"الأشياء تتداعى".. إحدى روائع الأدب الأفريقي المقاوم

وصف الزعيم نيلسون مانديلا الأديب النيجيري تشنوا أتشيبي بأنه "الكاتب الذي انهارت جدران السجن في صحبته". فقد قرأ مانديلا روايات الأديب الراحل خلال أعوام سجنه الطويلة.

"الأشياء تتداعى" من روائع الأدب الافريقي المقاوم

استطاعت رواية "الأشياء تتداعى" للكاتب النيجيري "تشنوا أتشيبي"، الصادرة عن "هيئة قصور الثقافة"، ترجمة عبدالسلام إبراهيم في مصر، أن تظهر الوجه الحقيقي للأفارقه، والتأكيد بأن لهم حضارة ذات جذور عميقة، وأن تعطي صورة عن تركيبة العلاقات الافريقية – الإستعمارية.

تؤرخ أيضاً لكيفية محاولة الشعوب الأفريقية الدفاع عن هويتها. فأصبحت مقرراً أساسياً في مدارس القارة السوداء، وتتداولها جميع الدول الناطقة بالإنكليزية.

تدرّس في أغلب الجامعات، وخاصة في بريطانيا. فضلاً أنها أصبحت من روائع الأدب العالمي وأكثرها شهرة. وتمت ترجمتها إلى 50 لغة. واختارتها قائمة علي المزرعي لأفضل مائة كتاب افريقي عام 2002 على رأس أفضل اثنى عشر كتاباً.

وقد وصف الزعيم نيلسون مانديلا "تشنوا أتشيبي" بأنه "الكاتب الذي انهارت جدران السجن في صحبته". فقد قرأ مانديلا روايات الأديب الراحل خلال أعوام سجنه الطويلة.

ترجع الروائية النيجيرية  "إفيوما شنوبا" سر نجاح "الأشياء تتداعى": "بأنها تسجّل الحياة ببساطتها القديمة ونقاوتها الأصلية، وتعد علامة مميزة وفارقة فى الأدب النيجيرى لأنها كانت أولى مطبوعات سلسلة الكتاب الأفارقة، وأوضحت معالم الطريق لمن جاءوا بعد أتشيبى، وفتحت الباب ليدخل منه أفارقة آخرون يكتبون ويوثقون مشاعرهم وأحاسيسهم ، ويقومون أيضاً بإرسال رسائلهم. فالكاتب النيجيرى عادة ما يكون صاحب رسالة".  

أحدثت رواية "الأشياء تتداعى" التي صدرت عام 1958، دوياً هائلاً  ليس في أفريقيا وحسب، بل في العالم. فكانت أول رواية أفريقية تستجيب للتحدي الإستعماري وترد على الخطاب الإستعلائي، وبالأخص منها المتمظهر أدبياً، وبالتحديد رواية "قلب الظلام" للكاتب جوزيف كونراد، التي أحدثت جدلاً واسعاً مع غيرها من الروايات الغربية التي شوهت المجتمع الافريقي.

يقول "تشنوا أتشيبي" عن رواية "قلب الظلام": قد يظن البعض أنني أقول : لا تقرأوا كونراد، وهذا ليس صحيحاً أبدا، فأنا اليوم أَدرّس برنامجاً دراسيا عن كونراد وروايته "قلب الظلام"

ويضيف "تشنوا أتشيبي" السؤال عن رواية "قلب الظلام": قولوا لي هل تجدون أية ملامح إنسانية فيها ؟ قد يقول قائل ان كونراد كان دوما معارضاُ للإمبريالية، و لكن هل ثمة من معنى و هو المعارض المفترض للإمبريالية ان يصف الأفارقة بأنهم " كلاب تقف على قوائمها الخلفية".

 وقد أُعتُبرت  رواية "الأشياء تتداعى" نموذجاً لأدب الرد بالكتابة، فوضع "تشنوا أتشيبي" خطة استراتيجية متكاملة تتخذ  من أدوات المستعمر الأبيض وسيلة للرد على مشروعه. وقد ساعده في ذلك غوصه العميق في الثقافة الغربية، وبالأخص منها البريطانية. إلا فما معنى أن يكون عنوان الرواية مقتبساً من قصيدة للشاعر الإيرلندي (ييتس)، وجاء فيها:


الأشياء تتداعى
المركز لم يعد في استطاعته التماسك
الفوضى الشاملة تعم العالم
إذ يلتف الصقر ويلتف بدولاب الأكوان
بحركات متباعدة في الدوران 
تتداعى الأشياء

 

لم تكن رواية "الأشياء تتداعى" مجرد رد على الغرب فحسب، بل رسالة تاريخية موجهة للغرب. وإلا لماذا تكتب الروائية رضوى عاشور على غلاف دراستها عن الأدب الأفريقي كلمتين تلخصان كل شيء "التابع ينهض". فالفضل يعود إلى "تشنوا أتشيبي" بحسب دراستها.

تتحدث الرواية عن الحياة في غرب مدينة أونيتشا على الضفة الشرقية لنهر النيجر، في شرق نيجيريا، والتغيرات الإجتماعية والسياسية لقبائل "الإيبوا"،التي ينتمي إليها "تشنوا أتشيبي" على مدار ثلاثة أجيال: المواجه للإستعمار، المحتك به، والثالث الذي عاش الإستقلال والهزات التي تعرضت له البلاد بعد هذه الفترة.

تستعرض الرواية المشاكل التي مر فيها بطل الرواية "اوكونكو" أحد شيوخ قبائل "الايبوا" ، والتي عوقب عليها بالنفي سبع سنوات، من ضربه لزوجته في مناسبة يحرم فيها الضرب، إلى إطلاقه النار على زوجته الاخرى، وقتله صبياً صغيراً عُهد اليه، واَخر قتله من أبناء عشيرته برصاصة طائشة من بندقيته.

وعندما يعود "أوكونكو" إلى قريته، يكتشف أن المبشرين أقاموا الكنائس وعسكروا في قريته،. ويقع الصراع بين المنتمين لدين الأبيض وبين أبناء القبائل الذين حافظوا على أرواح أجدادهم.

يغضب "اوكونكو" ويبدأ في مواجهة المستعمرين، ويقتل مبعوثاً منهم حضر لإيقاف إجتماعاً دعا له "اوكونكو".

وسرعان ما يجد "ازكونكو" الذي يحظى باحترام أهل قريته، نفسه وحيداً في هذا الصراع مع جهتين: الأولى مع المبشرين الإنكليز الذين جاء بهم الإستعمار، والثاني مع أبناء جلدته الذين دخلوا الدين الجديد. فقد انقسم القرويون، وانهارت الحياة القبلية التقليدية في مواجهة الإستعمار.

تنتهي الرواية بأن يشنق "اوكونكو" نفسه على شجرة. فيرفض أبناء قبيلته إنزال جثته عنها واستلامها، بناءً على معتقدات القبيلة التي تنظر إلى من يقتل نفسه يعد ملوثاً.

ولذلك يطلبون من المستعمر إنزاله ودفنه. ويعتبر "تشنوا أتشيبي" موقف القبيلة هذا، دلالة واضحة على  مدى إباء وإيمان القبيلة الأفريقية بثقافتها العميقة ومعتقداتها الراسخة التي تمثل مرتكزاً ينبغي المحافظة عليه، رغم التداعي الكامل لمنظومة الثقافة الافريقية.

ومع أن "تشنوا أتشيبي" يخلص إلى اتهام شعبه بالجبن في مواجهة الإستعمار، إلا أنه يظهر الثقافة الأفريقية ملئ بالامثال والحكم، وأنها أكثر تسامحاً من الثقافة الغربية، حيث أباد المستعمرون قبيلة كاملة لقتلها أحد المبشرين بالخطأ.

تشكّل رواية "الاشياء تتداعى"، و"لم يعد هناك إحساس بالراحة" (1960)، و"سهم الله" عام 1964، ثلاثية تظهر أفريقيا غير مستقلة في  القبيلة التقليدية.

تتناول رواية "لم يعد هناك إحساس بالراحة" شخصية الحفيد "أوبي أوكنكو" بمشهد لمحاكمته  بتهمة تلقي الرشاوى لتسهيل حصول بعض الطلاب على منح وبعثات لإنكلترا. 

بعدما تتحول "أوبي أوكنكو" في رحلته إلى إفريقيا من شخص محب للخير والسلام إلى إنسان يفقد سلامه الروحي، وفي الوقت نفسه لا يستطيع أن يعود أدراجه إلى ممالكه القديمة، وهذا ما دعا أحد النقاد "إلى أن يصف هذه الرواية بأنها بمثابة الرواية الضد، أو المحاكاة لرواية جوزيف كونراد الشهيرة "قلب الظلام" ، ولذلك "لم يعد هناك إحساس بالراحة".

أما رواية "سهم الله" فتتناول التبشير، وتتحدث عن كاهن وثني أعجب بالرجل اللأبيض، فقرر إرسال إبنه إلى مدرسة المبشرين حتى يتعلّم أسرار ذكائهم وقوتهم ، ويصبح عين أبيه، ولكنه يصطدم بأن الأبن يتعلق بالمسيحية، ويزدري دين أبيه، ويبدأ صدامه مع السلطة.

للكاتب الأفريقي "تشنوا أتشيبي" خمس روايات ومجموعة قصصية وأخرى شعرية. إلا أن رواية "الأشياء تتداعى"، هي روايته الوحيدة، التي ارتبطت به ، مثلما ارتبط الطيب صالح، بـ"موسم الهجرة للشمال"، ونجيب محفوظ بثلاثيته، وماركير بروايته "مئة عام من العزلة".