خوذة خارقة

كنت أتمنى أن يصدّق القدر أنني خوذةً خارقة وعندي تعويذة تجعلني أُبعِد عنها الموت. حاولت أن أبعِد ذلك الصباح، لكنه أتى. أتى معه الغدر وخطف منّي مليكتي. وأنا بدلاً من أن أحميها، شهدت فوح دمها.

  • الزميلة الصحفية الشهيدة فرح عمر
    الزميلة الصحافية الشهيدة فرح عمر

إهداء إلى الصحافية الشهيدة فرح عمر وكل الصحافيين الشهداء في لبنان وفلسطين

**

خوذة زرقاء داكنة مكتوب عليها بأحرف سحرية. تُبعد عن صاحبها الشرّ. تحميه من الحرب. تقيه الخطر. تزيده قوّةً وجمالاً وتجعله بطلاً خارقاً. كنت أعتقد بسذاجة أنني خوذة بقدرات عجائبية. كيف لا وأنا أراها تضعني على رأسها باحترام كبير؟

ففي كلّ مرّة كانت تجعلني أغترّ وأصدّق فعلاً أن في الحروف البيضاء تعويذة تجعلني قادرة على حمايتها. كانت تحملني برفق وتضعني على رأسها ثم تشدّني وتثبّتني إلى ذقنها فأشعر بنبضها الواثق.

وعندما تقف أمام الكاميرا وتبدأ بالكلام تخترقني موجات صوتها فأشعر بقوّتها وصدقها. كان صوتها كالموسيقى يخترق جسدي المُدرَّع، ونبضها يضخّ فيه الحياة. 

كم تشبه صغيرتي تلك الشجرات من حولها هنا. تقف بفرح وثبات لا يأسر حرّيتها صوت أزيز طائرات في سمائنا. 

كلما عرفتها أكثر أيقنت بأنها لا تصدّق أنني خوذة خارقة، وأن كلمة "صحافة" لا تردع عدوّها الذي يقتل الأطفال والأطباء والمسعفين والصحافيين في فلسطين.

لم تصدّق أنني خوذة خارقة، ولكن مليكتي أرادتني أن أكون تاجها. ألا تحتاج كلّ ملكة إلى تاج؟

لقد كنتُ تاجها المرصّع بأحرف بيضاء تكتب "صحافة"، وكانت تعني لها ثروتها وجواهرها ومملكتها. أمّا أنا فلم أرد يوماً أن أكون تاجاً بهيّاً، كل ما كنت أتمناه هو أن أحميها.

كنت أتمنى أن يصدّق القدر أنني خوذة خارقة وعندي تعويذة تجعلني أُبعِد عنها الموت. حاولت أن أبعِده ذلك الصباح،لكنه أتى. أتى معه الغدر وخطف منّي مليكتي. وأنا بدلاً من أن أحميها، شهدت فوح دمها.

أتى ذلك الصباح. رأيت مليكتي الصغيرة تقف هناك. كان وجهها منيراً كشمس فلسطين.  تتزيّن بابتسامتها. تستبدلني بتاج الحريّة.. وترحل. 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.