"خوف ترامب في البيت الابيض"

نزوات ترامب جعلت السلطة التنفيذية لأعظم بلد في العالم تعاني من إنهيار عصبي شامل.

ترامب رئيس إنفعالي وزئبقي

منذ تفجيره لفضيحة ووترغيت التي جعلته من أشهر الصحافيين في العالم، واجبرت الرئيس نيكسون على الاستقالة عام 1974، بتهمة تجسسه على مكاتب الحزب الديمقراطي، وتمت محاكمته في أيلول من نفس العام، قبل ان يصدر الرئيس فورد حكماً بالعفو عنه، بدأ بوب وودورد يكتب عن الرؤساء الامريكيين، فشكلت كتبه التي أصدرها عن الفترات الرئاسية هاجساً لهم، ولم يسلم أي رئيس أميركي دخل البيت الأبيض من تقيم بوب. ولهذا لقب "بحامل مفايتح البت الأبيض".

يعتمد بوب وودورد في كتابه الأخير "خوف ترامب في البيت الابيض" الصادر حديثاً عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت، على شهادات وملفات ووثائق سرية منها وثيقة مكتوبة بخط ترامب. يقول بوب: الكتاب مستقى من مئات اللقاءات التي خصصت لاجراء مقابلات مع مشاركين في الأحدات وشهود عيان.

يعطي بوب في مقدمته نموذج على عقلية ترامب الجنونية بقوله: في العام 2016 قدم ترامب تعريفه للوظيفة الرئاسية " إن وظيفة الرئيس تفوق أي شيئ اَخر، إنها الحفاظ على أمننا القومي. هذه هي أولويتي الأولى والثانية والثالثة".

لكن الحقيقة كما يقول المؤلف هي أن الولايات المتحدة كانت عام 2017، مقيّدة بكلمات وأفعال قائد إنفعالي هائج، وزئبقي بمزاج متقلب، لا يمكن التنبؤ بما يمكن له أن يرتكب من أفعال. وقد اجتمع أعضاء من طاقمه، على عرقلة نزواته التي كانوا يعتقدون أنها الأخطر، وتجميدها. كانت السلطة التنفيذية لأقوى بلد في العالم تعاني من انهيار عصبي شامل.  

ويبدأ بوب في مقدمة كتابه برواية ما حدث مع مستشار الرئيس الأعلى للشؤون الاقتصادية غاري كوهن في البيت الأبيض، حيث تقدّم بحذر نحو طاولة مكتب الرئيس في البيت الابيض، كانت تعلو الطاولة مسودة رسالة من صفحة واحدة موجهة من الرئيس ترامب إلى رئيس كوريا الجنوبية، تنهي اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا.

راع ذلك "كوهن"، فمنذ أشهر كان ترامب يهدد بالانسحاب من الاتفاقية التي يطلق عليها "كوروس"، وهي واحدة من أسس علاقة إقتصادية، وتحالف عسكري، والأهم من ذلك كله، أساس العمليات الإستخباراية والقدرات العسكرية المتسمة بالسرية.

 ويسرد بوب أهمية هذه المعاهدة مع كوريا الجنوبية، فالولايات المتحدة نشرت في كوريا الجنوبية  قوات عسكرية تعدادها 28500 جندي أميركي يعملون على أعلى مستويات برامج "ساس" السرية والبالغة الحساسية، والتي تتيح فك تشفير معلومات استخبارية معقدة وسرية.

اليوم تستطيع صواريخ كوريا الشمالية الباليستية العابرة للقارات حمل رؤوس نووية، قد تصل إلى الاراضي الأميركية. ويستغرق وصول صاروخ الى لوس أنجلوس يطلق من كوريا الشمالية 38 دقيقة.

تمكن هذه البرامج الولايات المتحدة من رصد إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات من كوريا الشمالية خلال سبع ثوان. وتستغرق القدرة المكافئة في قاعدة آلاسكا 15 دقيقة، وهو فارق زمني مذهل.

إن من شأن القدرة على رصد إطلاق خلال سبع ثوان ، أن تمنح الجيش الامريكي الوقت الكافي لاسقاط صاروخ كوري شمالي. لعل هذه العملية، هي الاكثر أهمية وسرية لحكومة الولايات المتحدة. ويمثل الوجود الامريكي في كوريا الجنوبية جوهر الامن القومي.

تعتبر كوريا الجنوبية الإتفاقية أساسية لاقتصادها. ولم يكن "كوهن" قادراً أن يصدق أن الرئيس ترامب سيجازف بخسارة مصادر استخبارية أساسية وحيوية لأمن الولايات المتحدة.

ويكمل بوب سرده بأن ذلك كله نابع من غضب ترامب، الذي يعزى إلى أن الولايات المتحدة لديها عجز تجاري سنوي قيمته 18 مليار دولار في تبادلها مع كوريا الجنوبية وتنفق 3,5 مليارات دولار سنوياً من أجل الحفاظ على قواتها فوق أراضيها.

وقد استعان كوهن بوزير الدفاع الأميركي ماتيس، الصوت الأكثر تأثيراً على ترامب في حكومته وطاقمه لإقناع الأخير بخطورة إنهاء إتفاقية "كوروس"، وقد لبىّ ماتيس طلب كوهن وأتى إلى البيت الأبيض مخاطباً ترامب: سيدي الرئيس، إن كيم جونغ أون يمثّل أكبر تهديد فوري لأمننا القومي . ونحن بحاجة إلى كوريا  الجنوبية كحليف.

يعد الجيش الأميركي والترتيبات الإستخبارية في كوريا الجنوبية، العمود الفقري لقدرتنا على الدفاع عن أنفسنا ضد كوريا الشمالية. لذا أرجوك ألا تنسحب من الإتفاقية.

يقول بوب: على الرغم من شبه إجماع التقارير اليومية على الفوضى والشقاق في البيت الأبيض، فإن الشعب لم يكن يعرف مدى السوء الذي بلغه الوضع الداخلي الحقيقي. كان ترامب يتقلب باستمرار، لا يستقر ولا يثبت على موقف إلا فيما ندر. ويبدو غريب الأطوار تائهاً وغير منتظم قد يسوء مزاجه لأي سبب كان كبيراً أو صغيراً، فيخرج عن طوره. وكان يقول بخصوص اتفاقية "كوروس" التجارية: إننا سننسحب اليوم.

ويكمل بوب قصة كوهن مع مسودة الرسالة الموجودة على سطح المكتب، وهي رسالة قد تؤدي إلى حلول كارثة بالأمن القومي. فكوهن كان قلقاً بأن ترامب لو رأى الرسالة فسيوقعها".

خلسة أخد كوهن مسودة الرسالة عن سطح المكتب ووضعها في ملف أزرق يحمل عبارة "للحفظ".

وفي وقت لاحق، يخبر كوهن أحد أصدقائه: "سرقتها من مكتبه، لم أكن لأدعه يراها. لن يرى قط تلك الوثيقة. كان علي حماية البلد".

ويروي بوب أنه في ظل الفوضى والاضطراب السائدين في البيت الأبيض، وفي عقل ترامب، لم يلاحظ الرئيس قط اختفاء الرسالة.

جرت العادة أن تقع مسؤولية صياغة هذا النوع من الرسائل على عاتق روي بورتر، سكرتير موظفي البيت الأبيض وهو أحد الرجال الرماديين، رجل تنظيم يفتقر إلى التألق. إلا أن هذه المرة، وعلى نحو يدعو للقلق، وصلت الرسالة إلى ترامب عبر قناة مجهولة.

أكتشف بورتر مع كوهن وجود نسخ عديدة من مسودة الرسالة.وقد حرصا على عدم بقائها على سطح مكتب الرئيس. وقد عملا معاً على عرقلة أوامر ترامب التي كانا يعتقدان أنها الأكثر تهوّراً وخطورةً.

كانت تلك الوثيقة ومثيلاتها تختفي فحسب. عندما تعلو مكتب الرئيس مسودة ما لتدقيقها قبل الطباعة، كان كوهن في بعض الأحيان ينتزعها وسرعان ما ينساها الرئيس. يقول كوهن: "لم يكن إخفائها أحد الأعمال التي قمنا بها من أجل الوطن، بل كان أحد ألاعمال التي منعنا ترامب من القيام بها".

ويعتبر بوب بان ذلك لم يكن أقل من إنقلاب إداري، وتقويض لإرادة رئيس الولايات المتحدة وسلطته الدستورية".