"معرض الدار البيضاء للكتاب والنشر": ثقافة بطعم السياسة

يشارك في معرض الدار البيضاء للكتاب والنشر في دورته هذا العام 120 ألف عنوان من مجالات مختلفة، فيما تم منع 30 عنواناً، بينها 28 كتاباً لا توجد فيها خريطة مكتملة للصحراء المغربية، وعنوانان فقط يدعوان إلى العنف والكراهية.

زوار "معرض الدار البيضاء للكتاب والنشر"
 

الدار البيضاء – عبد الفتاح نعوم الدار البيضاء- يأتي افتتاح الدورة الـ23 من المعرض الدولي للكتاب والنشر في الدار البيضاء هذا العام في سياق سياسي مميّز بالنسبة للمغرب، بحيث لا تزال البلاد تعيش فراغاً حكومياً، بسبب عجز حزب العدالة والتنمية عن تشكيل أغلبية حكومية منذ تصدره لنتائج انتخابات السابع من تشرين الأول - أكتوبر الماضي. هذا وقد تم انتخاب رئيس مجلس النواب من المعارضة السابقة، مدعوماً من الأحزاب المستبعدة من التحالف الحكومي المراد تشكيله، وذلك بسبب حاجة المغرب إلى المصادقة على القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي، بعدما قدم المغرب طلبه للعودة إليه، ليتمكن بعد ذلك من كسب أغلبية أصوات الدول الأعضاء في الاتحاد، والعودة إليه بعد غياب دام أكثر من الثلاثين سنة.

وفي ذات السياق تحل "المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا" ضيف شرف على هذه الدورة من معرض الكتاب، ولو أن حضورها بحسب متابعين كان "شكلياً" ولم يأخذ بعداً فعلياً، بحيث أن البرنامج الثقافي للمعرض هيمنت عليه الجوانب الأدبية، ولم يخصص حيزاً لمناقشة عودة المغرب إلى إفريقيا، كما لم تحتوِ أروقة الدول الإفريقية على إنتاجات ثقافية تُذكر، ما يعني، بحسب المصادر نفسها، أن تواجدها ضمن المعرض ليس سوى مواكبة لعودة المغرب إلى البيت الإفريقي.

معرض الكتاب واحد من أهم الأحداث الثقافية في المنطقة العربية، وبرغم إهمال برنامجه الثقافي للسياق السياسي المغربي الراهن، ولا سيّما ما يتعلق بـ"البلوكاج الحكومي" وبعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، إلا أن دردشات المثقفين والباحثين والمهتمين من زواره يطغى عليها ذلك الاهتمام. وفي هذا الصدد قال الصحافي والباحث المغربي إبراهيم الصافي في تصريح للميادين.نت بأن ثمة حالة "قطيعة بين السياسة والثقافة"، بسبب ترفع النخبة المثقفة على سريالية المشهد السياسي، والفشل في تحوّل السياسي إلى رجل دولة وصاحب رسالة، وليس مجرد طامع في السلطة.

"البلوكاج الحكومي" بحسب حسن الوزاني مدير مديرية الكتاب في وزارة الثقافة المغربية للميادين.نت، لا يتناسب مع البرنامج الثقافي لمعرض الكتاب، لأنه موضوع للتداول والتحليل السياسي والإعلامي، بعكس موضوع عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، الذي واكبته إدارة المعرض بتنظيم ثماني ندوات حول إفريقيا، وبمشاركة عشرين كاتباً حول الثقافة الإفريقية والأدب الإفريقي.

هذا وقد أثّر الفراغ الحكومي في المغرب بشكل كبير على حجم الإقبال على المعرض، بحسب رئيس تحرير مجلة "أدليس" الباحث المغربي أحمد الخنبوبي، في تصريح أدلى به للميادين.نت، إذ رأى أن غياب التنسيق بين وزارات التعليم والشباب والثقافة بسبب عدم تشكيل الحكومة حتى الساعة، قد أثّر على إمكانات تيسير حضور التلاميذ والطلبة والتنسيق بين الجامعات والمعرض، هذا بالرغم من أنه حتى في السنوات السابقة كان التنسيق المذكور متواضعاً، يضيف الخنبوبي.

ويشارك في المعرض نحو 702 عارض، يقدمون الكتب للبيع للعموم بأسعار لا يخفي الزبائن تذمرهم من غلائها، بالرغم من أنها خضعت لحسومات خاصة بالمعرض. وقد قال حسن الوزاني إن المعرض هذه السنة قد توفر على 120 ألف عنوان من مجالات مختلفة، احتلت فيها الكتب الدينية نسبة 8 فالمائة، والفلسفة 6 فالمائة، والآداب 24 في المائة. وهذه العناوين جميعها قد خضعت لمراقبة "لجنة الفحص" التي تقوم بعملها كل سنة، وتضم ممثلين عن وزارة الأوقاف والاتصال واتحاد الناشرين، وتحتكم إلى معايير مهنية صرفة، بحسب الوزاني. وأضاف "أن المنع قد طال هذه السنة 30 عنواناً، ضمنها 28 عنواناً لا توجد فيها خريطة مكتملة للصحراء المغربية، وعنوانان فقط يدعوان إلى العنف والكراهية".

وربطاً بالموضوع نفسه، علّق الباحث والصحافي المغربي إسماعيل حمودي في تصريح للميادين.نت قائلاً إن طبيعة الثقافة المجتمعية ورخص أسعار الكتب الدينية ووجود كتلة قارئة مؤطرة بفعل قوة التيار الإسلامي، هي الأسباب التي تجعل الكتب الدينية تحظى بإقبال كبير كل سنة. في حين اعتبر الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ورئيس تحرير مجلة "أفكار" منتصر حمادة في تصريح للميادين.نت "أن معرض الكتاب مؤشر على الاختراقات التي تعرض لها التدين المغربي، بل إن بعض أروقة المؤسسات الدينية كانت أشبه بأروقة طالبانية"، بحسب تعبيره.

الأستاذ في جامعة القاضي عياض بمراكش عبد الصمد بلكبير، سجّل في تصريح خص به الميادين.نت، ملاحظاته على المعرض لهذه الدورة، مبدياً استياءه، قائلاً إن "المعرض كل سنة يتراجع إلى الخلف أكثر". هذه الدورة بحسب بلكبير تعرف غياباً فعلياً لإفريقيا بالرغم من عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي. كما سُجّل الغياب المستمر لسوريا، بالرغم من كونها تتوفر على أهم الناشرين العرب، وفي دور النشر السورية نشر الكثير من المغاربة، كما يسجّل طغيان الكتاب المستعمل، وهيمنة الفرونكوفونية، بحسب بلكبير.

وعن طغيان الكتب الدينية والإقبال عليها، قال بلكبير إن ثمة هيمنة للكتاب التقليدي، سواء  التراثي منه، أو الديني المؤدلج والمغرض والرجعي. وأضاف أنه وبرغم ضعف حضور السعودية والكويت، إلا أن استمرار الظاهرة ناتج عن نشاط دور النشر الخاصة. والسبب في ذلك - بحسب بلكبير – "مركب ويجمع بين تقاعس المسؤولين في مراقبة المواد الدينية المؤدلجة والرجعية، وبين هيمنة المناخ الفكري الشعبوي والمتطرف في السياق العربي. فالدولة تدعّي هيكلة الحقل الديني، والمظاهر تؤشر إلى العكس، ومن بينها المعرض الدولي للكتاب". ويضيف بلكبير "أن المعرض إذا كان سيخدم أهدافاً غير وطنية وغير إنسانية وغير إسلامية فالأفضل أن لا يعاد تنظيمه".

 

عبدالفتاح نعوم كاتب وباحث مغربي.