ما بعد تحقيق الحلم الصهيوني

هوايتي المفضلة الكتب المستعملة، وغلاف رواية قديمة عنوانها "بعد الحلم" لـمايسي موسو (Maisie Mosco) تدور أحداثها في فلسطين المحتلة سنة 1988، في الذكرى الأربعين لإنشاء الكيان الإسرائيلي. ولكن الغلاف له الدلالة القصوى، المسجد الأقصى، قبة الصخرة كما هو العادة، مع امرأة شقراء جداً ورجل أسمر في الخلفية (كلاهما له عينان زرقاوان)، وصبار شائك يقف بينهما.

رواية "بعد الحلم" لـلروائية الإنجليزية مايسي موسو

الشقراء على غلاف الرواية، هي البطلة - كايت ستارلينغ - صحافية إنجليزية، في مهمة لصحيفتها إبان الاحتفالية الإسرائيلية بالذكرى. الصدفة تجمعها مع مخرج إسرائيلي بارز يدعى دوف غولدمان ويدعوها إلى الركوب معه وطاقمه الذين يقومون بإنتاج فيلم وثائقي، وتزداد شكوكها في أنشطة دوف مع مرور الوقت.

يتضح أنه زعيم حركة "سلام" سرية، على الرغم من أنه فقد زوجته وابنته في هجوم على مدرسة كيبوتس. ولكنه يقع في حبها، ويصر على أنها المرأة المناسبة له، يعرضها على أمه في كيبوتزه القديم. ولكن أعداء السلام من اليهود المتطرفين يطاردونه. يعبثون بسيارته وتقتل مساعدة دوف، أفيفا، ثم يخطفون دوف ويقتلونه. وتجد الشرطة جثته في مدينة أخرى مختلفة تماماً. وكان هذا يوم السبت. أي إن المتعصبين اليهود، الذين يفسّرون الدين بشكلٍ حرفي، مستعدون لعصيان الكتاب المقدس لنقل جسده بعيداً عن مكان الجريمة.

هذه جريمة منظمة، أكاد أقول مؤامرة، وليس عملية قتل عشوائي من يهودي متدين ومندفع أكثر من اللازم ـ كما حدث لإسحاق رابين؛ على افتراض أن هذا ما حدث لإسحاق رابين.

تقول الكاتبة إنه من كان يعتقد أن هذه الجريمة ممكنة في "واحة" الديمقراطية في المنطقة، إسرائيل، وهي جزء لا يتجزأ من العالم الغربي؟!

وفي مشهد آخر البطلة تتحاور مع مخنث وتكتشف أنه خارج العاصمة، تل أبيب، المتعصبون يملؤون البلاد ويتكاثرون مثل الأرانب، ولا يخدمون في الجيش، وأنهم لا يوافقون على السلوك "اللاأخلاقي" للمخنثين، وانهم مؤيدون لاستمرار حالة الحرب مع العرب. ومركز السلطة الحقيقي للمتعصبين هو القدس. إنها مغناطيس لليهود الدينيين في كل مكان في العالم الذين يذهبون الى هناك ليعيشوا حياتهم وفقاً للكتاب المقدس، ما لم يمكنهم فعله عندما كانوا في الخارج - لسبب ما. ففي تل أبيب، يمكنك طلب لحم الخنزير على البيتزا الخاصة بك!

تل أبيب والساحل رمز للحرية والانفتاح على العالم. وكي ترتدي المرأة لباس السباحة (بيكيني) على الشاطئ مع صديقاتها، كنية عن التحرر الديني. المرأة اليهودية التقليدية ترتدي الحجاب ويسمحون بالزواج دون السن القانونية.

 

النقد الغير بناء للمستقبل:

"بعد الحلم" رواية جيدة من منظور درامي بحت. المؤلفة تكشف أسرار الكيان الصهيني بأسلوب مشوّق ومسلي، ولكن الشخصية المركزية، كايت ستارلينغ، مرتبكة وأنانية، خانت زوجها في السر في الماضي، وتدخل في مواجهة مع أفيفا حول دوف تظهر فيها غيرة ومكر النساء. ودوف شخصية متعجرفة، من الصعب أن تحبه، ربما أعجب كيت لسبب ما لكنه لا يثير إعجابنا القراء، العرب أو الأجانب.

الكاتبة مايسي موسو من أصل يهودي ولكن بطلة الرواية إنجليزية إلى النخاع. هذه الموضوعية تعرض سراً آخر لنا. هناك إنفصام نفسي في الرواية. أفيفا، على سبيل المثال، ليست لطيفة، مسيطرة وغيورة، تتسم بالمكر والدهاء؛ سمات تلصق باليهود. موسو تعاني من عقدة نقص. هذه سمة من سمات الأدب اليهودي.

دوف له شبكة تدين له بالولاء، ويتتبع حركات كيت ويريد تجنيدها لتسوّق حركته في الخارج؛ هل هذا الحب الحقيقي أو المصلحة؟

كتب الأديب الشهيد الفلسطيني غسان كنفاني دراسة هائلة بعنوان "في الأدب الصهيوني" نشرت عام 1966، في محاولة لفهم العدو الإسرائيلي. هذه الرواية القديمة مهمة جداً لفهم ما يجري في إسرائيل. يقول كنفاني إن في الأدب الإسرائيلي هناك دائماً رجلاً صهيونياً يشرح للأجنبي عدالة قضيتهم، والأجنبي (عادة إمرأة) يوافق تماماً.

لقد سقطت الكاتبة موسو في نفس المأزق. لحسن الحظ هنا الأجنبية تقرر لنفسها بعد مسح ميداني. المشكلة هي أنها تحصل تقريباً على جميع المعلومات من الإسرائيليين، نقطة الضعف الأساسية في الرواية هو غياب المنظور الفلسطيني. "أنصار السلام" الإسرائيليون يتحدثون بالنيابة عنهم دائمًا؛ هل المؤلفة تخاف مما قد تجده؟ على أقل، تعترف الكاتبة أن الطعام الفلسطيني هو الأفضل.

موسو مخطئة في بعض النقاط أيضاً. هي تدعي أن الصاغة اليهود في القدس يصنعون أفضل الصلبان من الذهب للسياح المسيحيين، وهذا دليل على النفاق الديني في رأيها. الحقيقة أن الفلسطينيين لا يسمح لهم بالتعامل مع السياح، والصلبان الفلسطينية مصنوعة من خشب شجر الزيتون، وهي الأفضل - راجع مريد البرغوثي في رواية "رأيت رام الله" (2004).

العداء الغربي تجاه الدين يؤثّر على المؤلفة، وهذا يعني أيضاً أنها لا تستطيع أن تتخيل مستقبلاً من دون الدولة العلمانية. والحقيقة أن الديانات الثلاث تعايشت بسلام عبر القرون، قبل وصول التأثير الغربي.

يمكننا أن نضيف أيضاً أن الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وقطاع غزة، كان مشروعاً ليكودياً، الهدف منه خلق دوائر انتخابية لليمين المتطرف. الإمبريالية تؤدي حتماً إلى التطرف٬ فإنهم يجنون ما زرعوه وليس لهم الحق في الشكوى.

الدرس الآخر المستفاد من هذه الرواية تاريخي، وهو أن الصهيونية قد انهارت من الداخل قبل نهاية الحرب الباردة بكثير. العدو العربي هو الشيء الوحيد الذي يوحّد الإسرائيليين. إلى حدٍ ما، الإسرائيليون الليبراليون يخشون العمليات الفدائية الفلسطينية ولا يحبون اقتصاد الحرب.

تذكر أن اليهود الأرثوذكس في روسيا أرادوا أن يذهبوا إلى فلسطين، في حين أن اليهود العلمانيين - تحت قيادة ثيودور هرتزل - لم يحبوا فلسطين لأنها كانت حارة جداً وأراضيها ليست مناسبة للزراعة الأوروبية الحديثة. لقد اكتشفت هذا في كتاب إسرائيل والفكر الصهيوني (1958)، وهو ترجمة موجزة من كتابات جوزف هيلر ورافائيل باتاي وجاك مارولي.

وعليه، فإن قراءة الأدب الصهيوني والإسرائيلي ضرورة لفهم المجتمع الإسرائيلي وكشف خلفيات تفكير الصهاينة ومخططاتهم ضد العرب والمسلمين.