هل يقدم لنا العلم اليقين؟

"لا أؤمن إلا بالعلم". نسمع هذه العبارة كثيراً في حياتنا اليوم، لكن هل نحن على يقين من كل شيء؟ وهل نستطيع أن نؤمن بالعلم وحده؟

اليقين هو الغاية القصوى التي ينشدها الناس جميعاً، حيث يبدو بمثابة الأرض الصلبة التي يتمناها الإنسان ليقف عليها مطمئناً متجنباً الأرض الرخوة والرمال المتحركة. 

لقد سعى العلماء والفلاسفة - منذ القدم - لبلوغ اليقين بوصفه غاية سامية، ليظل سؤال اليقين مطروحاً: هل من الممكن أن يتحقق اليقين أم أنه أملٌ بعيد؟ وهل يمكن التوصل إلى حقائق يقينية حول هذا الكون المليء بالأسرار يمكن الاطمئنان إليها بعيداً من الآراء الظنية والخرافات والأوهام؟ وهل يمكن تحقيق اليقين في علوم من دون أخرى؟ أم أن اليقين أمل عزيز يراود كل العلوم من دون أن يستطيع أي منها إليه سبيلاً؟ وأنه غاية لا تُدرك؟

يشهد العلم، بوصفه تراكماً إنسانياً، في كل لحظة تقدماً ملحوظاً يغري الإنسان بالقدرة اللامتناهية، ويوهمه بأنه قد أصبح قادراً على السيطرة على كل شيء وصار سيداً للطبيعة بلا منازع. 

لكن هذا الغرور سرعان ما يتلاشى عندما تستعصي عليه مشكلة ما، أو يخرج له  فيروس متناهي الصغر يجعله يلزم بيته فلا يغادره، وتتوقف كافة مظاهر حياته، ويشعر بالذعر الشديد فيتقوقع حول ذاته ويتمترس وراء الأقنعة والكمامات، وتتوقف حركة القطارات، والموانىء والمطارات، وكذلك المصانع والشركات وكافة المؤسسات إلى أجل غير مسمى، وهنا يجد الإنسان نفسه بصدد مجموعة من الأسئلة الملحة، التي تبرز مقولة "غياب اليقين" فتصبح التساؤلات أكثر من الإجابات، وتجعل رحلة البحث عن اليقين في مواجهة الطوارئ أكثر إثارة، وتطفو على السطح أسئلة تتعلق بطبيعة العلم في ذاته، يأتي على رأسها: هل يقدم لنا العلم اليقين؟ وهل معارفنا العملية معارف يقينية؟ أم أن كل ما يتوصل إليه العلم هو مجرد نتائج احتمالية وليست حقيقة مطلقة ونهائية؟ بل حقائق نسبية مؤقتة؟ وهل التطور العلمي المستمر هو إقرار ضمني باستحالة إمكانية الوصول إلى حقائق يقينية؟ هذه هي التساؤلات التي ستحاول هذه الورقة الإجابة عليها. 

ما العلم؟ ما اليقين؟

  • طبيب يزور مريضاً في منمنمة فارسية من القرن الرابع عشر (المكتبة الوطنية النمساوية)
    طبيب يزور مريضاً في منمنمة فارسية من القرن الرابع عشر (المكتبة الوطنية النمساوية)

العلم كلمة فضفاضة لكنه يعني بوجه عام: المعرفة وإدراك الشيء على ما هو عليه، أو هو إدراك الشيء بحقيقته. ويعني بوجه خاص: دراسة ذات موضوع محدد تُعالج بمنهج معين وطريقة ثابتة، وتنتهي إلى طائفة من المبادئ والقوانين، وينصب على القضايا الكلية والحقائق المستمدة من الوقائع والجزئيات. والعلم نوعان: نظري يحاول تفسير الظواهر وبيان القوانين التي تحكمها كالطبيعة والرياضيات. وعملي يسعى إلى تطبيق القوانين النظرية على الوقائع والحالات الجزئية[1]. 

أمّا اليقين في اللغة فهو العلم الذي لا شك معه، أو العلم الحاصل بعد الشك. وفي الاصطلاح، هو: اطمئنان النفس إلى حكم مع الاعتقاد بصحته. واليقين عند أهل الحقيقة هو رؤية العيان بقوة الإيمان لا بالحجة والبرهان. وهم يجعلون له مراتب ثلاث: الأولى علم اليقين وأصحابها إما علماء راسخون، عرفانهم بالاستدلال والبرهان، وإمَّا صالحون عرفانهم بأمارات وقناعات تطمئن إليها نفوسهم، ويقينهم لذلك ذاتي. 

والثانية عين اليقين، وأصحابها الحكماء، وهي أن تصير بحيث تشاهد المعقولات في المعارف المفيضة إياها هي. والثالثة حق اليقين وأصحابها الأنبياء والأولياء على حسب تفاوتهم في المراتب، وهي أن تصير بحيث تتصل بالمعقولات اتصالاً عقلياً وتلاقي ذاتها تلاقياً روحياً [2].  

والعلم اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافاً لا يبقى معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم، ولا يتسع القلب لتقدير ذلك، بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارناً لليقين [3]. 

فهل اليقين من صفة العلم وفوق المعرفة والدراية، فيُقال علم يقين ولا يُقال معرفة يقين؟ وهل هناك ما يسمى باليقين العلمي؟ أم أنَّ هذا ما يرفضه المنطق العلمي الذي تطور من منطق ثنائي القيم يرى القضية العلميّة إمَّا صادقة أو كاذبة (حيث يتسع المقام لليقين)، إلى منطق ثلاثي يجعل هناك درجة وسطى بين الصدق والكذب (حيث نتحول من اليقين إلى الاحتمال)، إلى منطق متعدد القيم يرى أن هناك درجات للصدق ودرجات للكذب، حتى نصل اليوم إلى المنطق الغائم أو الضبابي الذي يكون الوصول معه إلى أي يقين أمراً مستحيلاً؟

اليقين بين الاستحالة والإمكان في العصر القديم

  • رسم متخيل لابن سينا
    رسم متخيل لابن سينا

إذا عدنا إلى العصر اليوناني القديم وخصوصاً إلى عصر السفسطائيين وجدنا أنهم  جميعاً  ينكرون الحقيقة المطلقة، ويقرون باستحالة الوصول إلى اليقين الذي يتفق عليه الجميع. وحملهم هذا على المناداة بأن الحقائق كلها اعتبارية، وبأن مقياس كل واحدة منها هو الشخص الذي يدين بها. ومن ثمَّ لا يمكن أن تكون هناك حقيقة مطلقة ولا علم عام ولا حكم شامل، بل هناك معارف شخصية تختلف من شخص إلى آخر.

ولذلك رأوا أنه يجب على من يحاول إدراك حقيقة من الحقائق ألا يتعدى نفسه في إدراك هذه الحقيقة؛ لأنَّه في داخلها سيجد كل شيء. ومن ثم صار نقض حجج أي شخص ومحاولة إقناعه أو حمله على العدول عن رأيه أو الحكم عليه بالخطأ أو بالصواب مستحيلة [4].

في حين خالفهم معاصرهم الفيلسوف اليوناني أفلاطون الذي ذهب بوجود حقائق يقينية ومطلقة، لكنها ليست موجودة في عالمنا الأرضي المحسوس، ولكنها توجد في عالم عقلي مفارق سماه بعالم المُثل، وهي حقائق يتوصل إليها الإنسان عن طريق التأمل العقلي الخالص. أي أن أفلاطون رأى أن ما يوجد في العالم المحسوس هو مجرد ظلال وأوهام تمدنا بها الحواس، وأن من يعتمد على الحواس في فهمه للأشياء فلن يُحَصِّل علماً البتة، وأنَّ كل ما يُحَصِّلَه هو آراء قابلة للتغيير والتبديل. وشتان ما بين العلم اليقيني الثابت والآراء المتنقلة المضطربة. فالعلم اليقيني الثابت يمكن أن يُنال بواسطة التأمل العقلي المؤسس على النماذج المعنوية الحقيقية لا على ظلالها الحسية الزائفة [5]. أي أن أفلاطون يرى أن التأمل الفلسفي يمكنه أن يمدنا بالحقيقة الموضوعية، الثابتة واليقينيَّة.

أمَّا أرسطوطاليس فقد ميَّز بين نوعين من المعرفة هما المعرفة الحسية والمعرفة العقلية وجعل الأولى أدنى من الثانية، وميّز في الثانية بين درجتين: الأولى يقوم فيها العقل باستدلالاته عن طريق تحليل ما يأتيه عبر الحواس من انطباعات حسية وخبرات متراكمة، والثانية معرفة عقلية حدسية يلتقط فيها العقل الماهية المعقولة برؤية عقلية حدسية مباشرة لا يتأثر فيها بالانطباعات الحسية ولا بظروف الزمان والمكان. وهذه المعرفة يعدها أرسطو معرفة يقينية لا يساورها الظن أو الشك وتكتسب صفة الخلود والأزلية [6]. وهكذا يتفاوت العصر القديم في القول في اليقين بين الإمكان والاستحالة.

إمكانية الوصول إلى اليقين في العصور الوسطى الإسلامية والمسيحية

  • رسم لأحشاء من كتاب
    رسم للأعضاء الداخلية لجسم الإنسان من كتاب "قانون في الطب" لابن سينا

انشغل علماء وفلاسفة العصور الوسطى بمسألة تحقيق اليقين في نتائج بحوثهم العلمية والفلسفية كما انشغل من قبلهم؛ فانطلقت المعتزلة، وهي أشهر الفرق الإسلامية التي اهتمت بمدى إمكانية الوصول إلى اليقين المعرفي، من الثقة التامة في العقل. 

وقررت أنَّ كل معرفة مطابقة للعقل فهي يقينيّة بالنسبة إلى العقل، وللعقل – عند المعتزلة - مجموعة من المبادئ التي تجعله لا يقع في الخطأ أو الأوهام، ومن أهم هذه المبادئ مبدأ عدم التناقض؛ وهو مبدأ مشتق من مبدأ الذاتية ومفاده أن الشيء لا يمكنه أن يكون وألا يكون في وقت واحد وعلى وجه واحد. 

وبناء عليه تكون المعرفة معرفة يقينيّة إذا اعتمدت اعتماداً مباشراً على العقل ومبادئه. كما يمكن أن تدخل في إطار هذه المعرفة اليقينيَّة المبادئ الأخلاقية: من قبيل: "الصدق النافع حسن" و"الكذب الضار قبيح"، ويحكم ذلك بديهة العقل [7].

أمَّا الأشاعرة فقد رأوا أن المعرفة اليقينيَّة ممكنة، ووسيلتها تتمثل في الأولويات التي يقول عنها الباقلاني أحد أعلام الأشاعرة: "إنها علم آخر لا نحصل عليه عن طريق الحواس وإنَّما فطرت عليه النفس، ويؤدي إلى اليقين"، كما يرى أن العلاقة بين وسيلة الإدراك والشيء المُدرَك ليست علاقة ضرورية كارتباط الأسباب والمسببات ولكنها علاقة اقترانية [8]. 

ذهب أشهر مفكري الإسلام وصوفيته من أمثال: الغزالي، وإبن حزم الأندلسي، والسهروردي، وإبن تيمية وإبن خلدون إلى الإشارة إلى أهمية المعرفة الحسيَّة، لكنهم أجمعوا على أنها لا تؤدي إلى اليقين، إلا إذا تضافرت مع المعرفة العقلية فتستطيع حينها أن تصل إلى اليقين الذي يضمنه العقل.

ويرى كل من الفارابي وإبن سينا أنَّ العقل قادر على إدراك حد الشيء أو معناه أو حقيقته أو ماهيته. فهذا العقل يمكنه إدراك المعرفة اليقينيَّة إذا بلغ مرتبة العقل المستفاد، وهي تلك المرتبة التي لا تتيسر إلا للخاصة الذين وصلوا مرحلة معينة، فوصلت عقولهم إلى الكمال في صقل مرايا نفوسهم، وفي جعلها قادرة على تخليص المعقولات من غواشي المادة وعلى تفهم العام المشترك في المشخصات، وبالتالي على تفهم الحدود الجامعة المانعة. وببلوغ مرتبة العقل المستفاد يتسنى للعقل الإنساني الاتصال بالعقل الفعال وتلقي الحقائق اليقينيَّة منه [9].

ورغم ذلك ذهب كل منهما (الفارابي وإبن سينا) إلى القول بطريق آخر للمعرفة اليقينيَّة وهو طريق المعرفة اللدنية، وهو الاتجاه الذي تميزت به الفلسفة الإسلامية في المشرق العربي ما جعل المستشرق كارادي فو يقول: "إن هؤلاء الفلاسفة عندما احترموا العقل، ووضعوه فوق كل اعتبار في هذه الحياة وآمنوا بعصمته ووصوله إلى المعرفة العليا، لم يمنعهم ذلك من أن يعتقدوا أن فوقه قوة بصيرية تصل عن طريق التنسك إلى أسمى منزلة، وتنتهي بأن تغمر صاحبها في بحار النور الأقدس الذي لا يستعصي عليه انكشاف كل عرفان" [10].

وإذا ما انتقلنا من فلاسفة المشرق العربي إلى فلاسفة المغرب العربي وجدنا أن إبن باجة الأندلسي يرى أن المتوحد بإمكانه الوصول إلى اليقين إذا استخدم قواه العارفة، وانسلخ عن رذائل الهيئة الاجتماعية. فهذا المتوحد هو وحده القادر على الوصول إلى مرتبة العقل المستفاد حيث يمكّنه ذلك من الاتصال بالعقل الفعال. في حين رأى إبن رشد أنَّ الإنسان من خلال تنمية قواه الإدراكية والامتلاء المعرفي يمكنه الاتصال بالعقل الفعال المنبثق عن الله تعالى، ومن ثم يدرك الحقيقة على وجه يقيني [11].

أفلاطون ذهب بوجود حقائق يقينية ومطلقة، لكنها ليست موجودة في عالمنا الأرضي المحسوس، بل في عالم عقلي مفارق سمّاه بعالم المُثل، وهي حقائق يتوصل إليها الإنسان عن طريق التأمل العقلي الخالص. أي أن ما يوجد في العالم المحسوس هو مجرد ظلال وأوهام تمدنا بها الحواس، ومن يعتمد على الحواس في فهمه للأشياء فلن يُحَصِّل علماً البتة، بل آراء قابلة للتغيير والتبديل.

بينما ذهب أشهر مفكري الإسلام وصوفيته من أمثال: الغزالي، وإبن حزم الأندلسي، والسهروردي، وإبن تيمية وإبن خلدون إلى الإشارة إلى أهمية المعرفة الحسيَّة، لكنهم أجمعوا على أنها لا تؤدي إلى اليقين، إلا إذا تضافرت مع المعرفة العقلية فتستطيع حينها أن تصل إلى اليقين الذي يضمنه العقل. فهم يرون أن العقل إذا تجرد من غشاوة الوهم والخيال لم يتصور أنه يغلط، بل يرى الأشياء على ما هي عليه. ومن ثم فأحكامه يقينية لا ريب فيها، لكنَّها يقينية في حدود نطاقه، أما فوق ذلك فلا ثقة بأحكامه. كما أقروا بدور التجربة الحيوية في الوقوف على المعرفة اليقينيَّة، كما أن الأخبار المتواترة تحمل معرفة يقينية لا يمكن تكذيبها، وقد رأى كل من الغزالي وإبن حزم وإبن تيمية أن إنكار المتواترات هو أصل من أصول الإلحاد والكفر. فكانت هذه الطرق جميعا موصلة إلى المعرفة اليقينيَّة التي لا يساورها شك.

وإذا ما انتقلنا إلى العصور الوسطى المسيحية نجد أن المعرفة اليقينيَّة ممكنة لكن بضمان الإيمان؛ فقد ذهب أعلام هذا العصر من قبيل: بونافنتورا ومتى أكزبرطة وتوما الإكويني ودانس سكوت إلى أن المعرفة الحسيّة لها دورها الجوهري في الوصول إلى اليقين، لكنها وحدها لا تكفي من دون المعرفة العقلية التي لا يمكنها الاستغناء عن الحس؛ فالعقل لا يستطيع أن يكوّن تصورات إلا بالالتجاء إلى الحس، وتبقى هذه التصورات تفتقد إلى اليقين ما لم يضمنها الإيمان، فالإيمان هو الضامن الوحيد لليقين. وهو الأمر الذي يميز الفكر في العصر المسيحي الوسيط [12].  

صعوبة الوصول إلى اليقين في العصر الحديث

  • بليز باسكال
    بليز باسكال

وإذا ما وصلنا إلى العصر الحديث لم نلحظ تغييراً جوهرياً من حيث إمكانية الحصول على معارف يقينية؛ فهذا العصر ما زال ينشد اليقين ويبحث عنه ويتخيله موجوداً، وكل ما على الإنسان أن يجتهد في التحري عنه، وحتما سيجده. فقد كان إيمان العصر الحديث بإمكانية تحقيق اليقين مبنيا على فيزياء نيوتن التي كانت تلائم المكان المطلق والزمان المطلق والحتمية المطلقة للطبيعة.  

فإذا ما بدأنا هذا العصر بالفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز (1588 - 1679) وجدناه يرى أن الوصول إلى اليقين صعب ولكنه ليس مستحيلاً، فيجب على الباحث عن اليقين أن يتجاوز المعرفة الحسيَّة إلى المعرفة العقلية الفلسفيَّة تلك المعرفة التي تتصف بسماتٍ خمس، هي: طابعها الكلي، وتكوينها من حقائق ضرورية غير محتملة أو عرضية أو حادثة، وأن تنشأ عن الاستدلال العقلي وحده، وتقوم على العلاقة الضرورية بين الأسباب والمسببات، وأن تكون شرطيّة وليست مطلقة، فهذه المعرفة الفلسفيّة مثل المعرفة الرياضية من حيث اليقين والاشتراط [13].

أمَّا ديكارت (1596-1650) فرأى أنَّ اليقين يتحقق من خلال الشك المنهجي، وأن هذا الشك لا يرمي إلى هدم إمكانية المعرفة كما هي الحال في الشك المذهبي، بل هو يرمي على العكس من ذلك تماما إلى الوصول إلى المعرفة اليقينيَّة وإقامتها على أسس سليمة [14]. وإن كانت فكرة الضمان الإلهي للمعرفة اليقينيَّة لم تغادر ذهن ديكارت فاشترط وجودها لتخلصه من الشيطان الماكر الذي قد يصور له الوهم على أنه حقيقة!

وقد بيَّن باسكال (1623 - 1662) في رد فعل على فلاسفة العصر الحديث الذين اعتزوا كثيرا بالعقل ورأوا أنَّ بإمكانه الوصول إلى اليقين بمفرده، فراح يفترض أن للقلب حقائقه التي لا يمكن للعقل أن يستدل عليها، وذلك عبر عبارته المشهورة: "إن للقلب منطقا هيهات للعقل أن يدركه"، وتعد حقائق القلب عند بسكال حقائق حدسية تُدرك على نحو مباشر، ويعتقد صاحبها في ثباتها ويقينيتها وصحتها المطلقة [15]. 

وميّز سبينوزا (1632 - 1677) بين معرفة سماعية نقلية لا يمكن لها أن تحقق اليقين، الذي يمكن تحقيقه عبر المعرفة العقلية الاستدلالية، كأن تستنتج شيئا من شيء، كاستنتاج العلة من المعلول. كما وسم المعرفة العقلية الحدسية بالمعرفة الكاملة التي تدرك الشيء بماهيته، وعبرها تتحقق المعرفة اليقينيَّة الكاملة.

في حين ذهب جون لوك (1632 - 1704) إلى أن اليقين تحققه المعرفة الحدسيَّة التي فيها يدرك العقل بصورة مباشرة التوافق أو الاختلاف بين فكرتين من دون توسط أية فكرة أخرى. ومن دون أن يعاني العقل أي مشقة في الفحص. فهو يدرك الحقيقة مثلما تدرك العين الضوء باتجاهها مباشرة.  وتشاركها في الوصول إلى اليقين المعرفة البرهانية، إلا أن درجة وضوح يقينها ليست في مستوى وضوح المعرفة الحدسية [16].

أما ديفيد هيوم (1711 - 1776) فلم يقف عند المعرفة العقلية بل عاد إلى المعرفة الحسية التجريبية، مرتئياً أن اليقين موجود في الحقائق الرياضية، وأنه بالتخلص من كل ما هو غير محسوس، وبالاعتماد على المرئي المحسوس بجانب المعدود والمحسوب يمكننا أن نصل إلى اليقين ولا نقع في الخطأ. ووضع ليبنتز (1646 - 1716) العلم في مكانة سامية لأنَّه هو الوحيد الذي يقدم لنا الإحساس باليقين أو على الأقل "وهم اليقين". 

ورغم أن كانط (1724 - 1804) حاول أن يقنعنا عبر مؤلفاته الضخمة أن الوصول إلى الحقيقة أمر غاية في الصعوبة، وأن كل ما بإمكان الإنسان هو أن يدرك ظاهر الأشياء أو (الفينومينا) أما الشيء في ذاته (النيومينا) فلا قدرة للإنسان أن يعرفه، فهو فوق طاقة البشر. إلا أنه في مجال المعرفة الأخلاقية على وجه التحديد، يتحدث عن مبادئ وقوانين أخلاقية ذات طابع صوري، مجرد ومطلق، لها صفة اليقينيَّة.

وظل هذا الأمر سائداً حتى أواخر القرن التاسع عشر حيث كان العلماء ينظرون إلى قوانين العلم على أنها قوانين سببية، أي علية، ما يترتب عليه أن وجود العلة يقتضي وجود المعلول، وغياب العلة يقتضي حتما غياب المعلول، وأي تغيير كمي في العلة يحدث معه حتما تغيير كمي مماثل بالدرجة نفسها في المعلول، وعلى ذلك يكون القانون العلمي له صفة الحتمية، أي الصدق الضروري أو اليقين.

استحالة الوصول إلى اليقين في العصر الراهن

  •  البرت آينشتاين
    البرت آينشتاين

وإذا ما واصلنا البحث في مجال تاريخ المعرفة العلمية وإمكانية الوصول إلى اليقين من عدمه، فإننا نلحظ أن التطورات الهائلة والقفزات النوعية التي عرفها العلم ابتداء من العصر الحديث قد بيَّنت تدريجا صعوبة التمسك بحقيقة واحدة ونهائية، وكشفت عن التعديلات والمراجعات التي طاولت مختلف المفاهيم والتصورات التقليدية حول الحقيقة. فقد تغيَّرت الحال من فيزياء نيوتن التي تقوم على فكرة الحتمية المطلقة إلى فيزياء أينشتاين وبور التي لا تعرف اليقين المطلق وتقول بالاحتمال العلمي.

كما نسفت النظرية النسبية الحدود القائمة بين الذات والموضوع، فانعدمت الموضوعية المزعومة للفيزياء الكلاسيكية، ولم يعد الإنسان يرى الطبيعة في ذاتها، بل الطبيعة الملحوظة. كما بيَّنت الدراسات الحديثة أنَّ الذرة لم تعد تخضع لأي قانون على الإطلاق، وكأنها تمتلك نصيبا من الحرية! كذلك أقرَّت الدراسات الراهنة أن قفزات الكهارب عشوائية وليست منتظمة كما كنا نظن في السابق، ولا توجد في زماننا الراهن قوانين تنبئ عن مستقبل سلوكها حين تقفز [17].

بل إن الجدير بالذكر أنه قد ظهر أن ثمة وجوداً غير مادي للطاقة الذرية هو الوجود الموجي، وأن التعامل مع ظاهرة الضوء أثبت أن جزيئات النشاط الضوئي (الفوتونات) تتصرف في مواضيع تجريبية باعتبارها مكونة من جسيمات وحزم ضوئية، وأنها في مواضيع تجريبية أخرى تتصرف باعتبارها مكونة من موجات. وقد قال أحد علماء الطبيعة متهكما: "في يوم السبت والإثنين والأربعاء نُعرِّف الضوء على أنه جسيمات وحزم، ثم يصبح موجات بقية أيام الأسبوع"، وهو الأمر نفسه مع الذرات التي تتصرف أحياناً على أنها جسيمات وأحياناً أخرى على أنها موجات.

ولا يمكن لتجربة واحدة أن تبين أن (الفوتونات) جسيمات وموجات في آنٍ واحد، إمَّا جسيمات أو موجات. أما الأغرب فهو ما ذكرته مجلة (تايم) العلمية أن جزئيات النشاط الضوئي (الفوتونات) حينما يخضعها الإنسان لتجربة ما، فإنها تعي ما يحدث وتغير سلوكها [18]! وهو الأمر الذي يجعل اليقين العلمي مستحيلاً، وهو الذي ألقى بظلاله على الفلسفة الراهنة. 

فإذا ما ابتدأنا العصر الراهن بالبراغماتية كأول إسهام فلسفي للعالم الجديد سنجد أن وليام جيمس (1842 - 1910) أكبر ممثليها يقول بالنسبيَّة التي تنتفي معها الحقيقة المطلقة أو اليقين النهائي؛ فالحقيقة عند البراغماتيين ليست غاية في ذاتها بل هي مجرد وسيلة لإشباع حاجات حيوية أخرى.

ينظر العصر الراهن إلى الحقيقة العلمية على أنها نسبية مؤقتة قابلة للتغيير الجزئي أو الكلي، ومن ادَّعى بأنه وصل إلى الحقيقة اليقينيَّة المطلقة فقد حكم على نفسه بالجمود ووقع في التخلف والتناقض، لأن العلم بطبيعته المتجددة المتطورة لن ينتظر أحداً.

هكذا يقدم لنا جيمس تصورا أداتياً ونسبياً للحقيقة؛ بحيث يقول بارتباطها بالمنافع والوقائع وبمدى قدرتنا على استعمالها في وضعيات مختلفة. ويؤكد الإبستمولوجي غاستون باشلار (1884 - 1962) نسبية الحقيقة العلمية، فالحقيقة العلمية ليست حقيقة مطلقة بل هي قابلة دوما للتغيير والتصحيح، فكثير من الحقائق العلمية تم تجاوزها.

فالعلم يثبت كل يوم عدم وجود حقيقة مطلقة غير قابلة للتغيير، فالعلم يتحرك إلى الأمام بسرعة رهيبة وما كان يعتقده بالأمس حقيقة علمية يعتبره اليوم جزءا من تاريخ العلم بعد أن تجاوزت حقيقة اليوم اعتقاد الأمس؛ وذلك لأن العلم يمتلك قدرات التجديد عبر الكشوف التي تستخدم ما سبقها من مستويات معرفية بل وتتجاوزها تجاوزاً تاماً في ما أطلق عليه باشلار "القطيعة المعرفية" التي ترى أن التقدم العلمي مبني على أساس قطع الصلة بالماضي، فهو شق طريقاً جديداً لم يتراء للقدماء ولم يرد لهم بخاطر، ويضرب باشلار مثالاً لذلك بالمصباح الكهربائي الذي لا يعد استمراراً لأساليب الإضاءة الماضية التي تقوم على الاشتعال والاحتراق، بل قطيعة لكل هذه الأساليب إلى حد الشروع في مرحلة تعتمد الإضاءة فيها على الحيلولة من دون أي اشتعال أو احتراق فهي خلق وإبداع جديد تماماً [19]. 

وذهب كارل بوبر (1902 - 1994) إلى أنَّ النظرية العلمية تكون صحيحة إذا ما أنكرت أنها يقينيَّة، وأقرّت بأنها قابلة للتكذيب في المستقبل، أي قادرة على تقديم الاحتمالات الممكنة التي تفنَّد بها ذاتها وتبرز الثغرات الكامنة فيها [20].

ولعل اكتشاف الثقوب السوداء يقضى تماما على فرضية تحقيق اليقين العلمي في العصر الراهن؛ حيث تتحطم داخل هذه الثقوب قوانين علم الطبيعة والأحياء، ويتحطم الزمان والمكان، ويتم التهام الضوء (العنصر الثابت في الطبيعة). ويمكننا أن نرى أثر الثقوب السوداء على ما حولها، ولكننا لا نعرف كنهها تماماً. وقد ظهرت مؤخراً نظرية الفوضى Chaos وهي ضربة أخرى لأي يقين من الممكن أن يزعمه أحد في مجال العلم الطبيعي في العصر الراهن [21].

وهذا يدل على الطابع النسبي والمنفتح للحقائق العلمية. وهو الأمر الذي يؤكده كثير من المختصين في العلم التجريبي الذين تواتر عنهم أن الحقيقة في (العلوم التجريبية) نسبية مؤقتة. حتى أضحت الحقيقة العلمية تتصف بسمتين مميزتين هما: 

الاحتمالية: أي أنها ليست حتمية أو يقينية ولا تحمل صفة القطعية.

قابلة للتطور: أي قابلة للنقض والتغيير والتطوير، فهي حقيقة نسبية مؤقتة، لا تتسم بالثبات المطلق والديمومة.

وهكذا ينظر العصر الراهن إلى الحقيقة العلمية على أنها حقيقة نسبية مؤقتة قابلة للتغيير الجزئي أو الكلي، ومن ادَّعى بأنه وصل إلى الحقيقة اليقينيَّة المطلقة فقد حكم على نفسه بالجمود ووقع في التخلف والتناقض لأن العلم بطبيعته المتجددة المتطورة لن ينتظر أحداً. فالآفاق المفتوحة للعلم لا حدود لها.

وهنا قد ينبّه البعض على تفرقة ضرورية وهي التفرقة بين الحقيقة الرياضية والحقيقة العلمية مشيراً إلى أن حقائق الرياضيات حقائق مطلقة، أما حقائق العلم التجريبي فهي حقائق نسبية، ومن ذلك ما يقوله الطبيب كلود برنار (1813-1878): "من الواجب... أن نفرق بين العلوم الرياضية والعلوم التجريبية، فالحقائق الرياضية مطلقة لا تقبل التغيير؛ لأن العلم ينمو بوصل جميع الحقائق المكتسبة وصلاً بسيطاً متعاقباً. والأمر بالعكس في العلوم التجريبية. فليست الحقائق فيها إلا حقائق نسبية، ومن ثم لم يكن من الممكن أن يتقدم العلم إلا بالثورة عليها، وإدماج الحقائق القديمة في صيغة علمية جديدة" [22].

أي أن برنار يؤكد يقينية الحقائق الرياضية ويصفها بأنها يقينية مثالية لا يمكن أن تصل إلى مستواها يقينية العلوم الطبيعية، لأننا سنظل عاجزين على الدوام أن نعرف تماماً جميع الشروط الحقيقية التي تعين حدوث ظاهرة من الظواهر؛ لأن كل ظاهرة في الواقع متصلة بعدد لا نهاية له من الظواهر، وكل ما يمكننا معرفته هو العلل القريبة فقط.

ويؤكد  البرت آينشتاين (1879 - 1955) نسبيَّة الحقائق العلميَّة بقوله: "إن مفهوماتنا عن العالم الفيزيائي لا يمكن أن تكون نهائية، وعلينا أن نكون على استعداد لتغييرها لكي ننصف الوقائع المدركة بأكثر الطرق المنهجية كمالاً" [23].

ومن ثم يؤكد كثير من فلاسفة العلم على أن "الحقائق العلمية" يجب ألا تُفهم بالمعنى الحرفي للكلمة، فليست هناك حقيقة علمية بالمعنى المُطلق الذي يحمل اليقين التام. ومن ثم يقول غونزيت الفيلسوف السويسري المعاصر : "إن السير العلمي الحقيقي ليس سيراً من يقين إلى يقين بل من بديهيات مؤقتة واحتمالية إلى بديهيات مؤقتة واحتمالية" [24]. فلا مجال إذن للحديث عن اليقين العلمي في العصر الراهن.

أدت النظريات الحديثة وقبلها النظرية النسبية إلى إضعاف قيمة كل الافتراضات، وأصبح العلم لا يعطينا إلا معرفة جزئية عن الحقيقة من الممكن أن تتغير في أي وقت.

إن الزعم بأن العلم يقدم اليقين وأن الحقيقة العلمية تتسم باليقين لهو زعم واهٍ تهاوى تماماً مع النظريات العلمية التي ظهرت في القرن العشرين؛ حيث يمكننا الحديث عن نظريتين: نظرية علمية قديمة ترى أن العلم قد يحرز حقيقة علمية  تتسم باليقين، وقد سادت هذه النظرية حتى القرن التاسع عشر.

وقد فقد العلم يقينه مع نظرية علمية جديدة برزت بقوة مع بدايات القرن العشرين وتأثرت بالآفاق العلمية الجديدة، التي سددت الضربات القوية لليقين العلمي السائد في القرن التاسع عشر، ذلك النظام المغلق بكل افتراضاته عن الحتمية والموضوعية ومطلقية الزمان، وإمكانية الملاحظة الموضوعية الخالصة للواقع والسببيّة الصلبة.

فقد أدت النظريات الحديثة من قبيل:الكم "الكوانتم"، و"لا يقين" هاينزبرج، ونظرية النسبية إلى إضعاف قيمة كل هذه الافتراضات، وأصبح العلم لا يعطينا إلا معرفة جزئية عن الحقيقة، من الممكن أن تتغير في أي وقت، وهو أمر قد يشجع العلماء والباحثين على بذل الجهد لاكتشاف كل ما هو جديد.

وهكذا أصبح القانون العلمي الراهن لا يتصف باليقين، وإنما أصبح قانوناً احتمالياً ترجيحياً يشير إلى درجة عالية من الصدق، لكنه ليس له صفة الصدق الضروري أو اليقيني؛ لأن القانون العلمي يخبر بأشياء جديدة عن الواقع في حدود ما استطعنا أن نعرف عنه، وربما نكتشف في المستقبل أموراً جديدة تجعلنا نغيّر من أحكامنا التي توصلنا إليها. 

ومتى ثبت أن قوانين العلم احتمالية ترجيحية لزم عن ذلك نتائج غاية في الأهمية منها،

أولاً: سقوط اليقين عن أفكارنا البشرية، فكل فكرة بشرية تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ، وعلى ذلك يصبح التعصب لفكرة معينة أو رأي بعينه موقفا يعبر عن الجهل.

ثانياً: إن ما نعرفه اليوم عن العالم لن يكون هو بالضرورة ما سنعرفه في اللحظة التالية، وهو أمر له دلالاته؛ حيث لا يمكن أن نربط الثابت الديني بالمتغير العلمي، كما نرى ما يفعله البعض من خلال ما يسمى بـ"قضايا الإعجاز العلمي" في النصوص المقدسة.

ثالثاً: كذب الإدعاء بإمكان البعض استطلاع مستقبل شخص معين أو التحكم في سلوكياته عن طريق التنجيم أو قراءة البخت والطالع أو غير ذلك من آليات الدجل والشعوذة.

رابعاً: إذا كان هدف العلم في الماضي هو السيطرة على الطبيعة عن طريق الوصول إلى القوانين العلمية اليقينيَّة التي تحكمها، فإنه اليوم أصبح مدفوعاً بالرغبة على السيطرة على العلم نفسه.

الهوامش

[1] المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، القاهرة، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1983، ص123-124. وانظر أيضاً: المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، القاهرة، طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم، 2005، ص432.
[2] عبد المنعم الحفني، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، القاهرة، مكتبة مدبولي، ط3، 2000، ص954-955.
[3] المعجم الفلسفي، ص216. 
[4] محمد غلاب، الفلسفة الإغريقية، الجزء الأول، سبتمبر 1938، ص 146.
[5] المرجع نفسه، ص231-232.
[6] مصطفى النشار، أرسطوطاليس حياته وفلسفته، القاهرة، دار الثقافة العربية، 2002، ص 104-105.
[7]  الجرجاني، شرح المواقف، إسطانبول، 1286ه، ص40 وما يليها.
[8] زينب رضوان، المنطق ومناهج البحث عند المسلمين، القاهرة، 1990، ص68.
[9] إبراهيم عاتي، الإنسان في الفلسفة الإسلامية، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993، ص204.
[10] محمد غلاب، المعرفة عند مفكري الإسلام ، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966، ص263.
[11] غيضان السيد علي، الفلسفة الطبيعية والإلهية (النفس والعقل عند إبن باجة وإبن رشد)، بيروت، دار التنوير، 2009، ص416.
[12] أتين جيلسون، روح الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط، ترجمة إمام عبدالفتاح إمام، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2011، ص286.
[13] إمام عبدالفتاح إمام، توماس هوبز فيلسوف العقلانية، القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، د. ت، ص 197-199.
[14] يحيي هويدي، مقدمة في الفلسفة العامة، القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ط9، د.ت، ص131.
[15] يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة، بيروت، دار القلم،د.ت، ص92.
[16] كرستين عماد، مفهوم الحقيقة والتسامح عند جون لوك، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة،2018، ص54.
[17] عبد الوهاب المسيري، العالم من منظور غربي، القاهرة، دار الهلال، 2001،ص245.
[18] المرجع السابق،ص246-248.
[19] يمنى الخولي، مشكلة العلوم الإنسانية، القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1996، ص154.
[20] المرجع السابق، ص30.
[21] عبد الوهاب المسيري، العالم من منظور غربي، ص250.
[22] كلود برنار، مدخل إلى دراسة الطب التجريبي، ترجمة يوسف مراد-حمد الله سلطان، القاهرة، المركز القومي للترجمة،2005، ص41.
[23] صلاح قنصوة، فلسفة العلم، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2002، ص171. 
[24] بن عزوز محمد، بن طرات جلول، الموضوعية وأزمة اليقين مقاربات فلسفية في الأبستمولوجيا المعاصرة، مجلة الحكمة للدراسات الفلسفية، المجلد 10، العدد(1)، 2022، ص247.