عن ألبرتو مانغويل وفن القراءة

كتابه "فن القراءة" يجمع مجموعة من المقالات والمحاضرات التي كتبت وألقيت في أزمنة متفاوتة، كل مقال يتحدث عن فكرة مرتبطة بفعل القراءة.

  • كتاب
    كتاب "فن القراءة"للكاتب ألبرتو مانغويل.

ألبرتو مانغويل هو كاتب ومترجم أرجنتيني أصبح مواطناً كندياً فيما بعد. أكثر ما اثار إعجابي فيه هو مدى حبه للكتب والمكتبات، إذ عاش طفولته بين الكتب وتعرف على عدد من الكتّاب في مراهقته.

وكان مانغويل يسبر أغوار النص ويشرحه وهذا ما جعله قارئاً محترفاً، وهذا موضوع كتابه "فن القراءة" (ترجمة جاجي جولان) الصادر عن دار الساقي في بيروت. فالكتاب عبارة عن مقالات تأخذك في رحلة أدبية ترفدها مرويّاتُ هوميروس ودانتي، وموضوعاتٌ تمتد من بينوكيو إلى أليس، ومن بورخيس إلى تشي غيفارا.

تتحدث هذه المقالات عن الأدب والقراءة والكتابة والتاريخ والسياسة والتحرير والترجمة والتسويق للكتب، والكتب الالكترونية ربما، وتتحدث أيضاً عن القارئ المثالي والمكتبات المثالية. 

يشار إلى أنه في عام 1964 زار الكاتب الأرجنتيني خوري لويس بورخيس (1899-1986) مكتبة في العاصمة الأرجنتنية بوينس آيرس حيث كان يلتقي المهتمون بالأدب حيث قام بورخيس باختيار كتابين ثم دنا من ألبرتو مانغويل، الشاب الذي كان يعمل في المكتبة حينها وعرض عليه أن يأتي ليقرأ له بصوت مرتفع في المساء كعمل بدوام جزئي. استمر ألبرتو في القراءة لبورخيس أربع سنوات، كان يزوره ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع.

وقد ألف مانغويل على إثر ذلك مجموعة من أشهر الكتب التي تعتبر قصائد مدح في محبة القراءة والكتب والمكتبات. 

كان بورخيس يعتبر الكون مكتبة، وقد تخيّل الفردوس على شكل مكتبة، كان يعتبر نفسه قارئاً في المقام الأول، لم يكن يقرأ سوى للمتعة، ولم يجد نفسه أبداً مرغماً على قراءة كتاب حتى الصفحة الأخيرة، يقول: "أنا قارئ ينشد المتعة: لم أشأ أن يكون للشعور بالواجب يد في شأن شخصي كشراء الكتب".

كتابه "تاريخ القراءة" هو بحث يجيب عن الأسباب التي دفعت الإنسان إلى حب الكتب والقراءة منذ أقدم العصور، من خلال كتابات أشهر الأدباء والفلاسفة الذين عرفوا بحبهم للقراءة والكتب، ومن خلال تجربته الشخصية كذلك. 

أما كتابه "فن القراءة" فيجمع مجموعة من المقالات والمحاضرات التي كتبت وألقيت في أزمنة متفاوتة، كل مقال يتحدث عن فكرة مرتبطة بفعل القراءة.

كانت كل موضوعات كتب مانغويل تدور عن القراءة. إن اهتمامه بالقراءة والكتب والمكتبات يشبه الهوس.

وقال في إحدى مقالاته التي تتحدث عن الكتّاب المبتدئين: إن معظم الكتّاب يعرفون في سن جد مبكرة أنهم سوف يكتبون.. ثمة ما يُقنعهم بأنهم اختيروا من أجل هذه المهمة الخاصة. 

وهناك مقالات تتحدث عن التحديات التي تواجه الناشر الجديد، والمؤلف الجديد. 

وفي حديثه عن القارئ المثالي قال:

-       القارئ المثالي هو المترجم، القادر على تشريح النص.

-       كل قارئ مثالي هو يربط بين القراءات فيقرأ كما لو كانت كل الكتب عمل مؤلف واحد.

-       القارئ المثالي يقرأ ليعثر على أسئلة.

-       القارئ الجيد، القارئ الكبير، القارئ الخلاق عالي الهمة هو من يعيد القراءة وفي الذاكرة.

يضيف الكاتب: القراء الذين يصبحون الكتابَ بحد ذاتهم من خلال حملهم للنص في داخلهم مطبوعاً في العقل مثلما يُطبع على لوح من الشمع. 

وفي الترجمة قال: ليست كل ترجمة غشاً وفساداً. من الممكن إنقاذ الثقافات عبر الترجمة أحياناً، فتبرر للمترجمين مطارداتهم اللغوية الصاغره والمضنية. ووصف المحرر بـ"الشريك السري" للكتابة، وهم من توظفهم شركات النشر لقراءة الكتب وتعديلها والحذف منها وإضافة بعض الاقتراحات للكاتب. 

وتحدث عن الترويج للكتب وقال: إذا كان ظهور اسمك تحت الأضواء هو كل ما ترغب فيه فثمة طرائق تشبع لك تلك الرغبة المتواضعة. على سبيل المثال: اطلب من كل صديق بين أصدقائك أن يشتري في عصر اليوم نفسه نسخة من كتابك، والمرجح أنك سوف تتألق لساعة واحدة عز نظيرها على ترتيب موقع أمازون. 

وتحدث عن المواظبة على الحقيقة، وقال ان الصحافيين يُقتلون لأنهم يحاولون قول حقيقة التراث العريق، مثل ذلك الذي قُتل على يد شاب تركي بسبب انتقاده الحكومة التركية على جريمة الإبادة الأرمنية!

"إن التاريخ هو أمُّ الحقيقة" حاولت إسبانيا أن تعيد بناء تاريخها بناء على أكذوبة، أكذوبة مملكة مسيحية طاهرة لم تُدنّس، بعد زهاء قرن على طرد العرب. وحاولت أن تقوم باختراع ماضٍ لا وجود له، وعدم اعترافها بوجود إسبانيا عربية يوم من الأيام. يقول مانغويل في هذا الصدد: إننا جميعاً نستصعب الإقرار بلحظاتٍ مظلمة في تاريخ مجتمعنا بسبب الجبن، وبسبب الجهل، وبسبب الغطرسة، وفي حالات بسبب العار.. مثل المذبحة التي قام بها الأتراك في أرمينيا أو عندما أبادت جحافل الرومان مدينة قرطاج، عندما دخل الصليبيون شمال إفريقيا (مدن عربية) وأضرموا النيران في مكتباتها، عندما تعمد المستوطنون الأوروبيون نقل العدوى إلى سكان أميركا الأصليين (الهنود الحمر). عندما وعندما وعندما وعندما فعلاً نحن نستصعب الاعتراف بالحقيقة ليسنح للمجتمع إعتاق نفسه من عبء التذكر وليسنح لتلك الأحداث الفظيعة أن تعود إلى الصمت مرةً أخرى.