فوبيا الإسلام والسياسة الإمبريالية الأميركية

في عشية 11 أيلول سبتمبر 2001، لم يكن رماد البرجين التوأم قد انطفأ بعد، حتى بدأت تصريحات مدوية مفادها أن الإرهابيين الإسلاميين يمثلون تهديدات لوجود الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين فصاعداً، أصبحت سياسة الولايات المتحدة "موجهة نحو الإبقاء على أمان الأميركيين من الأشرار المسلمين".

كتاب "فوبيا الإسلام والسياسة الإمبريالية" للكاتبة ديبا كومار
مؤلفة هذا الكتاب، هي الكاتبة الهندية- الأميركية ديبا كومار التي ولدت في عام 1968، وتختص دراسات كومار بالإمبريالية الأميركية والعنصرية ضد المسلمين وصورة الحروب في الإعلام.

ويُعتبر كتابها عن الإسلاموفوبيا من أهم ما كتبته على الإطلاق، حيث حظي هذا الكتاب باهتمام كبير بين المختصين بدراسات الإسلام والشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال، يقول آرون كونداني، مؤلف كتاب "نهاية التسامح: العنصرية في بريطانيا القرن الحادي والعشرين": (إن كتاب "فوبيا الإسلام والسياسة الإمبريالية" سيكون عملًا تصحيحيًا جوهريًا لأولئك الذين لا يفطنون إلى أن أصول مشكلة الإسلام تكمن في النزعة الإمبريالية لا في الشريعة الإسلامية).

في بداية الكتاب، تؤكد كومار أن كتابها هذا ليس كتاباً عن الدين الإسلامي، وهي تبرر ذلك بكونها ليست متفقهة في الدين ولا تزعم أن لديها أي معرفة واسعة خاصة بشأن هذا الموضوع. وهي تؤكد أن هدف كتابها يتمثل في محاججة وتفنيد الرأي الذي يدعي أصحابه أن المسلمين أكثر عنفاً من أي فئة دينيه أخرى، فهي في هذا الكتاب تشرح الكيفية التي اُختلقت بها صورة العدو المسلم في العقل الغربي.

 

الاحتكاك الأول بين المسلمين وأوروبا

في عصر الخلافة الراشدة استولى المسلمون على أجزاء من أراضي الإمبراطورية البيزنطية، واستمر التوسع في ظل الحكم الأموي بحيث بلغ شمال إفريقيا، ثم وصل إلى أوروبا في أوائل القرن الثامن الميلادي، وبدأت عمليات غزو تلك الجيوش في إسبانيا، واستمرت في شبة جزيرة أيبيريا بأكملها، ووصلت إلى إيطاليا كذلك.

ترى كومار أن هذا الغزو السريع لأوروبا أثار الانزعاج، ولكن في هذه المرحلة كان يُنظر إلى الغزاة المسلمين على أنهم مجرد عدو همجي آخر، لا يختلف عن الجيوش الأخرى التي اجتاحت القارة الأوروبية في العصور الوسطى.

في تلك الفترة كان الأوربيون لا يعرفون شيئاً تقريباً عن الإسلام كديانة، وبالنسبة لهم كان الإسلام مجرد واحد من عدد كبير من الأعداء الذين يهددون المسيحية من كل حدب وصوب، ولم يكن لدى الغرب أي اهتمام بالتمييز بين النورمان والسلافيين والمجريين البدائيين من عبدة الأوثان، وبين العرب الذين يعتنقون دين الإسلام التوحيدي.

وقد أطلق الأوربيون على العرب اسم السراسنة، حيث ساد الاعتقاد أن السراسنة هم نسل هاجر، إحدى زوجات إبراهيم، وكان هناك ربط بين إسماعيل ابن هاجر والسراسنة، وتم تصويرهم في صورة البرابرة.

   

الحلفاء والاعداء: الولايات المتحدة والإسلام السياسي

بعد تناول العلاقة المبكرة ما بين المسلمين والغرب، تقفز كومار قفزة تاريخية واسعة، لتنقل النقاش إلى التاريخ المعاصر، ولتشرح أبعاد العلاقة ما بين المسلمين وأميركا.

تقول كومار إنه، وبدءاً من خمسينيات القرن العشرين، حاولت الولايات المتحدة تصوير عاهل المملكة العربية السعودية على أنه قطب الجذب الإسلامي ضد القومية العلمانية التي كان يمثلها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر.

ففي سياق الحرب الباردة، كان للولايات المتحدة هدفان في الشرق الأوسط هما: السيطرة على تدفق النفط وإبقاء الاتحاد السوفياتي خارج المنطقة، وكان هذا معناه تشجيع جميع القوى التي يمكن أن تناهض القومية والشيوعية العلمانيتين الراديكاليتين، وكان الإسلاميون على رأس هذه القائمة.

استخدمت الولايات المتحدة المجاهدين في أفغانستان لخوض حرب بالوكالة مع الاتحاد السوفياتي، وفي الوقت ذاته أصبح آية الله الخميني في إيران بالنسبة للغرب رمزاً لجميع الأشياء الإسلامية ولجميع الشرور، وأملت السياسة الواقعية على الولايات المتحدة أن تعمل ضد بعض الإسلاميين بينما تتحالف مع آخرين منهم ضد عدوها الرئيسي في الحرب الباردة.

وضع الرئيس الأميركي إيزنهاور سياسة جديدة بشأن الشرق الأوسط، وبموجب تلك السياسة تم تقديم مساعدة مالية وعسكرية لبلدان الشرق الأوسط التي كانت تتعرض لتهديد من أي دولة تسيطر عليها الشيوعية الدولية، وكانت هذه الاستراتيجية تتكون من دعم المنظمات الإسلامية ضد القوميين العلمانيين ومحاولة إيجاد قطب إسلامي ممثلاً في الملك السعودي سعود بن عبدالعزيز. ففي رسالة إلى صديق مؤتمن في أوائل الخمسينات، قال إيزنهاور: (لقد أردنا أن نستكشف إمكانات جعل الملك سعود يمثل ثقلاً موازياً لعبد الناصر).

 

وتؤكد كومار أن إيزنهاور قد مضى قدماً في سياسته، فبعد انقضاء عام على كتابته لرسالته عن الملك سعود، استقبل الرئيس الأميركي سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، في البيت الأبيض، في إشارة إلى تعاون الإدارة الأميركية حينذاك مع الإخوان المسلمين.

 وفي مؤتمر نظمته وتولت رعايته حكومة الولايات المتحدة في جامعة برينستون عام 1953، خلص المستشرقون وواضعو السياسات ومختلف المخبرين المحليين إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تستخدم الدين لكسب الأفئدة والعقول، متجاهلة شعبية الحركات القومية العلمانية.

وإبان خمسينيات القرن العشرين، استخدمت جماعة الإخوان المسلمين ضد عبد الناصر في مصر، واستخدمت مجموعة من رجال الدين ضد رئيس الوزراء السابق محمد مصدق في إيران.

ولكن كومار تشير إلى أن هناك أحداثاً دفعت الولايات المتحدة إلى الاعتقاد بأن الإسلاميين لا يمكن الثقة دائماً في عملهم في خدمة مصالح الغرب، ففي عام 1973، شن الرئيس المصري أنور السادات -الذي خلف عبد الناصر- حرباً على إسرائيل تحت راية الإسلام، وكذلك استخدم معمر القذافي الرموز واللغة الإسلامية لإضفاء الشرعية على حكمه في ليبيا، فقد أعلن إن ليبيا دولة إسلامية وأنه يعتزم تشجيع الراديكالية الإسلامية والإرهاب الإسلامي في مختلف أنحاء العالم، بحسب الكاتبة.

 

بعد الحرب الباردة: الإسلام يصبح عدواً

كان معنى انهيار الاتحاد السوفياتي ونشوء عالم أحادي القطبية، هو إعادة تشكيل الإمبريالية الأميركية، حيث أصبح هناك قدر كبير من الحديث عن عائد السلام ونظام عالمي سمته المداهنة، لا المدافع.

فقد سعى القادة الأميركيون في تسعينيات القرن العشرين إلى إدماج العالم في نظام رأسمالي خاضع لسيطرتهم، وهددت الولايات المتحدة بشن الحرب ضد النظم المارقة التي رفضت أن تمتثل إلى القواعد الأميركية.

 وفي تسعينيات القرن الماضي كان الشرق الأوسط هو أهم منطقة من الناحية الاستراتيجية، لأنه يحوي أكبر احتياطيات نفطية في العالم، وكانت تدخلات الولايات المتحدة في المنطقة ترتبط جميعها تقريباً إما مباشرة أو غير مباشرة بمسألة السيطرة على تدفق النفط، وفي هذا السياق كانت الجماعات والدول الإسلامية تصنف إما كحلفاء أو أعداء، استناداً إلى درجة إذعانها لأهداف الولايات المتحدة.

وكانت نقطة التحول في النظرة الأميركية إلى العالم الإسلامي، قد تمثلت في محاولة تفجير قنبلة في مركز التجارة العالمي عام 1993، حيث للمرة الأولى ظهرت فكرة أن القوات التي مكنتها الولايات المتحدة خلال الحرب الأفغانية يمكن أن تسبب ضربة عكسية لها.

وقد تبعت تلك العملية، عمليتا تفجير قنبلتين في السفارتين الأميركية في كينيا وتنزانيا عام 1998، وهو ما أدى إلى اتباع المؤسسة العسكرية الأميركية ممارسة جديدة أطلقت عليها اسم الحرب اللاتماثلية، وبموجبها تم التعامل مع هذه الجماعات الجديدة عديمة الجنسية وعابرة الجنسيات كتهديدات يلزم رصدها وتتبعها، وكان المنظر الأيديولوجي الرئيسي الذي يقود ذلك هو برنارد لويس ثم أضفى صموئيل هنتنغتون شعبية على هذا التوجه.
 

الإسلام السياسي في إطار مناهض للإمبريالية

ترى كومار أنه عموماً قد يكافح الإسلاميون ضد الإمبريالية، ولكنهم ليسوا مناهضين للإمبريالية عن مبدأ، فإذا تطلعنا إلى الأمثلة التاريخية، بوسعنا أن نجد حالات نظم فيها الإسلاميون قواهم ضد الإمبريالية وحالات أخرى تعاونوا فيها مع القوى الإمبريالية.

 فعلى سبيل المثال، كان رجل الدين السوري الراديكالي عز الدين القسام شخصية قيادية في ثورة 1936-1939 ضد السيطرة البريطانية على فلسطين، واتخذت جماعة الإخوان المسلمين في مصر موقفاً مناهضاً للإمبريالية ونظمت قواها ضد البريطانيين، وفي إيران بعد عام1979، سدد الخميني ضربة لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.

ولكننا نجد في الوقت نفسه أمثلة لتعاونهم وتآزرهم مع القوى الاستعمارية، فعندما أرسلت الولايات المتحدة جنوداً إلى لبنان في عام 1958، وأرسلت بريطانيا جنوداً إلى الأردن انضم الإخوان المسلمون الأردنيون إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا للمساعدة على اخماد الانتفاضة القومية في كلا البلدين.

 

المحافظون الجدد

في عشية 11 أيلول سبتمبر 2001، لم يكن رماد البرجين التوأم قد انطفأ بعد، حتى بدأت تصريحات مدوية مفادها أن الإرهابيين الإسلاميين يمثلون تهديدات لوجود الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين فصاعداً، أصبحت سياسة الولايات المتحدة "موجهة نحو الإبقاء على أمان الأميركيين من الأشرار المسلمين".

تشير كومار إلى البدايات الأولى التي واكبت تشكيل وظهور ذلك المصطلح، حيث تؤكد أنه قد نُحت للمرة الأولى في أوائل سبعينيات القرن العشرين على يد مايكل هارينغتون، وأن معظم المنتمين إلى الجيل الأول من المحافظين الجدد كانوا يؤيدون حرب الولايات المتحدة مع فيتنام ويستنكرون الحركة المناهضة لتلك الحرب، وكانوا يعتبرون أنفسهم ليبراليين يؤمنون بفكرة أن أميركا تمثّل قوة من قوى الخير في العالم وأنها ينبغي أن تحافظ على الاستقرار العالمي.

ترى كومار أن رؤية المحافظين الجدد للإمبريالية تركز على فكرة الاستثنائية الأميركية، وأن الولايات المتحدة هي منارة فريدة للأمم الأخرى. وعندما انهار الاتحاد السوفياتي في نهاية الأمر، كوّن الجيل التالي من المحافظين الجدد رؤية لعالم ما بعد الحرب الباردة ترتكز على فكرة السيطرة الأميركية في عالم أحادي القطبية.

ترى الباحثة كذلك أن هناك علاقة وثيقة بين المحافظين الجدد والصهيونية، فجذور الصهيونية المتشددة التي يعتنقها المحافظون الجدد لا تكمن في هويتها العرقية المتمسكة باليهودية بقدر ما تكمن في سياستها وفي رؤية معيّنة للعالم، بموجبها تُعتبر إسرائيل أداة لتعزيز النفوذ الأميركي. فإذا كان للولايات المتحدة أن تحافظ على سيطرتها في الشرق الأوسط، فإن ما يستتبع ذلك هو أن تكون إسرائيل، أكثر بلدان المنطقة موالاة لأميركا، هي حليفها الرئيس.

ولذلك السبب، ترى كومار أن إسرائيل كانت محورية دائماً بالنسبة لتفكير المحافظين الجدد، وإذا تحدثنا بشكل محدد ملموس، فإن مواقف المحافظين الجدد بشأن إسرائيل تتماشى مع السياسة الصهيونية اليمينية أو السياسة على طريقة الليكود، أي تلك التي تكون دائماً مقرونة بمقت لأي مفاوضات تتم عن طريق التنازل والضعف. ولذا يستتبع ذلك أن المحافظين الجدد كانوا يعارضون بشدة اتفاقات أوسلو، التي استندت إلى مبدأ الاعتراف المتبادل من خلال عملية الأرض مقابل السلام.

الإسلاموفوبيا مبرر للغزو الأميركي

 بدأت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر مباشرة تقريباً، تبحث عن سبل لمهاجمة العراق، وكانت هذه المحاولة جزءاً من استراتيجية المحافظين الجدد الأوسع نطاقاً المتمثلة في زعزعة الشرق الأوسط. وبحسب وجهة نظر كومار، فإن العنصر الأساس في عقيدة بوش هو أنها أعلنت حق الولايات المتحدة في شن حرب وقائية، أي حقها في مهاجمة أي دولة أخرى ذات سيادة، لا لأنها تهدد الولايات المتحدة مباشرة، بل لأنها يمكن كاحتمال أن تشكل تهديداً لها في المستقبل.

ومن هنا فإن أي دولة قامت بإيواء إرهابيين أو استحدثت أسلحة دمار شامل، أو تصرفت على نحو أخر يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة، تصبح هدفاً للهجوم والغزو.

ويشير ستيفن شيهي إلى أن الرد الطنان على أحداث 11 سبتمبر أيلول، قامت بصياغته مجموعة من الأكاديميين وواضعي السياسة والخبراء الذين دعوا إلى حضور جلسات بشأن الاستراتيجية في البيت الأبيض. وكان من بين هؤلاء كل من برنارد لويس وفريد زكريا رئيس تحرير مجلة نيوزويك سابقاً، ولذا فإن الطنطنة عن صدام الحضارات أصبحت سائدة في أعقاب هذه الأحداث، وكانت هي الأساس الأيديولوجي للحربين في أفغانستان والعراق فضلاً عن الهجمات المحلية على المسلمين والعرب.

 

 أوباما والإمبريالية الليبرالية

في إحدى اوائل خطبه في القاهرة، رفض أوباما حتى مقولة "صدام الحضارات"، مشدداً على التاريخ المشترك للشرق والغرب وتطلعاتهما المشتركة.

وأكد أوباما على المبادئ المشتركة، وتحدث عما تدين به الحضارة للإسلام، واصفاً الإسلام بأنه مَهَد الطريق لنهضة أوروبا وعصر التنوير فيها، ولذا اتسمت حقبة أوباما بتحول نحو الإمبريالية الليبرالية وفوبيا الإسلام الليبرالية.

وتحدد كومار الخصائص الرئيسية لفوبيا الإسلام الليبرالية في رفض نظرية "صدام الحضارات"، والاعتراف بوجود مسلمين أخيار يمكن اقامة علاقات دبلوماسية معهم، واستعداد مصاحب لذلك للعمل مع الإسلاميين المعتدلين.

 

شرعنة العنصرية ضد المسلمين والتعدي على الحريات المدنية

ساد الاعتقاد منذ فترة طويلة، بأن الدولة عندما تكون في حاله حرب تنقلب عادة على من تعتبرهم يمثلون محلياً العدو الخارجي. ففي سياق الحرب الباردة، بدأت المكارثية عهداً من التعديات على اليسار وعلى الأيديولوجيات المرتبطة به.

في السياق نفسه، حدث الأمر نفسه مع مسلمي الولايات المتحدة، فقد تم ترويع العرب والمسلمين. وبعد أزمة الرهائن الأميركيين في إيراني، اتخذ الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر إجراءات مماثلة ضد الإيرانيين في الولايات المتحدة، وأطلق الرئيس جورج بوش الأب برنامجاً لمراقبة الأميركيين العرب في عام 1991 في سياق حرب الخليج الأولى.

في عهد الرئيس بيل كلينتون، وبالتحديد في عام 1996، أصدر الكونغرس قانون مكافحة الإرهاب وفرض عقوبة الإعدام فعلياً. وفي عام 1995، عندما قام الإرهابي المسيحي اليميني الأبيض تيموثي ماكفي بتفجير قنبلة في مبنى فيدرالي في مدينة أوكلاهما فقتل 168 شخصاً، فقد تم إلقاء اللوم فوراً على العرب والمسلمين.

 بعد أحداث أيلول سبتمبر 2011، جُمع نحو 1200 مواطن معظمهم من العرب ومن جنوب آسيا، وأُلقي القبض عليهم باتباع إجراءات موجزة، واستجوبهم مكتب التحقيقات الفيدرالي، وقد احتجزوا لفترات زمنية متباينة في حبس انفرادي في كثير من الحالات.

وفي عام2003، أُلقي القبض على 1000 شخص آخرين كجزء من برنامج للإمساك بالمتخفين من دول الشرق الأوسط الذين بقوا في الولايات المتحدة بعد انتهاء تأشيراتهم والذين قد تكون لديهم معرفة بنشاط إرهابي. وقد وُضع كثيرون من هؤلاء الأشخاص على طائرات متجهة إلى جهات لا يعرفون فيها أحداً، وقد تركوا وراءهم أعمالهم وبيوتهم وأسرهم.

تُبيّن كومار خطورة مسألة المقاضاة الاستباقية، لما تنطوي عليه من استهداف لأشخاص أبرياء لم يرتكبوا في حقيقة الأمر أي مخالفة، فهي تشمل طائفة متنوعة من الأساليب من قبيل استخدام العملاء المحرضين لتحريض الناس على ارتكاب أفعال، لم يكونوا لولا ذلك التحريض ليرتكبوها، كي توجه لهم تهمه تقديم الدعم المادي للإرهابيين، والمنطق الذي تقوم عليه هذه الحالات هو أن المسلمين مهيؤون مسبقاً بطبيعتهم لارتكاب أعمال عنف ولذا ينبغي احتجازهم.

تشير كومار إلى تهمة تقديم الدعم المادي للإرهابيين، وهي تهمة شائعة في الأوساط الإسلامية في أميركا، حيث استخدمت تهمة تقديم الدعم المادي للإرهاب ضد أشخاص مختلفين لأسباب شتى، تبدأ من التبرع لمنظمات خيرية وتنتهي بالمشاركة في احتجاجات مضادة للحرب.

وقد أدعت السلطات الأميركية أن أكبر منظمة خيرية إسلامية في الولايات المتحدة، وهي مؤسسة الأراضي المقدسة، مرتبطة بحركة حماس الفلسطينية وأُغلقت بمقتضى أمر تنفيذي صدر بعد أحداث 11 سبتمبر أيلول سبتمبر بفترة وجيزة.

نظرية التحول إلى الراديكالية

 في عام 2007، أعدت شرطة مدينة نيويورك وثيقة بعنوان "التحول إلى الراديكالية في الغرب: التهديد الداخلي المنشأ"، زعمت فيها أن هناك أربع مراحل للتحول إلى الراديكالية هي: ما قبل التحول إلى الراديكالي، التحديد الذاتي العضوية، والتلقين العقائدي، والجهاد.

ووفقاً لهذا النموذج، يندرج جميع المسلمين الذكور الشباب الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى وأسر مهاجرة ضمن مرحلة ما قبل التحول إلى الراديكالي.

وتوضح كومار الاضطهاد المبطن في ذلك التقسيم بقولها (فإذا كان لفرد من أفراد هذه الفئة أن يكف عن التدخين والشرب ولعب الميسر وأن يبدأ في إطلاق لحيته وارتداء ملابس إسلامية تقليدية، فإنه في هذه الحالة يكون على المسار السريع نحو اكتساب الأيديولوجيا السلفية الجهادية).

وتستغرب المؤلفة المنطق الذي حُددت به تلك التصنيفات، فتقول إنه لا يلزم أن يكون لدي المرء شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع أو علم النفس ليدرك أن هذا هو نموذج سلوك عنصري متأصل مفعم بمعايير موجودة.

فعلى سبيل المثال، لا يحدث نفس النوع من المراقبة في أوساط المسيحيين البيض، حتى على الرغم من وجود منظمات إرهابية استعلائية للبيض في الولايات المتحدة منذ أمد طويل.

 

الرعب الأخضر: صنع العدو المسلم الداخلي

تلاحظ كومار أن هناك تغيير قد طرأ على مفهوم الإسلاموفوبيا بحلول نهاية العقد الاول بعد احداث 11سبتمبر، حيث تم التشديد على العدو الموجود في الداخل، فبينما كانت فوبيا الإسلام فور وقوع أحداث 11 أيلول ­سبتمبر تركز إلى حد كبير على العدو المتربص هناك في الشرق الأوسط، الذي يتعين على الولايات المتحدة أن تخوض حرباً ضده، أصبح العدو الآن داخل حدود البلد.

هذا التحول حدث عام 2009 تقريباً، عندما حدثت قفزة في عدد الأميركيين المسلمين الذين وصفوا بأنهم إرهابيون داخليو المنشأ. ففي ذلك العام أُدرج 48 أميركياً مسلماً ضمن إحصاءات الإرهاب، مقابل إثنين فقط في عام 2008، وهذا البعد من أبعاد فوبيا الإسلام لم يزدهر في الولايات المتحدة إلا في نهاية العقد، عندما تعرضت المساجد والمراكز المجتمعية الإسلامية للهجوم، بدءاً من كاليفورنيا وانتهاء بنيويورك.

وقد حاولت شبكة من دعاة فوبيا الإسلام اليمينيين إطلاق العنان للعنصرية المناهضة للمسلمين منذ اعتداءات 11 أيلول سبتمبر تقريباً من خلال سلسلة من الحملات ضد الأساتذة الجامعيين العرب.

 

الجدل بشأن مسجد غراوند زيرو

كانت النتيجة الفورية للهستيريا بشأن الإرهابي الداخلي المنشأ هو أن دعاة الخوف من الإسلام الذين يمثلون أقصى اليمين، قد احتلوا بؤرة المسرح في أعقاب جدل تسببوا فيه يدور حول تشييد مركز مجتمعي إسلامي في منطقة جنوب مانهاتن.

ففي عام2009، اقترح الإمام فيصل عبد الرؤوف، الذي كان إماماً في منطقة جنوب مانهاتن منذ أكثر من ربع قرن، تشييد مركز على غرار مركز الشبان المسيحيين والمركز المجتمعي اليهودي في مانهاتن، وكان الهدف من المركز المقترح هو العمل على زيادة فهم طائفة المسلمين.

ويشير اسم المركز، وهو دار قرطبة، إلى مدينة قرطبة في إسبانيا، التي كانت مركزاً ثقافياً رئيسياً تابعاً للإمبراطورية الإسلامية التي حكمت شبة جزيرة إيبيريا، بل كانت تمثّل حقبة تعايش سلمي بين المسلمين والمسيحيين واليهود.

ففي السادس من أيار مايو 2010، صوت المجلس المجتمعي لمدينة نيويورك بالإجماع تأييداً للمشروع. ولكن تلك الموافقة استثارت الكثير من الأصوات الرافضة للتعايش السلمي مع المسلمين، فعلى سبيل المثال نشرت باميلا غيلير، وهي من المدونين اليمينيين، مقالة بعنوان "مسجد وحشي يشق طريقه في ظل الموت والدمار"، ودعت حركة "أوقفوا أسلمة أميركا" التي يستند اسمها إلى فكرة أن المسلمين يتآمرون من أجل السيطرة على الولايات المتحدة، إلى تنظيم احتجاج في29 أيار مايو ضد ما أسمته غيلير "المسجد الوحشي 911".

لاحقاً، بدأت صحيفة "نيويورك بوست" تنشر مقالات نقلت باستفاضة ما قالته غيلير وطنطنتها اللاذعة.

 ومع تكشف أبعاد هذا النقاش غير المتوازن، أدخل الرئيس أوباما تحفظاً على أقواله السابقة المؤيدة للمشروع بقوله: (إنه بينما يؤكد حقوق جميع الناس الدينية فإنه لا يعلق بقوله هذا على حكمة اتخاذ قرار بناء مسجد هناك)، وسرعان ما تماشى أوباما مع الضغط اليميني، فعندما أعلن تيري جونز، القس الذي يقيم في فلوريدا، عن خطته لحرق القرآن في ذكرى 11 أيلول سبتمبر، لم يقل أوباما إن هذا عمل كريه، وإنه يشكل تعدياً على الحرية الدينية، بل قال إنه يعرّض للخطر الأمن القومي ويضع جنود الولايات المتحدة الموجودين في العراق وأفغانستان في طريق الأذى.


*باحث مصري متخصص في التاريخ الإسلامي والحركات السياسية والمذهبية.