ما فوائد السيكودراما؟ وما أهميتها للمجتمع والإنسان؟

ما هي السيكودراما؟ وما فوائدها للمجتمع والإنسان؟ متخصصون في علم النفس والطب والمسرح يجيبون "الميادين الثقافية".

ما هي السيكودراما في مقوماتها وما فوائدها التي تعود بالنفع على المجتمع والإنسان؟ سؤال طرحته "الميادين الثقافية" على عدد من المتخصصين في علم النفس والطب والمسرح الذين أضاؤوا على الموضوع من زوايا متعددة. وهذه كانت إجاباتهم. 

***

رمزي هلال: السيكودراما وتفريغ الشحنات السلبية

يقول رمزي هلال، الطبيب اللبناني المتخصص في أمراض الدماغ والجهاز العصبي، إن: "الأساسي في الموضوع يكمن في كيفية التأثير بالدماغ البشري وتعريفه بالواقع لأن الكثيرين يولدون ثم يكبرون متوهمين أن الحياة جنة زاخرة بالأحلام الوردية الخلابة، ولا يعرفون تناقضاتها ومفارقاتها وما ينتظرهم. جوهر الأديان موجه نحو السلوك الدماغي والسلوك البشري بكل تناقضاته".

ويضيف: "السيكودراما تعرف الإنسان بالسيكولوجيا الواقعية وعلم النفس الوجودي في الحياة، وبمشاكله فيكتنه بذلك التناقضات، وأن مشكلته ليست أكبر مشكلة في الكون، وأن ثمة الكثير من الناس الذين لديهم مشاكل أكبر بما لا يقاس، والمهم في الموضوع أن يطرح نوع من الحلول أو نوع من التفكير الإيجابي، وهذا موضوع آخر مواز".

أما أهمية السيكودراما فتكمن، وفق هلال، في "تفريغ الشحنات السلبية لدى الإنسان. الإنسان المرهف عندما يشاهد السيكودراما من الممكن أن يبكي وهذا أيضاً نوع من التفريغ، ومن المهم جداً توجيه الناس نحو النقاش حول السيكودراما وأن يبدأ طرح الحلول من المنزل تحديداً لتعويد الناس تفريغ مشاكلهم وتناولها، لأن أكثر ما نواجهه أننا نقابل جزءاً كبيراً من الناس الذين يفكرون كثيراً ويحللون كثيراً وقد تعرضوا لصدمات كبيرة وأدمغتهم عالقة بما مروا به، لكنهم لا يبوحون ولا يتحدثون ولا يفرغون الشحنات السلبية، فيما يعد فتح الموضوع جيداً جداً ومفيداً لهم". 

علي الأطرش: السيكودراما مهمة لعلاج الصدمات العاطفية

أما مؤسس "المركز اللبناني للعلوم النفسية والاجتماعية- نفسانيون"، علي الأطرش، فيقول إن: "السيكودراما إحدى تقنيات العلاج النفسي وهي تقنية مبتكرة، علماً بأن وظيفتها الأساسية هي تفريغ الانفعالات للأشخاص ومشاعرهم من خلال تمثيل أدوار معينة لها علاقة بالمواقف التي مروا بها أو التي سوف تحدث في المستقبل".

ويوضح أن هذه التقنية "يمكن استخدامها للراشدين والأطفال من خلال جلسات، ومؤسس هذه المدرسة هو ليفي مورينو".

ويؤكد الأطرش أن السيكودراما "أثبتت فعاليتها على مستوى الصحة النفسية، حيث تشير الدراسات إلى أنها مهمة جداً لعلاج الصدمات العاطفية، وخصوصاً لدى الأطفال، ولحل المشاكل".

ويقول إن في مركز "نفسانيون"، ومنذ افتتاحه، كان مهتماً بالسيكودراما و"عرفنا الجمهور بها عبر محاضرات واستخدمنا هذه التقنية في برامج الدعم النفسي، ولا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت، للراشدين والصغار، وستكون لدينا أيضاً تدريبات متخصصة عن السيكودراما".    

عمر ميقاتي: بالسيكودراما يخرج الإنسان مكنوناته اللاواعية 

من جهته، يرى الممثل والمسرحي اللبناني عمر ميقاتي أن السيكودراما "علاج نفسي يجمع بين الدراما (ولا سيما المسرح) وعلم النفس"، مشيراً إلى "أن الهدف منها هو مساعدة "المريض" النفسي على التعبير عن مشاعره أو تفريغها من خلال أدائه وانفعالاته لدور درامي مسرحي يضعه كاتب ذو اختصاص وخبرة في المعالجة النفسية.

وأردف: "هكذا يخرج مكنوناته اللاواعية المخبأة إلى النور ويتخلص من صراعه ومرضه النفسي، وهنا تبرز براعة المعالج وكاتب الدراما النفسية المسرحية، وثمة أيضاً دور أساسي لمخرج المسرحية النفسانية في استعماله للمؤثرات المرافقة للموقف والحوار المسرحي، أي الموسيقى والإضاءة وسواهما، وحتى في اختياره للممثلين".

و"لعل السيكودراما تشكل علاجاً أكثر سرعةً من الزيارات التي يقوم بها "المعتل" نفسياً  (إذا صح التعبير) للمعالجين النفسيين أو النفسانيين"، على حد تعبير ميقاتي، الذي أكد أن عدداً من الدول لجأ إلى المسرح السيكودرامي.

ويعتبر ميقاتي أن عروض كبار المسرح عبر التاريخ، الذين تناولوا في أعمالهم ومواضيع مسرحياتهم البشر في طبائعهم المختلفة، قدموا علاجاً لأمراض الناس ومجتمعاتهم، أحياناً بالكوميديا مثل موليير أو بالمأساة مثل شكسبير، إضافةً إلى الكثير من كبار كتاب المسرح على مدى عصور وأجيال.

ونوه الفنان اللبناني بالفنانة زينة دكاش ذاكراً ما قامت به في سجن رومية حيث: "مارست هذا العلاج الدرامي المسرحي في أعمال اختارتها أو كتبتها خصيصاً وقام ببطولتها المساجين"، مؤكداً أن "هذه السيدة أدخلت الراحة وربما الفرح إلى أولئك المعذبين والمعذبين (ربما رغماً عنهم) في بيوتهم وشوارعهم، بل في وطنهم". 

رفعت طربيه: المسرح من العلاجات الأكثر نجوعاً

أما الممثل رفعت طربيه فقال في إطار الحديث عن السيكودراما وأهمية التقاطع بين المسرح وعلم النفس إن: "التمثيل تحديداً هو الغوص في عالم الشخصية المؤداة".

وتابع: "من أجل ذلك علينا أن نعرف أن أية شخصية هي مجموعة تناقضات. أفقياً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وعمودياً من الشيطان إلى الله، فعلم النفس له الدور البارز في انتقاء ما يناسب الشخصية التي نعالجها، ذلك أن الممثل هو النموذج الواعي والمدرك لما يشخصه على الخشبة. دخولنا إلى عالم الطفولة أساسي، وهو لنفهم أكثر سبب عقدنا. فالغوص بعيداً في عالمنا الداخلي يأتي بمثابة تصفية داخلية، ربما نريدها وربما لا نريدها. المهم لدى الممثل أن تكون الشخصية ممتلئة بزخم حياتي. كل إنسان بداخله ممثل صغير إذا أردنا أن نحرره من بعض مشاكله، والمسرح بالتأكيد هو من العلاجات الأكثر فائدة".

جان داود: تهدف السيكودراما إلى تطوير المهارات الاجتماعية

من ناحيته، يرى مؤسس منهج "العلاج باللعب والفن والإبداعية"، جان داود، أن السيكودراما تقنية من تقنيات العلاج النفسي.

ويؤكد أستاذ مادة العلاج بالفن والتقنيات المساعدة في قسم علم النفس في الجامعة اللبنانية، أن السيكودراما "تهدف إلى مساعدة الأفراد المعنيين على فهم مشاعرهم بشكل أفضل وحل مشاكل علائقية وعاطفية ونفسية، وتحسين التواصل وتطوير المهارات الاجتماعية".

وبحسب داود فإن السيكودراما "تعتمد على استخدام أداء أدوار (يحددها المعالج ويعد الإطار الملائم لهذا الأداء) وغالباً ما يجرى في إطار مجموعة، ويمكن أن تساعد السيكودراما المشاركين في جلساتها على التعبير بحرية وإبراز مشاعرهم المكبوتة، والتعرف على الصراعات الداخلية والخارجية وتحسين فهم الذات، والتواصل الفعال من خلال ممارسة التفاعلات الاجتماعية في بيئة مراقبة، وفهم أفضل لوجهات النظر الأخرى، مما يعزز التعاطف، والعثور على حلول إبداعية للتحديات الشخصية والعلاقية، وتعزيز الثقة بالنفس وبالآخرين، مما يعزز تقدير الذات، والتعبير عن التوتر والقلق وإدارتهما. إضافةً إلى تحسين العلاقات إلى أن تصبح أكثر صحةً ورضاً، واستكشاف ووعي بعض السلوكيات للعمل على استبدالها بردود فعل أكثر تكيفاً، ومعالجة الصدمات من خلال السماح بالتعبير عنها وحلها".

وذكر داود أن ثمة توجهات جديدة اليوم بالنسبة للسيكودراما تبقى مرتبطة بجوهر نشأتها.