عن الخصخصة ودورها في تحريك الاقتصاد

ينبغي للحكومات خلال وضعها للشراكة مع القطاع الخاص تقويم المشاكل التي يجب مواجهتها ودور القطاع الخاص في حل هذه المشاكل ملخص التحديات المالية المستمرة التي تواجه دول الغرب والأسواق الناشئة تشير إلى أن برامج الخصخصة ستبقى القضة المركزية للتمويل ومحاولة إنعاش الاقتصاد العالمي

كتاب "الخصخصة: تاريخها ودورها في تحريك الاقتصاد العالمي" للكاتبة غريتا صعب

منذ أكثر من ثلاثة عقود أخذت الدول تعتمد مبدأ الخصخصة لبناء اقتصادها وتسيير أعمالها عازفةً بذلك عن شركاتها العامة ما عدا القليل منها، ولطالما كانت هذه الطريقة الاقتصادية محل أخذ ورد بين الخبراء والباحثين الاقتصاديين والسياسيين في أكثر من دولة حول العالم.

والخصخصة بحسب ما تعرّفها الدكتورة غريتا صعب في كتابها "الخصخصة تاريخها ودورها في تحريك الاقتصاد العالمي"، هي عملية نقل الملكية العامة إلى الملكية الخاصة ونقل إدارة الخدمة أو النشاط من الحكومة إلى القطاع الخاص. وهي يمكن أن تكون جزئية أو كاملة. وهناك وفق ما تشير صعب طيف من التعاريف للأدبيات المتعلقة بالخصخصة، كأن يقال إنها إشراك القطاع الخاص في تقديم الخدمات التي تقع عادةً تحت مسؤولية القطاع العام، أو تحويل إنتاج السلع والخدمات من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة، أو استعمال الخاص في إدارة المؤسسات المملوكة من الدولة.

وتشير صعب المتحمسة للخصخصة إلى أنه "قد يكون ضعف أداء الشركات المملوكة من الدولة وكثرة تكاليفها أحد أهم الأسباب لعملية الخصخصة، وخاصة من جهة الحوافز ومشاكل التعاقد لأن أهداف المسؤولين في القطاع الخاص تختلف عنها في القطاع العام، حيث في القطاع العام لا يخضعون للمراقبة نفسها ولا هم معرضون للإفلاس مثل القطاع الخاص كون الدولة هي العامل الضامن لهم. وقد ساهمت الخصخصة في تقليص دور القطاع العام في عدد من الدول. فعلى سبيل المثال تمكنت المكسيك بين العامين 1984 و1990 من خصخصة أكثر من 20% من مجموع أصول الشركات المملوكة من الدولة في قطاعات مختلفة".

وللخصخصة إيجابيات عدة في إدارة موارد الدولة، فقد ساعدت وفق ما تقول صعب، إلى حد بعيد، في تفعيل الأسواق المالية في بعض الدول النامية، حيث بلغ عدد الشركات 700 في العام 1991، وتنامى ليصبح 1100 في العام 2003. وكان للخصخصة فؤائد جمة على المنافسة والمناخات الاستثمارية والتجارة. وكانت العائدات من جراء الخصخصة كبيرة، وساهمت إلى حد بعيد بتخفيف العبء المالي عن الشركات المملوكة من الدولة، وزادت في مداخيل الدولة من الضرائب.

وتوجد أربعة أهداف أساسية لمشاريع الخصخصة:

  • تأمين الكفاءة الإنتاجية.
  • تقوية دور القطاع الخاص في الاقتصاد.
  • تحسين الوضع المالي في القطاع العام.
  • تجيير الطاقات في الدولة لاستخدامها في قطاعات أخرى.

ويستوجب تطبيق سياسة الخصخصة تطبيق عدد من السياسات الاقتصادية التي تساعد على إنجاحها، ولا سيّما السياسات النقدية والمالية، التي تعد من أهم العمليات التي يجب إنجازها، ومن أهم هذه السياسات:

  • تحرير الاقتصاد والاعتماد على آليات السوق، وذلك من خلال تحرير الأسعار وتقليص الدعم وترك الحرية لقوى السوق، ما يساعد على إعادة توجيه العمال وفتح أبواب العمل.
  • تحرير سعر الصفر.
  • تحرير أسعار الفوائد.
  • تطوير الأسواق المالية.
  • إصلاح النظام الضريبي.
  • تحرير القطاع الخارجي.

وتساهم هذه الشروط إلى حد بعيد في تسهيل عملية الخصخصة وتمكن الدولة من قطف عائداتها بشكل يعود بالنفع عليها وعلى الشركات المخصخصة.

 

ما هي طرائق الخصخصة؟

لا شك أن للخصخصة كعملية اقتصادية طرائق عدة، تختلف تبعاً للأولوية المحددة من قبل الدولة لهذه العملية. ولا توجد استراتيجية واحدة تتبع في مختلف الظروف، وما قد يكون مناسباً لأهداف معينة يمكن أن يكون غير مناسب لأهداف أخرى. على سبيل المثال، إذا أرادت الدولة تحسين أداء الشركات ورفع مستواها وإبراز كفاءتها قد تلجأ إلى بيع نسبة كبيرة من هذه الشركات لمستثمر استراتيجي، ولا فرق إذا كان هذا المستثمر محلياً أو أجنبياً.

أما الطرائق الأكثر أهمية للخصخصة فهي:

1 – عقد الإدارة: وهو اتفاق يتم من خلاله تحويل حقوق التشغيل من القطاع العام إلى القطاع الخاص. بمعنى آخر، هو تعاقد مؤسسة عامة مع شركة خاصة لإدارة هذه المؤسسة. وغالباً ما تستخدم هذه الطريقة في تنشيط شركات خاسرة عبر إدخال القطاع الخاص إليها. وتبقى الدولة أو المؤسسة العامة مسؤولة عن نفقات التشغيل والاستثمار، بينما تحصل الشركة الخاصة على رسوم في مقابل خدماتها. وقد اتبعت دول كثيرة هذه العملية التي بيّنت تجربتها نجاحها في العديد من القطاعات.

2 – التأجير: هو عقد تمنح بموجبه الدولة أو القطاع العام شركة خاصة حق استخدام الأصول والاحتفاظ بالأرباح في مقابل دفع ايجار. وغالباً ما تتراوح فترة التأجير بين ست وعشر سنوات. علماً أن الدولة في هذه الحال تبقى مسؤولة عن الايجارات الثابتة بينما تتحمل الشركة الخاصة المخاطر التجارية.

3 – الامتياز: يتضمن عقد الامتياز كل مواصفات التأجير وشروطه. ويتحمل صاحب الامتياز المسؤولية الشاملة عن الخدمات بما في ذلك عملية الصيانة والإدارة، فضلاً عن الاستثمارات الرأسمالية طوال فترة الإمتياز. وتعود الأصول إلى القطاع العام عند انتهاء المدة الزمنية المحددة للإمتياز والتي قد تتراوح بين 25 و30 سنة. ومن فوائد هذا النوع من العقود أنه يخفف عن الدولة بعض الأعباء المالية المتأتية من إدارة المشروع. وهناك أنواع عدة من العقود منها ما يعرف بالـ BOT (بناء، تشغيل، تحويل) الذي يستعمل عادة لتطوير مشاريع جديدة في البنية التحتية. ومن هذه العقود ما يعرف بالـBOOT  (بناء – تملك – تشغيل – تحويل)، وتمتد فترته إلى 25 عاماً، وغالباً ما تتعاطى مع مشاريع مثل تشجيع الاستثمار الخاص، ضد رأسمال أجنبي في البلاد ونقل التكنولوجيا والدراية الفنية.

4 – البيع المباشر: تعتبر طريقة البيع المباشر من أكثر الطرائق استخداماً في الخصخصة، وتتخذ اشكالاً عدة، منها طلب عروض مزاد علني أو وجود مستثمر استراتيجي. أما العنصر المشترك بين هذه الأشكال فهو عدم وجود وسيط بين الدولة والمشتري. وأهم ميزات هذه الطريقة أنها واضحة على مستوى عالٍ من الشفافية، علماً أنها بطيئة، وقد تتضمن فترة زمنية ليست بالقصيرة، وتترتب عليها نفقات إدارية مرتفعة.

ويمكن الإشارة إلى أن حكومة كونراد أدانور التي تسلمت الحكم في جمهورية ألمانيا الفدرالية سنة 1957، كانت السباقة في هذا المجال. ففي سنة 1961 تم إنجاز أحد أهم مشاريع الخصخصة، حيث بيعت معظم أسهم شركة فولكسفاكن، ولحقتها، بعد أربع سنوات عملية مماثلة لشركة فيبا. وكانت خطوة حكومة مارغرت تاتشر في بريطانيا الأكثر أهمية عالميًا من خلال خصخصة شركة "بريتيش تيليكوم". وقد يكون نجاح خصخصة قطاع الاتصالات في بريطانيا عام 1984 وراء اعتماد الخصخصة كأسس للسياسة الاقتصادية في المملكة المتحدة. وهكذا فعلت حكومة جاك شيراك التي أتت إلى الحكم عام 1988. تبعتها في العام 1993 حكومة إدوار بالادور الذي قام بعملية خصخصة واسعة النطاق، وقد أكملت في السياق نفسه حكومة جوسبان، حيث قام الاشتراكيون بخصخصة شركة "فرانس تيليكوم" سنة 1997. وعند انهيار النظام الشيوعي، قام العديد من دول أوروبا الشرقية والوسطى بعمليات خصخصة.

وشهدت أواسط العقد 1990 – 2000 تنامياً في عمليات الخصخصة في دول أوروبا، ولا سيما في إيطاليا وفرنسا، حيث تتم خصخصة عمالقة الاقتصاد مثل "إير فرانس" و"كريدي ليوني".

 وتبيّن الباحثة في كتابها أن وتيرة الخصخصة في روسيا أعلى بكثير منها في بلدان أخرى من المنظومة الاشتراكية. ففي غضون سنتين أي بين العامين 1992 و1994، خُصخصت الأغلبية من الشركات (80%)، وبحلول العام 1995 بلغت هذه النسبة (90%)، أما المرحلة الثانية من الخصخصة فقد تمت عام 1996، علماً أن الدولة عجزت عن تجميع أو تحصيل إيرادات كافية من هذه العملية.

أما في الشرق الأوسط، فقد تمكنت مصر مطلع العام 1993 من خصخصة 119 شركة من أصل 314 شركة تملكها الدولة. وهذه الخصخصة بعضها كان كلياً والبعض الآخر جزئياً، وكان معظمها في الصناعات التحويلية. وإذا ما تم قياس الإيرادات السنوية للخصخصة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي يتبين أن مصر تحتل المرحلة الرابعة دولياً. وقد نتج عن ذلك توسع في حركة الأسواق المالية، وزاد حجم التبادل في البورصة.

وتستخلص الدكتورة صعب من فوائد الخصخصة الاستنتاجات الرئيسية:

ـ ينبغي تسجيل عائدات الخصخصة على أساس إجمالي.

ـ ينبغي تسجيل تكاليف إعادة الهيكلة وشطب ديون القطاع العام كإنفاق ممول من إجمالي حصيلة البيع.

ـ ينبغي عدم إيداع حصيلة الخصخصة خارج الموازنة، فهذا يؤدي إلى انعدام الشفافية ومحدودية في الرقابة.

ـ ينبغي اعتبار عائدات الخصخصة بند تمويل ضمن الحسابات المالية. أما الاستخدامات الشائعة لعائدات الخصخصة فتختصر بالتالي:

1 – زيادة في النفقات: تعتبر إيرادات الخصخصة مؤقتة وغير مؤكدة، لذلك لا يمكن الاعتماد عليها في زيادة الإنفاق المالي.

2 – انخفاض صافي الدين وإمكان تحقيق هذا الانخفاض عن طريق تسوية المتأخرات وغيرها.

3- تحقيق مكاسب في الكفاءة الاقتصادية، وخاصة أن المؤسسات العامة غالباً ما تتخلف في الأداء الاقتصادي.

4 – تمويل العجز المالي من حصيلة الخصخصة، ولا سيما عندما تواجه الحكومات معوقات خطيرة من ناحية التمويل والسيولة.

لذلك توضح الكاتبة أن "عملية الخصخصة منتشرة جغرافياً، إذ تمت خصخصة ما يقارب 8500 شركة مملوكة للدولة في 90 بلداً (2000 شركة منها تقع في الدول التي تقترض من البنك الدولي). وفي عام 2008 أجرت ما يقارب 32 دولة نامية حوالي 196 عملية خصخصة، بما قيمته 38 مليار دولار".

وقد يجد الباحثون صعوبة في التمييز بين آثار الخصخصة الاقتصادية والتغيّرات المتزامنة معها في بيئة الاقتصاد الكلي. وقد تكون الدراسات في هذا الشأن نادرة، ولا سيما في ما يتعلق بآثار برامج التحول إلى القطاع الخاص على الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات النمو وتوزيع الدخل، وكذلك على مستوى العمالة. ولا يوجد دليل يذكر على تأثير الخصخصة على مستوى الدخل والنمو، وخاصة بسبب صعوبة التمييز بين آثار الخصخصة والإصلاح الاقتصادي.

تقول الباحثة إن التحديات المالية المستمرة التي تواجه دول الغرب والأسواق الناشئة على السواء تشير إلى أن برامج الخصخصة سوف تبقى القضة المركزية الأولى للتمويل ومحاولة إنعاش الاقتصاد العالمي للسنوات المقبلة، ولا سيما أن معظم الدول الأوروبية بالتحديد، مثقلة بالديون وتعاني من انخفاض النمو، ولديها عدد قليل من الخيارات لتأمين الموارد الأخرى عبر تصفية ما تبقى عندها من الشركات المملوكة من الدولة.

وبحسب تقارير البنك الدولي رصدت أكثر من 8300 عملية تحوّل من القطاع العام إلى القطاع الخاص في ما يقارب 105 دول ما بين العامين 1988 و1999.

وتورد الكاتبة الاستنتاجات الرئيسية بشأن عائدات الخصخصة:

1 – وضع عائدات الخصخصة خارج الموازنة يمكن أن يؤدي إلى سيطرة محدودة على هذه العائدات وانعدام الشفافية في استخدامها.

2 – الأموال الخارجة عن الموازنة ينبغي أن تنظم مع حسابات مدققة ومعلنة ورهناً بالرقابة البرلمانية.

3 – يجب أن تدوّن عائدات الخصخصة بشفافية وعلى أساس إجمالي، علما أن تكاليف إعادة الهيكلة وإعادة الرسملة وشطب ديون المؤسسات العامة يجب أن تقيّد ضمن النفقات الإجمالية الممولة من عائدات البيع.

4 – ينبغي اعتبار عائدات الخصخصة بند تمويل في الحسابات المالية.

5 – ينبغي وضع آليات لضمان حصول الحكومة على دخل مستدام من خصخصة المشاريع كلما أمكن ذلك.

6 – ينبغي وضع إجراءات لضمان حصول الحكومة على عائد ملائم من بيع المؤسسات العامة إلى القطاع الخاص.

7 – ينبغي التأكد من مصادر إيرادات الخصخصة، ما إذا كانت داخلية أو خارجية، وإذا كانت المصادر محلية، فلن يكون هنالك تأثير على النقد. لكن إذا كانت خارجية، فقد يكون لها تأثير مباشر على التضخم.

لقد أصبحت سياسات الخصخصة مهيمنة عبر الحدود والثقافات مدفوعة بعوامل عدة منها السياسي ومنها الاقتصادي، وتختلف الأطر القانونية التي تعمل فيها كيانات القطاع العام وكيانات القطاع الخاص. وظهرت الجهود التشريعية والقضائية لمعالجة الأمور المتعلقة بسياق الخصخصة على سنوات عدة.

 

وتشير الكاتبة إلى القانون في أساليب الخصخصة، حيث تنفذ أساليب الخصخصة عبر مزايدة تنافسية يتم خلالها بيع الأصول أو الأسهم عبر المزاد العلني أو المناقصة، وكذلك عبر الاكتتاب العام للأسهم في البورصة. علماً أن بيع المباشر يجب أن يكون عن طريق التفاوض لمشترٍ واحد، خلال حالة الحقوق التقاعدية الموجودة مسبقاً.

وهنالك معاملات قانونية محددة يتم حلّها بسهولة أكثر في سياق مجموعة واضحة ومنسقة من المبادئ التوجيهية لكل خطوة في العملية، ابتداء من التقويم وانتهاءً بالتنفيذ. وينبغي أن تشمل هذه المبادئ التوجيهية التالي:

أ – النظر في هيكل السوق قبل الخصخصة.

ب – إزالة القيود المفروضة على دخول المؤسسات الجديدة.

ج – التخلّص من حقوق الاحتكار التي تمنح لإحدى المؤسسات التي تمت خصخصتها.

د – تخفيض الحواجز الجمركية أو إزالتها وتعزيز المنافسة من الواردات في القطاعات القابلة للتداول.

هـ استعراض هيكل السوق وتحديد الامتيازات الخاصة مثل الوصول الأفضلي للائتمان وإلغائه بمجرد بيع المؤسسة.

وتشير صعب إلى أن القانون اللبناني في مجال الخصخصة واضح، ولا سيما من ناحية تفصيل المصالح والمرافق التي من الممكن خصخصتها. كما أنه أوضح القطاعات التي يمكن خصخصتها، وتلك التي تعتبر غير قابلة لذلك، مثل مرفق القضاء ومرفق التعليم.

وقد أتت المادة 89 من الدستور اللبناني واضحة، ولاسيما من ناحية خصخصة المرافق العامة، حيث تنص على أنه لا تجوز خصخصة أي التزام أو امتيازات لاستغلال مورد من موارد البلاد الطبيعية، او مصلحة ذات منفعة عامة.

وعليه، فإن المشرّع اللبناني يحظر أي تصرف بموارد البلاد الطبيعية والمصالح ذات المنفعة العامة إلا من خلال عقدي التزام وامتياز، الأمر الذي يعني عدم دستورية الخصخصة التي تشمل مشروعاً عاماً يتولى إدارة مورد من موارد البلاد الطبيعية. وعلى الرغم من وضوح مفهوم المرافق العامة الدستورية، إلا أن البعض ظل يؤكد أن هذا المفهوم لا يزال ضبابياً وغير واضح.

ويشكل قطاع الطاقة أهمية كبيرة في عملية الخصخصة هذه. وتبيّن الباحثة أن هناك عدداً كبيراً من الدول النامية التي تعاني نقصاً كبيراً في هذا القطاع نتيجة نمو سريع في الطلب على الطاقة، اقتراناً مع اكتظاظ الدول بالسكان أمثال البرازيل والصين والهند وإندونيسيا، كذلك كون هذا القطاع يتطلب قدرات مالية هائلة، غالباً ما يتزامن مع عدم قدرة الدول على تأمين الأموال في الأسواق المحلية ودفعها في اتجاه الخصخصة.

وتذكر صعب أن شركات الطاقة المملوكة من الدولة، في العديد من الدول، تشكل أكبر نسبة من الشركات المخصخصة. ومن الشركات التي تمت خصخصتها:

شركات عملاقة أمثال بريتيش بتروليوم البريطانية وألفا اكويتنAlfa Aquitaine  الفرنسية وتوتال TOTAL الفرنسية وغيرها.

أما الشروط الأساسية لخصخصة القطاع فهي كالتالي:

1 – ضمان ألا تؤدي الخصخصة إلى زيادة في أسعار الكهرباء.

2 – تشجيع الشركات القادرة مالياً على المشاركة في تحقيق أهداف عملية الخصخصة ومبادئها.

3 – إجراء عمليات الاستثمارات الإلزامية والتشغيل والصيانة بالاستقلال عن عملية الخصخصة.

4 – مراعاة الخصخصة للالتزامات القائمة، من دون أن يستدعي ذلك ضمانات إضافية من قبل الدولة.

وتذكر صعب في كتابها قطاع الطاقة كأنموذج لعملية الخصخصة، فتقول إن أساليب الخصخصة في قطاعات الطاقة هي:

  • البيع المباشر للجمهور: حيث اختارت بعض الدول نقل الملكية بالكامل إلى القطاع الخاص، ومثال على ذلك الأرجنتين والمملكة المتحدة وشيلي.
  • بيع جزء من الشركات إلى القطاع الخاص: حيث أن معظم عمليات الخصخصة يتم تدريجياً.
  • بيع الشركة المملوكة من الدولة إلى شركات أخرى ومجموعة شركات: وطريقة البيع هذه اتبعتها دول كثيرة، حيث بيعت الشركات المملوكة من الدولة مباشرة إلى شركات خاصة.
  • التحرير: وهي الطريقة الأكثر اتباعاً وانتشاراً في الولايات المتحدة الأميركية، ولا سيما في قطاعات الغاز الطبيعي والنقل.

 

أما الدروس المستفادة من خصخصة القطاع فهي وفق صعب:

1 – إن للإصلاحات في قطاع الكهرباء العديد من الفوائد، لكن دونها مخاطر كبيرة نتيجة التكاليف المحتملة إذا ما تم الإصلاح بشكل ناقص أو غير صحيح.

2 – يختلف تنظيم هذه الاحتكارات كثيراً بين البلدان، والظاهر أن أداء القطاع في البلدان المتقدمة عموماً هو أفضل منه في الدول النامية.

3 – ضرورة إدخال المنافسة عن طريق إجراء تغييرات هيكلية في تنظيم قطاعات الطاقة.

4 – تساهم خصخصة أصول الطاقة المملوكة من الدولة في تحسين الإنتاج وتوفير كلفة الخدمات على المستهلك.

وتجدر الإشارة إلى أن المزايا المتوقعة من إصلاح قطاع الكهرباء كجزء من قطاع الطاقة وخصخصته هي التالية:

1 – دراسة شاملة ودقيقة لحاجات السوق من الطاقة، على أن تشمل جميع القطاعات.

2 – تقويم السوق.

3 – تقويم الموارد.

4 – دراسة مشروع المراقبة والتقويم.

5 – المساهمة في توفير فرص الحصول على رأس المال والتمويل.

6 – تأمين قضاء عادل وشفاف وقوانين لإزالة العقبات وتحقيق أهداف المصلحة العامة.

7 – تحضير القطاع لنوع من الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

 

أما الهدف الأساسي من إصلاح هذا القطاع فيلخص بالتالي:

1 – تأمين الكهرباء بشكل مستدام.

2 – خفض التكاليف من خلال فاعلية وكفاءة عملية توليد الكهرباء وتوزيعها.

3 – تأمين الكهرباء للمستهلك من خلال المنافسة التجارية وتنظيم نوعية الخدمة.

4 – ضمان تأمين الاستثمارات في القطاع من دون ترتيب أي عبء على مؤسسات الدولة.

وترى صعب أن هناك مجموعة كاملة من خيارات الشراكة بين القطاعين العام والخاص. لذلك ينبغي للحكومات، ومن خلال وضعها نهج الشراكة هذه، تقويم المشاكل التي يجب مواجهتها، وكذلك دور القطاع الخاص في حل هذه المشاكل، مع العلم ان بإمكان الحكومة، وبموجب الامتيازات، أن تقدم الدعم المالي عن طريق الإعانات المستهدفة.

 

*قطاع الكهرباء في لبنان:

تدرس صعب في كتابها حالة قطاع الكهرباء في لبنان، الذي يعاني منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990، من سوء الإدارة وضعف في القدرات المؤسسية، وتراجع في النظم الإدارية والفنية، ونقص في الاستثمار في مرافق البنية التحتية، ما أدى بشكل طبيعي إلى تراجع في الخدمات وارتفاع في التكلفة وزيادة كبيرة في العجز. وعلى الرغم من القوانين التي سنت في عام 2002، والتي تنص على إعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان، فلغاية العام 2010 لم يحدث أي تغيير يذكر على هيكلية المؤسسة، ولا أي تحسين في الأداء والخدمات، ولا أي تراجع في العجز المالي.

وقد تأتي الحلول كما عرضها البنك الدولي:

1 – بدء تنفيذ مشاريع خفض التكاليف.

2 – إعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان وتحسين الإدارة وزيادة مهارات الموظفين.

3 – ضخ قدرات ومهارات في مؤسسة كهرباء لبنان حتى يتحسن تنفيذ المشاريع وتخفض التكاليف وتتحسن درجة انتظام الإمدادات والتمويل لها، أو من خلال خصخصة القطاع جزئياً أو كلياً، ما يسهم في حل المشاكل ويوفر على الدولة هدر الأموال في قطاع هو أصلاً خدماتي وغير مربح.

وتختم صعب بالقول إنه لا ينبغي مطلقاً ان تكون الخصخصة غاية بحد ذاتها، بل يمكن النظر إليها على أنها وسيلة لغايات أخرى. وتشمل الأهداف المشتركة لبرامج الخصخصة ما يلي:

1 – الحد من النزف المالي للدولة، والإفراج عن مزيد من الموارد التي يمكن استخدامها في قطاعات هامة، ولا سيما البنى التحتية والاجتماعية، التي من شأنها أن تنعكس تحسيناً على الدخل الفردي بشكل مباشر.

2 -  الحد من احتكار مؤسسات الدولة الكبيرة.

3 – تقديم إشارات إيجابية للمستثمرين في القطاع الخاص من أجل استثمارات جديدة في الاقتصاد.

4 – تحسين الإدارة وتقديم المبادئ السليمة في تنظيم الأنشطة الاقتصادية على أساس أن مالكي القطاع الخاص هم أكثر كفاءة.

وقد يكون لهذه الأهداف الأثر المباشر على الاقتصاد وتحسين ظروف العمل والنمو، ما يساعد على تخفيف الفقر.

لا شك أن كتاب صعب يمكن الاعتماد عليه في بعض الدول التي تتجه نحو الخصخصة، إلا أنها وقعت في مشكلة إعطاء الخصخصة الأولوية على العمليات الاقتصادية الأخرى، فهي ترى في الخصخصة السبيل الأفضل للخروج من الأزمات الاقتصادية، علماً أن هناك تجارب لم تنجح معها عمليات الخصخصة. كما أن هناك تجارب لدى دول لم تعتمد على الخصخصة حققت نجاحات باهرة في قطاعاتها الاقتصادية، ومنها تلك المتعلقة بقطاع الطاقة والكهرباء الذي لم ينجح في لبنان ولا يزال المواطن يعاني منه منذ سنوات طويلة.