"تعارفوا": الجمهور أمام مرآة تعكس صورته على المسرح

الكاتب والمخرج اللبناني يحيى جابر يضرب من جديد، ومنبره هذه المرة خشبة دوار الشمس مع "تعارفوا"، تحت مسمّى كوميديا طائفية، مع 18 شابة وشاباً يمثلون لأول مرة وكل واحد يمثل في الواقع طائفة أو مذهباً أو حزباً في لبنان، والحصيلة لبنان مصغّر على المسرح.

  • أسرة مسرحية: تعارفوا بكامل أعضائئها يتوسطها الكاتب يحيى جابر ومسؤولة مارتش
    أسرة مسرحية "تعارفوا " يتوسطها الكاتب يحيى جابر 

لا نقاش في أننا أمام "جوهرجي" عرف كيف يقيس ويقيّم ويختار وينتقد ويوصّف كل النماذج الطائفية والمذهبية والحزبية المنتشرة في كافة مناطق لبنان.

الكاتب يحيى جابر اختار 18 شابة وشاباً على قياس ومواصفات كل جهة تحدث عنها في العمل الجديد "تعارفوا"، الذي رعته إنتاجياً جمعية "مارتش"،  وكانت الحصيلة توازناً ومساواة في التناول والانتقاد والتوصيف، ما حفّز كامل الحضور على التناغم الإيجابي في صالةٍ غاب عنها تماماً التباعد الاجتماعي وحلّ مكانه التماهي الجماهيري في التفاعل مع أي جملة أو حوار أو شخصية تظهر على المسرح، لأنهم جميعاً يشبهون بطريقة أو بأخرى من حضروا لمتابعة العمل.

المسرحية تمدد عرضها بعد النجاح الطيب الذي تحقق، رغم الضائقة المالية التي يعانيها اللبنانيون حالياً.

  • لوحة طائفية من: تعارفوا
    لوحة من: تعارفوا

"تعارفوا. فالإنسان عدو ما يجهل"، دعوة بسيطة لكنها عميقة، اعتمدها نص المسرحية، الذي جعل 18 نموذجاً على تماس مع الجمهور، حيث لا أحد يشبه أحداً لا في الشكل ولا في الأفكار، مضافاً إليهم العاملان الحاضران في القاموس اللبناني الميداني والمعاصر: الفلسطيني والسوري، وقد تمّت ملامستهما بشكل محترم جعل المعاناة واحدة على أرض لبنان بين كل المكونات التي تعيش فوقها.

ولا ننكر أننا توجسنا سلباً في الصورة والإيحاء لبعض النماذج، لكن نص جابر كان مثالياً في ضبط الإيقاع دون المساس المقصود بأي جوهر، رغم أنه بطريقة أو بأخرى قال كل شيء بجرأة محسوبة قابلها كل الحاضرين بمودة وضحكات من القلب.

وأولى ملامح نجاح هذه الكوميديا تكمن في الكاستنغ الجريء الذي اعتمد في خياره على شباب وصبايا سرعان ما عرف الجمهور انتماءهم من ملامحهم العامة حتى قبل التعريف عنهم أو تقديم أنفسهم.

الخشبة والصالة كانتا كالتوأم. فالحاضرون على المسرح هم أنفسهم العيّنات التي يتألف منها الجمهور، وبالتالي كان مبرر التفاعل الإيجابي واقعياً جداً، بمعنى أن الجمهور صفّق لنفسه، وضحك على نفسه لأنه اقتنع بما ساقه النص مع إخراج مريح مبسط وعفوي، وكان الطلب محصوراً بأمر لا يكلف شيئاً، تعارفوا، "فكل السياسيين الذين تدينون لهم بالولاء يعرفون بعضهم البعض جيداً لذا فهم لا ينزلون إلى ساحات المعارك، بينما أنتم الذين تتقاتلون وتسقطون وتقفون في مواجهة مع بعضكم البعض، لا أحد منكم يعرف الآخر، لأنكم لو تعارفتم لوفرتم على أنفسكم وباقي الناس الكثير من الضحايا والخسائر والويلات".

المسرحية تأتي في وقتها تماماً وهي جديرة بالمشاهدة والدعم.