معارض الجامعة اللبنانية تشعّ ألواناً

المتحف الذي تأسّس في طرابلس منذ نحو 5 سنوات، لبنة لمتحف الفنانين العشرة، انتشرت على جدرانه وفي أروقته وباحاته، أقسام، خُصِّص كل قسم لواحد من الفنانين، حمل صورة مجسّمةً له، مع سيرته الذاتية، وبعضٍ من أعماله التي تعبّر عن منهجه الفني.

تلة "المون ميشال" في الهيكلية بطرابلس، حيث يقوم الفرع الثالث للجامعة اللبنانية، تحوّلت مع كلية الفنون الجميلة والعمارة، إلى حالة من التوهّج اللوني، بثّته مجموعة فعّاليات في مناسبة واحدة، وتمثّلت بحشد غير مسبوق من المعارض الفنية التشكيلية البصرية، وتزاحمت فيه مئات الأعمال من مختلف المشارب الفنية ومستوياتها.

وعلى 4 طبقات من مبنى الكلية الزجاجيّ، المطلّ على طرابلس، وامتداد البحر، تكاد الأعمال تخرج عن صمتها، وتخرق جدران الزجاج لتنير بألوانها الزاهية، وأشكالها شديدة التنوّع، التلة وما تشرف عليه. 

ورشة في ورش عديدة أثمرت 4 طبقات من المعارض، انضوت للتحضير لإقامتها كل قوى الجامعة، من أساتذة حاليين، وسابقين، وطلاب. حتى منصات الخشب صنّعتها الأيادي العاملة في إقامة المعارض من أساتذة وطلاب، ولو تُرِك الأمر للتصنيع المأجور لما تمكّنت الجامعة من الدفع في ظلّ الأوضاع الاقتصادية المزرية التي تعيشها مؤسسات الدولة اللبنانية، ارتداداً  للأزمة التي تعصف بها يوماً بعد يوم. 

ذلك ما أسرّ به مدير الفرع، عصام عبيد، وهو يجول على أقسام الورشةـ والمعارض، شارحاً كل لحظة فيها، وكل عمل من أعمالها، ويهمه إطلاق تسمية "المنتدى البصري للفنون والعمارة" على الورشة.

عبيد أوضح أنه هذا العام، اجتمعت 3 مناسبات في التوقيت نفسه، هي: افتتاح متحف العشرة، مع معرض لأعمالهم، في الطبقة الرابعة من المبنى، وخصّصنا طبقة أخرى لمعرض فنيٍّ تشكيليّ لكل أساتذة الفرع الذين عملوا فيه منذ تأسيسه، بالإضافة إلى معرض على طبقتين للطلاب من خارج مشاريع التخرّج، لأربعة أقسام في الكلية: الهندسة المعمارية، الهندسة الداخلية، الفنون الإعلانية والتواصل البصري، والفنون التشكيلية، إضافة إلى جناح قسم الترميم الذي يخضع له طلاب مهندسون معماريون ومدنيون، وهو متخصص بترميم الآثار والأوابد التاريخية.

والسبب، بحسب عبيد، هو تزامن شهر أيار/مايو هذا العام مع مرور 44 سنة على انطلاقة الفرع الثالث لكلية الفنون والعمارة في الجامعة اللبنانية، و50 عاماً على تشكّل مجموعة الفنانين العشرة عام 1974.  

عن ذلك يتحدّث عبيد لــ "الميادين الثقافية"، لافتاً إلى أن "رمزيّة الانطلاقة أنها تتوافق مع اليوبيل الذهبي لمجموعة الفنانين العشرة الذين يعود لهم الفضل في تأسيس الفرع عندما تواصلوا في حينه مع الرئيسين الراحلين سليمان فرنجية ورشيد كرامي، وطالبوا بعد جهود حثيثة بتأسيس الفرع، وكان ذلك".  

ويضيف أن المناسبة "تتوافق هذا العام مع الذكرى الـ44 لتأسيس الفرع، حيث كنا وضعنا أساس متحف للفنانين العشرة، بينما، قبل أزمة كورونا، كنا نقيم معرضاً فنياً سنوياً".

أما في المتحف الذي تأسّس منذ نحو 5 سنوات، لبنة لمتحف الفنانين العشرة، فانتشرت على جدرانه وفي أروقته وباحاته، أقسام، خُصِّص كل قسم لواحد من الفنانين، حمل صورة مجسّمةً له، مع سيرته الذاتية، وبعضٍ من أعماله التي تعبّر عن منهجه الفني.

باحات الطبقة الرابعة تحوّلت إلى متحف دائم للمجموعة، أضيف إليها هذا العام معرض تشكيلي لأعمالهم ضم عشرات اللوحات. والمجموعة حملت اسم الفنانين العشرة كونها تألّفت من 10 فنانين لدى الانطلاق، وبقي 9 منهم بعد انسحاب أحدهم.

والفنانون هم وفق تسلسل زمني: النحات الراحل محمد الحفار (1929 - 1993)، عبد الرحيم غالب (1931)، الراحل محمد غالب (1935- 2020)، الراحل بسام الديك (1943 - 2016)، فضل زيادة (1944)، عبد اللطيف بارودي (1944)، فيصل سلطان (1946)، عدنان خوجة (1948)، محمد عزيزة (1949). 

وللمناسبة، وضعت الجامعة كتيّباً عن المجموعة، بالتعاون مع مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية، تضمّن نبذة عن حياة كلّ منهم، مع مجموعة من الصور لأعمالهم.

والمجموعة عند تشكّلها، أحدثت نقلة نوعية في الحياة الفنية والثقافية، بإقامتها العديد من المعارض التي حوّلت المدينة إلى خلية نحل فنية.

وقبل المجموعة عرفت طرابلس فنانين تشكيليين معروفين منهم رضوان الشهال، ونسيبه عبد الله الشهال، وأحمد الدالاتي وزوجته هوغو، وزهير المرعبي، ومالك شديد، ومصباح بريدي، وهارمند، وآخرون.  

24 أستاذاً عبروا في فرع الكليّة، تخرّجوا منها، ودرّسوا الفنون فيها، وكثيرون آخرون لم تتسنَ لهم المشاركة، شكّلوا تظاهرة فنية مميّزة بأعمالهم الدائمة، واختصاصاتهم، واحترافهم للفنون من منظور يغلب عليه الطابع الفني- الفن للفن - ولم يذهب بعيداً في شطارات السوق، ومزاداته.

والأساتذة الفنانون الذين شارك كل منهم بعملين أو 3، هم: ديانا جحى في "رحلة إلى شمال بريطانيا"، و"ثمن الحرية"، تريز فرنسيس في "أشرعة في مهب الريح"، و"فضاءات لونية، و"أقواس وظلال"، هنى طوط في "عاشقين" و"تحدي"، علي العلي في "نافذة"، رويدا الرافعي في "عصافير السلام" و"طرابلس"، عايدة إبراهيم في "باقة من صيف"، و"حواء في استراحة"، منى الصايغ في "السكربينة الحمراء" و"سكربينة وشبك"، محمد حسين في "طيور الوروار"، و"ميناء"، ندى طرابلسي في "أمل" و"Pose"، نقولا العجيمي في "منظر طبيعي" و"صدمة"، رشا ملحم في "دون عنوان"، نادين العلي في "تحية لماتيس" و"طرابلس الجميلة حزينة"، و"القهوة الشعبية، حسان الصمد في "رَعِي"، مصطفى عبيد في "نافذة"، و"من الواقع"، الياس ديب في "لقاء في المرآة" و"من الأجداد إلى الأحفاد"، جمال نجا في "سورة الإخلاص" و"قل ربي زدني علماً"، سمر زيادة في "لاعب كرة السلة"، أحمد سعيد في "تأليف"، فطام مراد في "ضريبة الانتماء"، وفاء منافيخي في "صدى الروح"، رياض عويضة في "عبلة"، هبة درويش في "أنظر إلي"، و"تمني"، إضافة إلى عاطف ملّاح، وهند الصوفي.

ولا يمكن وصف أجنحة معرض الطلاب في طبقتين سفليين من المبنى، حجماً، وعدداً، وتنوّعاً، من كل أصناف الفنون، والأعمال المنتمية لعالم الفن. لكن لا بدّ من التوقّف عند باحة مدخل المبنى حيث أقام الطلاب معرضاً خاصاً بغزة، تعبيراً عن مأساتها، وتعاطفاً معها. 

إلى جانب هذا القسم، انتصبت 6 أعمدة مُكَسّرة ترمز لأهراءات مرفأ بيروت الذي دمّره انفجار في العام 2020. مشهد تعبيري مؤثّر نجح الطلاب في تكوينه كأعمدة مكسورة تخرج منها أعضاء بقايا بشرية ترمز إلى هول المأساة.

يتباهى عبيد بالاحتفالية الفنية الكبيرة، ويقول: "هذا العام، يمكننا القول إنه كان عندنا تظاهرة فنية، ونود ذكر زيارة قام بها إلى الكلية محاضراً المعمار العالمي البريطاني نايل ليتش (Neil Leach)، وهو أحد منظّري الذكاء الاصطناعي، وقد قدّم محاضرة مهمة حضرها 400 طالب مشاركين ومناقشين، حول دور الذكاء الاصطناعي في اختصاصات الفنون".

وأضاف أنه "برغم كل الصعاب التي نواجهها، استطاعت الجامعة أن تتأقلم وتجدّد نفسها، وقد انطلقت بأقوى مما كانت عليه عام 2009"، متحدِّثاً عن إدخال اختصاصات جديدة تلائم حاجة السوق، والمجتمع، مثل تصميم الأزياء كنموذج لتوجّهات الكلية مستقبلاً.

وختم آملاً أن "تتحوّل الكلية إلى خلية عمل، ونفتحها للمؤتمرات، والتبادل العلمي، يساعدنا هذا المبنى الضخم الذي بإمكانه أن يستقبل كل أنشطة المدينة، وسيكون عاملاً فنياً لمحيطه، وشعاع نور لكل محافظة الشمال ولبنان".