روايات اليوم الواحد: حياة كاملة في أربع وعشرين ساعة

نتناول قائمة من خمسة عشرة رواية تذكّرنا كم يمكن أن تكون أحداثُ يومٍ واحد جوهريةً وأن الكثير جداً يمكن أن يحدث في أربع وعشرين ساعة.

  • الأديب الأميركي جيروم دايفيد سالينجر.
    الأديب الأميركي جيروم دايفيد سالينجر.

مع نهاية كل سنة، يطلب إلينا أن نقيّم أنفسنا؛ ما الذي فعلناه في الثلاثمئة وخمس وستين يوماً الماضية لتطوير أنفسنا؟ هل تغيرنا نحو الأفضل أو نحو الأسوأ؟ إن تغييراً هائلاً يمكن أن يحدث، وكثيراً ما يحدث، خلال كل دورة للشمس حولنا، لكننا غالباً ما ننسى أن أحداثاً كبيرة وهائلة الأثر يمكن أن تحدث في مدة لا تتجاوز الأربع وعشرين ساعة؛ اكتشافاتٌ داخلية وخارجية، أفكار تتغير، قرارات تُتَّخذ، رحلاتٌ تبدأ أو تنتهي. من هنا، جاءت فكرة روايات اليوم الواحد؛ تلك الروايات التي تتناول يوماً واحداً فحسب في حبكتها وفي حياة شخصياتها، وتحشد عمراً من التجارب في هذه المدة القصيرة. يدعى هذا النوع من الروايات "الروايات اليَوْمَاويّة" (circadian novel). والشيء الضروري عند كتابة رواية من هذا النوع هو التركيز على اللحظة؛ التركيز الدقيق على الصورة المقربة جداً. لكن، ورغم الضغط والتكثيف، تلجأ هذه الروايات إلى إجراء بعض التضخميات والمبالغات الغريبة.

التقييد الأهم في روايات اليوم الواحد هو بالطبع الوقت. فالتحدي الرئيسي هنا هو ضبط مرور الوقت أثناء محاولة الرواة تفكيكَ ألغاز معنى الأحداث واللقاءات. علاوة على ذلك، الإحساس بالمكان ضروري أيضاً من أجل توفير أرضية لرحلاتِ عقل الراوي، وجعل الذكريات التي تثيرها المحفزات الحسية ترسو في هذا المكان. 

يغوص هذا النوع من الروايات في حياة الشخصية ووعيها وينغمس فيها انغماساً كبيراً، بالإضافة إلى ترجيعِ صدى إبداعي يعكس تجاربنا المُعاشة خلال 24 ساعة. تلتقط هذه الروايات أيضاً نبض الحياة خلال الخليط الغريب لليوم الواحد؛ خليط العادي اليومي مع الدراماتيكي. وتكون الحبكة عادة سريعة الإيقاع، كما في روايات التشويق، أو غير موجودة تقريباً، كما في روايات تيار الوعي (أو تداعي الذاكرة). في الحالتين، يبقى صنعُ قصةٍ مثيرة للاهتمام مع تقييد فترتها الزمنية عملاً يحتاج إلى الكثير من البراعة والدهاء. 

وكأمثلة عن هذا النوع من الروايات، نتناول فيما يلي قائمة من خمسة عشرة رواية تذكّرنا كم يمكن أن تكون أحداثُ يومٍ واحد جوهريةً وأن الكثير جداً يمكن أن يحدث في أربع وعشرين ساعة:

  • رواية
    رواية "ترنيمة عيد الميلاد" للأديب الأميركي تشارلز ديكنز.

1. "ترنيمة عيد الميلاد"، تشارلز ديكنز (1843)

رواية كلاسيكية تروي قصة يوم عيد الميلاد المصيري في حياة إيبينيزر سكروج. سكروج هو أكثر الرجال بخلاً ودناءة، وليس لديه أي شعور بالحماس إزاء عيد الميلاد. لكن، في تلك الليلة يظهر شبحُ شريكه في العمل جاكوب مارلي مزنراً بالسلاسل، ويحذّره من مصير مماثل إذا لم يغيّر طريقة حياته قبل أن يفوت الأوان، فيتأثر سكروج ويتغير. الرواية هجاء واضح للذين يرفضون أن يشاركوا في مناسبات البشر المبهجة وهجاء لجشع البشر. ولا تزال تحتفظ بقوتها بعد مرور زمن طويل على نشرها، وهو ما يعود في جزء منه إلى نوعية جملها وبساطة السرد فيها. إنها الحكاية الأخلاقية الحديثة بامتياز.

  • رواية
    رواية "يوليسيس" للكاتب جيمس جويس.

2. "يوليسيس"، جيمس جويس (1922)

رغم قصرها، تحتوي هذه الرواية بعض أجمل المقاطع الوصفية المكتوبة باللغة الانكليزية. ورغم امتداد أحداثها ليوم واحد فقط، تتطلب قراءة متأنية جداً من أجل ارتشاف كل كلمة وكل جملة حاكها جويس ببراعة. تتتّبع الرواية حياة شخصيتين خلال يوم واحد هو السادس عشر من حزيران / يونيو، وهو يوم يحتفي به سكان دبلن وعشاق جويس كل سنة تكريماً له وللرواية. ليوبولد بلوم يهودي من دبلن يعمل في مجال الإعلانات وقد ابتلي بخيانة زوجته، وستيفين ديدالوس وهو شاعر طموح يتجول في شوارع دبلن. تصوّر الرواية حياة الشخصيتين كل على حدة أول الأمر، ومن ثم معاً، بعد أن يلتقيا صدفة أثناء تجولهما بلا هدف في دبلن. الرواية هي بمثابة إعادة تخيّل لأوديسة هوميروس، وهي تستخدم أسلوبي تيار الوعي والمونولوجات الداخلية.

  • رواية
    رواية "السيدة دالاوي" للكاتبة فيرجينيا وولف.

3. "السيدة دالاوي"، فيرجينيا وولف (1925)

كلاريسا دالاوي هي سيدة من الطبقة العليا تحضّر في اليوم الذي تتناوله الرواية حفلة عشاء لزوجها عضو البرلمان، ريتشارد دالاوي. ومثل يوليسيس، توظّف هذه الرواية تقنية تيار الوعي. تتجول كلاريسا في لندن، وأثناء ذلك التجوال تستعيد ذكرياتها وحياتها السابقة في الريف. وتتناوب الرواية بين شخصيتي كلاريسا الاجتماعية وسبتيموس، وهو من المحاربين القدامى في الحرب العالمية الأولى ويعاني اضطراب ما بعد الحرب الذي يدفعه إلى الانتحار في النهاية. 

"السيدة دالاوي" هي رواية استبطانية تستكشف الطرق المختلفة التي يتمظهر فيها الاكتئاب عند بشر مختلفين.

  • رواية
    رواية "فراني وزوي" للأديب جيروم دايفيد سالينجر.

4. "فراني وزوي"، جيروم ديفيد سالينجر (1961)

الرواية بمثابة دراسة شخصية لفردين في عائلة غلاس، فراني وزوي. فراني، المحبطة بسبب غرور أساتذتها وزيف زملائها في الدراسة، تنهار أثناء تناول الغداء مع صديقها الحميم. وفي منزل العائلة، حين تستمر بالبكاء من دون عزاء، يُوكل إلى أخيها زوي مهمة إصلاح الوضع. زوي هو الأخ الذكي الذي يرشد أخته أثناء حالة الشك الروحي والوجودي التي تمر بها. وما يلي ذلك هو تبادل أفكار مرير، إنما مؤثر، بين أصغر أفراد عائلة غلاس حول مسائل الدين، الذكرى، والاحترام.

  • رواية
    رواية "يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش" للروائي الروسي سولجينستين.

5. "يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش"، ألكسندر سولجنيتسين (1962)

بسبب تهم خيانة ملفقة، يقضي إيفان دينيسوفيتش شوخوف مدة عشر سنوات من الأعمال الشاقة في سجن سوفييتي. من لحظة الاستيقاظ إلى اللحظات الهانئة التي تسبق النوم، نتابع حياة إيفان وهو يحاول الصمود في الزنزانة. نرى المعسكر بعيونه، وتمرَّر إلينا المعلومات من خلال أفكاره، ومشاعره، وأفعاله. الرواية توصيف مؤلم لصراع المعتقلين من أجل استعادة الإنسانية في وجه ظروف مجردة من الإنسانية، وفيها وصف مفصّل لطرق السجناء في النجاة. رواية ذكية، ماكرة، وفيها لمحة من الأمل، ولا سيّما في مناورات إيفان للحصول على ميزات صغيرة من دون خيانة أي أحد.  

  • رواية
    رواية"رجل أعزب" للكاتب كريستوفر إشيروود.

6. "رجل أعزب"، كريستوفر إشيروود (1964)

جورج رجل انكليزي، مدرّس للأدب، مقيم في سان فرانسيسكو، ويتأقلم مع موت جيم، حبيبه لزمن طويل. لكن رغم ذلك الحزن، يحاول جورج التصالح مع حياته الجديدة، ويتخذ إجراءات فعالة ليبطئ انهياره الجسدي وهو مقتنع بأنه لا يزال قادراً على ممارسة سحره على من يقابلهم خلال هذا اليوم. هكذا، نرافق جورج عبر روتينه اليومي ونقرأ عن تفاعلاته مع الآخرين. "رجل أعزب" هي توصيف متعدد الطبقات للحزن، كما أنها تمثّل تطوراً في مجال تحرّر المثليين. 

  • روايات اليوم الواحد: حياة كاملة في أربع وعشرين ساعة
    "هل تحلم الروبوتات بخرفان آلية؟" للكاتب فيليب ك. ديك.

7. "هل تحلم الروبوتات بخرفان آلية؟" فيليب ك. ديك (1968)

في عام 2021، بعد نهاية حربٍ عالمية دمرت الأرض، احتل البشر كواكب أخرى برفقة عبيدهم من الروبوتات. وريك ديكارد موكل بمهمة ملاحقة روبوتات هربت من الخدمة وإحالتها إلى التقاعد الإجباري. تتتّبع الرواية مهمة الصيد هذه خلال يوم واحد طويل. ومن خلال تفاعل ديكارد مع فريسته تطرح الرواية سؤالاً: "ما الذي يجعل البشرُ بشراً"؟ تصنَّف الرواية من كلاسيكيات الخيال العلمي.

  • رواية
    رواية "قصة موت معلن" للأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز.

8. "قصة موت معلن"، غابرييل غارسيا ماركيز (1981)

من خلال مزج التقنيات الصحافية مع التخييل، تُروى قصة سانتياغو نصّار. يُعلن من السطر الأول أن نصّار سيُقتل، ونرى أن سكان البلدة جميعاً يعرفون سلفاً أن جريمة ستحدث. تتناول الرواية اليوم الذي سيُقتَل فيه نصّار مبحرة في التفاصيل الدقيقة التي يبدو أنها تنتهي إلى تقرير المصائر. مع تقدم الرواية، تُصوَّر الجريمة مراراً، بضراوة متزايدة كل مرة، ويُعتبر وصفها واحداً من أجمل توصيفات الجرائم وأكثرها قوة في الأدب الحديث. كذلك، الرواية هي تأمل في فكرة أن المتفرجين مسؤولون أيضاً عن التراجيديا التي تتكشف لهم.

  • رواية
    رواية "طابق الميزانين" للكاتب نيكلسون بيكر.

9. "طابق الميزانين"، نيكلسون بيكر (1988)

تضيّق هذه الرواية بؤرة تركيز هذا النوع من الروايات أكثر فأكثر، متتّبعة العاملَ المكتبي هاوي أثناء استراحة غداء واحدة. مثل عمله تقريباً، أفكار هاوي تبدو عادية ومبتذلة: أربطة الأحذية، تطور علب الحليب الكرتونية، إلى آخره. لكن، مع تقدمنا في قراءة صفحات الرواية المائة والخمس وثلاثين، ندخل في عقل هاوي نحو أفكار أكثر عمقاً. ومن خلال تأملاته أثناء وجبة الغداء تلك، نحصل على لمحة عن سنواته البناءّة، طفولته وتجاربه في سني الرشد.

10. "الساعات"، مايكل كننغهام (1998)

مستوحاة من رواية السيدة دالاوي، تؤرخ الرواية يوماً في حياة ثلاث نساء يعشن في ثلاث فترات زمنية مختلفة: فيرجينيا وولف في عام 1923، وهي تفكر في حبكة روايتها "السيدة دالاوي"؛ لورا براون في الخمسينيات، وهي ربة منزل حامل تهرب إلى فندق محلي لتقرأ "السيدة دالاوي"؛ وكلاريسا فوغان في وقت الرواية الحاضر، وهي محررة كتب تخطط لحفلة، مثل السيدة دالاوي، لصديقها الشاعر المحتضر ريتشارد. تتأمل كل واحدة من أولئك النساء واقعها، ويستكشفن من خلال ذلك ثيمات الجنسانية، النسوية، والمرض العقلي.

  • "ما بعد الظلام" للروائي الياباني هاروكي موراكامي.

11. "ما بعد الظلام"، هاروكي موراكامي (2004)

الرواية من نمط الواقعية السحرية. وهي تستكشف الجانب الآخر من اليوم بعد حلول الظلام، متتبعة مغامرات شخصياتها في طوكيو من غروب الشمس إلى شروقها أثناء صراعهم مع معضلات الماضي، والحاضر، والمستقبل. لا تريد ماري آساي، الطالبة الجامعية ذات التسعة عشر عاماً، سوى الحصول على مكان هادئ للدراسة في وقت متأخر من الليل. وقبل دقائق من منتصف الليل، تجد غايتها. لكن، وقبل أن يمر وقت طويل، تؤَجل خطتها وتترك الكتب لأجل صحبة عازف ترومبون، مالك "فندق حب"، وعاهرة صينية، ورجل أعمال. يتداخل خيط من السريالية مع عنف وقصة حب. ومع شوارع اليابان في الخلفية، تستكشف الرواية كيف تتغير الأمكنة والبشر الذين يسكنونها بعد غياب الشمس.

12. "السبت"، إيان ماك إيوان (2005)

بالنسبة إلى جرّاح الأعصاب هنري بيرون، أيام السبت عادة هي أيام للراحة والتأمل؛ لقضاء الوقت مع زوجته، لعب السكواتش مع زميله، وزيارة والدته. لكن، في هذا السبت بالتحديد، ينقلب روتين هنري المُبهج عندما تتراكم سلسلة من الأحداث المقلقة وتندفع نحو خاتمة انفجارية. تجري أحداث الرواية في بريطانيا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001، وتستكشف التوتر الناتج عن يوم من أيام الاحتجاجات التي تملأ الشوارع ضد غزو العراق عام 2003. تتتّبع الرواية حياة وأفكار هنري خلال هذا اليوم.

13. "أرلينغتون بارك"، ريتشل كوسك (2006)

أرلينغتون بارك (أو حديقة أرلينغتون) هي ضاحية عادية؛ إنما حافلة بمسائل الجندر، والثروة، وانعدام الأخلاق. فداخل هذا المكان الهادئ ظاهرياً، ثمة الكثير من الاضطرابات عميقة الجذور. تتحرك كوسك برشاقة عبر عدة منازل في تلك الضاحية خلال يوم ماطر، فاضحةً تلك الاضطرابات، ومركّزة على مصير أمهات شابات عالقات في تلك الضاحية اللندنية. هكذا، نتعرف إلى جولييت المغتاظة من النظام الأبوي، آماندا المكتئبة وذات النزعة الانتحارية، سولي المنجذبة إلى المستأجر عندها، وكريستين وّهي شبح في الحديقة. وكل ذلك خلال يوم واحد أثناء التحضر لحفلة عشاء، وما يتكشف خلال ذلك من نزاعات.

  • "الشمس نجم أيضاً" للكاتب نيكولا يون.

14. "الشمس نجمٌ أيضاً"، نيكولا يون (2016)

يلتقي طالبا الثانوية من نيويورك ناتاشا كينغسلي ودانيال بِي ويقعان في الحب خلال يوم واحد، لكن ثمة مشكلة واحدة: سيتم ترحيل ناتاشا وعائلتها إلى جامايكا خلال 12 ساعة. إلى جانب قصة الحب، يتصارع المراهقان مع مسائل العِرق، والهوية، والهجرة، والنظام القانوني في نيويورك. ورغم هذه التهديدات، في القصة عذوبة عميقة، وهي تُروى من وجهات نظر متباينة، وتتداخل مع الحقائق العلمية وقصص الشخصيات الثانوية.

15. "ليليان بوكسفيش تتمشّى"، كاثلين روني (2017)

رواية مبينة على حياة شاعرة وعاملة في مجال الإعلانات، الثمانينية ليليان بوكسفيش. تتجه ليليان بوكسفيش، عشية رأس سنة 1985، إلى حفلة رأس السنة مرتدية معطفها المصنوع من فرو المنك وقبعتها ذات اللون الأزرق الداكن. وبحسِّ دعابة وآلامِ إدراك عميقة، تقرر أن تتمشى في أرجاء منهاتن. وفي مشوارها الممتد لمسافة عشرة أميال، تتذكر ليليان ماضيها ومسيرتها من كاتبة إعلانات فتية إلى المرأة الأعلى أجراً في مجال الإعلانات. هذه الرواية هي بمثابة قصيدة لمدينة نيويورك دائمة التغيّر. وبطريقة ما، السرد فيها مفاجئ ويبدو كما لو أنه يحتوي على بعض أسرار العيش.

ترجمة وإعداد: سارة حبيب