كيف ألغى ترامب الاتفاق النووي مع إيران؟

على الرغم من تأكيد وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون "بأن إيران لم تنتهك الاتفاق النووي، وبأن المخابرات المركزية كلها تتفق على هذا، إلا أن ترامب صمم على الإلغاء.

كيف ألغى ترامب الإتفاق النووي مع إيران

يروي بوب وودورد في كتابه "خوف ترامب في البيت الأبيض" قصة إلغاء ترامب الاتفاق النووي مع إيران، كما روى لنا من قبل محاولة ترامب إنهاء إتقاقية الولايات المتحدة كوريا الجنوبية للتجارة الحرة.

فمنذ أن كان مرشحاً للرئاسة عام 2016، وعد ترامب بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، الذي كان  وصفه: "بأنه أحد أسوأ الاتفاقيات التي رأيتها في حياتي" و"أن أهم أولوية عندي هي إلغاء ذلك الإتفاق الكارثي مع إيران". وكثيراً ما انتقد الإتفاق  في خطاباته بحجة وجود "ثغرات كبيرة" فيه، منها أنه لا يتطرق بشكلٍ مباشر إلى برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، ولا إلى دور طهران الذي يعتبره "مزعزعاً للاستقرار" في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا واليمن.

يروى بوب أن وزير الخارجية تيلرسون اتصل بكبير موظفي البيت الأبيض بريبوس في شهر اَذار/ مارس 2018، ليعلمه بأنه لم يتبق سوى يومين لتجديد الإتفاق مع إيران أو رفضه، فمن المفترض مراجعة الإتفاق النووي مع إيران بعد كل تسعين يوماً.

كانت غاية تيلرسون هي تجديد الإتفاق مع إيران لأسباب عملية ومبدئية، فإيران التزمت بما إتفقت عليه مع إدارة أوباما. وهكذا صاغ نصاً محدداً تمهيداً لتجديده.

كان جواب بريبوس: "لن يوافق الرئيس على هذا. وعليك أن تاتي بصياغة أفضل، لأن اللهجة اللينة والواقعية لن تغير شيئاً فيه. إننا بحاجة إلى صيغة تستطيع الإقناع الفعلي بوجهة نظر ترامب. وهذا النص لن يعجبه. وسينفجر غضباً عندما يقرأه".

وبالرغم من حجة تيلرسون المنطقية حول ضرورة تجديد الإتفاق مع إيران، كان من الواضح جداً أن الرئيس مصمم على إلغائه، فورد عليه بشكل حاسم: "لن تفلحوا في إقناعي بهذا غصباً عني"، عندما لخص بريبوس امامه الإقتراح الذي قدمه تيلرسون.

بعد ذلك قام بريبوس بجولات مكوكية بين الرئيس و تيلرسون.

قال تيلرسون: "تؤكد وكالة الإستخبارات، والحلفاء الذين وقعوا الإتفاق معنا، ان إيران لا تخترقه".

ورد بريبوس: "إن هذه الحجة لن تقنعه". لكن تيلرسون تمسك بموقفه، ورد عليه بريبوس: "لدينا مشكلة إذن". ورأى أن عليه تذكيره بأن "الرئيس هو من يتخذ القرارات هنا". ثم حاول رفع المسؤولية عنه قائلاً: "انا لا أحاول تصعيب الأمر عليك".

وفي اجتماع اَخر بينهما قال ترامب لتيلرسون: "هذا أحد المبادئ التي إلتزمتها. أنا لا أحبّذ هذا الإتفاق الذي كان أسوأ إتفاق توصلنا إليه على الإطلاق، وها نحن الاَن نقوم بتجديده. لكن ولأنه لم يتبق من المهلة سوى 90 يوماً، فإني سأوافق هذه المرة. لكن هذه هي المرة الاخيرة. لا تعد إليّ مجدداً لمحاولة تجديد هذا الشيئ، ولن تكون هناك تجديدات أخرى لهذا الإتفاق المخزي".

وحاول ماتيس أن يدعم وجهة نظر تيلرسون لكن بطريقة دبلوماسية وأكثر هدوءاً، فقال لترامب: "حسناً سيدي الرئيس، أظن أنهم يطبقون الإتفاق من الناحية التقنية".

راقب بريبوس ما يجري بإعجاب. ذلك أن ماتيس لم يكن ذلك الرجل المتواضع، لكنه بالتأكيد يعرف كيفية التعامل مع ترامب.

 وتمسّك ماتيس برأيه في أن إيران هي أبرز عنصر مؤثر في عدم الإستقرار الذي يسود المنطقة، كان ماتيس متصلباً جداً في محافله الخاصة. لكنه أصبح أكثر إعتدالاً. فقد كان يرى ضرورة دفع الإيرانيين إلى التراجع. وإلحاق الهزيمة بهم. ودق إسفين بين الروس والإيرانيين، لكن بدون التسبب في نشوب حرب.

كان على تيلرسون في 18 نيسان/ إبريل إرسال رسالة إلى رئيس مجلس النواب الأمريكي. لكن ترامب لم يرضى بما ورد في المسودة الاولى، واقترح ان تتضمن الرسالة القصيرة ما يؤكد أن إيران كانت "ابرز دولة راعية للإرهاب"، وأن مجلس الأمن القومي سوف يقوم بمراجعة الموقف بشأن الإستمرار في رفع العقوبات الإقتصادية، والذي كان جزءاً من الإتفاق.

وفور نشر هذه الرسالة، بدأ المعلقون في المحطات التلفازية بمهاجمة ترامب، ما أدى إلى إنزعاجه الشديد، فأمر تيلرسون بعقد مؤتمر صحفي للتنديد بالإتفاق الذي جرى تجديده للتو، والتنديد بإيران أيضاً. وكان من المستغرب إطلاق هذا الهجوم في غضون ساعات قليلة من تجديد هذا الإتفاق الدبلوماسي المهم.

وبالرغم من عدم قناعة تيلرسون بخيار رئيسه ترامب، إلا أنه لم يكن أمامه سوى الرضوخ لطلبه. فقرأ خلال عرضه رسالة محضرة سلفاً تتضمن كل الشكاوى ضد إيران: "إختبارات الصواريخ الباليستية، وتهديدات أكبر دولة داعية للإرهاب في العالم ضد إسرائيل، وخروقات حقوق الإنسان، والتوقيفات العشوائية للأجانب، بمن فيهم مواطني الولايات المتحدة، ومضايقة سفن البحرية الأميركية، وسجن المعارضين السياسيين او إعدامهم، الوصول إلى رقم قياسي في إعدام الأحداث، ودعم "نظام الاسد الوحشي في سوريا".

ثم علّق  تيلرسون بعد ذلك بالقول: "إن الإتفاق أخفق في تحقيق هدف التوصل إلى إيران غير نووية. ولن يؤدي ذلك الإتفاق إلا إلى تأخير هدفهم في تحولهم ألى دولة نووية".

كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد عرف الإتفاق بأنه "إتفاق غير ملزم"، وليس معاهدة تتطلب مصادقة مجلس الشيوخ. وعاود تيلرسون المحاولة مع ترامب لثنيه عن إلغاء الإتفاق، فأبلغه: "قد نستطيع ان نعلن أن الإتفاق هو وثيقة يتعين إرسالها إلى مجلس الشيوخ للمصادقة. لكنني ارى أن تسحبها من بين أيدينا، وتقدمها إلى مجلس الشيوخ وتطلب إقرارها بأغلبية الثلثين وإعلانها معاهدة".

دهش ترامب لهذا الطلب، لكنه سرعان ما أدرك أن إرساله الوثيقة إلى مجلش الشيوخ يعني تنازله عن صلاحياته.

جهد بريبوس وتيلرسون وماكماستر إلى "جدولة الامور زمنياً"، على حد التعبير الشائع في البيت الانبيض، عندما يحين موعد التجديد التالي بعد تسعين يوماً.

وخلال اجتماع عقد قبل الموعد النهائي لتجديد الإتفاق في 17 تموز/ يوليو، قال ترامب: إنهم يخرقون الإتفاق، وعليكم التفكير في ترتيب الحجة اللازمة لإعلان هذا الموقف".

ويحكي بوب حكاية تؤكد عدم خضوع الرئيس ترامب لاي  قيود منطقية أو قانونية أو قومية. بل واضح أن الذي يحكم البيت الأبيض شيئين: مزاج الرئيس، وصهره كوشنر الذي ينفذ على أكمل وجه أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتياهو.

ذات دخل تيلرسون إلى غرفة الطعام المجاورة للمكتب البيضاوي، لمقابلة ترامب وبريبوس، ولكي يشرح للرئيس مجدداً عدم وجود خرق للإتفاق.

إلا أن ترامب أصر على موقفه، وقال: "إنهم يخرقون الإتفاق، وعليك إعداد نص يؤكد أن هذه الإتفاقية قد ماتت وانتهت". ثم اقترح إمكانية إعادة النظر في بنود الإتفاق، والاستعداد  للتفاوض من جديد.

وهنا بيت القصيد، في رد تيلرسون بشكلٍ ساخط: "سيدي الرئيس، السلطة في يدِك. أنت الرئيس. قل لي ماذا تريدني أن أفعل، وبإمكانك أن ترسم لي الطريقة، وأنا سوف أفعل كل ما تقوله". وقد اقترب تيلرسون بهذه اللهجة، وإلى درجة خطيرة، من خرق بروتوكول التعامل مع الرئيس".

لم يختلف مدير وكالة الإستخبارات المركزية اَنذاك كثيراً مع طروحات تيلرسون بشأن إيران، لكنه تعامل مع الرئيس بليونة أكثر، كما تعامل ماتيس، فقال مخاطباً الرئيس: "حسناً، سأقول لك سيدي الرئيس كيف أفهم أن الإتفاق ناجح من الناحية التقنية".

ويروي بوب أن تيلرسون بذل جهده مراراً في إقناع ترامب بتجديد الإتفاق، مكرراً أمامه الرئيس قوله: "بأن إيران لم تنتهك شيئاً، وبأن المخابرات المركزية كلها تتفق على هذا. كيف يمكن فرض عقوبات جديدة إذا لم يحدث أي انتهاك للاتفاق".  

ويوضح ستيف بانون كبير الإستراتيجيين كما يسميه بوب في الكتاب قبل أن يستقيل من منصبه،"تخوفه من استراتيجية الامن القومي، المؤلفة من 55 صفحة، التي نشرت في شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2017. حيث يتحدث القسم الخاص بالشرق الأوسط عن أن السياسة المرسومة كانت تهدف إلى "الحفاظ على توازن القوى الاقليمي المواتي".

وسأل بانون "عما يعنيه كل هذا، كل ذلك بمثابة تجديد للعالم القديم، وعودة إلى عقبة حكم  كيسنجر، بحثاً عن الاستقرار السياسي. لقد كان الهدف من الرياض التي ذهب إليها ترامب عام 2017، تشكيل تحالف من الولايات المتحدة، والسعودية، ودول الخليج وإسرائيل، يقف في وجه "المد والهيمنة الإيرانيين". ويعني "توازن القوى" بحسب رؤية بانون ارتياح الولايات المتحدة للوضع الراهن، واستراتيجية إيران "القاصرة عن الحرب" والتي أخذت المجابهة باتجاه حافة الهاوية.

ويعتقد بانون أن ترامب أراد إرجاع إيران خطوات إلى الوراء وعزلها، بإخرجها من العراق، ومن سوريا، ومن لبنان واليمن.

ويؤكد مسؤول كبير في البيت الأبيض: "أن الكثيرين من كبار مستشاري الرئيس، وبخاصة أولئك الذين ينتمون إلى مجال الأمن القومي، قلقون للغاية من طبيعته المتقلبة، وجهله النسبي، وعدم قدرته على التعلّم، إضافة إلى ما يعتبرونه وجهات نظره الخطرة".

يروي بوب وودورد في كتابه "خوف ترامب في البيت الأبيض" قصة إلغاء ترامب الإتفاق النووي مع إيران، كما روى لنا من قبل محاولة ترامب إنهاء إتقاقية الولايات المتحدة كوريا الجنوبية للتجارة الحرة.

فمنذ أن كان مرشحاً للرئاسة عام 2016، وعد ترامب بإلغاء الإتفاق النووي مع إيران، الذي كان  وصفه: "بأنه أحد أسوأ الاتفاقيات التي رأيتها في حياتي" و"أن أهم أولوية عندي هي إلغاء ذلك الإتفاق الكارثي مع إيران". وكثيراً ما انتقد الإتفاق  في خطاباته بحجة وجود "ثغرات كبيرة" فيه، منها أنه لا يتطرق بشكلٍ مباشر إلى برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، ولا إلى دور طهران الذي يعتبره "مزعزعاً للاستقرار" في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا واليمن.

يروى بوب أن وزير الخارجية تيلرسون اتصل بكبير موظفي البيت الأبيض بريبوس في شهر اَذار/ مارس/ 2018، ليعلمه بأنه لم يتبق سوى يومين لتجديد الإتفاق مع إيران أو رفضه، فمن المفترض مراجعة الإتفاق النووي مع إيران بعد كل تسعين يوماً.

كانت غاية تيلرسون هي تجديد الإتفاق مع إيران لأسباب عملية ومبدئية، فإيران التزمت بما إتفقت عليه مع إدارة أوباما. وهكذا صاغ نصاً محدداً تمهيداً لتجديده.

كان جواب بريبوس: "لن يوافق الرئيس على هذا. وعليك أن تاتي بصياغة أفضل، لأن اللهجة اللينة والواقعية لن تغير شيئاً فيه. إننا بحاجة إلى صيغة تستطيع الإقناع الفعلي بوجهة نظر ترامب. وهذا النص لن يعجبه. وسينفجر غضباً عندما يقرأه".

وبالرغم من حجة تيلرسون المنطقية حول ضرورة تجديد الإتفاق مع إيران، كان من الواضح جداً أن الرئيس مصمم على إلغائه، فورد عليه بشكل حاسم: "لن تفلحوا في إقناعي بهذا غصباً عني"، عندما لخص بريبوس امامه الإقتراح الذي قدمه تيلرسون.

بعد ذلك قام بريبوس بجولات مكوكية بين الرئيس و تيلرسون.

قال تيلرسون: "تؤكد وكالة الإستخبارات، والحلفاء الذين وقعوا الإتفاق معنا، ان إيران لا تخترقه".

ورد بريبوس: "إن هذه الحجة لن تقنعه". لكن تيلرسون تمسك بموقفه، ورد عليه بريبوس: "لدينا مشكلة إذن". ورأى أن عليه تذكيره بأن "الرئيس هو من يتخذ القرارات هنا". ثم حاول رفع المسؤولية عنه قائلاً: "انا لا أحاول تصعيب الأمر عليك".

وفي اجتماع اَخر بينهما قال ترامب لتيلرسون: "هذا أحد المبادئ التي إلتزمتها. أنا لا أحبّذ هذا الإتفاق الذي كان أسوأ إتفاق توصلنا إليه على الإطلاق، وها نحن الاَن نقوم بتجديده. لكن ولأنه لم يتبق من المهلة سوى 90 يوماً، فإني سأوافق هذه المرة. لكن هذه هي المرة الاخيرة. لا تعد إليّ مجدداً لمحاولة تجديد هذا الشيئ، ولن تكون هناك تجديدات أخرى لهذا الإتفاق المخزي".

وحاول ماتيس أن يدعم وجهة نظر تيلرسون لكن بطريقة دبلوماسية وأكثر هدوءاً، فقال لترامب: "حسناً سيدي الرئيس، أظن أنهم يطبقون الإتفاق من الناحية التقنية".

راقب بريبوس ما يجري بإعجاب. ذلك أن ماتيس لم يكن ذلك الرجل المتواضع، لكنه بالتأكيد يعرف كيفية التعامل مع ترامب.

 وتمسّك ماتيس برأيه في أن إيران هي أبرز عنصر مؤثر في عدم الإستقرار الذي يسود المنطقة، كان ماتيس متصلباً جداً في محافله الخاصة. لكنه أصبح أكثر إعتدالاً. فقد كان يرى ضرورة دفع الإيرانيين إلى التراجع. وإلحاق الهزيمة بهم. ودق إسفين بين الروس والإيرانيين، لكن بدون التسبب في نشوب حرب.

كان على تيلرسون في 18 نيسان/ إبريل إرسال رسالة إلى رئيس مجلس النواب الأمريكي. لكن ترامب لم يرضى بما ورد في المسودة الاولى، واقترح ان تتضمن الرسالة القصيرة ما يؤكد أن إيران كانت "ابرز دولة راعية للإرهاب"، وأن مجلس الأمن القومي سوف يقوم بمراجعة الموقف بشأن الإستمرار في رفع العقوبات الإقتصادية، والذي كان جزءاً من الإتفاق.

وفور نشر هذه الرسالة، بدأ المعلقون في المحطات التلفازية بمهاجمة ترامب، ما أدى إلى إنزعاجه الشديد، فأمر تيلرسون بعقد مؤتمر صحفي للتنديد بالإتفاق الذي جرى تجديده للتو، والتنديد بإيران أيضاً. وكان من المستغرب إطلاق هذا الهجوم في غضون ساعات قليلة من تجديد هذا الإتفاق الدبلوماسي المهم.

وبالرغم من عدم قناعة تيلرسون بخيار رئيسه ترامب، إلا أنه لم يكن أمامه سوى الرضوخ لطلبه. فقرأ خلال عرضه رسالة محضرة سلفاً تتضمن كل الشكاوى ضد إيران: "إختبارات الصواريخ الباليستية، وتهديدات أكبر دولة داعية للإرهاب في العالم ضد إسرائيل، وخروقات حقوق الإنسان، والتوقيفات العشوائية للأجانب، بمن فيهم مواطني الولايات المتحدة، ومضايقة سفن البحرية الأميركية، وسجن المعارضين السياسيين او إعدامهم، الوصول إلى رقم قياسي في إعدام الأحداث، ودعم "نظام الاسد الوحشي في سوريا".

ثم علّق  تيلرسون بعد ذلك بالقول: "إن الإتفاق أخفق في تحقيق هدف التوصل إلى إيران غير نووية. ولن يؤدي ذلك الإتفاق إلا إلى تأخير هدفهم في تحولهم ألى دولة نووية".

كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد عرف الإتفاق بأنه "إتفاق غير ملزم"، وليس معاهدة تتطلب مصادقة مجلس الشيوخ. وعاود تيلرسون المحاولة مع ترامب لثنيه عن إلغاء الإتفاق، فأبلغه: "قد نستطيع ان نعلن أن الإتفاق هو وثيقة يتعين إرسالها إلى مجلس الشيوخ للمصادقة. لكنني ارى أن تسحبها من بين أيدينا، وتقدمها إلى مجلس الشيوخ وتطلب إقرارها بأغلبية الثلثين وإعلانها معاهدة".

دهش ترامب لهذا الطلب، لكنه سرعان ما أدرك أن إرساله الوثيقة إلى مجلش الشيوخ يعني تنازله عن صلاحياته.

جهد بريبوس وتيلرسون وماكماستر إلى "جدولة الامور زمنياً"، على حد التعبير الشائع في البيت الانبيض، عندما يحين موعد التجديد التالي بعد تسعين يوماً.

وخلال اجتماع عقد قبل الموعد النهائي لتجديد الإتفاق في 17 تموز/ يوليو، قال ترامب: إنهم يخرقون الإتفاق، وعليكم التفكير في ترتيب الحجة اللازمة لإعلان هذا الموقف".

ويحكي بوب حكاية تؤكد عدم خضوع الرئيس ترامب لاي  قيود منطقية أو قانونية أو قومية. بل واضح أن الذي يحكم البيت الأبيض شيئين: مزاج الرئيس، وصهره كوشنر الذي ينفذ على أكمل وجه أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتياهو.

ذات دخل تيلرسون إلى غرفة الطعام المجاورة للمكتب البيضاوي، لمقابلة ترامب وبريبوس، ولكي يشرح للرئيس مجدداً عدم وجود خرق للإتفاق.

إلا أن ترامب أصر على موقفه، وقال: "إنهم يخرقون الإتفاق، وعليك إعداد نص يؤكد أن هذه الإتفاقية قد ماتت وانتهت". ثم اقترح إمكانية إعادة النظر في بنود الإتفاق، والاستعداد  للتفاوض من جديد.

وهنا بيت القصيد، في رد تيلرسون بشكلٍ ساخط: "سيدي الرئيس، السلطة في يدِك. أنت الرئيس. قل لي ماذا تريدني أن أفعل، وبإمكانك أن ترسم لي الطريقة، وأنا سوف أفعل كل ما تقوله". وقد اقترب تيلرسون بهذه اللهجة، وإلى درجة خطيرة، من خرق بروتوكول التعامل مع الرئيس".

لم يختلف مدير وكالة الإستخبارات المركزية اَنذاك كثيراً مع طروحات تيلرسون بشأن إيران، لكنه تعامل مع الرئيس بليونة أكثر، كما تعامل ماتيس، فقال مخاطباً الرئيس: "حسناً، سأقول لك سيدي الرئيس كيف أفهم أن الإتفاق ناجح من الناحية التقنية".

ويروي بوب أن تيلرسون بذل جهده مراراً في إقناع ترامب بتجديد الإتفاق، مكرراً أمامه الرئيس قوله: "بأن إيران لم تنتهك شيئاً، وبأن المخابرات المركزية كلها تتفق على هذا. كيف يمكن فرض عقوبات جديدة إذا لم يحدث أي انتهاك للاتفاق".  

ويوضح ستيف بانون كبير الإستراتيجيين كما يسميه بوب في الكتاب قبل أن يستقيل من منصبه،"تخوفه من استراتيجية الامن القومي، المؤلفة من 55 صفحة، التي نشرت في شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2017. حيث يتحدث القسم الخاص بالشرق الأوسط عن أن السياسة المرسومة كانت تهدف إلى "الحفاظ على توازن القوى الاقليمي المواتي".

وسأل بانون "عما يعنيه كل هذا، كل ذلك بمثابة تجديد للعالم القديم، وعودة إلى عقبة حكم  كيسنجر، بحثاً عن الاستقرار السياسي. لقد كان الهدف من الرياض التي ذهب إليها ترامب عام 2017، تشكيل تحالف من الولايات المتحدة، والسعودية، ودول الخليج وإسرائيل، يقف في وجه "المد والهيمنة الإيرانيين". ويعني "توازن القوى" بحسب رؤية بانون ارتياح الولايات المتحدة للوضع الراهن، واستراتيجية إيران "القاصرة عن الحرب" والتي أخذت المجابهة باتجاه حافة الهاوية.

ويعتقد بانون أن ترامب أراد إرجاع إيران خطوات إلى الوراء وعزلها، بإخرجها من العراق، ومن سوريا، ومن لبنان واليمن.

ويؤكد مسؤول كبير في البيت الأبيض: "أن الكثيرين من كبار مستشاري الرئيس، وبخاصة أولئك الذين ينتمون إلى مجال الأمن القومي، قلقون للغاية من طبيعته المتقلبة، وجهله النسبي، وعدم قدرته على التعلّم، إضافة إلى ما يعتبرونه وجهات نظره الخطرة".

يروي بوب وودورد في كتابه "خوف ترامب في البيت الأبيض" قصة إلغاء ترامب الإتفاق النووي مع إيران، كما روى لنا من قبل محاولة ترامب إنهاء إتقاقية الولايات المتحدة كوريا الجنوبية للتجارة الحرة.

فمنذ أن كان مرشحاً للرئاسة عام 2016، وعد ترامب بإلغاء الإتفاق النووي مع إيران، الذي كان  وصفه: "بأنه أحد أسوأ الاتفاقيات التي رأيتها في حياتي" و"أن أهم أولوية عندي هي إلغاء ذلك الإتفاق الكارثي مع إيران". وكثيراً ما انتقد الإتفاق  في خطاباته بحجة وجود "ثغرات كبيرة" فيه، منها أنه لا يتطرق بشكلٍ مباشر إلى برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، ولا إلى دور طهران الذي يعتبره "مزعزعاً للاستقرار" في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا واليمن.

يروى بوب أن وزير الخارجية تيلرسون اتصل بكبير موظفي البيت الأبيض بريبوس في شهر اَذار/ مارس/ 2018، ليعلمه بأنه لم يتبق سوى يومين لتجديد الإتفاق مع إيران أو رفضه، فمن المفترض مراجعة الإتفاق النووي مع إيران بعد كل تسعين يوماً.

كانت غاية تيلرسون هي تجديد الإتفاق مع إيران لأسباب عملية ومبدئية، فإيران التزمت بما إتفقت عليه مع إدارة أوباما. وهكذا صاغ نصاً محدداً تمهيداً لتجديده.

كان جواب بريبوس: "لن يوافق الرئيس على هذا. وعليك أن تاتي بصياغة أفضل، لأن اللهجة اللينة والواقعية لن تغير شيئاً فيه. إننا بحاجة إلى صيغة تستطيع الإقناع الفعلي بوجهة نظر ترامب. وهذا النص لن يعجبه. وسينفجر غضباً عندما يقرأه".

وبالرغم من حجة تيلرسون المنطقية حول ضرورة تجديد الإتفاق مع إيران، كان من الواضح جداً أن الرئيس مصمم على إلغائه، فورد عليه بشكل حاسم: "لن تفلحوا في إقناعي بهذا غصباً عني"، عندما لخص بريبوس امامه الإقتراح الذي قدمه تيلرسون.

بعد ذلك قام بريبوس بجولات مكوكية بين الرئيس و تيلرسون.

قال تيلرسون: "تؤكد وكالة الإستخبارات، والحلفاء الذين وقعوا الإتفاق معنا، ان إيران لا تخترقه".

ورد بريبوس: "إن هذه الحجة لن تقنعه". لكن تيلرسون تمسك بموقفه، ورد عليه بريبوس: "لدينا مشكلة إذن". ورأى أن عليه تذكيره بأن "الرئيس هو من يتخذ القرارات هنا". ثم حاول رفع المسؤولية عنه قائلاً: "انا لا أحاول تصعيب الأمر عليك".

وفي اجتماع اَخر بينهما قال ترامب لتيلرسون: "هذا أحد المبادئ التي إلتزمتها. أنا لا أحبّذ هذا الإتفاق الذي كان أسوأ إتفاق توصلنا إليه على الإطلاق، وها نحن الاَن نقوم بتجديده. لكن ولأنه لم يتبق من المهلة سوى 90 يوماً، فإني سأوافق هذه المرة. لكن هذه هي المرة الاخيرة. لا تعد إليّ مجدداً لمحاولة تجديد هذا الشيئ، ولن تكون هناك تجديدات أخرى لهذا الإتفاق المخزي".

وحاول ماتيس أن يدعم وجهة نظر تيلرسون لكن بطريقة دبلوماسية وأكثر هدوءاً، فقال لترامب: "حسناً سيدي الرئيس، أظن أنهم يطبقون الإتفاق من الناحية التقنية".

راقب بريبوس ما يجري بإعجاب. ذلك أن ماتيس لم يكن ذلك الرجل المتواضع، لكنه بالتأكيد يعرف كيفية التعامل مع ترامب.

 وتمسّك ماتيس برأيه في أن إيران هي أبرز عنصر مؤثر في عدم الإستقرار الذي يسود المنطقة، كان ماتيس متصلباً جداً في محافله الخاصة. لكنه أصبح أكثر إعتدالاً. فقد كان يرى ضرورة دفع الإيرانيين إلى التراجع. وإلحاق الهزيمة بهم. ودق إسفين بين الروس والإيرانيين، لكن بدون التسبب في نشوب حرب.

كان على تيلرسون في 18 نيسان/ إبريل إرسال رسالة إلى رئيس مجلس النواب الأمريكي. لكن ترامب لم يرضى بما ورد في المسودة الاولى، واقترح ان تتضمن الرسالة القصيرة ما يؤكد أن إيران كانت "ابرز دولة راعية للإرهاب"، وأن مجلس الأمن القومي سوف يقوم بمراجعة الموقف بشأن الإستمرار في رفع العقوبات الإقتصادية، والذي كان جزءاً من الإتفاق.

وفور نشر هذه الرسالة، بدأ المعلقون في المحطات التلفازية بمهاجمة ترامب، ما أدى إلى إنزعاجه الشديد، فأمر تيلرسون بعقد مؤتمر صحفي للتنديد بالإتفاق الذي جرى تجديده للتو، والتنديد بإيران أيضاً. وكان من المستغرب إطلاق هذا الهجوم في غضون ساعات قليلة من تجديد هذا الإتفاق الدبلوماسي المهم.

وبالرغم من عدم قناعة تيلرسون بخيار رئيسه ترامب، إلا أنه لم يكن أمامه سوى الرضوخ لطلبه. فقرأ خلال عرضه رسالة محضرة سلفاً تتضمن كل الشكاوى ضد إيران: "إختبارات الصواريخ الباليستية، وتهديدات أكبر دولة داعية للإرهاب في العالم ضد إسرائيل، وخروقات حقوق الإنسان، والتوقيفات العشوائية للأجانب، بمن فيهم مواطني الولايات المتحدة، ومضايقة سفن البحرية الأميركية، وسجن المعارضين السياسيين او إعدامهم، الوصول إلى رقم قياسي في إعدام الأحداث، ودعم "نظام الاسد الوحشي في سوريا".

ثم علّق  تيلرسون بعد ذلك بالقول: "إن الإتفاق أخفق في تحقيق هدف التوصل إلى إيران غير نووية. ولن يؤدي ذلك الإتفاق إلا إلى تأخير هدفهم في تحولهم ألى دولة نووية".

كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد عرف الإتفاق بأنه "إتفاق غير ملزم"، وليس معاهدة تتطلب مصادقة مجلس الشيوخ. وعاود تيلرسون المحاولة مع ترامب لثنيه عن إلغاء الإتفاق، فأبلغه: "قد نستطيع ان نعلن أن الإتفاق هو وثيقة يتعين إرسالها إلى مجلس الشيوخ للمصادقة. لكنني ارى أن تسحبها من بين أيدينا، وتقدمها إلى مجلس الشيوخ وتطلب إقرارها بأغلبية الثلثين وإعلانها معاهدة".

دهش ترامب لهذا الطلب، لكنه سرعان ما أدرك أن إرساله الوثيقة إلى مجلش الشيوخ يعني تنازله عن صلاحياته.

جهد بريبوس وتيلرسون وماكماستر إلى "جدولة الامور زمنياً"، على حد التعبير الشائع في البيت الانبيض، عندما يحين موعد التجديد التالي بعد تسعين يوماً.

وخلال اجتماع عقد قبل الموعد النهائي لتجديد الإتفاق في 17 تموز/ يوليو، قال ترامب: إنهم يخرقون الإتفاق، وعليكم التفكير في ترتيب الحجة اللازمة لإعلان هذا الموقف".

ويحكي بوب حكاية تؤكد عدم خضوع الرئيس ترامب لاي  قيود منطقية أو قانونية أو قومية. بل واضح أن الذي يحكم البيت الأبيض شيئين: مزاج الرئيس، وصهره كوشنر الذي ينفذ على أكمل وجه أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتياهو.

ذات دخل تيلرسون إلى غرفة الطعام المجاورة للمكتب البيضاوي، لمقابلة ترامب وبريبوس، ولكي يشرح للرئيس مجدداً عدم وجود خرق للإتفاق.

إلا أن ترامب أصر على موقفه، وقال: "إنهم يخرقون الإتفاق، وعليك إعداد نص يؤكد أن هذه الإتفاقية قد ماتت وانتهت". ثم اقترح إمكانية إعادة النظر في بنود الإتفاق، والاستعداد  للتفاوض من جديد.

وهنا بيت القصيد، في رد تيلرسون بشكلٍ ساخط: "سيدي الرئيس، السلطة في يدِك. أنت الرئيس. قل لي ماذا تريدني أن أفعل، وبإمكانك أن ترسم لي الطريقة، وأنا سوف أفعل كل ما تقوله". وقد اقترب تيلرسون بهذه اللهجة، وإلى درجة خطيرة، من خرق بروتوكول التعامل مع الرئيس".

لم يختلف مدير وكالة الإستخبارات المركزية اَنذاك كثيراً مع طروحات تيلرسون بشأن إيران، لكنه تعامل مع الرئيس بليونة أكثر، كما تعامل ماتيس، فقال مخاطباً الرئيس: "حسناً، سأقول لك سيدي الرئيس كيف أفهم أن الإتفاق ناجح من الناحية التقنية".

ويروي بوب أن تيلرسون بذل جهده مراراً في إقناع ترامب بتجديد الإتفاق، مكرراً أمامه الرئيس قوله: "بأن إيران لم تنتهك شيئاً، وبأن المخابرات المركزية كلها تتفق على هذا. كيف يمكن فرض عقوبات جديدة إذا لم يحدث أي انتهاك للاتفاق".  

ويوضح ستيف بانون كبير الإستراتيجيين كما يسميه بوب في الكتاب قبل أن يستقيل من منصبه،"تخوفه من استراتيجية الامن القومي، المؤلفة من 55 صفحة، التي نشرت في شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2017. حيث يتحدث القسم الخاص بالشرق الأوسط عن أن السياسة المرسومة كانت تهدف إلى "الحفاظ على توازن القوى الاقليمي المواتي".

وسأل بانون "عما يعنيه كل هذا، كل ذلك بمثابة تجديد للعالم القديم، وعودة إلى عقبة حكم  كيسنجر، بحثاً عن الاستقرار السياسي. لقد كان الهدف من الرياض التي ذهب إليها ترامب عام 2017، تشكيل تحالف من الولايات المتحدة، والسعودية، ودول الخليج وإسرائيل، يقف في وجه "المد والهيمنة الإيرانيين". ويعني "توازن القوى" بحسب رؤية بانون ارتياح الولايات المتحدة للوضع الراهن، واستراتيجية إيران "القاصرة عن الحرب" والتي أخذت المجابهة باتجاه حافة الهاوية.

ويعتقد بانون أن ترامب أراد إرجاع إيران خطوات إلى الوراء وعزلها، بإخرجها من العراق، ومن سوريا، ومن لبنان واليمن.

ويؤكد مسؤول كبير في البيت الأبيض: "أن الكثيرين من كبار مستشاري الرئيس، وبخاصة أولئك الذين ينتمون إلى مجال الأمن القومي، قلقون للغاية من طبيعته المتقلبة، وجهله النسبي، وعدم قدرته على التعلّم، إضافة إلى ما يعتبرونه وجهات نظره الخطرة".

يروي بوب وودورد في كتابه "خوف ترامب في البيت الأبيض" قصة إلغاء ترامب الإتفاق النووي مع إيران، كما روى لنا من قبل محاولة ترامب إنهاء إتقاقية الولايات المتحدة كوريا الجنوبية للتجارة الحرة.

فمنذ أن كان مرشحاً للرئاسة عام 2016، وعد ترامب بإلغاء الإتفاق النووي مع إيران، الذي كان  وصفه: "بأنه أحد أسوأ الاتفاقيات التي رأيتها في حياتي" و"أن أهم أولوية عندي هي إلغاء ذلك الإتفاق الكارثي مع إيران". وكثيراً ما انتقد الإتفاق  في خطاباته بحجة وجود "ثغرات كبيرة" فيه، منها أنه لا يتطرق بشكلٍ مباشر إلى برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، ولا إلى دور طهران الذي يعتبره "مزعزعاً للاستقرار" في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا واليمن.

يروى بوب أن وزير الخارجية تيلرسون اتصل بكبير موظفي البيت الأبيض بريبوس في شهر اَذار/ مارس/ 2018، ليعلمه بأنه لم يتبق سوى يومين لتجديد الإتفاق مع إيران أو رفضه، فمن المفترض مراجعة الإتفاق النووي مع إيران بعد كل تسعين يوماً.

كانت غاية تيلرسون هي تجديد الإتفاق مع إيران لأسباب عملية ومبدئية، فإيران التزمت بما إتفقت عليه مع إدارة أوباما. وهكذا صاغ نصاً محدداً تمهيداً لتجديده.

كان جواب بريبوس: "لن يوافق الرئيس على هذا. وعليك أن تاتي بصياغة أفضل، لأن اللهجة اللينة والواقعية لن تغير شيئاً فيه. إننا بحاجة إلى صيغة تستطيع الإقناع الفعلي بوجهة نظر ترامب. وهذا النص لن يعجبه. وسينفجر غضباً عندما يقرأه".

وبالرغم من حجة تيلرسون المنطقية حول ضرورة تجديد الإتفاق مع إيران، كان من الواضح جداً أن الرئيس مصمم على إلغائه، فورد عليه بشكل حاسم: "لن تفلحوا في إقناعي بهذا غصباً عني"، عندما لخص بريبوس امامه الإقتراح الذي قدمه تيلرسون.

بعد ذلك قام بريبوس بجولات مكوكية بين الرئيس و تيلرسون.

قال تيلرسون: "تؤكد وكالة الإستخبارات، والحلفاء الذين وقعوا الإتفاق معنا، ان إيران لا تخترقه".

ورد بريبوس: "إن هذه الحجة لن تقنعه". لكن تيلرسون تمسك بموقفه، ورد عليه بريبوس: "لدينا مشكلة إذن". ورأى أن عليه تذكيره بأن "الرئيس هو من يتخذ القرارات هنا". ثم حاول رفع المسؤولية عنه قائلاً: "انا لا أحاول تصعيب الأمر عليك".

وفي اجتماع اَخر بينهما قال ترامب لتيلرسون: "هذا أحد المبادئ التي إلتزمتها. أنا لا أحبّذ هذا الإتفاق الذي كان أسوأ إتفاق توصلنا إليه على الإطلاق، وها نحن الاَن نقوم بتجديده. لكن ولأنه لم يتبق من المهلة سوى 90 يوماً، فإني سأوافق هذه المرة. لكن هذه هي المرة الاخيرة. لا تعد إليّ مجدداً لمحاولة تجديد هذا الشيئ، ولن تكون هناك تجديدات أخرى لهذا الإتفاق المخزي".

وحاول ماتيس أن يدعم وجهة نظر تيلرسون لكن بطريقة دبلوماسية وأكثر هدوءاً، فقال لترامب: "حسناً سيدي الرئيس، أظن أنهم يطبقون الإتفاق من الناحية التقنية".

راقب بريبوس ما يجري بإعجاب. ذلك أن ماتيس لم يكن ذلك الرجل المتواضع، لكنه بالتأكيد يعرف كيفية التعامل مع ترامب.

 وتمسّك ماتيس برأيه في أن إيران هي أبرز عنصر مؤثر في عدم الإستقرار الذي يسود المنطقة، كان ماتيس متصلباً جداً في محافله الخاصة. لكنه أصبح أكثر إعتدالاً. فقد كان يرى ضرورة دفع الإيرانيين إلى التراجع. وإلحاق الهزيمة بهم. ودق إسفين بين الروس والإيرانيين، لكن بدون التسبب في نشوب حرب.

كان على تيلرسون في 18 نيسان/ إبريل إرسال رسالة إلى رئيس مجلس النواب الأمريكي. لكن ترامب لم يرضى بما ورد في المسودة الاولى، واقترح ان تتضمن الرسالة القصيرة ما يؤكد أن إيران كانت "ابرز دولة راعية للإرهاب"، وأن مجلس الأمن القومي سوف يقوم بمراجعة الموقف بشأن الإستمرار في رفع العقوبات الإقتصادية، والذي كان جزءاً من الإتفاق.

وفور نشر هذه الرسالة، بدأ المعلقون في المحطات التلفازية بمهاجمة ترامب، ما أدى إلى إنزعاجه الشديد، فأمر تيلرسون بعقد مؤتمر صحفي للتنديد بالإتفاق الذي جرى تجديده للتو، والتنديد بإيران أيضاً. وكان من المستغرب إطلاق هذا الهجوم في غضون ساعات قليلة من تجديد هذا الإتفاق الدبلوماسي المهم.

وبالرغم من عدم قناعة تيلرسون بخيار رئيسه ترامب، إلا أنه لم يكن أمامه سوى الرضوخ لطلبه. فقرأ خلال عرضه رسالة محضرة سلفاً تتضمن كل الشكاوى ضد إيران: "إختبارات الصواريخ الباليستية، وتهديدات أكبر دولة داعية للإرهاب في العالم ضد إسرائيل، وخروقات حقوق الإنسان، والتوقيفات العشوائية للأجانب، بمن فيهم مواطني الولايات المتحدة، ومضايقة سفن البحرية الأميركية، وسجن المعارضين السياسيين او إعدامهم، الوصول إلى رقم قياسي في إعدام الأحداث، ودعم "نظام الاسد الوحشي في سوريا".

ثم علّق  تيلرسون بعد ذلك بالقول: "إن الإتفاق أخفق في تحقيق هدف التوصل إلى إيران غير نووية. ولن يؤدي ذلك الإتفاق إلا إلى تأخير هدفهم في تحولهم ألى دولة نووية".

كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد عرف الإتفاق بأنه "إتفاق غير ملزم"، وليس معاهدة تتطلب مصادقة مجلس الشيوخ. وعاود تيلرسون المحاولة مع ترامب لثنيه عن إلغاء الإتفاق، فأبلغه: "قد نستطيع ان نعلن أن الإتفاق هو وثيقة يتعين إرسالها إلى مجلس الشيوخ للمصادقة. لكنني ارى أن تسحبها من بين أيدينا، وتقدمها إلى مجلس الشيوخ وتطلب إقرارها بأغلبية الثلثين وإعلانها معاهدة".

دهش ترامب لهذا الطلب، لكنه سرعان ما أدرك أن إرساله الوثيقة إلى مجلش الشيوخ يعني تنازله عن صلاحياته.

جهد بريبوس وتيلرسون وماكماستر إلى "جدولة الامور زمنياً"، على حد التعبير الشائع في البيت الانبيض، عندما يحين موعد التجديد التالي بعد تسعين يوماً.

وخلال اجتماع عقد قبل الموعد النهائي لتجديد الإتفاق في 17 تموز/ يوليو، قال ترامب: إنهم يخرقون الإتفاق، وعليكم التفكير في ترتيب الحجة اللازمة لإعلان هذا الموقف".

ويحكي بوب حكاية تؤكد عدم خضوع الرئيس ترامب لاي  قيود منطقية أو قانونية أو قومية. بل واضح أن الذي يحكم البيت الأبيض شيئين: مزاج الرئيس، وصهره كوشنر الذي ينفذ على أكمل وجه أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتياهو.

ذات دخل تيلرسون إلى غرفة الطعام المجاورة للمكتب البيضاوي، لمقابلة ترامب وبريبوس، ولكي يشرح للرئيس مجدداً عدم وجود خرق للإتفاق.

إلا أن ترامب أصر على موقفه، وقال: "إنهم يخرقون الإتفاق، وعليك إعداد نص يؤكد أن هذه الإتفاقية قد ماتت وانتهت". ثم اقترح إمكانية إعادة النظر في بنود الإتفاق، والاستعداد  للتفاوض من جديد.

وهنا بيت القصيد، في رد تيلرسون بشكلٍ ساخط: "سيدي الرئيس، السلطة في يدِك. أنت الرئيس. قل لي ماذا تريدني أن أفعل، وبإمكانك أن ترسم لي الطريقة، وأنا سوف أفعل كل ما تقوله". وقد اقترب تيلرسون بهذه اللهجة، وإلى درجة خطيرة، من خرق بروتوكول التعامل مع الرئيس".

لم يختلف مدير وكالة الإستخبارات المركزية اَنذاك كثيراً مع طروحات تيلرسون بشأن إيران، لكنه تعامل مع الرئيس بليونة أكثر، كما تعامل ماتيس، فقال مخاطباً الرئيس: "حسناً، سأقول لك سيدي الرئيس كيف أفهم أن الإتفاق ناجح من الناحية التقنية".

ويروي بوب أن تيلرسون بذل جهده مراراً في إقناع ترامب بتجديد الإتفاق، مكرراً أمامه الرئيس قوله: "بأن إيران لم تنتهك شيئاً، وبأن المخابرات المركزية كلها تتفق على هذا. كيف يمكن فرض عقوبات جديدة إذا لم يحدث أي انتهاك للاتفاق".  

ويوضح ستيف بانون كبير الإستراتيجيين كما يسميه بوب في الكتاب قبل أن يستقيل من منصبه،"تخوفه من استراتيجية الامن القومي، المؤلفة من 55 صفحة، التي نشرت في شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2017. حيث يتحدث القسم الخاص بالشرق الأوسط عن أن السياسة المرسومة كانت تهدف إلى "الحفاظ على توازن القوى الاقليمي المواتي".

وسأل بانون "عما يعنيه كل هذا، كل ذلك بمثابة تجديد للعالم القديم، وعودة إلى عقبة حكم  كيسنجر، بحثاً عن الاستقرار السياسي. لقد كان الهدف من الرياض التي ذهب إليها ترامب عام 2017، تشكيل تحالف من الولايات المتحدة، والسعودية، ودول الخليج وإسرائيل، يقف في وجه "المد والهيمنة الإيرانيين". ويعني "توازن القوى" بحسب رؤية بانون ارتياح الولايات المتحدة للوضع الراهن، واستراتيجية إيران "القاصرة عن الحرب" والتي أخذت المجابهة باتجاه حافة الهاوية.

ويعتقد بانون أن ترامب أراد إرجاع إيران خطوات إلى الوراء وعزلها، بإخرجها من العراق، ومن سوريا، ومن لبنان واليمن.

ويؤكد مسؤول كبير في البيت الأبيض: "أن الكثيرين من كبار مستشاري الرئيس، وبخاصة أولئك الذين ينتمون إلى مجال الأمن القومي، قلقون للغاية من طبيعته المتقلبة، وجهله النسبي، وعدم قدرته على التعلّم، إضافة إلى ما يعتبرونه وجهات نظره الخطرة".