روضة - رياض

من هما رياض وروضة؟

أبَتْ بِالشامِ نَفسي أن تَطيبا
تَذَكّرتُ المَنازِلَ والحَبيبا
ألا يا رَوضَ قد عَذّبتِ قلبي
فَأصبحَ مِن تَذكُّرِكُم كَئيبا 
ورَقّقَني هَواكِ وكنتُ جَلْداً
وأبدَى في مَفارِقِيَ المَشيبا
أما يُنسيكِ رَوضَةُ شَحطُ دارٍ
ولا قُربٌ إذا كانتْ قَريبا

بهذه الأبيات يعبّر وضّاح اليمن (ت 708م) واسمه عبد الرحمن بن إسماعيل الخَولاني عن حبّه وشوقه لِرَوضةَ، المرأةِ التي  تركها في اليمن وسافر إلى الشام حيث تعشّق أُمّ البنين زوجة الخليفة الأُمَوِيّ الوليد بن عبد الملك وتغزّل بها فقتله الوليد لهذا السبب.

وهو شاعر رقيق الغزل لُقّب بالوَضّاح لجمال طَلّته وكان يحضر المواسم الشعرية مُقنّعاً لئلا تُصيبه العين على ما كان يعتقد القوم آنذاك.

وكانت روضة بنت عمرو الكندية من أهل اليمن أحبّها وضّاح وأحبّته وذهبت به كل مذهب، كما يقول أبو الفرج الأصفهاني في كتاب "الأغاني". وله فيها قصائد كثيرة منها قوله:

يا رَوضةَ الوضّاحِ قد عَنّيتِ وَضّاحَ اليَمَنْ
فَاسقي خَليلَكِ مِن شَرابٍ لم يُكَدّرْهُ الدَرَنْ
الريحُ ريحُ سَفَرجَلٍ والطَعمٌ طَعمُ سُلافِ دَنّْ
إنّي تُهَيِّجُني إليكِ حَمامَتانِ على فَنَنْ

 وخطب وضّاحُ رَوضةَ فامتنع قومُها من تزويجه إيّاها وعاتبه أهلُه وعشيرته. فارتحل إلى الشام وقال فيها:

أيا رَوضةَ الوضّاحِ يا خَيرَ رَوضَةٍ
لِأهلِكِ لو جادوا عَلينا بِمَنزلِ
رَهينُكِ وَضّاحٌ ذَهبتِ بِعَقلِهِ
فَإنْ شِئتِ فَاحْيِيهِ وإنْ شِئتِ فَاقْتُلي

وأُصيبت روضة بعد ذلك بالجُذام. وجاء في كتاب "الأغاني" أن وَضّاح كان في سفر مع أصحابه فبينما هو يسير استوقفهم وعَدلَ عنهم ساعة ثم عاد إليهم وهو يبكي فسألوه عن حاله فقال: "عَدلتُ إلى رَوضةَ وكانت قد جُذِمَت فَجُعِلتْ مع المجذومين وأُخرِجت من بلدها، فأصلحتُ من شأنها وأعطيتها صدراً من نفَقتي"، وجعل يبكي غَماً.

ورَوضة اسم علم مؤنّث مأخوذ من الرَوضة وهي الأرض المُخضرّة بِأنواع النبات وليس فيها شجر بل هي عُشبٌ وماءٌ، فإذا وُجِدَ الشجرُ لا تُسمّى رَوضة. ويقال للرَوضة رَوض. والرَوضُ أيضاً جمعُ رَوضة التي تُجمع أيضاً على رَوضات. وجمع الرَوض رِياض ومنه اسم العلم المذكّر رِياض.

وكثيراً ما يرد وصف الروضة أو الرياض في الشعر العربي قديمه وحديثه لجمال منظرها وطيب هوائها وتغريد الطيور فيها. حتى أن بعض الشعراء لا يعدّ الروضةَ روضةً ما لم تصدح فيها الأطيارُ وتَرِفّ الأجنحة. وهو ما يذهب إليه الأخطل الصغير، واسمه  بشارة عبد الله الخوري (1885 - 1968) حيث يقول:

ما همّني ولِسانُ الحُبِّ يهتِفُ بي
إذا  تَبسّمَ وجهُ الدَهرِ أو  كَلحا
الرَوضٌ مهما زَهَتْ قَفْرٌ إذا  حُرِمَتْ
مِن جانِحٍ رَفَّ أو  مِن صادِحٍ صَدَحا

وقد أبدع بعضهم في وصف الرِياض فرسموا بالكلمات لوحات رائعة تزهو بأشكال الزهور وألوانها. من ذلك قصيدة للوأواء الدمشقي (ت980م) واسمه محمّد بن أحمد العناني، لقّب بالوأواء لأنه كان منادياَ على الفواكه في دار البطيخ بدمشق، جاء فيها:

في رِياضٍ كأنها ليسَ تَرضى
باشتغالي بها عَنِ الأحبابِ
نَمَّ نَمّامُها إلى رَوعِ قلبي
أنهُ مُؤمِنٌ لهُ مِن عِقابِ
وغدا النَرجِسُ المُفتّحُ فيها
كَعُيونٍ تَطلّعتْ مِن نِقابِ
وشَقيقٌ تَراهُ يُسرِجُ في الرَو
ضِ إذا ما بَدا بِغيرِ شِهابِ

أمّا لماذا سُمِيت الروضةُ رَوضةً فذلك لاستِراضَة الماء فيها. وقد استَراضَ المكانُ، استِراضةً، إذا استنقع فيه الماء وانبسط. ويقال: أراضَ المكانُ وأروَضَ،اذا اكتسى بالنبات. وأروَضت الأرضُ من المطر إذا بَلّها المطر. ورَوّضَ الشخصُ إذا لَزِمَ الرِياض. واستراضت النفسُ أي انشرحت وطابت. كل هذا من أحد أصلين للجذر اللغَوِيّ الذي اشتقّت منه الروضة ويدلّ على اتساع ومنه قولهم: استراض المكان إذا اتسع. ومن هذا الباب الرَوضة فيقال للماء المُستَنقع المُنبسط رَوضة كما مَرّ . والأصل الآخر يدلّ على تَليين وتسهيل. ومنه ترويضُ المُهرِ وغيره من الدوابّ.

ومن ذلك الرياضة البدنية وهي إعمالُ عضلات الجسم لتكتسِب قُوّةً ومُرونة. ويدخل في كلا الأصلين ما يُسمّى برَوضة الأطفال لأنها مؤسّسة تُعنى بالأطفال وتعويدهم عادات تتعلّق بالنظافة والتربية وتعليمهم ما يتناسب وسِنّهم.