث.

هذا إلى جانب العديد من الشخصيات الأخرى البشرية وغير البشرية. وقد برع الكاتب في رسم كل شخصية في روايته بسماتها المميزة لجعلها تنبض بالحياة.

فكما أن "الراعي" يتلعثم في الحديث ويحب غناء النهمات أو أغاني البحارة القديمة، فكذلك تتميز "تالي" ببراءتها الطفولية ورغبتها في التعلّم وفضولها تجاه كل شيء، هذا إلى جانب الغموض الذي يحيط بها.

وتتميز "سيڤا" بشخصيتها السياسية القيادية وميلها للسخرية اللاذعة وخصوصًا من سكان الروافد. 

أما "ميتشوم" فيمثل الشخصية العسكرية الحازمة، فهو مستعد للدفاع عن القطاع التاسع بأي ثمن.

وإلى جانب البشر وسكان الروافد فهناك ذلك الجنس الغامض الذي يسمّيه البشر "الهرميين" فهم يتميزون بسفنهم الغريبة ذات الشكل الهرمي، وقد نصَّبوا أنفسهم حراسًا للمجرة، ويرتبطون بشكل ما بظهور النسيج الرملي، وهناك أجناس أخرى غير بشرية تتكشف مع تتابع أحداث الرواية حتى تصل إلى نهايتها وذروة أحداثها.

في النهاية اختر شريرك

مع تشابك الأحداث نصل إلى الذروة ومن بعدها لحظة الحل أو الكشف أو التنوير، ويتوقع القارئ حل كل المشكلات في لحظة التنوير تلك، ورغم أن القارئ سيجد النهاية مرضية ولكنها غير تقليدية، فيفاجئ الكاتب قراء روايته بنهاية تحمل عنوان Pick Your Villain أو اختر شريرك، وهي تترك العديد من الإجابات لمخيلة القارئ، فربما أراد الكاتب أن يضع القارئ في حذاء البطل وأن يتركه يفكر معه ويختار معه، ولا أنكر أنها تجربة فريدة ولكنها تترك بعض الأسئلة مفتوحة، وبحاجة إلى إجابات. ولكن ربما نجد هذه الإجابة في أجزاء قادمة، فرغم أن الكاتب أعلن أن الكتاب مستقل وليس جزءًا من سلسلة، إلا أن العالم الذي بناه الكاتب واسع ومتشابك ومليء بالتفاصيل، ويمكن كتابة العديد من الأجزاء في هذا العالم لمعرفة المزيد عن النسيج المرمل، وسادة النسيج، والكثير من الأشياء الأخرى في هذا العالم المستقبلي الغريب والفريد من نوعه في الأدب العربي.

لا يعيب الرواية من وجهة نظري إلا أن الكاتب قد تعجل في بعض النقاط في الرواية والتي ربما كانت بحاجة إلى المزيد من التفصيل، ولعله تَعَمُّد من الكاتب لإضفاء بعض الغموض على عالمه. والنقطة الأخرى هي استخدام بعض المصطلحات الإنجليزية بدلًا من استخدام بديل عربي لها، مثل استخدام كلمة "فلتر" و"الفلاتر العظمى للحياة" وكنت أفضل استخدام كلمة "مرشح" و"المرشحات العظمى للحياة" وأيضًا تكنولوجيا "الانتغريشن" وهي من التفاصيل المميزة في عالم الرواية حيث تربط كل شيء داخل الأرض وخارج الأرض، كنت أفضل استخدام كلمة عربية للدلالة عليها. فالجيل الجديد من كُتَّاب الخيال العلمي يرسمون خطوط مستقبل هذا اللون الأدبي في العالم العربي، ونحن بحاجة إلى مصطلحات عربية في الخيال العلمي العربي.

ولكن هذه الملحوظات البسيطة لا تنتقص من جمال الرواية والعالم الذي رسمه الكاتب، وأتطلع في المستقبل لمزيد من عوالم الخيال العلمي من الكاتب باسم الخشن، كما أمتعنا بعدد من العوالم الفانتازية الخيالية، ربما بأجزاء أخرى من عالم "الوعاء الخاوي" حيث نستكمل رحلتنا مع "الراعي" أو ربما في أماكن أخرى من المجرة، أو المجرات البعيدة، في المستقبل البعيد.