استغلال الغرب لفكرة حقوق الإنسان

إن مبدأ "التدخل الإنساني" لحماية حقوق الإنسان وضعها الغرب واستغلها لتبرير تدخلاته في الدول النامية بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة الاستبداد ونشر الديمقراطية.

كتاب "فكرة حقوق الإنسان" للباحث الأميركي تشارلز بيتز

يشمل مبدأ حقوق الإنسان المعاصر وفق الباحث تشارلز أز. بيتز على سلسلة من الإجراءات للحماية ضد النتائج الأخطر تدميراً الناجمة عن الفقر – سوء التغذية والعوز إلى الملبس والمأوى وكذا المرض والجهل.

ويعتقد البعض أن أفضل طريقة لفهم حقوق الإنسان هي فهمها كعامل حماية أو مستمدة من مصلحة أو قيمة أو وحدة أساسية. أما الفكرة المحورية في حقوق الإنسان الدولية هي أن الدولة مسؤولة عن الوفاء بشروط معينة عند تعاملها مع شعوبها.

لقد شكّل الحديث عن حقوق الإنسان ومدى تطبيقه عبر العالم مدار بحث وأخذ ورد من قبل الناس جميعاً، نظراً إلى سعي الأفراد دائماً للحصول على حقوقهم الإنسانية التي تبدأ منذ الحياة ولا تنتهي حتى مع الممات. ولما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.

ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، فقد تم إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكد أن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء.

ويعتبر "مبدأ حقوق الإنسان التعبير المحكم في الأخلاقيات العامة للسياسة العالمية عن الفكرة القائلة إن كل شخص هو موضوع اهتمام كوكبي، وليس مهماً الموقع الجغرافي للشخص أو الفصيل السياسي أو الفريق الاجتماعي الذي ينتمي إليه، إذ أن لكل شخص حقوق إنسانية وعليه مسؤولية وحماية احترام هذه الحقوق". هذا ما يقدمه بيتز آر. بيتز في كتاب "فكرة حقوق الإنسان".

وعلى ذلك يمكن أن يتسع هذا المبدأ ويمتد عبر الحدود السياسية والاجتماعية، وفق ما يقدمه بيتز، مشيراً إلى أن هناك عبارة لريتشارد رورتي الذي يقول "لقد أصبحت حقوق الإنسان واقعاً عالمياً بحيث بلغ مداها وتأثيرها حداً يثير الدهشة من صاغوا إطار المشروع الدولي لحقوق الإنسان".

ويرى بعض الفلاسفة -وفق بيتز- أن الحق ينبغي أن تتوافر له آلية من أجل إنفاذه ووضعه موضع التطبيق، يبد أن ممارسة حقوق الإنسان الدولية تفتقر بشكل فاضح إلى قدرة دائمة على فرض وإنفاذ الكثير من حقوق الإنسان المبينة في المعاهدات الكبرى.

يقدم الكاتب الذي يتحدث وفق رؤية تعالج فكرة الثورية وتحدياتها في ضوء المواثيق الدولية المعتبرة، أن "الفكرة المحورية في حقوق الإنسان الدولية هي أن الدولة مسؤولة عن الوفاء بشروط معينة عند تعاملها مع شعوبها، وأن حالات الفشل الفعلية أو المتوقعة عن تحقيق ذلك يمكن أن تبرّر شكلاً ما من العمل العلاجي أو الوقائي من جانب المجتمع العالمي أو من جانب من يقومون بهذا الدور. ونجد هذه الفكرة متضمنة في بنود ومواد حقوق الإنسان الواردة في ميثاق الأمم المتحدة الذي يوضح على نحو ما بيّنت إحدى محاكم الولايات المتحدة: إن "معاملة أي دولة مع مواطنيها بمقتضى هذا العصر الحديث هي شأن دولي".

لا شك أن هذه الفكرة وضعها الغرب واستغلها لتبرير تدخلاته في الدول النامية بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة الاستبداد ونشر الديمقراطية، كما رأينا في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا وغيرها.

أصول نشأة حقوق الإنسان

يُرجع الكاتب تاريخ الممارسة الحديثة لحقوق الإنسان إلى الفترة التي وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وتم إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948. لكن فكرتها المحورية لها تاريخ طويل داخل المنظومة الدولية. ونجد سلفاً لها، وإن لم تكن الفكرة نفسها، متمثلة في معاهدة وستفاليا للسلم (1648) والتي تعود أهميتها التاريخية إلى أنها أرست أساس المنظومة الحديثة للدول الأوروبية ضمن البنود التي حدت من الحقوق السياسية للإمارات الألمانية عن طريق ضمان جمعي للتسامح الديني.

وثمة فكرة مماثلة في الحركة المناهضة للعبودية أواخر القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وفي سلسلة عمليات تدخل الدول العظمى في شؤون الإمبراطورية العثمانية لحماية الأقليات الدينية أواخر القرن التاسع عشر. وأقر كونغرلس برلين في العام 1878 مبدأ الحرية الدينية أواخر القرن التاسع عشر. وقد أسقط العهد الدولي لعصبة الأمم وبطريقة لافتة أي إشارة إلى حقوق الإنسان. وتأسس في باريس عام 1922 الاتحاد الدولي لقوانين الدفاع عن الإنسان. والجدير بالذكر أنه حتى قبل دخول والولايات المتحدة الأميركية الحرب أكد فرانكلين روزفلت في خطابه عن حالة الاتحاد عام 1941 على أهمية الحريات الأربعة (التعبير، العبادة، التحرر من العوز ومن الخوق)، وقارن بين سمو وسيادة حقوق الإنسان في كل مكان والسلم والأمن".

ولم يغفل الكاتب دور الأمم المتحدة حيث أضيفت في ميثاق الأمم المتحدة إشارات إلى حقوق الإنسان، خلال عملية الصياغة في فترة لاحقة تلزم المنظمة والدول الأعضاء فيها بالتعاون من أجل تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وفي مؤتمر فرنسيسكو تم العمل من أجل إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. ويبدأ الإعلان بديباجة تشير إلى الكرامة الأصلية للبشر باعتبارها أحد حقوق الإنسان. وتشير إلى أن "إغفال وازدراء حقوق الإنسان أسفرتا عن وقوع أحداث وحشية"، يمكن تجنبها مستقبلاً إذا ما أمكن حماية حقوق الإنسان بالقانون.

ويوضح بيتز أن الحقوق الواردة في الإعلان العالمي، وكذا المعاهدات التي تمثل القلب، تتألف من ضمانات لمجموعة متنوعة من الاهتمامات البشرية والتي تؤثر متطلباتها على أوجه كثيرة من البنية السياسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع.

وحقوق الإنسان ليست في حالة ثابتة ساكنة، بل دائماً ما تكون قابلة للتطور ومفتوحة على مروحة واسعة من المكتسبات الجديدة، و"إعلان العام 1948 هو البذرة الأولى، لكن لا هو، ولا العهود الدولية، يصنعان حدوداً لمدى ومحتوى حقوق الإنسان. كذلك فإن الاتفاقيات المعنية بالتمييز العنصري، والتمييز ضد المرأة، وحقوق الطفل بخاصة تمثل توسعاً موضوعياً لضمانات حقوق الإنسان". فالاتفاقية المعنية بالتمييز العنصري تطالب الحكومات بحظر ومعاقبة مظاهر التعبير العام عن "أفكار مؤسسة على التفوق العرقي أو الكراهية العرقية، وتؤكد إتفاقية المرأة على تعديل انماط السلوك الاجتماعي، فيما تؤكد اتفاقية الطفل أن التفكير الأولي، في السياسات العامة التي تؤثر في الأطفال، ينبغي أن يستهدف أفضل مصالح الطفل. وتوضح هذه المواد التوسع الموضوعي لمبدأ حقوق الإنسان واتساع مداها".

ويرى بيتز أن حقوق الإنسان تحظى بأهمية عملية، "ذلك لأن فشل أو خطر فشل حكومة ما في الوفاء بمتطلباتها يمثل سبباً لاتخاذ إجراء علاجي أو وقائي، ويكون ذلك أولاً داخل المجتمعات كل على حدا، وثانياً خارج نطاقها. وتمثل حقوق الإنسان معايير لحكومات الدول التي يكون خرقها للحقوق موضوع اهتمام دولي، وعليه تصبح مسألة التنفيذ هي كيف يجري التعبير عن الاهتمام الدولي".

ويعتبر الكاتب أن مبدأ حقوق الإنسان يحمّل الحكومات المحلية المسؤوليات الأساسية بشأن الالتزام، وهذه ليست قاصرة على مسؤولية الوفاء بحقوق الإنسان، حين يتطلب مادة تؤكد ذلك صراحة، ويتعين تجنّب خرقها حين يستلزم ذلك الامتناع عن اتخاذ إجراء ما. ويعتبر الفرض القسري، الشكل الأكثر حدة وإثارة لتنفيذ حقوق الإنسان عن طريق إجراء خارجي هو التدخل مع استخدام وسائل إكراه قسري، ويمكن أن تتراوح هذه ما بين عقوبات وصولاً إلى تدخل إنساني مستخدماً القوة المسلحة.

وحقوق الإنسان هي ممارسة لمواضيع طارئة عدة ومؤلفة من مجموعة من المعايير تهدف إلى تنظيم سلوك الحكومات ونطاق الأعمال التي تشارك فيها عناصر متباينة، وتجد الأسباب المبررة لذلك ماثلة في فشل الحكومة في الاستجابة لهذه المعايير.

جون رولس وحقوق الإنسان

الفيلسوف الأميركي جون رولس

يعرض الكاتب رأي الفيلسوف جون رولس عن حقوق الإنسان في كتابه "قانون الشعوب"، مع الإشارة إلى أنه لا يدعم هذا الرأي ولكن يعتقد أن أسلوب رولس مفيد في فهم حقوق الإنسان.

يعرض رولس رؤيته عن حقوق الإنسان باعتبارها أحد عناصر فهم أرحب للعقل العام الذي جرّب صياغته لمجتمع دولي مؤلف من شعوب ليبرالية – ديمقراطية مهذبة، وانتظمت سياسياً في صورة دول. وتميزت الشعوب المهذبة جزئياً بأن توافر لديها مفهوم عن العدالة الذي يجسد، وإن لم يكن ليبرالياً، فكرة الصالح المشترك.

ويعتبر رولس عنصر العقل العام في هذا الفهم ضرورياً ولا غنى عنه، وليس مجتمع شعوب مجرد تجمع من دول سياسية بينها علاقات متبادلة قوامها التفاهم على أساس المصلحة الذاتية. إذ يعتقد رولس أن الشعوب الليبرالية المهذبة عليها واجب السلوك المهذب الذي يستلزم منها أن تقدم للشعوب الأخرى أسباباً عامة ملائمة لمجتمع الشعوب لأداء عملها.

ويمكن تلخيص النقاط الجوهرية في نظرة رولس إلى حقوق الإنسان بحسب ما يشير إليه بيتز في أربع نقاط رئيسية هي:

  • حقوق الإنسان هي فئة خاصة من حقوق ملحة وعاجلة. وانتهاك هذه الحقوق تدينه على قدم المساواة كل من الشعوب الليبرالية ذات العقل الراجح والشعوب المهذبة في وضعها التراتبي.
  • حقوق الإنسان بالمعنى الصحيح والدقيق، لا تتضمن القائمة الكاملة للحقوق الواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. مثال ذلك، أن قائمة رولس لا تشتمل على حرية التعبير والاجتماع.
  • قد يشتمل العالم على مجتمعات لا تعترف بالقانون، لا هي ليبرالية ولا هي مهذبة.
  • تتحدد الأهمية السياسية لحقوق الإنسان في ضوء دورها الخاص في العقل العام لمجتمع الشعوب.

إن أي فهم أو تصور ذهني للجانب التطبيقي لحقوق الإنسان يجب أن يرتكز على بناء نموذج يكون مستخلصاً من الجزئيات بهدف أن يصف في عبارات عامة أدوار حقوق الإنسان في الخطاب المعياري العام للسياسات الكوكبية. إن حقوق الإنسان، هي ظاهرة اجتماعية يعتمد معناها على طريقة التعامل بها من قبل كثيرين من المشاركين فيها.

ويشتمل النموذج الذي يتحدث عنه بيتز على ثلاثة عناصر:

  • حقوق الإنسان متطلبات أساسية هدفها حماية المصالح الفردية العاجلة ضد أخطار معينة متوقعة والتي تكون عرضة لها في ظروف طبيعية للحياة في نظام علني معاصر مؤلف من دول.
  • تنطبق حقوق الإنسان أول ما تنطبق على المؤسسات السياسية للدول، بما في ذلك دساتيرها وقوانينها وسياساتها العامة.
  • حقوق الإنسان هي موضوعات تهم الشأن الدولي، وإخفاق الحكومة في إنجاز مسؤولياتها من المستوى الأول قد يكون سبباً لعمل قوى خارج الدولة تحتل مكاناً ملائماً وتتمتع بالقدرة.

يعتبر بيتز أن حقوق الإنسان تمثل حمايات مؤسسية ضد أخطار معيارية تتهدد مصالح ملحة وعاجلة. والخطر المعياري هو خطر يمكن التنبؤ به عقلاً في ظل الظروف الاجتماعية حيث الحق المستهدف يجري تطبيقه. والحقوق الواردة في المبدأ الدولي ليست في الجانب الأعظم منها مفهومة على أحسن وجه باعتبارها عوامل حماية غير مقيدة أو شاملة للمصالح الملحة العاجلة. مثال ذلك أن ليس معقولاً في ظاهر الأمر اعتبار حق الحياة حماية للمصلحة في الأمن البدني ضد جميع الأخطار التي يمكن تصورها، ونجد بالمثل أن الحق في الرعاية الصحية ليس حماية للمصلحة في التمتع ضد الأخطار.

وبالتالي يرى الكاتب أن إنتهاك حقوق معينة للإنسان قد توفر أسباباً قطعية لاتخاذ إجراء عملي، أو ربما تهيء أسباباً قوية جداً، ونعرف أن الأخطار، التي تستهدف حقوق الإنسان الواردة في المبدأ الدولي الراهن الحماية منها، إنما هي أخطار تتباين من حيث الإلحاح والعجلة، لذلك ينبغي أن نتوقع، وهو ما يجيزه النموذج، أن تؤدي هذه الأخطار إلى ظهور أسباب لاتخاذ إجراء عملي متباين القوة والشدة.

وتمثل حقوق الإنسان وفق بيتز معايير لأعراف اجتماعية محلية، ويعتبر الوفاء بها وتحققها أمراً له أهمية دولية. وجدير بالذكر أن الممارسة العملية لحقوق الإنسان كما تطورت حتى الآن لا يمكن فهمها إلا باعتبارها تعديلاً يستهدف مراجعة وتنقيح نظام عالمي لدول إقليمية مستقلة.

وحيث أن حقوق الإنسان من شأنها، حسبما هو مفترض، أن تهيئ أسباباً للإجراء المحتمل بالنسبة إلى القوى الفاعلة التي من خارج المجتمعات التي واجهت انتهاكاً لهذه الحقوق. ويعتقد البعض أن أفضل طريقة لفهم حقوق الإنسان هي فهمها كعامل حماية أو مستمدة من مصلحة أو قيمة أو وحدة أساسية.

ويستطرد الكاتب بالقول "نعرف تاريخياً أن الفكرة القائلة بأن التسامح قيمة في العلاقات الدولية إنما انبثقت كتطبيق للنظير المحلي. مثال ذلك، وفي أكثر الصياغات الحديثة تأثيراً، أن فاتل يؤمن بأن كل دولة هي شخص أخلاقي لديه فهم وإرادة خاصة بذاتها. إن الأمم شأن الأفراد في حالة الطبيعية، أمم حرة ومستقلة. لذلك فإن كلا منها ينبغي أن ندعها للاستمتاع السلمي بتلك الحرية الخاصة بها بحكم الطبيعة، وبالتالي فإن لكل أمة "الحق في أن تحكم نفسها على النحو الذي تراه صحيحاً.. وليس لدولة أجنبية أن تستعلم عن قواعد السيادة ولا أن تنصّب نفسها قاضياً يحكم على سلوكها".

ويضيف بيتز أنه "يصدق شرط التسامح على العلاقات بين المجتمعات الليبرالية والمجتمعات حسنة التصرف. إذ لا التزام بالتسامح مع المجتمعات التي لا هي ليبرالية ولا هي حنسة التصرف. والمجتمعات المسالمة ربما تكون أميل إلى استحداث ثقافات سياسية ليبرالية إذا ما صادفت تسامحاً وقبولاً من المجتمعات الليبرالية بدلاً من تعرضها لضغوط قسرية، فضلاً عن أن الموارد الدولية المتاحة للإجراء السياسي الإنساني أو الموجه إلى الإصلاح تكون على الأرجح موارد محدودة. ومن ثم ينبغي تركيزها على أسوأ صور المظالم. ولكن المجتمعات المسالمة لا تكشف عن أسوأ أشكال المظالم".

ويشمل مبدأ حقوق الإنسان المعاصر على سلسلة من الإجراءات للحماية ضد النتائج الأخطر تدميراً الناجمة عن الفقر – سوء التغذية، العوز إلى الملبس والمأوى وكذا المرض والجهل. ولنا يسمي بيتز الإهتمامات المتعلقة بهذه الحماية "اهتمامات الكفاف". وتتصف هذه الحقوق بالعديد من القسمات الوضحة، فهي تحدد معايير غير قابلة للمقارنة لمعنى الرفاه، ويتعين أن يكون بالإمكان تحديدها عند استيفائها في حالة أي شخص من دون الحاجة إلى الإشارة إلى موقف أي شخص آخر. وفي هذه الحالة تختلف حقوق مناهضة الفقر عن حقوق إنسانية أخرى متباينة تقضي بالمساواة كقيمة ماثلة مباشرة في مبدأ حقوق الإنسان. مثال ذلك حقوق الحماية المشتركة من قبل القانون، والحق المتساوي في الاقتراع، والحق المتساوي للوصول إلى المناصب العامة وتحدد في المقابل حقوق مناهضة الفقر. وتحدد الحقوق للفقر أهدافاً للسياسة بينما تترك اختيار الوسائل لتحديدها محلياً.

أما في ما يتعلق بالحقوق السياسية، فإن بنود الإعلان العالمي بشأن المؤسسات السياسية في الدول وكذا البنود الموازية لها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية صيغت بحيث تكون متسقة مع المنظومات الانتخابية اللاتنافسية (أي حزب واحد) والتنافسية. وربما بدت ذات مرة ملتبسة للغاية بحيث لا تفرض أي قيود ذات قيمة. لكن مع نهاية الحرب الباردة بدأت تروّج فكرة أن القانون الدولي يتضمن حقاً الحكومة الديمقراطية. ويتوافر الآن نمط للعمل الدولي يستهدف تشجيع ظهور ودعم استحداث حركات ونظم ديمقراطية وحماية الحكومات الديمقراطية المستقرة ضد الأخطار الداخلية.

تبرير التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان

ومن ناحية أخرى، يقول بيتز إن قانون معاهدة حقوق الإنسان تطور موضوعياً منذ 1948 بشكل أكبر بالنسبة إلى حقوق المرأة أكثر من أي مجال آخر فيما عدا، على الأرجح، حقوق الطفل. ولقد تناول المبدأ والعهود الدولية وضع المرأة في بضع فقرات فقط، وحقوق المرأة والرجل على قدم المساواة، وكذلك البنود التي تكفل حرية اختيار شريك الحياة، والحقوق المتساوية في الزواج، والمساعدة الخاصة للأمومة.

ويختم الكاتب أن "حقوق الإنسان هي المعايير المتكاملة في اتساق الممارسة الكوكبية، هدفها حماية الأفراد ضد الأخطار التي تتهدد أهم مصالحهم الناجمة عن تصرفات أو إهمال حكوماتهم بما في ذلك الفشل في تنظيم سلوك القوى الأخرى، وهدف هذه الممارسة هو السعي إلى إنجاز هذه الغاية عن طريق وضع هذه الجوانب من السلوك المحلي للحكومات ضمن نطاق الاهتمام الدولي الشرعي. ويمكن وصف حقوق الإنسان في ضوء هذا بأنها ملحق مكمل ومصحح لنظام سياسي عالمي مؤلف من دول مستقلة، أما الممارسة فهي حدث طارئ".

يرى الكاتب أن الدولة مسؤولة عن الوفاء بشروط معينة عند تعاملها مع شعوبها، وهو ما تضمنه ميثاق الأمم المتحدة، علماً أن كثيراً من الدول لا تفي بالتزاماتها بحماية حقوق الإنسان في بلدانها أو تطبيقه ولو بأقل المعايير.

يقول بيتز: "نحن الآن نفهم حقوق الإنسان على نحو أفضل باعتبارها عامة شاملة وليست تعبيراً لحظياً عن هذه الفكرة أو تلك حال تلقينا إياها. إن حقوق الإنسان هي المعايير المتكاملة في اتساق للممارسة الكوكبية. هدفها حماية الأفراد ضد الأخطار التي تتهدد أهم مصالحهم الناجمة عن تصرفات أو إهمال حكوماتهم (بما في ذلك الفشل في تنظيم سلوك القوى الأخرى)."

لقد دافع بيتز عن فكرته الأساسية حول حقوق الإنسان الدولية بتبرير "مبدأ التدخل الإنساني" الذي يجبر أي دولة على تعزيز حقوق الإنسان بالقوة. لكنه أغفل الدور الكبير الذي تقع على عاتق الفرد للمطالبة بحقوقه، فضلاً عن أن الدول التي تدعي حماية حقوق الإنسان تنتهكها أيضاً ولا تعزز الحقوق ولا سيما ما يتعلق بمنع الفقر.

يذكر أن الكاتب تشارلز أز. بيتز هو خريج جامعة برنستون الأميركية والأستاذ في جامعات أميركية أخرى.