يحيى جابر للميادين نت: شغوف بالتعبير وأحب نقل الواقع إلى الفنّ

نجح في تحويل صعوبات الواقع إلى إبداع فني. ماذا يخبرنا يحيى جابر عن المسرح والتمثيل والشعر؟

بعد مسرحيات عديدة كتبها وعروض في لبنان والعالم، تلتقي "الميادين الثقافية" الكاتب والمخرج المسرحي اللبناني يحيى جابر، لتسأله عن أحوال المسرح في هذا الزمن، وتفاعل الجمهورين اللبناني والعربي مع مسرحيته الأخيرة "مجدرة حمرا". 

جابر المرتبط بالمسرح منذ زمن بعيد، والمبدع في السرد والتلميح والعرض، يكشف في مسرحياته وجه المتفرج ويدخل إلى نفس المتلقي كأنّه يشاهد ذاته شاخصةً أمامه.

نجح جابر، الشاعر أيضاً، في تحويل صعوبات الواقع إلى إبداع فني، مسدداً صفعة إلى مآسي الزمن. وهنا نصّ الحوار الذي أجرته "الميادين الثقافية" معه في بيروت.

***

ما السرّ في قدرتك على تحويل الموضوعات القاسية أو الواقع الصعب إلى كوميديا؟

  • يحيى جابر للميادين نت: يحارب بالفنّ لينتصر على الواقع الأليم
    يحيى جابر: علينا التعامل بشكل واقعي مع القضايا، وخصوصاً في الأمور الفنيّة

علينا في البداية الاعتراف بوجود الواقع الصعب والاعتراف بقوة مآسينا، فحين نعترف بوجود هذا الواقع نكون قد مشينا في بداية الطريق للانتصار عليه، لأن رفضه أو إنكار أي قضية متعلقة بهذا الواقع يدفعنا إلى الاستسلام للهزيمة.

إذاً، علينا التعامل بشكل واقعي مع القضايا، وخصوصاً في الأمور الفنيّة، لأنّ أدوات التعبير أساسية في شغفي الشخصي.

أنا شغوف بالتعبير، وأحب نقل الواقع إلى الفنّ. انطلاقاً من هذا المعنى، أنظر إلى معظم القضايا، وأعترف بوجودها، وأقرأ عنها، وأحاول تدوير الزوايا مثل أي محارب، مع تجهيز عدتي لهذه المعركة...

هنا يجب أن أنتصر، والانتصار يعني الانتقال من الضفة إلى الضفة، ولا يكفي أن أكون في ضفة واحدة، لأنّ الضفة الثانية تجعلني أرى أين كنت. 

إذاً، أنا ابن الضفتين. وهنا تصبح الحقيقة عندي أوسع، بحيث أرى الأمور من زاويتين، لكنني عندما ألتمس عدم الاستفادة من الضفتين، أرمي بنفسي مع مجرى النهر. لذا، وبالنسبة إلي، حالة الإبداع هي جزء أساسي من شغفي ويومياتي: فأنا أحيا 24 ساعة مسرح وسينما وشعر. لا أعترف بشيء اسمه "إلهام"، لأنني مع العمل المتواصل، ولا أحبّ الراحة، فراحتي هي العمل.

على ماذا تعتمد في توظيف قدرات الممثل بحسب نص المسرحية؟ وبالتالي هل هناك نص معين لممثل أو ممثلة محددة؟

  • يحيى جابر وأنجو ريحان
    يحيى جابر وأنجو ريحان

أنا من الناس الذين يكتبون نصاً إخراجياً؛ فأنا مخرج ومؤلف ومنتج في الوقت نفسه. بالنسبة إلي، المسرح هو منتج روحاني ومادي ونفسي وإبداعي... وهذا يخضع لشروط معيّنة، أولها: أن أحب الممثل أو الممثلة، بحيث تتوافر بيننا كيمياء، وأن يكون هذا الممثل جزءاً من جماعة، لا يروي ذاكرته فحسب، بل ذاكرة غيره أيضاً، والجماعات الأخرى... عندها تتلاقى قدراته مع النص.

في مسرح يحيى جابر، وخصوصاً في المونولوغ، يشعر المتفرج بأنّ الذات تعانق الذات في كلّ تقلباتها. كيف يستطيع نصك الوصول إلى أنواع مختلفة من البشر؟

فعلياً، أنا أستسلم نهائياً للمتلقي، وأضع نفسي مكانه. وفي الوقت نفسه، أحاول إيصال مجموعة مشاعر وأفكار يكون المتلقي قد قالها، ويعيد الممثل إنتاجها من جديد، فالكيمياء بيني وبين الممثل تمنح تفاعلاً كبيراً، وبالتالي يصنع هذا التفاعل من الممثل حقل تجارب؛ فالممثل هو أرنب، بمعنى أنه قابل للتشريح، إضافة إلى أنني شخصياً أرنب في متناول الممثل، بحيث أكون خاضعاً للتشريح. 

المسألة كلعبة الـping pong قابلة للأخذ والعطاء. أمّا في حال ممانعة الممثل أو في حال حدث "بلوك" معين من أحد الطرفين، فهذا الأمر يعرّض العمل للجمود. لذلك، أسميه dialogue، فالمونولوغ الذي أشرتِ إليه في السؤال هو مجموعة حوارات بين الممثل ونفسه، كما في مسرحية "مجدرة حمرا" أو "هيكالو"، فالممثل يلعب عدة شخصيات، ما يسمح له بأن يتمتع ويمتّع، من خلال التعدد والتنوع والانتقال من شخصية إلى شخصية بتقنيات يمتلكها ويتعب عليها في التمارين. 

هنا أشير إلى أهمية التمارين، فالممثلة أو الممثل الذي يجتهد في التمارين بشكل صحيح، يصعد إلى الخشبة ناجحاً ومتألقاً، ويحبه الجمهور. 

إذاً، وبالإشارة إلى مسرحية "مجدرا حمرا" تحديداً (تمثيل أنجو ريحان)، فإنّ الأنواع المختلفة من الناس ترى نفسها في أحد وجوه النساء الثلاث أو بجانب منها، وقد ترى المتلقية أمها أو خالتها التي عاشت التجربة نفسها. المجتمع النسوي حاضر بقوة في عملي.

ما الرسالة التي أردت إيصالها في مسرحيَتي "اسمي جوليا" و"مجدرة حمرا"؟

أنا ميّال إلى مسرح "دراما المرأة" بشكل أو بآخر، وموضوع المرأة أساسي في يومياتنا وتاريخنا. يجب أن تأخذ المرأة العربية واللبنانية مساحة هائلة في إبداعنا بهدف توظيف التعبير عن قضاياها، وتحديداً الحقوقية والقانونية والمساواة في الأجر وتمكين المرأة. 

لست تبشيرياً في هذا الموضوع، ولا أحمل رسالة، بل أتعامل مع المسرح مسلطاً الضوء على المرأة كجزء أساسي من هواجسي اليومية للتعبير عنها.

كيف تقيّم إقبال جمهور المغتربين والعرب على أعمالك؟ 

أثناء عرض مسرحية "مجدرة حمرا" في دبي، وجدتُ نفسي مغترباً بين المغتربين، فأنا مغترب في بلادي، واللبنانيون مغتربون هناك؛ فقد التقى المغتربون بعضهم ببعض. هذا اللقاء بين اغترابَين، مقيم أو مسافر، شكلّ فيّ حالة خاصة، واكتشفتُ أننا نعاني مشكلة كبيرة: لم يعد هناك اغتراب ولا وطن ولا منفى، وليس هناك أي شيء معرّف، وهذا جزء أساسي من الدراما الكبيرة. 

في الحقيقة، أُصبتُ بالذهول عند وقوف الناس 10 دقائق للتصفيق المختلط بالبكاء والدموع. شعرتُ باحترام الناس الهائل للعمل الذي تعبتُ عليه، لأنني أحياناً كنت أعتقد أنّ أعمالنا التي تحمل شيئاً من الثقافة والعمق والصدق موجهة إلى بعض النخبة، مع تقديري للأعمال التجارية، فاكتشفتُ أننا بخير على الرغم من كل شيء.

تجدر الإشارة إلى أنني شخصياً أعيش من المسرح مادياً ومعنوياً، ومن دون دعم من أحد، لا وزارات ولا NGOs، مع احترامي للجميع. لكي نعيش تجربتنا، يلزمنا شباك تذاكر؛ فأزمة المسرح تبدأ من أزمة الكهرباء والمازوت وإيجار الصالة وإلى ما هناك...

باختصار، عرض المسرحية في الخارج وتفاعل الجمهور أفرحني كثيراً، فالإصغاء كان مهماً جداً، وأنا أعتبر أنّ الأذنين هما مفتاح السعادة.

لننتقل إلى يحيى جابر الشاعر، هل ما زال يكتب الحبّ في ظل عدم نشره أي ديوان جديد؟

لقد أصبتِ الفكرة التي أعيشها حالياً، وهي العودة إلى الشعر. نعم، سأطلّ بعد غياب سنوات. في الحقيقة، لدي أعمال كثيرة في الأدراج، لكنني سأقول لـ"الميادين الثقافية" إنني في صدد نشر ديوان شعري جديد قريباً، إضافةً إلى نشر أول رواية لي. ربما سأعيد تجربة قمت بها سابقاً "يا يحيى جابر... خذ الكتاب بقوة" (2013)، بمعنى عرض مسرحي شعري أثناء صدور الديوان الجديد.