رحيل عبد الكريم غلاب.. أبي الرواية المغربية

عندما يطلب أحد منك هويتك فإنك تشهر له بطاقتك الشخصية بصورة مباشرة، لكن عندما تسأل عن هوية أي بلد فإن مفكريه وأدباءه وفنانيه يشكّلون هذه الهوية.

الروائي المغربي عبد الكريم غلاب

قبل يومين توفي الروائي المغربي عبد الكريم الغلاب الذي يعد عبد أبو الرواية المغربية.

 

إن نضالات وأدب الراحل عبد الكريم الغلاب شكّلت مع قائد المقاومة المغربية عبد الكريم الخطابي ورفيق دربه علال الفاسي، وأول رئيس وزراء في عهد  الملك محمد الخامس عبدالله إبراهيم، وأحد قادة المقاومة المغربية محمد الفقيه البصري، مع المهدي بن بركة ومهدي المنجرة ومحمد عابد الجابري وغيرهم، شكّلت العقل المغربي في مرحلة الاستقلال وما بعده.

 

يعد عبد الكريم الغلاب آخر حكماء حزب الاستقلال، وهو كان قد شكل بعد رحيل زعيم الحزب أحمد بو سته مرجعية لجميع قادة الحزب يرجعون إليه بكل صغير وكبيرة.

 

ولد الروائي والكاتب عبد الكريم غلاب في مدينة فاس. دخل في طفولته مدرسة الكتاب لحفظ القرآن ثم مدرسة سيدي بناني في فاس وانتقل بعد ذلك إلى كلية القرويين في فاس حيث أكمل علومه المتوسطة والثانوية. التحق بكلية الآداب في جامعة القاهرة في مصر ونال إجازة جامعية في الآداب

 

عندما قررت فرنسا عام 1947 نقل عبد الكريم الخطابي إلى فرنسا، وأثناء نقله توقفت الباخرة في ميناء بورسعيد المصري واستطاع بعض المغاربة زيارته ومن ضمنهم غلاب، واقترحوا عليه طلب اللجوء السياسي من الملك فاروق الذي استجاب له برغم احتجاج السفير الفرنسي في مصر.

 

عاش عبد الكريم غلاب حياة نضالية فأسس في القاهرة أثناء دراسته الجامعية، مع عدد من الطلاب المغاربة، رابطة الدفاع عن المغرب ضمت مغاربة من تونس والجزائر ثم كوّن معهم عام 1947 "مكتب المغرب العربي" الذي تولى رئاسته عبد الكريم الخطابي، وكان هدفه المطالبة باستقلال الدول المغاربية والمطالبة بتحرير بعض القادة الذين سجنتهم السلطات الفرنسية المستعمرة.

 

عاد بعد استقلال المغرب سنة 1956 إلى الصحافة والنضال فدخل السجن ثلاث مرات. ودخل سلك وزارة الخارجية ولكنه استقال بعد مدة قصيرة ليعاود عمله في الصحافة حيث عمل فيها أكثر من ربع قرن. وكان خلال هذه المدة يؤلف وينشر ويلقي المحاضرات في البلدان العربية وكندا والولايات المتحدة.

 

أصبح وزيراً في الحكومة المغربية عام 1981. وكان من مؤسسي  حزب الاستقلال وكان أول من ترأس تحرير جريدة العلم الناطقة باسم الحزب. شغل مراكز مهمة في اتحاد الصحافيين العرب وترأس اتحاد كتاب المغرب وأصبح عضواً في أكاديمية المملكة المغربية والمؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسة، بيت الحكمة.

 

من مأثور أقوال غلاب: "كل هزائم العرب تتسلل من خلال الانقسامات بينهم حكاماً أو أحزاباً أو حتى أفراداً... وحين انطلقنا في جمعية الطلبة العرب في كلية الآداب في جامعة القاهرة عام 1942، برئاسة عبد الوهاب عزام (أمين عام جامعة الدول العربية فيما بعد)، بهدف "بعث الوعي القومي العربي" لم نكن نعتقد للحظة أن مستقبلاً قاتماً ينتظرنا إلى هذه الدرجة في فلسطين وسائر أقطار الأمّة".

 

للراحل غلاب خمس روايات منها: "سبعة أبواب" - 1965، وهي سيرة ذاتية عن تجربته في السجن، "دفتا الماضي" - 1966، "صباح ويزحف في الليل" - 1984. وثلاث قصص هي: "مات قرير العين" - 1965، "الأرض حبيبتي" - 1971، و"أخرجها من الجنة" - 1977. وله أيضاً عشر دراسات أدبية وفكرية بينها: "صراع المذهب والعقيدة في القرآن" - 1977، "ملامح من شخصية علال الفاسي" - 1974، "الفكر العربي بين الاستلاب وتأكيد الذات" – 1977، ودراسات تاريخية وسياسية بينها: "دفاع عن الديمقراطية" - 1966، "معركتنا العربية في مواجهة الاستعمار والصهيونية" - 1967، "تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب" - 1976، "الفكر التقدمي في الإيديولوجية التعادلية" - 1979، "سلطة المؤسسات بين الشعب والحكم" – 1987.

 

وقد ووري جثمان الفقيد عبد الكريم غلاب الثرى اليوم الثلاثاء في مقبرة الشهداء في الرباط.