"فلسطين الصغرى، يوميات حصار": مزيج من الإبداع والألم

"فلسطين الصغرى، يوميات حصار"، هو وثائقي شديد القسوة، يصوّر مأساة اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك عام 2013، في ظل الحصار الذي فُرِض عليهم.

  • يتناول الفيلم حصار مخيم اليرموك والأوضاع الصعبة التي عاشها سكّانه
    يتناول الفيلم حصار مخيم اليرموك والأوضاع الصعبة التي عاشها سكّانه

تبدأ قصّتي مع وثائقي "فلسطين الصغرى.."، الذي قرّرت مشاهدته ضمن "مهرجان عمان السينمائي الدولي"، مع حادثة "البوشار"، إذ تمَّ منع الحضور من إدخال "البوشار" والمشروبات إلى صالة العرض. بالطبع استهجنتُ الفكرة، وانتظرتُ إلى أن أتت صديقتي وأخبرتها بأنّه لا يمكننا شراء "البوشار". هي أيضاً لم يعجبها ذلك، وسألت الموظف عن السبب، فقال لها بشكلٍ مختصرٍ بأنَّ المخرج طلب ذلك لأنَّ سكّان مخيم اليرموك، وهم محور القصة، انقطع عنهم الطعام. مع ذلك، لم يقنعنا هذا الردّ بما فيه الكفاية... 

"فلسطين الصغرى، يوميات حصار"، هو وثائقي شديد القسوة، يصوّر مأساة اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك عام 2013، عندما تمَّ فرض حصارٍ عليهم، حيث أصبح المخيم كالسجن، بل قد يكون السجن أرحم مع ما يُقّدَّم من طعام رديء، في حين لم يجد اللاجئون ما يأكلونه، فأصبح الماء المغلي مع البهارات طعامهم، وعند البعض الآخر أصبح قطفُ أعشابٍ تنمو بشكلٍ عشوائيٍّ وغليها هو الطعام!

ونتيجةً لسوء التغذية وانقطاع الغذاء والدواء، تدهورت صحة عددٍ من سكان المخيم، بما فيهم الأطفال وكبار السن، وتوفّي بعضهم.

عندما تشاهد مأساةً امتدّت لفترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ تُلَخَّص بكثافةٍ في 90 دقيقة، تتفهّم سبب منع الطعام والشراب، بأدنى درجة...

كان لمَشاهد الوثائقي المؤثّرة، وما رواه بعض سكان المخيم عن مأساتهم اليومية، وحديث الأطفال عن أحلامهم في تناول الخبز أو الرز أو السكّر، وليس حتى الشوكولاته أو البسكويت، السكّر فقط، وقعٌ قويٌّ على الحضور. 

اختتم الوثائقي بسرد حال المخيم من جراء الحصار، والدمار الذي تعرَّض له بسبب القصف، ومغادرة معظم سكانه، والوفيات والحالات المرضية التي نتجت عن الأوضاع الصعبة التي مرّت على الناس. 

تمكّن الوثائقي من توحيد المشاعر، والتذكير بمعاناة اللاجئين في الأيام العادية، فكيف الحال عند الحصار؟ كما تمكّن من خلق حالةٍ من الصدمة بسبب ما آلت إليه الأمور هناك، وانعدام أبسط الحقوق الإنسانية.

ولكن كلُّ ذلك تبدَّد بالنسبة لي عندما تمَّ تقديم الكاتب والمخرج عبد الله الخطيب، والذي كان أحد سكّان المخيم، وصوّر بنفسه المعاناة التي عاشها هو وسكان مخيمه.

بعد أن فُتِح باب الأسئلة، أشعل السؤال الأول - الذي اتّهم الخطيب بزرع فكرةٍ خاطئةٍ في عقول المشاهدين حول الجهة المسؤولة عن الحصار - النار ما بين مؤيد ومعارض، وتوسّع الطّرح ليشمل "باقي دول الربيع العربي"، وأخذت الصيحات تتعالى، وبدأت الفتاة بجانبي بـ"الردح" بطريقةٍ عشوائيةٍ لا تنمّ عن معرفةٍ، جعلتني أشعر بالاستياء وبددت المشاعر القوية التي ولّدها الفيلم، فقرّرتُ المغادرة للاحتفاظ بما تبقّى مما شاهدته.

فحتى وإن كنتُ لا أتفق تماماً مع ما قدّمه المخرج من وقائع للجهة التي فرضت الحصار، يبقى له الحرية في تصوير ذلك، فهو من عاش في المخيم وهو من اضطرّ للهجرة إلى ألمانيا.