تذكرتان إلى صفّورية" رواية لسليم البيك

حائمةً حول النّافورة، تعاين المكان كمن يبحث عن محلٍّ يعرفه. كانت قد ارتدت معطفها، يداها في جيب المعطف وقد زرّرته لشعورها بالبرد أثناء مشيها بين الموقفيْن.

رواية "تذكرتان إلى صفّورية" للكاتب سليم البيك
صدرت أخيراً عن دار الساقي في بيروت رواية "تذكرتان إلى صفّورية" للكاتب الفلسطيني سليم البيك. تتكوّن الرّواية من ثلاثة فصول هي: "ماراً بتولوز" و"ماراً من اليرموك" و"ماراً مع لِيا"، إضافة إلى إبيلوغ من صفحات قليلة تُنهي الرّواية "ماراً إلى صفّورية". يحكي كلّ فصل عن مرحلة من حياة الشّخصية الرئيسية، يوسف، بشكل متداخل إذ يحوي كلٌّ من الفصول إحالات إلى الأخرى. لكن الزّمن الحاضر في الرّواية هو حياته في تولوز، بضع سنوات إثر وصوله إليها لاجئاً، أمّا ما سبق ذلك زمانياً، أي حياته في مدينة دبي ومخيّم اليرموك، فيأتي على شكل استعادات.

لكل فصل موضوع رئيسي ويكون هذا الموضوع الرئيس فرعيّاً في الفصول الأخرى. يتناول "ماراً بتولوز" السنين الأولى له كلاجئ في فرنسا، والوحدة التي يعيشها، غريباً عن المكان وعن ناسه. يتناول "ماراً من اليرموك" خروجَه من المخيّم ورحلة اللجوء إلى أوروبا، متخلّلةً ذلك أفكاراً عن الشّتات الفلسطيني الثالث واللاانتماء لأي مكان أو مجتمع، والهويّة الفلسطينية بالنّسبة ليوسف وللكثير من فلسطينيي سورية. أمّا "ماراً مع لِيا" فيتناول التقاءاتٍ متتالية مع فتاة في المدينة، في محطّة الباص، ثم حديثه معها لأوّل مرّة ودخولهما في علاقة ستكون الرّواية قد أحالت إليها في الفصلين السابقين، فنعرف عن لِيا جيّداً قبل السّرد المسهب لالتقاءاتهما الأولى.

 

نقرأ من الرواية هذا المقطع:

"نزل في موقفه وبقيت لِيا جالسة، تلفّ ساقاً على ساق، لا تعرف ما تفعل، شردت للحظات، في الفراغ الذي تركه حيث كان يقف. فتح الباص أبوابه في الموقف التالي لإنزال أحدهم، وقبل إغلاقها نهضتْ وأسرعت في الخروج. أرادت عبور الشّارع إلى المحطّة المقابلة كي تعود إلى حيث نزل هذا الغريب الذي خجل من افتضاحها أمر عينيْه. لم تفعل، فضّلت العودة مشياً، لتصل في خمس دقائق أو أقل.

تصل إلى الموقف، أمضت الطريق في التّفكير في ما تفعله، ما تفعله الآن وما ستفعله بعد قليل، في التّفكير بجدوى ذلك وجدّيته. جذبتْها فكرة أنّه لم يترك فرصةً ينظر إليها فيها تفلت منه، إلى جسدها ووجهها، جذبتها أكثر فكرة أنّه كان يقف وراءها، كلّ الوقت، غير شاعرة به، يتأمّل طويلاً ردفيْها، وفكرة أنّه لم يستطع إخفاء الإحراج من انتباهها إليه، فهمت أنّها أعجبته وأنّ هنالك، ربّما، ما يدفعه لتفادي هذا الإعجاب. افترضت أنّه قد يكون على علاقة بامرأة، لم تكترث، بقيت منجذبة لكلّ ما حصل، أو ما أرادته أن يكون قد حصل".

 

سليم البيك كاتب من فلسطين يعيش في فرنسا، يكتب في الصحافة الثقافيّة بعامّة، وتحديدًا في النقد السينمائيّ، ويحرّر مجلّة «رمّان» الثقافيّة الفلسطينيّة. صدرت له قبل هذه الرواية «خطايا لاجئ» عام 2008 عن دار كنعان، وهي نصوص نثريّة، و«كرز أو فاكهة حمراء للتشيزكيك» عام 2011 عن الدار الأهليّة، و«ليس عليكِ سوى الماء» عام 2011 عن دار راية، وهي قصائد.