شريط جميل وممتع ويحمل فكرة فلسفية سبق وأطلقها المفكر الفرنسي جان بول سارتر: الجحيم هو الآخرون. وفينش (توم هانكس في أبهى أدواره) يقوله بغير هذه الصياغة لرفيقي دربه وحياته، لأن حواراته معهما تتركز دائماً على فهم كل معاني الحياة، وهما في غاية الذكاء بدءاً من الروبوت جيف (صوت كاليب لاندري جونز) الذي لا يحتاج للكثير من الشرح لكنه يحاول دائماً المبادرة وتجربة ما يستطيعه، وصولاً إلى الكلب غود إير (صوت ساموس) الذي كان فينش عثر عليه وحيداً فأخذه ورعاه عدة سنوات حتى صار جزءاً من حياته يفهم كل ما يقال له، ويدافع عنه بقوة كما يحميه بكل طاقته، ويتحرك الثلاثة في شاحنة متوسطة الحجم تحتوي على كل مقتضيات الحياة إضافة إلى النشرات الجوية والإخبارية والمنوعة.

حياة عفوية لكنها تتسم بالحميمية والصدق بين الشخصيات الثلاث. لتبدأ قضية مرض فينش بالسل في طرح نفسها مع سؤال عن مصير: جيف وغود إير، من بعده، وإذا بعلامات تطور المرض معه تتضاعف من سعال حاد، وبصق كميات إضافية من الدم، وأوجاع لا تحتمل في البطن، حيث تحرك الكلب حوله من دون أن يهدأ وسنده الروبوت بعدما ساعده على الوقوف وملابسه تلطخت بدماء معدته، وباشر الثلاثة لعبة مشتركة متآلفة من خلال رعاية فينش الذي إرتمى فوق سريره في الشاحنة – المنزل، وتولى الروبوت جيف قيادة الشاحنة، بينما عينا الكلب غود إير على ردات فعل فينش وطلباته، وظننا للحظة أننا أمام ثلاثة آدميين واحد منهم مريض، والآخران يساعدانه بشغف وحب وتفان ومودة. نحن إزاء مهمة مدهشة يقوم بها الممثل النجم توم هانكس وهي التعامل مع جمادين أمام الكاميرا، فيما كل الممثلين يعتمدون على ردة فعل زملائهم أمامهم خلال التصويرلرسم معالم وتعابير خاصة على وجهه.

نعم كان هانكس الإنسان الوحيد الذي يتحرك أمام الكاميرا، وما الآخرون سوى أصوات تصدر بين الحين والآخر، وهانكس لوحده في تجربة تمثيلية مذهلة تتطلب منه الإنتباه إلى مفاتيح الكومبيوتر وردة فعل الكلب كلما خاطبه، وإفهام جيف الروبوت أن ينفذ ما يُطلب منه فقط منعاً من أي أخطاء قد تقضي على الثلاثة في الشاحنة - المقر.لم ننجذب إلى فيلم كما حصل معنا طيلة  وقت شريط finch (115 دقيقة) للمخرج الإنكليزي ميغيل سابوشنيك (47 عاماً) الذي إستند إلى نص كتبه إثنان: كريغ لوك، وإيفور بوويل، كأفضل ما يمكن أن يصاغ كسيناريو، ونريد التحدث عن الموسيقى التصويرية التي رافقت الفيلم من صياغة غوستافو سانتولالا، خصوصاً في مشهد وفاة فينش داخل الشاحنة والكلب أمامه ينبح بحزن غريب عليه مع ضربات موسيقية بالغة العمق والتعبير والتأثير إلى حد الدمع. ثم شاهدنا الروبوت والكلب يحرقان جثمان فينش ثم يدفنانه، مع شاهد كتب عليه : فينيش واينبرغ، محبوب من غود إير، وجيف.