اختراع شعب وتفكيك آخر.. عوامل القوة والمقاومة والضعف والخضوع

قدم الكاتب تشريحًا للفكرة الصهيونية الأساس التي خرجت من رحمها دولة الاحتلال، واستطاع تتبع المراحل الخبيثة التي سار عليها الصهاينة منذ نشأتهم إلى الآن، محذراً من مخاطر يهودية الدولة.

  • كتاب
    كتاب "اختراع شعب وتفكيك آخر: عوامل القوة والمقاومة والضعف والخضوع"

الكتاب "اختراع شعب وتفكيك آخر عوامل القوة والمقاومة - والضعف والخضوع"

تأليف: الدكتور مهند عبد الحميد

الناشر: المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات). 

الطبعة الأولى

مراجعة: وائل زكارنة |

تناول الكثير من الكتاب والباحثين جوانب متعددة من القضية الفلسطينية برمتها، وعرّجوا على أبرز المحطات في تاريخها ومعاناة شعبها والمؤامرات التي حيكت حولها، لكن الكاتب مهند عبد الحميد وفي كتابه الذي نتناوله بين أيدينا يعرض لقضايا في غاية الخطورة قلما تطرق إليها الباحثون من قبل، سنأتي على ذكرها بشيء من التفصيل.

صدرت الطبعة الأولى من كتاب "اختراع شعب وتفكيك آخر عوامل القوة والمقاومة - والضعف والخضوع" لدكتور مهند عبد الحميد في رام الله، في آب / أغسطس 2015، عن المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات). ويحتوي الكتاب المكوّن من 204 صفحات من الحجم المتوسط، على ستة فصول رئيسة يتناول فيها الخبير في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي أبرز القضايا الشائكة في تاريخ القضية الفلسطينية، مفندًا الرواية الصهيونية تارةً ومحاكمًا عملية التسوية السياسية تارةً أخرى.  

المتمعن في قراءة الكتاب تتراقص أمامه فكرة رئيسة في كل ثنايا الكتاب مفادها أن المؤسسة الرسمية الإسرائيلية تسعى لحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته الوطنية، وأن هذه القضية لم تكن وليدة اللحظة بل ولدت ونشأت مع نشوء الفكر الصهيوني، فالعقيدة الصهيونية كان ديدنها ولا يزال اختراع شعب وتفكيك شعب آخر.

محتويات الكتاب

يحاول الكاتب في مقدمته إيصال الأفكار الرئيسة وعرض القضايا البارزة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ ما قبل البدايات وصولاً إلى التسوية السياسية واتفاق أوسلو وما جلبه من دمار على القضية الفلسطينية. ويحاول الباحث، بجهدٍ كبير تفنيد الروايات والميثات الإسرائيلية التي أقاموا عليها دولتهم وفكرهم، مبينًا بين الحين والآخر أدوار اللاعبين الأساسيين في تمرير المؤامرة الصهيونية من بريطانيين وأمركيين وبعض قوى الغرب وكثير من العرب، بانيًا كل ما سلف على الأسس الكولونيالية الاستعمارية التي غزت منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في العقود السابقة.

التمهيد الاستعماري ودور الاستشراق

يقدم الكاتب في الفصل الأول بشكل تاريخي مفصل ومدعم بالأدلة دور الاستعمار بمجمله على المنطقة العربية، وعلى القضية الفلسطينية تحديدًا، ولا يغفل دور الاستشراق الذي مهد للاستعمار عبر دراسته للمنطقة بما يزيد عن ستين ألف كتاب تبنت في معظمها التناخ[1] والتلمود[2] كمرجعين تاريخيين رئيسين، ما أدى إلى دراسة التراث الفلسطيني من جانب واحد؛ ألا وهو الرواية الإسرائيلية.

ومن النقاط الهامة البارزة التي أثارها الكاتب أن رسم الخرائط وأعمال المسح الميدانية من قبل الباحثين الغربيين كانت نقطة ارتكاز للمشروع الصهيوني الذي استفاد من أعمال المستشرقين ووظفها إلى حد كبير. وضمن هذا السياق نشأت وانطلقت فكرة البحث عن "إسرائيل القديمة". 

كما يضع الكاتب علامات استفهام كبيرة حول مواقف الاتحاد السوفياتي في تلك الحقبة الزمنية وعن دوره في تمرير المشروع الصهيوني. وهنا يستعرض الكاتب مواقف القيادات والمؤسسين وحتى الإعلاميين الصهاينة الرافضة بالكامل وصف "إسرائيل" بالكولونيالية، مستندين في ذلك على فكر أيديولوجي مستند على أساطير التوراة والتلمود والتناخ الذي يعطي الحق لليهود بالعودة إلى أرض الميعاد. 

اختراع شعب يهودي كأداة للاستيطان

يفند الكاتب في هذا الفصل الثاني الميثات والأساطير الصهيونية التي استعملها كسلاح سحري لاختراع شعب يهودي وجلبه ليستوطن أرض فلسطين، مستعينًا بمراجع يهودية تنفي أن يكون اليهود المنتشرون في كل أرجاء الدنيا شعبًا واحدًا كما تدعي الروايات الصهيونية المبنية على التناخ وكأنه كتاب تاريخي موثق يعطي الغطاء الأيديولوجي لاختراع هذا الشعب المزعوم. 

ومن أبرز هذه الميثات: ميثة احتلال أرض كنعان وميثة الخروج من مصر وميثة اختراع المنفى، حيث يتوقف بشيء من التفصيل عند هذه الميثة ويفندها بطريقة لا تقبل الشك بحيث اعتمدها الصهاينة كركيزة للميثة الأساس وهي ميثة العودة إلى الوطن. 

وعليه فقد سعت المؤسسة الإسرائيلية إلى محو كل ماضٍ يتناقض مع الرواية الصهيونية.

احتلال تاريخ الأرض لتسويغ احتلالها وامتلاكها

ينطلق الكاتب في الفصل الثالث إلى دحض الرواية التاريخية الصهيونية التي اخترعها الصهاينة من ميثة "أرض إسرائيل"، مبينًا أن أي علاقة دينية بمركز مقدس لا تجيز ولا تعطي حقوق الملكية عليه. ثم يعرض الكاتب لدور الاستعمار البريطاني في منح السيطرة للصهاينة على الأرض من خلال وعد بلفور وما أعقب ذلك من تعزيز للقرار في عصبة الأمم المتحدة. ثم يقدم الكاتب عرضاً لمراحل السيطرة على الأرض، ويبدأ من تسهيل البريطانيين لعمليات تسريب الأراضي، مروراً بمرحلة البيع المباشر من ملاك عرب وفلسطينيين، وصولًا إلى قرار التقسيم. ثم المرحلة الثانية من السيطرة على الأرض التي بدأت بحرب سنة 1967، التي أدت إلى احتلال ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، والصراع الذي تلا ذلك على هذه الأرض.

ثم يوضح الكاتب في عجالة حقيقة بيع الأرض ومشاركة المقاولين الفلسطينيين في بناء القسم الأكبر من المستوطنات، وتقصير منظمة التحرير والمفاوض الفلسطيني أثناء مفاوضات السلام بالجانب الأهم، ألا وهو السيطرة على الأرض التي تخطط لها "إسرائيل" والتي تريد أن تصل إلى يهودية الدولة كتتويج ليهودية الأرض والشعب. 

تفكيك الشعب الفلسطيني وإقصاؤه

ينطلق الكاتب في الفصل الرابع من الفكرة الأساس التي تقوم عليها "إسرائيل"، ألا وهي اختراع شعب وتفكيك آخر، مقسمًا إياها إلى عدة نقاط أبرزها: 

1.    احتـلال أرض الغيـر واسـتبدال شـعب بشـعب وثقافـة بثقافـة عمـل مقـدس أمـر بـه اللـه.

2.    فكرة "إسرائيل" تجسّد مشيئة الله في أرض كنعان وأهلها وثقافتها.

3.    المسـتوطنون اليهـود هـم اسـتثناء وجـودي يحتكـر لنفسـه الاضطلاع بـإرادة اللـه، ويختص وحــده بتنفيذها.

4.     إن معاملــة الســكان الأصليين لا تخضــع للقوانيــن الأخلاقية أو الإنسانية العامــة أو المبـادئ العقليـة، بـل تحكمهـا التجربـة السـابقة لـ"إسرائيل" مـع الكنعانييـن، عليهـم أن يرحلــوا ويتلاشوا مــن الوجــود وهــذا قدرهــم.

ولعل الفقرة الأخيرة تلخص ما يريد الكاتب إيصاله في هذا الفصل من كتابه، من خلال توضيح خطة التطهير العرقي التي اتبعتها "إسرائيل" عبر مراحل متلاحقة من تاريخ القضية الفلسطينية، مستعرضاً نتائجها وموقف الاستعمار البريطاني منها بشيءٍ من التفصيل. 

ثم يوضح الكاتب عدة محاور رئيسة في الموضوع ذاته مبيناً دور صفقات الأسلحة في حسم المعركة، معرجاً على عجز وتواطؤ الأنظمة العربية، منتقلاً إلى مواضيع سلخ الأقليات من المجتمع الفلسطيني كالدروز والشركس وغيرهم، وسلخ اليهود الفلسطينيين عن مجتمعهم الأصلي، وصولًا إلى سلخ اليهود العرب عن مجتمعاتهم.

كل ما سلف، بالإضافة إلى استمرار سياسات المحو والإنكار، أدى إلى تحول تلك السياسات إلى ثقافة إسرائيلية سائدة تدعو إلى تفكيك الشعب الفلسطيني ومحاولة سلخه عن تاريخه وأرضه وهويته، بالإضافة إلى تساوق النظام الدولي العالمي مع نتائج تلك السياسات ومصادقته عليها في محاولات أممية لحسم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

الثورة الفلسطينية واستعادة الهوية الوطنية والدور المستقل

يبدأ الكاتب فصله الخامس بتساؤل مباشر عن مغزى دور المبادرة العربية لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، ويلمح إلى أنه كانت محاولة من الدول العربية لجعلها تدور في فلك بعض الدول، إلا أن تشكيل المنظمة أعاد الاعتبار للهوية الوطنية الفلسطينية، وخصوصًا بعد أن ارتأت حركة فتح أن الكفاح المسلح هو الكفيل بتغيير الأوضاع العربية. 

ثم يبدي الكاتب رأيه في النخب المستدامة التي تزعمت الحركة الوطنية بعد تراجع الكفاح المسلح بعد غزو لبنان وهزيمة قوات المنظمة، إلا أن هذه النخب أفقدت المنظمة قدرة السيطرة الاجتماعية على أكثرية الشعب بحسب تعبيره. وأدى ذلك في المحصلة إلى الانسحاب التدريجـي مـن شـبكة علاقات حركـة التحـرر الوطنـي فلسـطينيًا وعربيـًا ودوليـًا، والدخـول فـي شـبكة علاقات النظـام الدولـي الرسـمي، واستجداء الرضـا الأميركي.

السلام الأميركي وسلام أوسلو.. التنازل آلية للتحرر

يخضع الكاتب في الفصل السادس عملية التسوية لمحاكمة تاريخية واضحة المعالم مرتكزًا فيها على الوقائع والأحداث والسياسات التي مرت بها القضية الفلسطينية في مرحلة التسوية، مبتدئًا بالمبررات الفلسطينية للمشاركة في السلام الأميركي، والبداية الخاطئة التي انطلقت منها عملية التسوية برغم علم القيادة أن "إسرائيل" لن تسمح بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة، متسائلًا في الفصل ذاته عما إذا كانت القيادة الفلسطينية تجهل السياسة الأميركية أم أنها التقت وإياها في المصالح؟ 

ثم يأتي الباحث على اتفاق أوسلو بشيء من التفنيد والنقد للقيادة الفلسطينية المفاوضة التي كانت في غاية التفاؤل في بداية الأمر، ثم تبين في نهاية الأمر أن الاتفاق لم يعدُ كونه مصيدة لتصفية القضية الفلسطينية. 

بعد ذلك يأتي الكاتب على ذكر سلسلة التنازلات الفلسطينية، مثل التزام القيادة بالشروط الأميركية الكاملة، واعتراف المنظمة بـ"دولة إسرائيل"، ومن ثم نبذ الإرهاب حسب المفهوم الأميركي الذي يعني التخلي عن الكفاح المسلح والذي أفضى في محصلة الأمر إلى تخلي المنظمة عن كل أشكال التصدي للمشروع الصهيوني.

ثم يعرض الكاتب النتائج الناجمة عن اتفاق أوسلو كما يأتي:

1.    خلق وقائع جديدة: والتي كان أهمها:

أ‌.       التغول الاستيطاني.

ب‌.   جدار الفصل العنصري.

ت‌.   تعميق علاقات التبعية الاقتصادية 

2.    السلام الاقتصادي: يتحدث الكاتب في هذا المحور عن رهـان جديـد يتمحـور حـول إنشـاء إدارة وبنـاء اقتصـاد يسـتطيعان اسـتقطاب دعـم الأسرة الدولية. ويتحدث بشيء من الإسهاب عن الأهداف غير المعلنة والنتائج المباشرة للسلام الاقتصادي.

3.    استبدال شرطي أبيض بآخر أصلاني: يأتي الكاتب هنا على نقد واسع وشامل لأداء المنظمة والمؤسسات والنقابات التابعة لها، وينتقد اتخاذها الشكل الجديد المتساوق مع النظام الدولي وابتعادها عن المهنية والشفافية وكذا ينتقد الأداء السياسي الهش لفصائل المنظمة وتشكيلاتها.

4.    نموذج أول سلطة فلسطينية رسمية على الأرض الفلسطينية: يعرض الكاتب هنا إلى إخفاقات السلطة التي كان من المتوقع أن تعزز ثقــة الشـعب بالمؤسسـة والمشـروع الوطنـي مــن خلال إشــراك الشــعب فــي إعــادة البنــاء، وفــي الدفــاع عــن الحقــوق وتعزيــز الصمــود وتخفيــف المعانــاة، إلا أن ما حدث كان عكـس المطلـوب، حيث أقامـت القيـادة بنيـة إداريـة وأجهـزة متعـددة غيـر مرتبطـة بحاجـة المجتمــع وغيــر قــادرة علــى التطــور بحسب تعبيره. كما يستعرض الأخطاء المتعددة التي رافقت أداء السلطة الفلسطينية كتمويل السلطة لحركة فتح وأعضائها ونقل أزمة فتح إلى السلطة، وإغداق الرتب العسكرية والترقيات المدنية وخلق نظام يشبه الأنظمة العربية المتهالكة.

التفاوض من دون استراتيجية تفاوض

5.    التفاوض من دون استراتيجية تفاوض: ينتقد الكاتب بشدة انتقال المفاوضات إلى المراحل النهائية قبل تطبيق الاتفاقات المرحلية، كما ينتقد تجاوز المفاوض الفلسطيني لأسس التفاوض الموضوعة أصلاً في كتاب الدكتور صائب عريقات كدليل حاول الكاتب تقديمه.

6.    معارضة اتفاق أوسلو: يحاول الكاتب إثبات أن المعارضة الأبرز والأهم لاتفاق أوسلو كانت المعارضة على جبهة الفكر والثقافة، ذاكرًا آراء أهم المفكرين والسياسيين في فلسطين والعالم العربي مثل: البروفيسور وليد الخالدي والمفكر إدوارد سعيد والكاتب محمد حسنين هيكل وغيرهم، الذين أجمعوا على انتقاد الاتفاق ورفضه ومعارضته. ويعــود ذلــك إلــى اتفــاق المثقفيــن المعارضيــن والصامتيــن، المعتدلــون منهــم والمتشــددون، علـى ارتـكاب القيـادة التاريخيـة مغامـرة غيـر مدروسـة بحسب تعبيره. 

المعارضة السياسة الباهتة 

كما يتناول الكاتب تحت عنوان المعارضة السياسة الباهتة محورين رئيسين هما: 

1.    المعارضة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية: يعدد الكاتب الفصائل المنضوية تحت إطار المنظمة والتي عارضت الاتفاق، ثم يشرح كيف استفادت أغلبها من الاتفاق وكأنها أرادت مـد سياسـة الكوتـا، ثم يوضح لماذا بقيت المعارضة اليسارية ضعيفة وباهتة.

2.    معارضة قوى الإسلام السياسي: يشرح الكاتب كيف عارضت حركتا حماس والجهاد الإسلامي الاتفاق، ومن ثم محاولتهما إسقاط الاتفاق عبر عمليات في العمق الإسرائيلي تستهدف "المدنيين" بحسب تعبيره. ثم يتساءل: لمــاذا لــم تعــطِ حمــاس والجهــاد الإسلامي فرصــة زمنيــة للحــل السياسـي قبـل أن تشـن هجماتهـا؟ والأهم، لمـاذا لــم تركــز المقاومــة عملياتهــا علــى الجنــود والمســتوطنين والمســتوطنات فــي الضفــة والقطــاع؛ تلـك الأراضي التـي يعتبرهـا القانـون الدولـي محتلـة؟ ليخلص في المحصلة إلى أن تلك العمليات كانت نتيجـة للصـراع السـلطوي داخـل الصفـوف الفلسـطينية. 

3.    وفي السياق ذاته ينوّه الكاتب إلى صعـود حركة حمـاس إلـى السـلطة الذي غيـّر مـن استراتيجيتها المعلنـة، لجهـة:

أولًا: الدخـول فـي سـلطة أساسها اتفـاق أوسـلو، وهـذا يتناقـض مـع تحريـم الاتفاق. 

ثانيـاً: وقـف المقاومـة مـن خـال التهدئـة مـع بقـاء الاحتلال، وهـذا يتناقـض مـع نقدهـا الشـديد لحركـة فتـح عندمـا انتقلـت مـن المقاومـة إلـى العملية السياسـية مـع بقـاء الاحتلال، وصولاً إلى الانقسام المدمر الذي أضعف النضال الفلسطيني ولايزال يصب في مصلحة المحتل.

الخاتمة: 

قدم الكاتب تشريحًا للفكرة الصهيونية الأساس التي خرجت من رحمها دولة الاحتلال، واستطاع تتبع المراحل الخبيثة التي سار عليها الصهاينة منذ نشأتهم إلى الآن، محذراً من مخاطر يهودية الدولة وما يترتب عليها من تداعيات تحمل في طياتها الفكر الكولونيالي الصهيوني. ويُحسب للكاتب هذه الإضافة الجديدة عن عملية الاختراع والتفكيك التي لم يتم التطرق لها بهذا التفصيل من قبل الباحثين الفلسطينيين والعرب. 

ومن اللافت أيضًا أنه قدم تحليلات وخلص إلى نتائج تعدت السرد التاريخي للحالة الفلسطينية أو وصفًا مجردًا لسلوك العقل الصهيوني ومؤامراته، كما يحسب للكاتب أيضا وقوفه على مسافة واحدة من جميع الأحزاب والفصائل الفلسطينية وتقديم الجميع لمحاكمة تاريخية عادلة، كان أبرزها وأهمها محاكمة اتفاق أوسلو.

لكن، يؤخذ على الكاتب بعض الأمور من وجهة نظر المراجع، يمكن اختصارها فيما يأتي:

1.    استخدام الكاتب المكثف لمصطلحات سياسية وتاريخية وإعلامية غربية الأصل دون شرح لها في الهامش.

2.    تأثر الكاتب الشديد بالمفكر إدوارد سعيد، حتى بدا في محطات كثيرة وكأننا نطالع كتاب إدوارد سعيد (الاستشراق).

3.    قدم الكاتب جلدًا حقيقيًا للذات الفلسطينية، مستعرضًا جميع السلبيات في تاريخ الحركة الوطنية، في الوقت الذي لم يذكر فيه الجوانب الإيجابية لصمود وثبات الشعب الفلسطيني وإدراكه لجميع المؤامرات.

4.    لم يتطرق الكاتب إلى الدور العثماني الرافض لبيع أو تهويد فلسطين.

5.    أخيرًا: لم يقترح الكاتب أي حل للخروج من الحالة الفلسطينية الحالية المترهلة، كالانقسام الفلسطيني وتوقف المقاومة والمفاوضات على حد سواء.

* وائل زكارنة كاتب فلسطيني. 

 
[1] التناخ: هو (ت ن خ): كلمة مركبة من ثلاث أحرف (رؤوس الكلمات) كل منها بداية لاسم مجموعة من الكتب وهى (توراة – نفيئيم – كتوفيم/ ختوفيم) تمثل الكتاب المقدس اليهودى، وهو أكثر أسماء الكتاب المقدس العبرى شيوعا فى الأوساط العلمية، وأحيانا يسمى التناخ المقرأ. أى إنها مكونة من ثلاثة أقسام، هى: - التوراة (توراة): قسم الشريعة،والأنبياء: (نيفيئيم): قسم الأنبياء، الكتابات (كتوفيم): قسم الأدبيات، لمزيد من المعلومات،أنظر: أحمد إبراهيم الشريف، ليست التوراة فقط.. اعرف الكتب المقدسة عند اليهود.. وما المقصود بـ "تناخ"؟، 25أيار/مايو2019، https://www.youm7.com/story/2019/5/25 /4257187
[2] التلمود: فأصل كلمة تلمود تعني (علم ودرس)، والتلمود هو مجموعة قواعد، ووصايا، وشرائع دينية وأدبية ومدنية وشروح وتفاسير وتعاليم وروايات كانت تنقل وتدرس شفهياً ثم دونت بعد ذلك، لمزيد من المعلومات أنظر: فكـري جواد عبـد، كتاب التلمود -وأثره في الفكر اليهودي، مجلة مركز دراسات الكوفة / جامعة الكوفة، العدد السادس، 2007، ص225.