قراءة متجددة في كتاب "القتال هو الطريق" للشهيد كمال عدوان

يعتبر كمال عدوان أن البدائل التسووية والتفاؤل بها هو انسياق نحو عالم الأحلام والتخدير وإشغال العقلية الفلسطينية لسحبها من موقع الثورة وهذا هو الهدف الأهم للاحتلال الإسرائيلي وراعيه الأميركي.

  • القائد الفلسطيني الشهيد كمال عدوان في رسم له.
    القائد الفلسطيني الشهيد كمال عدوان في رسم له.

نشر كتاب "القتال هو الطريق" للقائد الفلسطيني كمال عدوان في مجلة "شؤون فلسطينية" العدد رقم "11" في تموز/يوليو 1972م، ثم تم توزيعه داخل مكتب التعبئة والتنظيم لحركة التحرير الفلسطيني "فتح"، ككراس داخلي خاص بأعضاء حركة الحركة تحت تصنيف "دراسات ثورية 3"، وذلك بتاريخ 27-7-1972.

يشار إلى أنه في العاشر من نيسان/ أبريل من عام 1973، اغتال جهاز 'الموساد' الإسرائيلي القادة الفلسطينيين الثلاثة محمد يوسف النجار "أبو يوسف النجار"، وكمال ناصر، وكمال عدوان، في بيروت، لنشاطهم البارز في حركة "فتح" والمقاومة الفلسطينية، وبدعوى مشاركتهم في التخطيط لعملية ميونخ في أيلول/ سبتمبر 1972. 

يصف الكتاب الصراع بين عدد من القيادات والشخصيات الفلسطينية التي كانت تتحكم في زمام الثورة الفلسطينية، هذا الصراع الذي يقوم على سؤال اعتبره الكاتب الشهيد كمال عدوان خطيراً وانزلاقاً نحو الهزيمة "ما رأيكم لو تحركنا سياسياً؟"، في مقابل سؤال آخر "ما هو مفهوم العمل السياسي؟ ما هي عناصره؟".

طرحت هذه الاسئلة في حوار بين الكاتب وصديقه بعد أحداث أيلول / سبتمبر 1970 والتي تعرف بأحداث "أيلول الأسود"، ويجيب عدوان على هذه الاسئلة قائلاً: "ليس في الثورة من يعارض العمل السياسي لحساب الهدف، ونحن نفهم العمل السياسي محصلة فعل تستثمر في إطار التعامل لحساب الهدف، ولا نستطيع أن نفهم العمل السياسي كهدف عناصره الذكاء والعبقرية والخطابة".

في مقدمة الكتاب يتحدث د. عصام عدوان أن الكتاب جاء إصداره مرة أخرى بتاريخ 10 نيسان / إبريل 2005 إحياء لذكرى الشهيد كمال عدوان. ويقول عصام عدوان:" يخيّل للقارئ أن الشهيد كمال عدوان قد كتب الكثير من فقرات الكتاب في عام 2005"، وهو تذكير أيضاً بالمبادئ والمفاهيم الواضحة التي كان يتبناها الشهيد عدوان والتي غابت عن الكثيرين من أبناء حركة فتح والثورة الفلسطينية، وأصبحوا يرونها ضرباً من المثالية التي لا تناسب الواقع النكد.

طروحات البدائل السلمية

يتناول الشهيد كمال عدوان في كتابة "القتال هو الطريق" زيارة لروجر فيشر أستاذ العلاقات الدولية واختصاصي المنازعات الدولية وصديق وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر الذي جاء في أيلول / سبتمبر 1970 وتموز / يوليو 1971 ليعرف ما هو الحد الأدنى المقبول الذي تقبل به الثورة الفلسطينية، لاستكشاف غطاء الآفاق. وطرح فيشر في تلك الزيارة سؤالاً أخرج العقلية القيادية من مربع المقاومة إلى مربع البدائل. وكان السؤال كالتالي: "لماذا تحشرون أنفسكم بين خيارين فقط الثورة الشاملة "Total Revolution"، أو الاستسلام الكامل "Total Surrender"؟، وأكمل فيشر بعد السؤال بالإجابة أن هناك خيارات أخرى كثيرة غير هذين الخيارين، يمكنكم أن تجدوا بدائل متعددة، لا تجعلكم تستلمون، ولا تجعلكم تنتحرون بالثورة.

يؤكد عدوان في كتابه أن مثل هذه الزيارات تهدف إلى إخراج العقلية الفلسطينية من إطار الثورة إلى إطار البدائل وستتعدد البدائل وسيكون لكل مجموعة فلسطينية طموح وتصور ورأي. ويومها يتفتت الموقف الفلسطيني ويتحقق للذين يقفون خلف فيشر، طموحهم من إخراج الإنسان الفلسطيني من إطار الثورة.

يعتبر عدوان هذه البدائل والتفاؤل بها انسياقاً نحو عالم الأحلام والتخدير وإشغال العقلية الفلسطينية بالحوار الداخلي وانسحاب من موقع الثورة وهو الهدف الأهم. ويضيف عدوان أن القوى المعادية تعي بوضوح أن القضية الفلسطينية ستظل محور القضية العربية وهي القضية الوحيدة المؤهلة لتحريك المنطقة، والثورة الفلسطينية باعتبارها أداة الفعل الفلسطيني ستظل الطليعة القادرة على استقطاب جميع طلائع الرفض والتغيير في المنطقة العربية، ومركز الفعل في القرار العربي.

خطة لتصفية المقاومة الفلسطينية

يكشف الكتاب أن القوى المعادية للثورة الفلسطينية قد وضعت خطة لتصفية الوجود الفلسطيني الذي لن يحسم بالثورة أو قدرتها على الفعل ما استمرت إرادة القتال عند الإنسان الفلسطيني، وأن استمرار إرادة القتال يعني بالتأكيد تغييراً في القرار العربي لحساب الفعل، وتقوم الخطة لتصفية إرادة القتال التي اعتمدوها على التالي:

أولاً: تصغير الدور الفلسطيني في المعركة وتوسيع إطار القرار العربي ليتضاءل فيه الدور الفلسطيني.

ثانياً: انتزاع حق القرار الفلسطيني. 

ثالثاً: جر الاهتمام الفلسطيني بعيداً عن الأرض الفلسطينية.

رابعاً: تمييع التركيز الفلسطيني على القضية الواحدة وتمييع إرادة الفعل وتنمية المدراس الفلسطينية بالأحلام والحوار الداخلي، وتمييع إرادة الرفض.

خامساً: تصفية قوة الرفض.

سادساً: الاستسلام.

سابعاً: استكمال ترتيبات التسوية والاستسلام.

ثامناً: تكريس شرعية الاستسلام.

تاسعاً: استيعاب أدوار الرفض عناصر وقيادات.

عاشراً: استيعاب الوطنية الفلسطينية، واستيعاب الجماهير الفلسطينية.

يعتبر الكاتب أن عقلية البدائل بدأت بعد أحداث النكبة عام 1948 عندما تعددت البدائل بطرح قرارات دولية لحل القضية الفلسطينية.

ويؤكد الكتاب أن بعد كل مواجهة مع الاحتلال يتم طرح مجموعة من البدائل غير الثورة، المهم أن تتفق القوى السياسية الفلسطينية بينها على بديل. ويعتبر عدوان الجملة الأخيرة هي محور مربع البدائل لإطالة أمد الاحتلال.

في تحليله داخل الكتاب للموقف السياسي في المنطقة، اعتمد عدوان على عناصر التحليل وأطرافه، وقام بتحديد أطراف الفعل فيه، وقبل تحليل الأطراف أعتبر أن هناك مدخلين لكل عمل:

المدخل الأول: ماذا أريد؟، ويجب خلق جميع الظروف لتحقيق إرادتي.

المدخل الثاني: ماذا يمكن أو أستطيع ضمن الظروف القائمة؟ وعليّ استغلال قدرتي في حدود الممكن.

بين عقلية الثورة وعقلية التسوية

والفرق بين المنطقين هو الفرق بين عقلية الثورة وعقلية التسوية، بين الفاعل والمفعول من أجله. وعلى هذين المنطقين قام الكاتب بتحليل الأطراف المؤهلين للفعل في صراع المنطقة وتقرير الوضع السياسي فيه وإن اختلفت قدرات الفعل عند كل طرف أو اختلفت أشكال الفعل أو النشاط:

الطرف الفلسطيني:

تناول الكاتب الطرف الفلسطيني بعد أعقاب هزيمة عام 1967 وانهيار القوة العربية وحالة الضياع التي عاشها الوطن العربي، والتي كانت "إسرائيل" تراهن عليها لتكريس واقع الهزيمة والاستسلام، ولكن تحركت الطلائع الفلسطينية من جديد لتقاتل لتنقذ النفسية الفلسطينية من هذه الحالة.

يعتبر الكاتب أن هذه الطلائع نجحت فعلاً بهذه المهمة، وإشراك الدول العربية فيها، وهذا ما جعل فيشر وجولاته المكوكية للمنطقة العربية تنشط لتأمين أجواء الاستسلام، لأن فيشر كان يدرك أن أي وقف للقتال هو مدخل للخروج بالعقل العربي من إطار الثورة، وأنه يجب خلق موقفين متناقضين بين الفلسطيني والعربي ودفع الأمور بينهم إلى حد الصدام، وكانت حرب أيلول / سبتمبر في الأردن جزءاً من هذه الخطة.

  • الشهيد كمال عدوان ورفيقاه الشهيدان محمد يوسف النجار وكمال ناصر.
    القادة الشهداء الثلاثة كمال عدوان ومحمد يوسف النجار وكمال ناصر.

الطرف العربي:

يؤكد عدوان أن عناصر الفعل في العمل السياسي العربي لم تعد كما كانت قبل أيلول / سبتمبر ومشروع روجرز، وأن هذا التدني السياسي العربي قاد إلى سلسة مشاريع لتسوية القضية والاعتراف رسمياً بـ"إسرائيل" على أرض فلسطين، وأن هذه المشاريع أصبحت بدائل وقمة الطموح العربي الذي لا يملك إرادة الفعل وينتظر من الآخرين أن يفعلوا له.

الطرف الاسرائيلي:

يقوم الطرف الاسرائيلي، بحسب الكتاب، على استغلال فترة العجز العربي ليخلق سلسة حقائق على الأرض المحتلة لتعزيز وجوده، وتقوم أهداف الطرف على الإسرائيلي على اتجاهين:

الاتجاه الأول: خلف ظروف لاستيعاب الأرض الفلسطينية وتكريس واقع الاحتلال بشكل يفتح له أبواب المنطقة العربية من غير أن يكون الاحتلال هو المشكلة.

الاتجاه الثاني: استعمال الواقع الجديد ورقة لابتزاز المواطن العربي لتقديم تنازلات لحساب الاحتلال وتحقيق شروط أفضل فيما لو فكر العدو في تسوية الصراع لتكون الشروط لحسابه.

ومن أجل تحقيق هذا قام الاحتلال بسلسة إجراءات:

أولاً: بناء شبكة مستعمرات الحزام العازل حول الضفة الغربية وقطاع غزة بهدف تطويع قدرة الفعل العربي في فلسطين.

ثانياً: إقامة شبكات مستوطنات بين القرى والمدن الفلسطينية لتكون نقاط مراقبة ومراكز حراسة وأمن في وسط التجمعات الفلسطينية تستطيع في المدن شل تحركها وارباكها.

ثالثاً: تسهيل سفر الطلبة الجامعيين بأعدادهم الكبيرة واستيعاب الأعداد الكبيرة من العمال العرب لتفريغ الأرض المحتلة من احتمالات الثورة التي يمثلها الشباب المرشح للثورة والتجاوب معها.

رابعاً: إعطاء أفضلية لجماهير الأرض المحتلة كمواطنين وعمال وسياح وتجار بهدف تمييع إرادة الرفض في أعمالهم، وإقامة المقارنات مع أساليب التعامل العربي، وما يقود إليه هذا من توسيع دائرة التعامل.

خامساً: فتح الجسور مع الأردن والعالم العربي للتعامل الاقتصادي والسياحي بهدف تطويع النفسية العربية على قبول الآمر الواقع والتعامل معه.

سادساً: خلق طبقة من القيادات والزعامات التي تقبل التعامل معها، وفتح المجال لممارسات شكلية تلهي طموح الأفراد بقضايا غير قضايا الاحتلال، واعطائهم ملامح خاصة تنمو بشكل يميّزها ويعزل بينها وبين باقي التجمعات الفلسطينية من أجل شق وحدة الصف الفلسطيني.

الطرف الأميركي:

بحسب الكتاب، يرمي الطرف الأميركي بكل وزنه خلف الترتيبات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي لتحقيق استسلام عربي بالشروط الإسرائيلية والأميركية.

الاتحاد السوفياتي والاتحاد الأوروبي حالياً:

بحسب الكتاب، كان الاتحاد السوفياتي يمسك العصا من النصف، وهو لا يريد أن يدفع الوضع إلى التوتر ويحلم بتسوية بشروط يظل الفعل الأميركي والإسرائيلي هو القادر على أن يملي شروطه ويرسم خارطة المنطقة. وهكذا يظل المشروع الإسرائيلي الأميركي الأكثر احتمالاً إذا ما توافرت له شروطه من التنازلات العربية، وشروطه غير محدده وليس لها نهاية. والمزيد من هذه الشروط يدفع الجهات الرسمية العربية إلى مزيد من التنازلات تؤدي إلى انهيار إلى حد لا يستطيع أي مسؤول عربي قادر على احتمال هذه التنازلات ويصبح الأمر متصلاً بوجوده.

يدعو الكاتب من خلال هذا التصور وهذه الرؤية للأخذ في الاعتبار احتمالات المستقبل في الموقف السوفياتي من الثورة الفلسطينية وتحالفاتها النضالية باعتبارها إرادة الرفض أن تتحمل مسؤولياتها والعودة إلى ذاتها وممارسة دورها في:

أولاً: خلق حقائق على الأرض الفلسطينية لتطوير واقع الثورة إلى مشكلة إسرائيلية تجعل صاحب القرار الإسرائيلي يعيد حساباته من بدايتها، ويواجه مسؤولية تصفيتها بعد أن عاش فترة طويلة يتفرج عليها باعتبارها مشكلة عربية تتولى الأطراف العربية تصفيتها.

ثانياً: خلق حقائق على الأرض العربية تحرك إرادة القتال، تغير في القرار العربي الذي يحكم بالفعل، ويخطط له، أو يجعل موقع القرار العربي نفسه هدفاً للتغيير.

خلق الحقائق على الأرض المحتلة

وبفعل هذه الحقائق على الأرض المحتلة وفي الواقع العربي سيصبح ممكناً تغيير معادلة القوى والدفع بأطراف الفعل فيها إلى مواقع الصدام ويومها يعود الخيار امام الاتحاد السوفيتي أن يختار بين أحد احتمالين:

الاحتمال الأول: أن يلقي بوزنه خلف القرار العربي ليحقق لنفسه وجوده في إطار المعادلة القائمة كطرف يستطيع أن يشارك في صناعة حقائق جديدة.

الاحتمال الثاني: أن يظل على الموقف المتردد المقيّد الفعل، في مواجهة حرية الفعل الأميركي، ويتحمل بالتالي نتائج هذا الموقف وانعكاسه على وجوده وعلاقاته في المنطقة وعلى موقعه في حركة التحرر العالمي.

وأخيراً يسعى عدوان إلى توضيح أن الخيار الحدي بين الصدام أو الاستسلام أصبح ضرورة، ولا يجوز القفز عنه حتى لا يزداد التورط العربي في ظل أحلام التسوية، وأن الدبلوماسية الأميركية استطاعت أن تخرج الطرف العربي من عقلية القتال وأدخلتها عالم البدائل عبر مجموعة من مشاريع التسوية الجزئية المقترحة. ويؤكد عدوان أن الجهد الرئيسي للثورة الفلسطينية يجب أن يركز في العمل على إسقاط العقل العربي الذي يقول: بتصفية الاحتلال بالتفاهم أو الاتفاق معه، والعودة بالعقل العربي من إطار التسوية إلى أجواء القتال، ولا بد من خلق سلسة حقائق قتالية التي تقود إلى هذا، وجعله واقعاً لا خيار فيه.