محمد بن سلمان: هل هو "إيكاروس" السعودية؟

يحاول الكتاب الإجابة عن هذا اللغز الكامن جزئياً، في عجز السعودية عن إبراز قوتها العسكرية من دون دعم الولايات المتحدة واعتماد المملكة على الولايات المتحدة لتحقيقه.

  • مصادر تكشف تفاصيل الاجتماع السري بين محمد بن سلمان والاستخبارات الأميركية
     محمد بن سلمان صعد بسرعة وأعاقه قتل جمال خاشقجي.

تحكي الأسطورة اليونانية قصة إيكاروس الذي احتجز هو ووالده دايدالوس في جزيرة كريت اليونانية كعقاب لهما من مينوس ملك الجزيرة، داخل المتاهة التي بناها دايدالوس في الجزيرة. وفي محاولاتهما للهرب قام دايدالوس الحرفي الماهر بصنع زوجين من جناحين كبيرين له ولإبنه وقام بلصق الريش فيهما بالشمع، وطارا هرباً من الجزيرة ومن السجن. لكن دايدالوس طلب من ابنه إيكاروس الطيران إلى جانبه وألا يرتفع كثيراً ويقترب من الشمس وإلا فسيذوب الشمع ويسقط أرضاً. لكن إيكاروس الشاب سحره الطيران وأراد أن يرتفع عالياً مع الطيور، فاقترب من الشمس وذاب الشمع.

بهذا العنوان اللافت يبدأ الكاتب ديفيد ب. أوتاوي كتابه على الغلاف سائلاً هل يكون محمد بن سلمان هو إيكاروس المملكة العربية السعودية الذي يحاول التحليق بعيداً عن أبيه وعما ألفته المملكة من قوانين وأعراف. حاول الكاتب من خلال الكتاب تقييم الأمير الشاب محمد بن سلمان الذي يريد أن ينقل المملكة نحو العام 2030. وحاول ديفيد أوتاوي إلقاء نظرة موضوعية على مستقبل العلاقة الأميركية السعودية معتمداً على خبرته ككاتب مخضرم وكمتابع، عن قرب، لشؤون العلاقات السعودية الأميركية منذ العام 1972.

ابتدأ اهتمام الكاتب بالسعودية في العام 1972. حينذاك، زار وزير النفط السعودي الأمير أحمد زكي اليماني الولايات المتحدة، وكان الكاتب يعمل مراسلاً في صحيفة واشنطن بوست. قدم الأمير اليماني يومها عرضاً للولايات المتحدة تضمن: تقديم النفط السعودي للمواطن الأميركي من دون جمارك وفي السوق الحرة. وبعد عام عاد اليماني إلى السعودية في شهر نيسان/ أبريل، وقال للأميركيين، إما أن تقوم الولايات المتحدة بتغيير موقفها من مشروع الدولة الفلسطينية، وإما سيتحول مال البترول ليصبح السلاح الجديد ضد الأميركيين. لم يسمع الأميركيون النصيحة بالتأكيد. وبالفعل استخدمت السعودية سلاح النفط يومها ضد الولايات المتحدة خلال حرب تشرين الأول / أكتوبر التحريرية في العام 1973. 

بعد حرب تشرين يجد الكاتب نفسه مهتماً بشؤون العلاقة ما بين الدولتين عن قرب. اذ لا تخلو صفحات الكتاب خلال القراءة من توصيف العلاقة التي بناها الكاتب مع الدولة السعودية واقترابه من العائلة المالكة وقربه منها وخاصة خلال عمله كصحافي في الواشنطن بوست. هذه العلاقة المهمة التي أظهرت نقاط مهمة في شخصيات سعودية مختلفة، صحيح أنها كانت تمثل العلاقة مع محمد بن سلمان في معظم الأوقات، إلا أنها كانت تمثل علاقة هذه الشخصيات مع الولايات المتحدة خلال سنوات طويلة. شخصيات مثل: نايف بن عبد العزيز وبندر بن سلطان وغيرهم ممن عزلهم محمد بن سلمان بعد أن أصبح ولياً للعهد، وكلنا نذكر حادثة الكارلتون واختطاف الأمراء القوياء، وحادثة الريتز، أي اختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في تشرين الثاني / نوفمبر 2017، وحتى مقتل الصحفي جمال الخاشقجي. وهي من الحوادث التي عاشها القارئ والتي ستربط قراءة الكتاب ذاكرته بها.

  • كتاب
    كتاب "محمد بن سلمان: هل هو إيكاروس السعودية؟" للكاتب الأميركي ديفيد ب. أوتاواي.

الكتاب من تأليف ديفيد ب. أوتاوي، وهو اليوم باحث في مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء. قسّم الكتاب، الذي نشرته دار لاين راينر للنشر في  العام 2021، إلى عشرة فصول. تناول الفصلان الأولان بشكل منفصل: الفصل الأول: ألغاز المملكة العربية السعودية، والثاني: صعود نيزك محمد بن سلمان إلى السلطة. وأما الفصول الأربعة الباقية فقد تم تقسيمها كالتالي:

 1- الجزء الأول: إنهار النظام القديم

الفصل الثالث: قلب بيت آل سعود

الفصل الرابع: الملك عبد الله: المصلح المفاجأة

الفصل الخامس: الملك سلمان: ديدالوس المملكة العربية السعودية

2-  الجزء الثاني: المملكة العربية السعودية الجديدة

الفصل السادس: مملكة محمد بن سلمان 

الفصل السابع: الثورة الصناعية الرابعة 

الفصل الثامن: "من سيخلصني من هذا الصحافي المزعج؟" 

الفصل التاسع: البحث عن مكانة القوة العظمى 

الفصل العاشر: العلاقة السعودية الأميركية: تلف من دون قابلية للإصلاح؟

الجزء الثالث: الخلاصة: آفاق الإصلاح. . . والقمع

يحاول أوتاوي من خلال الكتاب الإجابة على هذا اللغز الكامن جزئياً، في عجز السعودية عن إبراز قوتها العسكرية بدون دعم الولايات المتحدة واعتماد المملكة على الولايات المتحدة لتحقيقه. هذا الهدف انخفض اليوم مما كان عليه خلال الأعوام 1990- 1991، إبان حرب الخليج التي تطلبت إرسال 500 ألف جندي أميركي للدفاع عنها وتحرير الكويت. في وقت لاحق، كانت تلك الحرب علامة فارقة في أوج التعاون الأميركي السعودي على مدى 75 عاماً من "العلاقة الخاصة" ما بين البلدين. ومنذ ذلك الوقت تراجعت العلاقة بإطراد بسبب الإهمال الذي أبدته إدارة كلينتون ما بين الأعوام (1993-2001). ومن ثم بسبب الصدمة بتورط السعودية في هجمات 11 أيلول / سبتمبر الإرهابية عام 2001. أدى ذلك إلى عدد لا يحصى من المؤتمرات في واشنطن تحت عنوان "السعودية: صديق أم عدو؟". وكرّست المؤتمرات لتحليل ما إذا كانت العلاقة "مهمة جداً إلى درجة عدم السماح لها بالفشل". والجدال حول هذ القضية مستمر حتى يومنا هذا.

يهدف الفصلان الأولان في الكتاب لتعريف القارئ بأسرار السعودية وذلك بحسب ما يوضحه العنوان تماماً. ومن ثم يشرح كيفية وصول محمد بن سلمان إلى السلطة وسيرته الذاتية والتعريف به وبوالدته وما يعرف عنه بتمايزه عن باقي أقرانه. ثم كيف أن محمد بن سلمان كان قادرًا على تحقيق صعود استثنائي بقوة وبسرعة كبيرين، ولا يمكن هنا إلا الإشارة إلى دور والده في تحقيق هذا الأمر بعد أن عينه وزيراً للدفاع ثم نائباً أول لرئيس مجلس الوزراء. ثم عينه كمستشار متفرغ وهو موقع مهم مكنه من التعرف على مدى قوة وثروة باقي أقرانه من الأمراء ذوي النفوذ. هذه المعرفة أعطته القدرة للقضاء على خصومه، بعد أن حقق عدداً من الإصلاحات الجذرية في المملكة.

أما الجزء الثاني من الكتاب فيختص بوصول محمد بن سلمان إلى المشهد السياسي السعودي. وتتوالى الفصول لتبحث كيف تمكن الأمير الصغير من إنشاء تغييرات السعودية الجديدة والحديثة كما تخليها هو. وهذا بالتحديد ما يختص به الفصل السادس في الكتاب. تغييرات أدخلت في حكم المملكة والمجتمع. ثم يتحدث الكاتب عن أحلام إبن سلمان حول بناء المملكة الجديدة، واحتضان الاقتصاد الرقمي والحياة الاجتماعية المرتبطة به، وهذا ما بات يسمى بالثورة الصناعية الرابعة.

يصف الفصل الثامن السقوط الدراماتيكي لمحمد بن سلمان من المباركة الدولية وهنا يصفه الكاتب بأنه بات "إيكارونياً"، فالخطأ الذي ارتكبه بمقتل الصحافي جمال خاشقجي بالطريقة التي وصفت بالوحشية واستعداء الموقف الدولي له بسبب فعلته. بالطبع هذه الوحشية التي تصرف بها أدت إلى انتقاد كبير له في الصحافة والأوساط السياسية الأميركية على حد سواء. في هذه اللحظة اقترب إيكاروس من الشمس. وهنا يحاول الكاتب وزن العواقب التي ستقع على رأسه أسواء كانت من داخل المملكة أم من خارجها ويرى أنها عواقب ستُقارب بطرق مختلفة تمامًا. 

في الفصلين التاسع والعاشر، يغطي الكاتب السياسة الخارجية لولي العهد. فهو من جهة يسعى نحو القبول والقوة العالمية وهو يرى أن السعودية يجب أن تكون القوة الأقوى ما بين الممالك في الجزيرة العربية وإقليمياً، ولكن من ناحية أخرى فإنه بسبب تعاطيه مع ملف الخاشقجي انتكست العلاقة ما بين السعودية والولايات المتحدة. 

ويشرح الكاتب وجوه استمرار التدهور في العلاقات الخارجية وخاصة إقليمياً مع دول المنطقة ومع حلفائه في دول الخليج العربية، وهنا نذكر على سبيل المثال تدهور العلاقات مع قطر وحصارها. وهذا ما جعل الكاتب في الفصل التاسع يحاول الإجابة على اللغز المركزي حول فشل السعودية من الحفاظ على سلطتها على الرغم من ثروتها النفطية الهائلة والدينية. وانعكس أداؤها السيء في الحرب "الأهلية" اليمنية، وينسب ذلك الأداء السيء لوصول محمد بن سلمان إلى السلطة وتحكمه في مفاصل البلاد. ولربما يمكن الإستنتاج هنا أن الغرور والنقص في الخبرة والسعي نحو السلطة المطلقة والقفز فوق الطبيعة السياسية والمجتمعية للمملكة عوامل أفقدت ولي العهد والمملكة توازنهما وبالتالي تراجعت سلطتها القوية في المنطقة، وخاصة في الجزيرة العربية. 

في الفصل العاشر، يتحرى الكاتب إذا كانت السعودية والولايات المتحدة قادرتين على إنقاذ علاقتهما التي استمرت خمسة وسبعين عامًا، أو أنهما قد وصلتا إلى مفترق الطرق أو على الأقل إلى نقطة يجب بعدها إعادة تقييم أساسية لأساس حتمية العلاقة بينهما وأهدافها. لقد دخلت العلاقة ما بين الدولتين في مد وجزر، حتى لم يعد واضحاً تماماً هل العلاقة بينهما هي صداقة أم هي علاقة عداوة. 

ويذهب الكاتب إلى حد وصفها بالعلاقة الحلوة- المرة، وخاصة بعد الموقف الذي اتخذته خلال حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973، أو بعد أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001، والتي تبين فيها دور المملكة في تصدير "الجهاديين" إلى العالم.

بالتأكيد بعد أحداث الخليج ظهرت الحاجة السعودية إلى الحماية الأميركية. ولكن بعد أن قامت الولايات المتحدة باحتلال العراق في العام 2003، طلبت السعودية من الولايات المتحدة نقل قواعدها إلى قطر. يرى أوتاوي أن ذلك كان من أسوأ ما فعلته المملكة تجاه الأميركيين. وساءت العلاقة وارتفع منسوب الخوف من الهجر الأميركي للسعودية بعد توقيع الإتفاق النووي مع إيران. ومنذ ذلك الوقت تحاول المملكة الإنفتاح وبناء علاقات مع دول أخرى وشراء الأسلحة منها مثل فرنسا وألمانيا. اذ تعتبر السعودية أن إيران تمثل الخطر الأكبر على استقرار الحكم فيها. وبعد قيام الثورة الإسلامية وخلال عام 1981، قامت المملكة بإنشاء مجلس التعاون الخليجي في وجه "الخطر الإيراني" بحسب زعمها.

في الجزء الثالث، يصل الكاتب إلى استنتاج يسعى من خلاله لوضع محمد بن سلمان في السياق الأوسع بين قادة الإصلاح البارزين السابقين في الشرق الأوسط، فيحاول أن يعطيه القيمة من خلال إنجازاته بمقارنته بكل من كمال أتاتورك في تركيا، والحبيب بورقيبة في تونس، وجمال عبد الناصر في مصر، والشاه محمد رضا بهلوي في إيران. ومن ثم يلقي نظرة على أوجه التشابه والاختلاف في طرق الحكم ما بينها وبينه، وضمن خاصية أنه يراها كأنظمة قمعية وإن كانت إصلاحية، وذلك في محاولة للدفع نحو إعادة تشكيلها.  

وفي النهاية يحاول أوتاوي التقديم لإيجابيات وسلبيات فرص محمد بن سلمان في النجاح ولو كفرصة لانضمامه إلى صفوف هذه الشخصيات التاريخية الكبرى في التاريخ الحديث للشرق الأوسط. ففي نهاية الأمر كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية معجبة بوزير الداخلية السابق الأمير محمد بن نايف لدرجة أنها منحته وسام جورج تينيت في العام 2017 عن "أدائه الاستخباراتي الممتاز" و "المساهمة في تحقيق الأمن والسلام العالميين". فقد كان الرجل المفضل لحكم السعودية وبدا وكأنه المقدر له أن يغدو الملك القادم للسعودية والموافق عليه أميركياً وبشكل واضح من قبل الإدارات الديمقراطية والجمهورية في الولايات المتحدة معاً. 

ساءت العلاقات مع الولايات المتحدة خلال إدارة أوباما (2009-2017). اذ دعا أوباما، وبعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران السعوديين  إلى "تقاسم الحي" مع أعدائهم الإيرانيين. وبعد غزو السعودية لليمن المجاورة في العام 2015. تسبب ذلك بمطالبة الكونغرس الأميركي بإنهاء الدعم الأميركي لـلسعودية. كانت تلك العملية جنبًا إلى جنب مع مبيعات الأسلحة للمملكة بمثابة الغزو وتحولت الحملة على اليمن إلى كارثة إنسانية رهيبة. أثار ظهور محمد بن سلمان في يونيو / حزيران 2017 تحدياً كبيراً لمنطق العلاقة ما بين الدولتين، والذي يعود تاريخه إلى نهاية الحرب العالمية الثانية وهو أقدم علاقة أميركية مع دولة شرق أوسطية، لأن إبن سلمان أظهر تسرعاً وتهوراً في السياسة الخارجية. وبدا وكأنه يعمل ضد الولايات المتحدة. وأثبت قسوة غير متوقعة ضد منتقديه، والناشطين في المملكة، وحتى الإصلاحيين فيها. عندئذ وعلى الفور أثارت أعماله شكوكاً جدية في الكونغرس ووسائل الإعلام الأميركية ومجموعات حقوق الإنسان حول أهليته للحكم. وهذا ما يثير القلق أكثر هو صغر سن ولي العهد مما قد يؤهله لحكم المملكة ضمن هذا النمط لخمسين سنة قادمة. وهذه هي المخاوف الأشد التي يثيرها الكاتب. 

الكتاب يقوم على أبحاث ولقاءات وجمع معلومات قام بها الكاتب مع  العديد من أصدقائه السعوديين في داخل المملكة وخارجها. صداقات ابتدأت منذ سبعينات القرن العشرين خلال زيارته الأولى للمملكة في العام 1978 بناء على دعوة المملكة لصحافيين أجانب للإطلاع على إنجازات المملكة، والتي التقى خلالها محافظ الرياض أنذاك في مجلسه، وهو يراجع عريضة من أجل إقامة منتخب رياضي سعودي لكرة القدم. المفارقة أن المحافظ يومها كان الأمير سلمان بن عبد العزيز، الملك الحالي بذاته، والذي أوضح للصحافي الشاب أوتاوي يومها، أن حكم المملكة يقوم على مبدأين مهمين وهما بحسب الترجمة: "ما دمنا نقيم الصلاة خمس مرات في اليوم ونلتقي بالناس فنحن في حالة جيدة". ثم ينبهه: "إذا ما سمعت يوماً بأننا تخلينا عن هذين الواجبين، فعليك أن تعلم أننا قد أصبحنا في ورطة". ويصف الكاتب هذين الواجبين بأنهما "ديمقراطية الصحراء". ولكن ما فعله محمد بن سلمان من خلال تحديث المملكة أنه حول الحكومات التي تتعاطى بشكل مباشر مع مشاكل الناس إلى حكومات الكترونية فقدت تواصلها معهم. وهذا ما أذاب الشمع في أجنحة محمد بن سلمان وما سيؤدي به ليكون إيكاروس القرن الحادي والعشرين.