فرانس برس: رعاية أم غزو؟ السعوديون يتدخلون في الثقافة المصرية

تثير الهبات السعودية للمشهد الثقافي في مصر الكثير من الجدل، ومنها أن يتحوّل التمويل السعودي مجرد وسيلة لممارسة السيطرة على القطاع الثقافي المصري.

غمرت الهبات السعودية المشهد الثقافي في مصر، لكن استقبالها كان متناقضاً، حيث يرحّب البعض بـ "التعاون" الجديد بين قوتين إقليميتين، بينما يخشى البعض الآخر من الاستيلاء عدائياً من قبل الرياض.

في القاهرة، العاصمة الثقافية للعالم العربي تاريخياً، استضافت وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني مؤخراً رئيس "الهيئة العامة للترفيه" في السعودية تركي آل الشيخ، وقد برز الأخير، صاحب الجيوب المليئة بالأموال، باعتباره راعياً للنخبة الثقافية في مصر، حيث تتودّد إليه أفضل المواهب في القاهرة لإنتاج عدد كبير من الأفلام المقبلة.

وقالت وزارة الثقافة المصرية إنّ اتفاقاً ثلاثياً جديداً بين آل الشيخ وكيلاني و"يونايتد ميديا سيرفيسز"، وهي مجموعة متعددة الوسائط تمتلك الكثير من صناعة الإعلام والترفيه في مصر، سيؤدي الى "تعاون في مجموعة من المجالات" بما في ذلك "المسرح والسينما والموسيقى".

الناقدة الثقافية، ماجدة خير الله، ترى أنّ هذا مثال آخر على "رغبة السعودية في تغيير الصورة النمطية عن علاقتها بالفن"، موضحة "لكن لا يمكنك خلق مشهد فني بين عشية وضحاها"، وهنا يأتي دور المواهب المصرية.

ودافع آل الشيخ عن الاتفاقية على شاشة التلفزيون المصري قائلاً إنها مفيدة للجميع، وقال: "مصر تعج بالمواهب والمهنيين، والسعودية تشهد نهضة كبيرة"، مضيفاً "يمكننا تحقيق قفزة كبيرة إلى الأمام معاً من خلال تكامل بعضنا البعض".

وعُرفت القاهرة باسم "هوليوود العالم العربي" على مدار قرن من الزمن، حيث تحظى أفلامها بشعبية كبيرة ونجومها معروفون في جميع أنحاء المنطقة، ومع ذلك، تقول خير الله إنه مع مواجهة مصر لأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها الحديث، بما في ذلك صناعة الإعلام، فإن "الإحسان" السعودي يولد ديناميكية قوة غير متكافئة تتمثّل في عمليات الاستحواذ أكثر من الشراكة.

وقالت خير الله إن "هناك فرقاً بين التعاون والتمويل"، فمن خلال التعاون "يقوم الجانبان بإبداع وإنتاج الفن، لكن هذا ليس ما تفعله السعودية" بل "إنهم يحصلون على فننا ونجومنا وموسيقانا مقابل ثمن".

وبالفعل، فإن دائرة المهرجانات السينمائية المتنامية في السعودية مليئة بالفنانين والممثلين والموسيقيين المصريين.

لكن على الرغم من صعود الرياض كمركز ثقافي جديد للمواهب العربية، لم تسر الأمور بسلاسة، فقد أثارت "الليلة السعودية المصرية" الأولى - وهو حدث موسيقي في دار الأوبرا المصرية - ضجة بين نقّاد الثقافة في مصر الشهر الماضي.

وقالت هند سلامة، التي تقود التغطية الإخبارية المسرحية في مجلة روز اليوسف المصرية، إنه "لم يكن هناك احترام" لدار الأوبرا كمؤسسة.

وقالت: "إنه رمز للفن المصري، وليس مسرحاً خاصاً"، مضيفة "كانت هيئة الترفيه السعودية وحدها مسؤولة عن الدعوات واختيار المشاهير، فكيف يمكننا أن نسمّي هذا التعاون؟".

أما الناقد المصري محمد عبد الخالق، فقال إن الحدث يتعارض أيضاً مع قرار وزارة الثقافة الفعلي بتعليق جميع المهرجانات والاحتفالات تضامناً مع الفلسطينيين الذين يتعرّضون للعدوان الإسرائيلي في قطاع غزة.

وأضاف: "ألغينا مهرجان القاهرة السينمائي وألغينا مهرجان الموسيقى العربية، فماذا حدث الآن؟ هل توقّفت المجازر؟".

كما أعلن آل الشيخ عن صندوقه "Big Time" للسينما العربية، والذي من المقرّر أن ينتج 10 أفلام مصرية هذا العام.
ويعد هذا المسعى - الذي تبلغ قيمته 4 مليارات جنيه مصري (86 مليون دولار أميركي) - بمثابة دفعة كبيرة لصناعة تتمتع بثروة من المواهب، لكن المشهد الاقتصادي يعيق القدرة الإنتاجية.

في الخمسينيات، عندما تمّ تأميم الصناعة في الأيام الأولى للجمهورية، كانت مصر ثالث أكبر منتج للأفلام في العالم، والآن، على الرغم من إنتاجها لثلاثة أرباع الأفلام العربية، تم إصدار 21 فيلماً فقط في عام 2022.

وقال عبد الخالق إنه بينما تحاول السعودية بناء "أرشيف ثقافي خاص بها، فمن الطبيعي أن تعتمد على الفنانين والفنيين المصريين من أجل النهضة الفنية السعودية".

هذه الموجة من الإنتاج المموّل من السعودية تعود بالنفع المباشر على الفنانين المصريين، ومنهم مخرجو المسرح والممثّلون الذين يعرضون الآن المسرحيات في المملكة.

ومع ذلك، تقول ماجدة خير الله إن هذا سيكون أيضاً سيفاً ذا حدين: "إن الحصول على التمويل أمر رائع، طالما أنه لا يأتي مع فرض أفكار على الفنان المصري" لأن ذلك سيجعله "مجرد وسيلة لممارسة السيطرة".