وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحوّلات المستقبلية: من القبيلة إلى فيسبوك

تنبع أهمية هذه الدراسة من كـون وسـائل التواصـل الاجتماعـي أضحت خلال الآونة الأخيرة متغيراً حيوياً ضمن آليات الحراك السياسـي والاجتماعي في مناطق عدة من العالم.

  • وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحوّلات المستقبلية: من القبيلة إلى فيسبوك
    وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحوّلات المستقبلية: من القبيلة إلى فيسبوك

تزداد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي يوماً بعد يوم، بكلّ تأثيراتها وتداعياتها الإيجابية والسلبية، مع التسليم بأنها ستظل من أبرز العوامل المؤثرة في مجال التواصل بين الأفراد والجماعات، كما في المجالات الثقافية والفكرية والسياسية والإعلامية والتسويقية وغيرها. 

يقول مؤلّف هذا الكتاب (في طبعته الرابعة 2014)، جمال السويدي: "تمكّنت التكنولوجيـا الرقميـة مـن العمـل عـلى نطـاق عـالمي لتحقيق بعض أحلام الإنسانية، وأرست قواعـد ثقافـة إلكترونيـة عالميـة امتدّت عبر الزمان والمكـان. وتجـلّى الـربط بـين تكنولوجيـا المعلومـات والاتصالات في ظهور وسـائل التواصـل الاجتماعـي، التـي أدّت بمـرور الوقت دوراً بارزاً في تشكيل اتجاهات الرأي العام وبناء القناعات الذاتيـة والمواقف والآراء تجاه مختلف القضايا والأحداث في مختلف المجالات".

لقد أدّت وسائل التواصل الاجتماعي إلى التحـوّل مـن "القبيلـة إلى الفيسبوك" (From Tribe to Facebook)، فإذا كانـت القبيلـة الواحـدة تتكوّن من بطون وأفخاذ متفرقة وعصبيات متعـددة، فلا بـدّ مـن عصـبية أقوى تلتحم فيها جميع العصبيات وتنصهر، وتصير كأنها عصـبية واحـدة كبرى، وإلا وقع الافتراق المفضـي إلى الاختلاف والتنازع.

وإذا كان كل حيّ أو بطـن مـن القبائـل عصـبية واحـدة لنسـبهم العـام، ففـيهم أيضـاً عصبيات أخرى لأنساب خاصة هي أشـدّ التحاماً من النسب العام لهم، وهو أمرٌ ينطبق بصورة رئيسية على منظومة وسائل التواصل الاجتماعـي؛ فلكلّ مجموعة تتّصل على أي وسيلة تواصـل اجتماعـي توجهـات ورؤى واحدة كأنها عصبية قائمة بذاتها. كما أن المستخدم لا يتخلص من عصبيّته الأصلية. لذلك، يمكن القول إن لوسائل التواصل الاجتماعي "عصـبيات افتراضية"، وهـي سـمة البنيـة الاجتماعيـة الجديـدة في المجتمـع الكـوني الكبير. 

أما إذا أخذنا القبيلة، وفـق مفهومهـا المتعـارف، بأنهـا "كيـان اجتماعي اقتصادي سياسـي يضم عائلات تجمع بينها القربى وتنتسـب إلى أبٍ واحد أو جدٍ واحد"، فـإن وسـائل التواصـل الاجتماعـي، وخصوصاً فيسبوك، أسهمت في تشكيل قبائـل مـن نـوع جديـد تضـم كيانـات وعائلات يربطها العالم الافتراضـي، ومـن ثـم انتقـل الفـرد مـن روابـط القبيلة إلى فيسبوك، وجرى تغيير ثنائيـة "العصـبية والقبيلـة" إلى ثلاثيـة العصبية الافتراضية المشتركة، وقوّة رابطة وسـيلة التواصـل الاجتماعـي، والشـعور بوحـدة الهـدف والمصـالح. 

وإذا كـان المجتمـع القـبلي يتميـّز بالبساطة وترسّخ التقاليد والعادات فيـه، فكـذلك حـال مجتمـع وسـائل التواصل الاجتماعي الـذي يواكـب المتغـيرات ببسـاطة ويتّسـم بتقاليـده وروابطه السهلة. وإذا كانت العصبية هي أساس قوّة القبيلة، وإذا كانت تعمـل عـلى تغليب المصلحة القبلية على المصلحة الوطنية أو الصـالح العـام، فكـذلك هي حال "العصبية الافتراضية" التـي تعـدّ عـماد قـوّة وسـائل التواصـل الاجتماعي وترسيخها للعلاقـات بـين الأفـراد وتأثيرهـا في توجهـاتهم، فنحن نشهد تطـوّر منظومـة اجتماعيـة جديـدة تكـون وسـائل التواصـل الاجتماعي أحد أهم مرتكزاتها، بل إنهـا تمضــي باتجـاه تشـكيل "عصـبية افتراضية" لها مفرداتها ولغتها وثقافتها. 

ومع ظهور مفهوم "الجمهور الفاعل"، الذي عكس ظهـور مقـدرة المتلقّي على أن يكون منتجاً وشـريكاً أصيلاً ضمن عملية اتصالية تفاعلية، بدلاً من أن يكون متلقّياً سلبياً للمحتـوى أو الرسـالة، نجحـت وسـائل التواصل الاجتماعي في الربط بسـرعة هائلة، وبطريقة غـير مسـبوقة، بـين أناس من مختلف أرجاء العالم، تجمع بيـنهم خصـائص ثقافيـة أو دينيـة أو سياسية أو عاطفية أو مالية واقتصادية. 

وعندما يستطيع هذا العـدد الهائـل من البشـر التلاقي عبر هذه الوسائل، تصبح المجتمعات التي كانت متخيّلة أكثر واقعية. وقد تمكنت هـذه العـوالم الافتراضـية مـن التوسـع، وإشـعار "مواطنيها" بالحاجة إلى تأكيد مصالحهم المشتركة، ما يجعل من الضـروري دراسة الأثر المترتب على ذلك في مختلـف المجـالات، ومحاولـة استشــراف آفاق استخدام وسائل التواصل الاجتماعـي، وتحليـل مـا يُنبـئ بـه تطوّرهـا المتسارع من أجل بناء تصـوّرات للتعامـل مـع هـذه الظـاهرة في المسـتقبل القريب. 

وتنبع أهمية هذه الدراسة من كـون وسـائل التواصـل الاجتماعـي أضحت خلال الآونة الأخيرة متغيراً حيوياً ضمن آليات الحراك السياسـي والاجتماعي في مناطق عدة من العالم، ولا سيما بعض الدول العربية. 

وقد كان لوسائل التواصل الاجتماعي أدوار مؤثرة في حياة المجتمعات العربية، بحسب المؤلّف. ومن أهم هذه الأدوار: 

- سهولة التعارف والتواصل بين البشـر؛ فقد حقّقت وسائل التواصل الاجتماعي قفزة مجتمعية في التعارف والاتصال بين الشباب العربي. 

- إبراز الفردية وانعدام الوصاية في الاختيار والتعبـير والنشــر، إذ يستطيع أي شخص أن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي من دون أي وصاية في طرح آرائه وأفكـاره، ويتلقّـى التعليقـات عليهـا، وينـاقش فيها. 

- أضحت وسائل التواصل الاجتماعي ملاذ الأقليّـات والمستضـعفين؛ فبعض الأقليّات في الدول العربية استطاعت أن تسـتفيد مـن الفـراغ الافتراضي، وأنشأت صفحات إلكترونية بأعداد كبيرة في كل وسـائل التواصل الاجتماعي لشـرح مطالبها وما تتعـرض لـه مـن اضـطهاد، ما دفع بكثير من المنظمات الدولية إلى الاهتمام بهذه الأقليّات والدفاع عنها، وكذلك حال الفئات التي شعرت بالظلم الاجتماعـي. ومن أهم الأمثلة على ذلـك وجـود كـمٍّ هائـلٍ مـن الصـفحات في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعبّر عن الأقباط في مصـر أو الكرد في العراق أو "عرب الأهواز" في إيران أو المسيحيين في سوريا.

- نشــر الـوعي والسـهولة والســرعة في تـداول المعلومـات؛ فـبعض المدوّنات والمنتديات توفّر معلومات عن القضايا والموضوعات المثارة، مثل الأحداث السياسية التـي تجـري في دول الشـمال الأفريقـي، مثل تونس ومصـر وليبيـا والمغـرب، وكـذلك في الـيمن، بـل إنهـا تتيح الفرصة لتلقّي أسـئلة والإجابـة عنهـا. وتعمـل وسـائل التواصـل الاجتماعي في هذه الحالة مثل طريق ذات اتجـاهين، تضـم مـن ينشــر المعلومة ومن يستفيد منها، مع تبادل الأدوار. 

- صقل المعرفة وزيادة الثقافة، من خلال التواصل مع ثقافـات جديـدة وأخرى غير معروفة. وكـذلك، فـإن النقـاش الـذي يـدور في فلـك وسائل الاتصال يصقل المعرفة. 

- التسلية والترفيه، لأن ثراء مواقع التواصل الاجتماعي وتنوّع مـا تبثـّه مـن أفـلام وفيـديوهات وموسـيقى وأغانٍ يـوفّر الفرصـة للتسـلية والترفيه. 

- التجارة الإلكترونية، إذ تقوم شـركات كثيرة بعرض منتجاتها في وسـائل التواصـل الاجتماعـي. كـما أن للأفـراد دورهـم في الـترويج لبعض السلع أيضاً. 

- التعبير عن الذات؛ فمعظم وسائل التواصل الاجتماعي تعكس رؤيـة صاحبها وتعبّر عن شخصيته واهتماماته وأفكاره وطموحاته. 

- الإدمان الإلكتروني مع تدنّي الإحساس بالوقت والمكان، إذ إن تعدّد وسائل التواصل الاجتماعي وتنوّعها يؤدّيـان إلى حـدوث تقـارب أو انجــذاب بــين المســتخدمين، ومــن ثــم يتوقــف الشــعور بــالزمن والإحساس بالوقت، فيستمر الشخص في التواصل، بحيث لا يستطيع أن يترك متحدّثيه لبرهة، بل قد تصيبه أعراض الإدمـان مـن صــداع وتأثّر في الرؤية إذا لم يحقّق التواصل المنشود، ولفترات زمنية طويلة، أو يمكن أن يحدث العكس، بمعنـى أن يشـعر المسـتخدم بالملـل وعـدم الرغبة في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بسبب عدم توافقـه مع ما يُتداول من آراء ووجهات نظر عبر هذه الوسائل. 

- الجرائم الإلكترونيـة؛ فقـد أتاحـت التطـورات الســريعة في وسـائل التواصل الاجتماعي والروابط التي توفّرهـا شـبكة الإنترنـت تنـامي حجم الجرائم الإلكترونية. وقد تنوّعت هذه الجرائم بصورة كبـيرة، ومنها جرائم مالية وثقافيـة وسياسـية واقتصـادية وجنسـية، مثـل الاحتيـال والنصـب عـبر هـذه الوسـائل مـن خـلال تقمّـص شخصيات وهمية أو التحرّش الجنسـي بالأطفال وغير ذلك. 

- الحضور الدائم للمستخدم، مرئياً ومسموعاً ومكتوباً، إذ تتـيح وسـائل التواصـل الاجتماعـي إمكانيـة بثّ أي محتـوى دون قيـود أخلاقية أو مجتمعية أو قانونية، فمن يمتلـك وسـيلة للـربط على شبكة الإنترنت يستطيع الاستفادة من خدمات وإمكانـات وسـائل التواصل الاجتماعي في بـث فيـديو أو صـور أو وثـائق. 

- كسـر احتكار الدولة لوسـائل الإعـلام؛ فقـد اسـتطاعت وسـائل التواصل الاجتماعي، بما وفّرته من قنوات اتصـال وإعـلام متعـددة ذات إمكانات بث متطورة، وما توافر لها من حرية إعلامية للبـث المرئي أو المسموع أو النشـر لـلآراء والأفكـار من دون تـدخل الدولـة وأجهزتها المعنية، كسـر القيود التي تفرضـها الـدول عـلى وسـائل الإعـلام بهـدف بث المحتوى الـذي ترغــب في أن يتلقــاه الـرأي العـام. 

لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي "منبر من لا منبر لـه"، فكلّ من لا يملك القدرة على الظهور في وسـائل الإعـلام المختلفـة أو يعتلي أي منبر إعلامي، يستطيع بث ما يريـد ليسـتقبله عـدد كبـير مـن متابعي وسائل التواصل الاجتماعي.

 كـما أضـحى المسـتخدم "مراسلاً إعلامياً"، سواء في النقل المباشــر للصـورة مـن مكـان الحـدث نفسـه والأخبار الفورية، أو في التعبير عن مواقفه تجاه الأحداث الجارية، ومـن ثم التأثير في الرأي العام، أو على الأقل تثقيفه حيال قضايا وموضوعات معيّنة. 

لذا، فإن هناك مواقع شخصية متنوعـة تجـري متابعتهـا بأعـداد هائلة، فضلاً عن أن وسـائل التواصـل الاجتماعـي تقـوم ببـثّ فـوري وسـريعٍ ومتتالٍ من الصعب أن تجاريها فيه وسائل الإعلام المرئيـة مـن جانب، كما أنها تعدّ وثيقة حيّة على الأحداث من جانب آخـر، ويمكـن أن يتابعهـا آلاف المشاهديـن، بل الملايين، وقت حدوث أي طـارئ مـن جانب ثالـث.

في ضوء ما سبق، يستنتج المؤلّف حصول ضعف أو تراجع في قـوّة العلاقـات الاجتماعيـة التقليدية ما بين الأفراد لمصلحة العلاقات الافتراضية، وذلـك مـع إزالـة الموانع الجغرافية والاقتصادية واللغوية للتواصل؛ فقد استطاعت وسـائل التواصل الاجتماعي أن تنشئ "مجتمعاً افتراضياً" حياً وتفاعليـاً، يتشـابه في معظم الأحيان، وفي كثير من سماته، مـع المجتمـع الـواقعي، إذ يمكـن التواصل المستمر من بُعد دون عوائق ملموسـة. 

وبالتـالي، تتحـوّل حيـاة الفرد تدريجياً لتكـون قائمـة عـلى "التواصـل الإلكـتروني"، والعـيش في "العالم الافتراضي"، وتكوين "الأســرة الافتراضـية"، ضـمن "المجتمـع الافتراضي". هذه العلاقات الجديدة العابرة للحـدود تـؤدّي إلى ظهـور قِيم ومبادئ جديدة نتيجة للتـداخل والتفاعـل بـين التقاليـد والأعـراف المحلية ونظيراتها الأجنبية، ويمكن أن يؤدي ذلـك إلى نـوع مـن "عولمـة" القيم والمبادئ التي تتّبعها غالبية البشـر، مع ظهور أقليّات تقاوم مثل هذا التوجه، وتتّجه أحياناً إلى التطرف في المقاومة. 

ومـن أهـم الأمثلـة عـلى مثـل هـذه العلاقـات الجديـدة، مجموعـة "أنونيمـــوس − Anonymous"، التـــي ظهـــرت عـــام 2003 وبـــدأت كمجموعة غير مترابطة تعيش في العالم الافتراضـي من الأفـراد المهتمـين بالقرصنة الإلكترونيـة، وذلـك للتواصـل والتنـافس في تطبيـق "مقالب إلكترونية". 

هذه المجموعة تطورت بمـرور الوقـت لتنـتهج مبادئ وقيماً معيّنة ترتبط بالحريات، سواء الرقميـة أو الفرديـة، وصارت تقـوم بعمليـات قرصنة إلكترونية شـديدة الخطورة دفاعاً عن هذه المبادئ، مثل الهجـوم على موقع وزارة العدل الأميركية ومواقع شـركات ترفيـه كـبرى عـام 2012، اعتراضاً على ما اتُخذ من إجراءات قانونية تجاه أحـد أشـهر مواقـع تحميل ومشاركة الأفلام والأغاني (يوتيوب).

كذلك، قـدّمت المجموعـة الدعم الفنيّ لعدد من الثورات العربية وحركـة "احتلّـوا وول سـتريت"، من خلال اختراق مواقع حكومية. كما قامت بهجـمات إلكترونيـة خطـرة دعماً لمؤسّس "ويكيليكس"، جوليان أسانج، بعد صـدور قـرار اعتقالـه.

ولعلَّ مـن الـدلائل عـلى قـوة تـأثيرهم السياســي عالميـاً، وخصوصاً بـين الشباب، أن الحركات الثورية تبنَّت جزئياً شعارهم المميّز قناع "جـاي فــوكس − Guy Fawkes"، أو مــا عُــرف إعلامياً بقنــاع "فنــديتا – Vendetta 64".

وبعدما يعرض المؤلّف آفاق العلاقة بين الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي، والإشكاليات القانونية المترتبة على استخدام وسائل التواصل، يقدّم بعض التوقعات المستقبلية - التي صدقت لاحقاً - فيقول: "ربما يكون الثابت الوحيـد عنـد مناقشـة التوقعـات المسـتقبلية عـلى صعيد وسـائل التواصـل الاجتماعـي هـو أن هـذه الوسـائل (فيسـبوك، ويوتيـوب، وتـويتر، وغوغل بلـس، والهواتـف الذكيّـة، وغـير ذلـك) ستمضـي في مسارها وتكريس موقعها الـذي شـغلته باعتبارهـا السـلطة الخامسة التي أزاحت تدريجياً السلطة الرابعة (الصحافة)، التي شغلت هذا الموقع طوال القرنين التاسع عشـر والعشـرين، وشكّلت أداة رقابيـة عـلى بقية السلطات".

لكن هذا المفهوم أخذ يتلاشى مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وتحوّل ميزان القوة من حرّاس البوّابة في الصـحافة التقليديـة إلى السلطة الخامسة الجديدة، متمثلة في الناشطين الإلكترونيين من المواطنين الإعلاميين، ممّن اكتسبوا شـرعية دورهم من الممارسات الواقعية المعيشـة، إذ لم يعد للسلطة الرابعة التقليدية الحضور السابق لها، بـل تحوّلـت إلى مجرّد تابع أو ناقـل ومـروّج للسـلطة الجديـدة، ولم يعـد لهـا مقـدرة عـلى الصمود أمام اجتياح السلطة الجديدة بتأثيراتها ونفوذها الطاغي. 

ورغم اتفاق جميع الباحثين على أن المستقبل سيشهد تطورات نوعيـة فارقة، سواء عـلى صـعيد وسـائل التواصـل الاجتماعـي أو عـلى صـعيد التأثيرات التي تفرزها هذه الوسائل على مختلـف المسـتويات، فـإن هناك تباينات واضحة في بناء توقعات أو بلورة سيناريوهات للمستقبل. 

ويشير بعض الباحثين إلى أن القوّة المعلوماتية ستتضاعف عام 2026 ثمانيـة آلاف ضعف، وفقاً للقانون الذي وضعه جوردون مـور (Gordon E. Moore) عام 1965، والـذي يتوقـع تضـاعف القـوّة المعالجـة للحواسـيب كـل 18 شهراً.

وفي ظل هذه الطفرة المتوقعة في قوّة معالجة الحواسيب، من المتوقع أن تنتشـر الهواتف السمع/ بصـرية أو الاتصال عبر الفيديو في كلّ مكان، ما يجعل المستخدمين يتمتعون بخاصـّية الحضـور أو الحضـور الكـلّي، مـا يعني بـدوره الاسـتغناء تدريجياً عـن الحاجـة إلى الاتصـال أو التواصـل الفيزيقي. 

وإذا كانت التوقعات تشير إلى أن عدد سـكان العـالم سـيبلغ عام 2026 أكثر من 8 مليارات نسمة، فمن المتوقـع أن يكـون مـن بـين هؤلاء نحو 3 مليارات يسـتخدمون شـبكة الإنترنـت. وبـما أن هنـاك إمكانية لدى كلٍ منهم بأن يستخدم هويات إلكترونيـة عـدة للتعامـل مـع وسائل التواصل الاجتماعي، فإننا سنكون بصـدد مليارات الشخصـيات الوهمية والهويات الافتراضية.

هذا الأمر يطرح إشكالية اجتماعية شائكة تتعلـق بـالأثر المترتـب عـلى تـذويب مجمـل هـذه الهويـات الشخصية وتفكيكها، فضلاً عن الأثر المترتب على ذلك على مستوى تزايـد عزلـة الفرد وتعمّق الاغـتراب الاجتماعـي، وبالتـالي ضـعف الـولاء للأســرة والمجتمع، وانفصال الفرد عن قضايا هذا المجتمع، وسيطرة الأنانية وحبّ الذات، إذ تصـبح مؤسسـة الأســرة لبنـة أولى تكوينيـة للمجتمـع في مواجهة تهديد وجودي.