حتى ينتهي النفط: عن أحلام العمال العرب والآسيويين في الخليج

تكمن أهمية الكتاب في أن المؤلف يخترق الحياة المغلقة في مجتمع الخليج ويركز على حياة العمال العرب والآسيويين في قطر.

كتاب "حتى ينتهي النفط" للباحث صامولي شيلكه.

صدرت حديثاً ترجمة كتاب "حتى ينتهي النفط: الهجرة والأحلام في ضواحي الخليج" لباحث الأنثروبولوجيا الفنلندي صامولي شيلكه، نقله إلى العربية عمرو خيري.

الكتاب يتناول، عبر 12 فصلاً وملحق نظري، الحياة اليومية لعمال مصريين في قطر ورؤيتهم للمجتمع القطري وعلاقاتهم بالعمال من جنسيات أخرى في سياق حياة من الغربة من أجل بناء مستقبل لهم في وطنهم مصر. يميّز المؤلف في المقدمة بين مفهوميّ "السفر" و"الغربة"، ليصف الغربة بصفتها: "الإحساس بالوجود بالخارج في مكان غريب بين غرباء، في انفصال عن الروابط المألوفة وسلامة البيت. أن تعيش في الغربة، بمعنى أن تعيش حياة ليست كاملة.. الحياة مع الأسرة والأصدقاء والأقارب في الأماكن المألوفة للمرء".

في الغربة "الحياة تفتقر إلى ما تجده في "المألوف" من ارتياح. هو مفهوم يتناقض بشكل صارخ مع المفهوم ذي الدلالات الأكثر إيجابية بكثير.

ويصف الكاتب مفهوم "السفر"، بمعنى الارتحال والهجرة في الوقت نفسه، الذي يسعى المرء إليه ولا يهدّد روابط وحياة الفرد. بالتالي يمكننا أن نعتبر عمال الخليج في حالة اغتراب عن الواقع الذي يعيشون فيه، حالمين بمسارات حياة مختلفة عن هذا الواقع المجبرين عليه . ثم يقدم السؤال الذي يسعى الكتاب للإجابة عليه: "ما الذي يفعله كون الإنسان عاملاً مهاجراً بأحلامه".

صحيح أن قطر دولة صغيرة وعصرية وغنية جداً وتواكب آخر تطورات العصر، إلا أن الباحث شيلكه يكشف عن حياة أخرى في دولة قطر، بكونها تجسيداً لمفهوم نظري أجمع عليه باحثون للعلوم الاجتماعية هو الحياة في "الهايبر واقع"، و"هو شكل من أشكال المحاكاة، المقنعة لدرجة أن الشيء الأصلي يبدو إلى جوارها أقل واقعية، أو يُهجر تمامًا. في مواجهة مشروعات التعمير والإنشاءات الطموحة شديدة المغالاة في مدن الخليج، والعوالم مكيفة الهواء من الترف ومتعة الاستهلاك، والأبراج المتنافسة في العلو والارتقاء التي ظهرت فجأة على امتداد السواحل على مدار السنوات القليلة الماضية، وما يقترن بهذا من إحساس بالتقدير والإعجاب والراحة والتشتت - الأحاسيس التي تؤدي إليها عادة هذه الفضاءات – فهناك شيء من الوجاهة في مفهوم ال هايبر-واقع.

يضيف الباحث أن سعي دول الخليج إلى "خلق فضاءات استعراضية للفُرجة لا يضاهيها شيء ربما كان منبعه أحلام نخب الخليج للسيطرة والهيمنة، ربما المولات والأبراج هي مجرد الحد الأقصى لخيال هذه النخب عما يمكن أن يفعلوا بثروتهم المهولة".

وعن عالم العُمال المصريين في قطر، يقول المؤلف إن الكتاب محاولة للتفكير في العلاقة بين بلد العمل (قطر) ووطن العمال (تحديداً القرى التي جاؤوا منها في مصر) "في عالم تحولت فيه القرى في شتى أنحاء العالم إلى ضواحٍ للخليج".. .

يقول شيلكه: "لو كان توفيق (عامل مصري) يعرف المفهوم "الهايبر واقع" ربما كان ليستخدمه. كما لو كان يعرف بأفكار الباحث الجغرافي المصري ياسر الشيشتاوي، كان ليوافق معه أن مشروعات "البرستيج" في مدن الخليج هي "استعراض" و"فُرّجة" بمعنى أنها تحوّل الناس إلى متفرجين ومستهلكين في حالة شديدة من الاغتراب. وربما كان ليوافق – تمامًا – على مقولة الشيشتاوي بأن في تلك المشروعات "يصبح الزيف فضيلة.. ونموذجًا".

يبحث شيلكه في عنصرية المهمشين فيقول: "أتذكر الحفاوة التي عوملت فيها من قبل المصريين حيث "ضمني المصريون ..الى مجموعة أصدقائهم لأنني أوروبي أبيض. فهذا شخص له امتيازات". ويضرب شيلكه مثلاً على ذلك، فيقول: "تختلف تجربتي عن تجربة العمال النيباليين مع العمال المصريين" حيث "تكون معاملة المرء ندية مع شخص فقير يتنافس معه على المكان والمكانة، فربما في هذا تحدٍ أو تهديد".

يضيف أن هذا الإجراء التمييزي يؤدي الى انتشار مزاج من التحيّز العنصري والكراهية في أوساط الفقراء والمستغلين في الخليج. ويرى أن "عنصرية المهمشين هذه ليست مجرد أثر جانبي عارض للهجرة من أجل العمل. إنه جزء لا يتجزأ من كيفية حكم بلدان مثل قطر".

يقول الكاتب: "قال لي الحراس إن في قطر نظام كوتة لاستخدام العمال من مختلف الدول، مع الاحتفاظ بأغلبية مسلمة من إجمالي تعداد السكان. وفي الشركة تتكون قوة العمل من جنسيات عدة، أعدادهم النسبية محكومة بنظام الكوتة".

ويتساءل الكاتب أنه من وجهة نظر تنظيمية، فإن "التعددية المنظمة قد ثؤثر سلباً على الإنتاجية. هناك مهام عمل بسيطة بطبيعتها تعقدت بشدة بسبب عدم وجود لغة مشتركة، نظراً للبعد الاتصالي في عمل الحراس. فلم لا يتم استخدام متحدثي العربية حصراً؟ عدد متحدثي العربية أو أي مجموعة أخرى مقيّد عمداً بنظام الكوته من أجل الحيلولة دون تسييس العمال وتحركهم الجماعي".

يضيف شيلكة أنه حتى الثمانينات من القرن الماضي، كان العمال العرب في الخليج أكثر من أي مجموعة أخرى، لكن حين احتشد العمال الفلسطينيون لدعم العراق بعد احتلاله للكويت، تم طرد أغلب الفلسطينيين، وأصبحت السياسة المتبعة في دول الخليج هي تقليل عدد العمال العرب والجمع بين جماعات إثنية عديدة تتبادل العداوة".

يوضح شيلكه سبب هذه السياسة بأن السكان الأجانب أو ما يسمى المقيمين يشكلون أكثر من 80 في المئة من سكان قطر. ويدلل على ذلك بقوله: "في البنوك في شارع حمد الكبير يؤدي مواطنون أجانب كل العمل من أعلى المستويات العمل المصرفي إلى أدنى مستويات الحراسة والتنظيف. إذا اتخذ المهاجرون موفقاً موحداً، فسوف يسيطرون على دولة قطر بأكملها في نصف ساعة من دون إطلاق رصاصة واحدة. لكن لأن الكراهية المتبادلة بين تلك الجنسيات أكبر من كراهيتهم لأصحاب العمل القائم في قطر، فلن يحدث هذا أبداً".

تكمن أهمية الكتاب في أن المؤلف يخترق الحياة المغلقة في مجتمع الخليج ويركز على حياة العمال العرب والآسيويين في قطر.
المؤلف صامولي شيلكه هو باحث أنثروبولوجيا وُلد في فنلندا عام 1972، وحصل على الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة أمستردام في هولندا سنة 2006 برسالته عن الموالد في مصر. يعمل باحثاً منذ عام 2009 في مركز دراسات الشرق المعاصر في برلين. صدر له بالإنجليزية في 2015 كتاب "مصر في زمن المستقبل: الأمل والإحباط والازدواجية قبل وبعد 2011" في الولايات المتحدة. ونشر بحثاً مترجماً في مجلة "الشعر" المصرية عام 2013 عن "أمل دنقل والثورة"، وصدر له عام 2011 كتاب "هتتأخر على الثورة: دفتر يوميات عالم أنثروبولوجيا شهد الثورة".

يعتمد صامولي شيلكه منهج "الأنثروبولوجيا التحاورية"، الذي يسعى إلى توليد النظريات حول سمات الحياة اليومية عن طريق الاستماع إلى الناس ونقل كلامهم بحيادية وتفسيره بالاستعانة بنظريات العلوم الاجتماعية المختلفة، من أجل فهم الواقع المُعاش.

أما المترجم عمرو خيري فقد صدرت له عدد من ترجمات الروايات منها "1984" لجورج أورويل في عام 2014، وترجمة "التصحيحات" لجوناثان فرانزن في عام 2014 وترجمة رواية "البينيلوبية: أسطورة بينيلوب وأوديسيوس" لمارغريت آتوود في عام 2014، وترجمة رواية "الشلالات" لجويس كارول أوتس، في عام 2008.