كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين الآباء والأبناء؟

ينبغي على الآباء والكبار رعاية الشباب والاهتمام بهم والارتقاء بأفكارهم وآرائهم، وألا يدعوا المشاكل تقف حائلاً يعيق الطريق أمام أبنائهم.

كتاب "سايكولوجية المراهقة" للدكتور حسنين جابر الحلو

مراجعة: علي مطر

 

يتحدث كتاب "سايكولوجية المراهقة" للدكتور حسين جابر الحلو، عن خطورة مرحلة المراهقة حيث هناك عدم متابعة في أوقات كثيرة من الآباء لأبنائهم من المراهقين مما يسبب فجوات متعددة بين الطرفين، وصلت إلى حد عدم الفهم والصراع.

ويشير الكاتب الحلو إلى ضرورة توظيف جزء من وقت الأب لمعرفة ميول إبنه لأن الطفل له طاقات فيجب معرفة الوجهة التي يريد الطفل التحرك فيها ليفرّغ طاقاته. وعلى الأم أن تتابع من الداخل لأن متابعة الأبناء المراهقين ليس بالأمر اليسير لأنه يحتاج إلى توقفات ومتابعة في سير أحداث العمر.

ويتحدث الحلو عن طريقة تعامل الأمهات مع أبنائهم ويشدد على ضرورة رصد المتغيرات الطارئة على المراهق، كالأسلوب في الحديث والتعامل مع الآخرين، وغيرها من الأمور التي نعرضها هنا.

تعتبر فترة المراهقة من أكثر الفترات خطورة على الشباب، فهي تشكل أزمة فعلية في مجتمعاتناً، حيث تتسبب في حصول شرخ بين هم وبين المجتمع وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى تفكك الأسرة.

لذلك فإن الحديث عن المراهق مهم جداً لأنه يشكل وجوداً حياً داخل الأسرة، والأسرة التي دربت هذا الكائن منذ الطفولة إلى هذه المرحلة، تشاهد في داخله تغيرات عديدة، وبخاصة في قضاياه الشخصية. إذ تتمحور حول الاستقلال والحديث عن الذات ومحاولة ايجاد أصدقاء يختارهم هو، فضلاً عما يعرف بوقت الفراغ الذي يعاني منه بعض من المراهقين داخل نطاق الأسرة.

ومما يؤسف لدى بعض الأسر أنه ليست هناك متابعة لأبنائهم من المراهقين مما سبب فجوات متعددة بين الطرفين، ووصلت إلى حد عدم الفهم، والصراع، والعراك، والانفصال، وهذا أمر يؤدي إلى تفكك المنظومة الأسرية.

يقول الفيلسوف اليوناني أرسطو إن الإنسان كائن مدني بالطبع، وهذه المدينة تحتم عليه أن يعيش ضمن أطر الاجتماع بمختلف تواجدها وأهم هذه الطرق وأقربها هو الانخراط في هذه المجاميع ويكون ذلك بدءا ًمن الأسرة كونها تقوم بعملية التنشئة الاجتماعية لإدماج الطفل في مختلف الأطر سواء أكانت ثقافية أو غيرها وملابسات التكوين التراثي أو توريثه توريثاً متعمداً بتعاليمه نماذج السلوك المختلفة في المجتمع الذي ينتسب اليه.

إن أول ما يطبقه الطفل هو الاستقبال الفكري من المشاهدة والتي تتم من خلال البيت، الأقارب، التلفاز، وكذلك على المستوى السمعي. فهو يجب أن يطبق ما يشاهده ويقول ما يسمع، وعلى هذا الأساس يكون بناء الطفل من الناحية السلوكية، وبعدها تجد أن مرحلية المشاهدة عبر التلفاز تخلق عنده نوعاً من الثقافة الدائرية أي يدور في فلكها فيكون أخذاً منها، ويطبق على أرض الواقع ما يشاهده من خلالها.

وليس كل الأسر على منهاج واحد لاختلاف الظروف البيئية والاقتصادية والثقافية، فكلما كانت الأسرة متمكنة اقتصادياً سيكون هناك حالة من نقل أبنائهم إلى الصعود وإذا كانت الأسر ضعيفة اقتصادياً فيجب أن يكون الجانب الثقافي هو المبرز.

وعادةَ ما يوقع الأولاد نتيجة تعاطي الامهات والأباء في عدة أمور منها وفق ما يعددها الكاتب:

-الازدواجية: حيث تكون شخصية الولد مبهمة، في الخارج مع الأصدقاء (يكون رجلاً) وفي الداخل مع البيت هو (طفل).

-الاتكالية: حيث تنعدم عند الأبناء مفردة المسؤولية، ومجابهة الأمر، لأن الثقل محمول عنهم من قبل الوالدين.

-الانفرادية: حيث ينعزل الأبناء في اختيار قراراتهم بوحدهم.

-الانعزالية: وهنا يقوم الإبن بالانعزال عن الأسرة، بعمله وقوله حتى في المجتمع، لأن الآباء لا يعطونهم الفرصة الكاملة.

وهنا يمكن القول إن على الآباء أن يحددوا مسيراً ممنهجاً لفعل المكوّنات المرحلية لأبنائهم، ويسيروا معهم خطوة بخطوة لتحقيق الأهداف المنشودة.

ويشير الكاتب إلى أن هذا الأمر يستتبع أن يقوم الأب بالمتابعة الخارجية للأطفال في السنين الأولى، وتوظيف جزء من وقته لمعرفة ميوله، لأن الطفل له طاقات فيجب معرفة الوجهة التي يريد الطفل التحرك فيها ليفرغ طاقاته. وعلى الأم أن تتابع  من الداخل لأن متابعتهم ليس بالأمر اليسير لأنه يحتاج إلى توقفات ومتابعة في سير أحداث العمر. وعلى الأم على الأخص أن تفهم متطلبات الفتاة وهي طفلة لأنها خاضعة لتغيرات بيولوجية سريعة أكثر من الولد.

 

مراحل المراهقة

يتحدث الكاتب في الفصل الثاني من الكتاب عن توازن مدركات الناشئ (المراهقون). ويقول إن المراهقة تعني تجاوز طور الصبا من 14 الى 25 سنة، وهي تعني التطور والانتقال من مرحلة إلى مرحلة، وتتأثر هذه المرحلة بعامل الوراثة، عامل البيئة، عامل النضج والتعلم، عامل المرض والحوادث، وعامل الطقس والمناخ.

هذه العوامل مهمة في حقيقة تواجد العمل التكويني للمراهق وكيفية الحفاظ على صيرورته داخل مكوّنات الأسرة وتنضيجها بما يلائم هذه المكوّنات، حيث أن فترة الشباب تعرف على أنها فترة من النمو والتطور الانساني التي تتسم بسمات خاصة تميّزها وتعطيها صورتها المميّزة وتنقسم هذه الفترة إلى أربعة مراحل: مرحلة المراهقة، مرحلة اليفوع، مرحلة الشباب المبكر، مرحلة الشباب البالغ.

ويشير الكاتب إلى أن حقيقة المراهق الذي عاش زمن الطفولة قبل الانتقال بأنه كيان بشري مرن الفطرة، قابل للتشكّل والتطبيع وفق ما يخضع له من المؤثرات التي يسلّط عليها المجتمع في مواقف متعددة وعلى مراحل متعاقبة يكتسب خلالها أنماط السلوك وينمّي مجموعة المعارف والمهارات. وعليه أن يبني جهازاً من القيم والمهارات تجعل منه كائناً اجتماعياً في الصورة التي يريدها المجتمع، حتى يكون قادراً على التكيّف مع البيئة التي يعيش فيها ويتعامل مع أفرادها وجماعاتها.

ولا يمكن الفصل بين مرحلة الفتوة ومرحلة البلوغ بشكل تعسفي، فهي مرحلة لا تتجلى بهذا الشكل إلا في فئات معينة. وتمتد فترة الشباب من سن 15 إلى سن الثلاثين، ويجوز تقسيمها إلى مرحلتين: المراهقة وفترة الشباب الأولى وهي فترة سابقة لبلوغ سن الرشد والتي هي من 15 الى 21 سنة وتشمل شباب التعليم الثانوي وما يناظره. ثم فترة الرشد على قسمين، وهي:

أولاً: شباب التعلّم العالي والجامعي.

الثاني: حتى الثلاثين وتشمل شباب العمال والفلاحين.

وهذه التقسيمات فعلية توضح للآباء والأمهات والمجتمع طبيعة سير هؤلاء حسب تصورات مختلفة واضحة المعالم.

ويلفت الكاتب إلى أنه لا بد من أكثر من وقفة فعلية مع المراهق في جانبه النفسي. والواقع إن الآراء الخاصة بالمراهق تنمو أو تتأثر أو تتغير بسرعة بالنسبة للموضوعات التي لا يكون لدى الفرد عنها آراء مسبقة أو مشاعر ثابتة، كذلك تتغير الآراء بالنسبة للمسائل العارضة بسرعة أكبر منها بالنسبة من المسائل الحاسمة.

وتأخذ المراهقة في العموم بحسب الظروف الاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه المراهق أحد الأشكال الآتية يعددها الكاتب كالتالي:

-المراهقة السوية: وتكون إلى حد ما خالية من الصراعات والمشاكل.

-المراهقة الانسحابية: وتتميز بالانسحاب والانفراد نتيجة عدم الانسجام مع العائلة والأقران.

-المراهقة العدوانية وتتميز بميل المراهق إلى التمرد والعصيان.

 

التعايش مع المراهقين

تعد الفجوة الحاصلة بين جيل المراهقين وجيل آبائهم على اختلاف مستوياتهم، التي أثارت جدلاً واضحاً بين الجيلين سواء في الملبس أو في طريقة التفكير، كبيرة جداً. وكانت المشكلة تتواجد في أن الكبار من الآباء والأمهات أصبحوا دائماً يعترضون على ما يظهره الشباب من تصرفات وسلوكيات على أرض الواقع. وأصبح هناك خطر حقيقي من الفروق الحادة في الرأي والفكر بين الشباب والكبار، وبخاصة في ما يتعلق بالمسقبل، والزواج، والعلاقات الاجتماعية والعلاقات الإنسانية.

والواجب هنا وفق الدكتور جابر أن يكون على الآباء والكبار معلمين وتربويين رعاية الشباب والاهتمام بهم والارتقاء بأفكارهم وآرائهم، وألا يدعوا المشاكل تقف حائلاً يعيق الطريق أمام أبنائهم، بل عليهم أن يواجهوا الأمور مواجهة علنية ومعرفة الأسباب الحقيقية والوقوف على حلها.

ولم تعد سلطة الأب على الإبن مستساغة اليوم ما لم تركز على القبول والاختيار الحر والرعاية والاهتمام والحب والعاطفة.

وينقسم الآباء إلى أقسام هي

-  آباء منفتحون وهم آباء يمكنهم فهم متطلبات الواقع الذي يعيش فيه أبناؤهم من دون الرجوع الى خطوات ماضية.

-  آباء منغلقون وهؤلاء مشكلة لأنهم يريدون أن يطبقوا طفولتهم على أبنائهم كلياً من دون النظر إلى الواقع ومتغيراته.

إذاً، القضية مؤطرة بين إطارين منفتح ومنغلق وكل واحد منهما قد يؤدي الى نتيجة إيجابية أو سلبية بحسب توجه الأسرة، والمحيط والآباء.

ويجب على الأهل متابعة قضايا مهمة عدة ينصح بها الكاتب:

-التغيّر الحاصل في الجسم مع مراعاة الحالات التي يمرق بها المراهق.

-التغيّر الحاصل في النفسية حيث يمر بحالة من التزمت.

-الإعجاب بالنفس حيث تصبح هناك حالة من الولع بالنفس.

- مرحلة النضج الجنسي.

-حب الاستقلال حيث من حق الأب أن يمنع إبنه من الأمور التي تضر حياته لكن من دون تعسف.

-فترة الانتماء والارتباط حيث تكبر الحاجة الى الجماعة والارتباط بها.

-الولاء لشخص يكبره خاصة الشخص الذي يحترمه كونه في هذه المرحلة بحاجة الى الشعور بالاحترام.

لذلك على الآباء أن يأخذوا في التعامل مع أبنائهم الأمور التالية:

-طريقة القدوة والهدف منها تحويل المنهج النظري الى منهج عملي.

-طريقة الوعظ والإرشاد من الأب الى الإبن.

-طريقة القصة عبر القصص القرآنية من أجل الوعظ والإرشاد.

-طريقة إلفات النظر الى النتائج والعواقب وتسمى بطريقة الأشباه والنظائر.

-التربية عن طريق خلق العادات الحسنة.

-طريقة الثواب والعقاب.

-طريقة الاستثمار الممنهج للوقت بشكل مدروس.

- طريقة المجادلة الحسنة من الآباء والأمهات عبر مناقشة واعية وهادفة.

 

المراهق وتداعيات الوقت

كل إنسان له حياته الخاصة، في كل ما يمارسه من أفعال وأقوال داخل بيئته المعاشة، وهي حق طبيعي من حقوقه، ولكن بشرط أن لا تؤدي هذه الأفعال والأقوال إلى التعدي على الآخر. من هنا نفهم تداعيات عمل الـ24 ساعة للمراهق التي يعيشها داخل الأسرة والمدرسة والعمل. ونجد أن لكل فرد من الأفراد واقعاً يحاكيه ويناغمه، ويجد وضعاً يبعده عن الآخر بموضوعيته أو لا موضوعيته.

وليس أخطر على الإنسان من أن يعيش في الحياة من دون أن يكون له هدف محدد يسعى إليه وفكرة واضحة يؤمن بها ويهتدي بضوئها. ومن هذه الأهداف التي يتعامل معها المراهق حتى ينهي يومه، بأنه يشعر برغبة في الاستقلال في تفكيره وما يعمله بعيداً عن الأسرة. غير أن البعض يسرف في التمسك برأيه والتعصب لمبدأ إلى درجة الهوس لذلك على الآباء أن ينظروا إلى الناشئين في هذه المرحلة نظرة عطف وفهم.

لذلك نجد الشباب هم أصحاب الصدور المتصدية للدفاع عن أي هجوم يمس بأمنهم وعرضهم ومالهم لأنهم هم الأقوى للتصدي إلى مثل هذه الأمور.

ويخلص الكاتب إلى أن المراهق في داخل الأسر الصالحة يختلف من ناحية النوم، فنومه منظم لأنه معتاد في الأسرة أن يكون منظّماً، على عكس المراهق داخل الأسر غير الصالحة إذ تجد أوقاته كلها مربكة.

ويخلص كذلك إلى أن دور المدرسة في منهجة فراغ الشباب يكون عن طريق النشاط الرياضي، والنشاط الكشفي، والنشاط الصحي، والنشاط الثقافي، والنشاط الفني والعلمي، والنشاط الاجتماعي.

كما أن الثورة المعلوماتية تتصل اتصالاً مباشراً في جوانب الحياة للمراهقين، بما يضعهم أمام تحدياً كبيراً وواقعياً، ويجب على المعنيين إعداد المراهقين وتسليحهم بقدرة حوارية تمكنهم من حسن تحديد الخيارات.

وكما هو معلوم أن الوالدين هما أكثر الناس مسايرة مع الأبناء في الحياة من لحظة الولادة حتى الزواج. وبما أن وضعنا الاجتماعي يحتم على الأب أن يكون أغلب الوقت خارج البيت كان يفترض على الأم أن تتابع سير الأحداث بدقة لأنها أكثر تواجداً داخل هذا النطاق.

وتكون المعالجات كالأتي وفق ما يصل اليه الدكتور حسين جابر الحلو:

-رصد المتغيرات الطارئة على المراهق، كالأسلوب في الحديث والتعامل مع الآخرين.

-ترتيب وقت تناول الطعام مع الأولاد، والحرص أن تكون الأسرة مجتمعة على طاولة واحدة.

- على الأبوين أن ينظما وقت الدراسة بتحديد وقت لدراسة أبنائهم، من خلال توفير جو ملائم قدر الإمكان.

-تنظيم وقت لمشاهدة التلفاز والتركيز على مواضيع محددة يشاهدها المراهق.

-على الأب اصطحاب ولده في أوقات الفراغ الى المساجد للصلاة، أو مجالس القرآن ومجالس الفكر والزيارات الاجتماعية، وكذلك بالنسبة للأم والبنات.

- إيجاد نقطة حوار بين الآباء اولأبناء فلا يتركون صراع الزمن يفوّت الفرصة في ذلك.