علي باي العباسي: إضاءة متجدّدة على الاستشراق

"بيت الفن" في طرابلس يستضيف معرضاً Jـ"علي باي العباسي"، المستشرق الإسباني الذي أدى دوراً استخبارياً لمصلحة الاستعمار. ماذا في تفاصيله؟

  • علي باي العباسي: إضاءة متجدّدة على الاستشراق

يحضر "الاستشراق" متواتراً بصورة دائمة، باعثاً على التساؤل عن نقيضه الافتراضي "الاستغراب"، ليس بالمعنى الأدبي للكلمة، بل بالمعنى الوظيفي. فالاستشراق هو اهتمام من قوى وفاعليات تابعة للدول الغربية بالشرق، للتأثير في شؤونه، أو استطلاعاً لأحواله، أو استباقاً لمرحلة ما قبل الحملة الاستعمارية الغربية المباشرة عقب الحرب العالمية الأولى. 

"الاستغراب" كوظيفة مماثلة لـ"الاستشراق"، لكن بطريقة عكسيّة جغرافياً، ليس معروفاً. قد يقول قائل إن الغرب أدهى أو "أشطر" من الشرق، وأكثر اهتماماً منه، خصوصاً على الصعيد الاستخباري. لكن لغياب "الاستغراب"، أي اهتمام الشرق بالغرب بطريقة استخبارية، معنىً آخر، يكمن في سرّ سحر الشرق، واكتفائه بذاته. 

لذلك، لم يطمع الشرق بالغرب، ولم ينظّم إليه حملات استعمار، يفترض استباقها بحملات "استغراب" كحملات الغرب الاستشراقية.  

خواطر تطلّ عند بوابة "جمعية العزم- بيت الفن" الطرابلسي الذي يستضيف معرضاً لــ"علي باي العباسي"، المستشرق الذي صال وجال من المغرب حتى المشرق، مؤدياً دوراً استخبارياً لمصلحة إسبانيا تارة، وفرنسا تارة أخرى، وربما تقاطع عمله مع دور استخباري بريطاني، بهدف إيجاد سلطات موالية للدول التي أرسلته.

  • علي باي العباسي: إضاءة متجدّدة على الاستشراق
    علي باي العباسي وتأريخ له

و"علي باي العباسي" ليس سوى مستشرق إسباني اسمه دومينغو باديا ليبليش على ما تفيد به صور المعرض المنتشرة على جدران صالة بيت الفن، ويقام بالتعاون بين السفارة الإسبانية، ومعهد سرفانتس في بيروت، و"جمعية العزم والسعادة"، بحسب ما أفادت به "الميادين الثقافية" منسّقة الناشطات في المركز، ميرنا عوض عمران.    

تروي عوض أن العباسي- ليبليش عاش بين عامي 1767-1818، والهدف من المعرض، وفق قولها، تسليط الضوء على هذه الشخصية الاستشراقية من خلال الصور الموثّقة من مصادرها، وتضيف: "همّنا التبادل الثقافي مع الإسبان بعد أن اتفقنا عام 2020 مع معهد سرفانتس في بيروت على التعاون، وتعليم اللغة، والتبادل الثقافي بين لبنان وإسبانيا".

وتصف المعرض بأنه: "سلسلة صور تسلط الضوء على رحلات علي باي العباسي الإسباني الأصل"، وتعرّف به كـــ"مكتشف، ورحّالة، وجاسوس، وسياسيّ، وعسكريّ، وتاجر.. انتحل شخصية علي باي العباسي لتسهيل حركته، فوصل إلى مختلف البلاد العربية منها المغرب، وطرابلس في ليبيا، وصولاً إلى مكة المكرّمة، واستطاع أداء فريضة الحج، ولو ظاهرياً، وكان يعمل لحساب الإسبان، ووصل إلى بلاد الشرق العربي".

وتفيد عوض بأن سرّ هذه الشخصية انكشف على يد الاستخبارات البريطانية في دمشق، ويقال إنه توفي مسموماً في السجن، وكان كاتباً ومؤلفاً فوضع كتاب "رحلات علي باي العباسي عبر المغرب"، ونقلت وصفاً له أنه "كان فائق الذكاء، ومتقناً للغة العربية، لذلك تبناه الإسبان لخوض المهمة التي أوكلوها إليه، ونجح فيها".  

  • الاسطرلاب
    الإسطرلاب
  • تجربة المنطاد الفاشلة
    تجربة المنطاد الفاشلة

تؤكد كلام عوض ملحوظات رافقت الصور المعروضة في المركز، ومنها ما أفاد نقلاً عن السيدة هستر ستانهوب، البريطانية التي أدّت دوراً استخبارياً أكثر اتساعاً وانكشافاً في المنطقة، وأقامت فترة في تدمر، بأنه "استودع أهله، من خلال بعض الرسائل، وهي (استانهوب) اعتقدت أنه أصيب بتسمم، إن صحّت هذه الفرضية، فيمكن أن تكون الاسخبارات البريطانية مسؤولة عن التسميم، لكن يعتقد آخرون أنه مات من الزحار". 

من الصور المعروضة صورة إسطرلاب كان علي باي العباسي يحمله دائماً معه، فهو آلة تساعد عبر الفلك على معرفة المواقع، والجهات، وخطوط العرض، والتوقيت المحلي، واستُعمل لهذه الغايات وسواها في العصر الكلاسيكي، والعصر الذهبي الإسلامي، والعصور الوسطى في أوروبا.

وصورة لمهرجان شعبي جرى فيه تطيير منطاد، تعبّر الصورة عن فشل علي باي في تجربة له، وتروي أن والده منعه من تكرارها، فكان ذلك من العوامل التي أدت به إلى الترحال.

من الصور التعريفية بعلي باي أيضاً، صورة لكتاب موسوعي لمجموعة أعشاب قام بجمعها، وتوثيقها مع زميل له هو سيمون روخاس كليمنتي في انكلترا بين عامي 1802 و1803، وكان اسمه لا يزال دومينغو. 

أقام علي باي في المغرب من عام 1803، حتى تاريخ طرده عام 1805، وادّعى أنه كان المفضّل لدى السلطان سليمان، في حين كان يخطّط لمؤامرة من أجل إبعاده عن السلطة.

أصبحت إمكانية تقويض السلطة في المغرب واضحة بالنسبة إلى علي باي، وجرى نقل الإمدادات والأسلحة والجنود الإسبان إلى مدينتي سبتة ومليلية، وتوقفت العملية بسبب معارضة تشارلز الرابع أن ترتكب خيانة باسمه. 

بعد هزيمة نابليون هرب علي باي إلى المنفى في فرنسا، وهناك ألّف كتابه "علي باي في المغرب" متحدثاً فيه عن محاولات لإنشاء دستور في المغرب. 

وتوثّق صور أخرى له رحلة ثانية عام 1818، بدعم من الحكومة الفرنسية، واتخذ اسماً له من أجل هذه الرحلة  الحاج علي أبو عثمان، وكانت القسطنطينية، وطرابلس، وسوريا، ودمشق في خط سير رحلته نحو مكة المكرمة، والحبشة، ودارفور، والسنغال. لكنه توفي في طريقه نحو مكة.

وفي صورة وصفية له، توثيق لدوره في رحلته الثانية، وتلخص الصورة دوره في مختلف سني حياته كرحالة، وتذكر: "كان رحالة، وجاسوساً، ومهاجراً قام بتطوير السياسات الاستعمارية في بلدان مختلفة في شمالي أفريقيا وآسيا، وأجرى دراسات علمية، وسياسية رائدة في تلك الأماكن".

صور كثيرة توثق تجاربه في رحلاته نحو الشرق، ومنها صور لنابليون الأول، والثاني، وتشارلز الرابع ملك إسبانيا، ورئيس مجلس وزرائه. إضافة إلى تخصصه المزدوج حيث أصبح محاسب حربٍ في غرناطة، درس الفنون الجميلة، والفيزباء، ودراسات أخرى في مجال العلوم في الوقت نفسه. لوحات عديدة أخرى توضح الشخصيات التي شاركت فيها، كما تظهر أدوار المستشرقين المتتالين على بلاد الشرق.

افتتح المعرض برعاية سفير إسبانيا لدى لبنان خوسيه ماريا فيري ديلا بينا، ويستمر ّحتى 11 تموز/يوليو المقبل.