هل يتطوَّر الاشتباك بين الهند والصّين إلى مواجهة أوسع؟

الأحداث الأخيرة على الحدود بين الهند والصين تؤشر إلى مخاطر على الأمن في المنطقة، وعلى العلاقات المشتركة بين العملاقين الشرقيين. ماذا يحدث هناك ميدانياً؟ وما الأبعاد السياسية للتحركات العسكرية التي تنشط؟ وهل هي مرجّحة إلى التطوّر؟

  • الوضع على طول الضفاف الشمالية لبحيرة بانغونغ في لاداخ لا يزال متوتراً
    الوضع على طول الضفاف الشمالية لبحيرة بانغونغ في لاداخ لا يزال متوتراً

منذ بداية شهر أيار/مايو الفائت، كثر الجدل حول الأحداث التي تشهدها الحدود المتنازع عليها بين الصين والهند، وخصوصاً بعد تداول مقاطع فيديو تظهر توترات بين الصينيين والهنود، من دون أن يكون ذلك مصحوباً بتوترات سياسية رسمية من الجانبين، الأمر الذي زاد من ضبابية المشهد، وفتح المجال أمام التكهنات والتحليلات والكثير من الشائعات المتضاربة.

وبعيداً من الأخبار المزيفة التي تحدثت عن اجتياح صيني محدود للمنطقة، فإن معطياتٍ أكثر مصداقيةً أشارت إلى أنّ الصّين والهند عزّزتا بشكل كبير موقفيهما على جانبي الحدود. تلت ذلك سلسلة من المحادثات بين القادة العسكريين، بهدف إيجاد حلٍ للوضع الحاليّ الّذي يلوح باحتمالات خطرة، وهو ما أكَّدته الاشتباكات الّتي وقعت في منتصف حزيران/يونيو، والتي كانت أوضح تعبيرٍ عن الطّبيعة المتوتّرة للواقع الميداني من جهة، وللتحدّيات المستمرّة أمام الدّولتين لإيجاد حل من جهة ثانية.

كيف سارت الأحداث ميدانياً؟

إنّ غياب التعليق الرسمي حول التطورات على الأرض من الجانبين، إضافةً إلى التضاريس الجبلية في المنطقة، والانتشار الجغرافي الواسع لمختلف نقاط الاشتباك، يجعل من الصعب بناء صورة دقيقة للوضع على الأرض، لكن ما أصبح مؤكداً من خلال البحث في كلّ المعلومات الواردة من هناك، أنّ المواجهات الأخيرة وقعت في 4 نقاط رئيسيّة على طول المنطقة المتنازع عليها: بحيرة بانغونغ، وادي نهر غالوان، منطقة جوجرا على طول حدود لاداخ، وبالقرب من ناكو في منطقة سيكيم.

وبينما تمت تهدئة التوترات في هذه النقاط، من خلال الحوار الثنائي على مدى الأسابيع القليلة الماضية، فإن الوضع على طول الضفاف الشمالية لبحيرة بانغونغ في لاداخ، حيث بدأت المواجهات، لا يزال متوتراً.

في التفاصيل الميدانية للمشكلة، تتداخل المطالبات الصينية والهندية بشكل كبير في هذا الجزء من منطقة النزاع، لكن لا يعترف أحد من الجانبين رسمياً بمدى مطالباتهما المتداخلة على طول بحيرة بانغونغ، ففي حين تصف الهند المنطقة المتنازع عليها بأنها "أصابع"، في إشارةٍ إلى 8 نتوءات متتالية من الأرض في البحيرة، وتؤكّد أنّ منطقة الخلاف تبدأ عند نقطة الإصبع الثامن، تقول الصين إن الخلاف يبدأ من منطقة الإصبع الثاني التي تهيمن عليها الهند.

في بداية العام الحالي، كان آخر موقع متقدم للهند يقع عند منطقة الإصبع الثالث، بينما كانت الصين عند منطقة الإصبع الثامن. وكانت كلّ من الدولتين تقوم بدوريات بانتظام في المنطقة بين الأصابع 4 و8 لدعم موقفيهما، ولكنَّ أياً منهما لم يحتل المنطقة بشكل دائم.

حدث الاشتباك الأول في الخامس والسادس من أيار/مايو الماضي، وكانت وسائل الإعلام الهندية هي السبّاقة إلى إذاعة الخبر الذي أدى إلى إصابة جنود من الجانبين. ومنذ ذلك الحين، قام الطرفان "بتدخلات" أخرى، ولا سيّما في 21 و22 مايو/أيار، إلا أنها كانت عمليات استطلاع صغيرة، ولم تشمل أيّ احتلال للأراضي.

القادة العسكريون من الدولتين تحركوا في محاولة لكبح جماح الوضع، في مشهد نادر للحوار العسكريّ رفيع المستوى هناك، حيث التقى قادة الفيلق 14 الهندي ومسؤولو منطقة شينجيانغ العسكرية الجنوبية الصينية في 6 يونيو/حزيران في شرق لاداخ.

واجتمع المسؤولون العسكريون من المستوى المتوسط ​​والمنخفض أيضاً في 10 حزيران/يونيو قبل الجولة الثانية المحتملة من محادثات القادة رفيعي المستوى. ونتيجة لذلك، يبدو أن القوات الهندية والصينية "انسحبت على الأرض في مواقع متعددة في شرق لاداخ"، حيث وافق الجانبان على سحب قواتهما من مساحة النزاع في مناطق وادي غالوان، ونقطة الدورية 15، والينابيع الساخنة في شرق لاداخ بمقدار 2-2.5 كلم. ورغم ذلك، لم يتم ذكر الخلاف على طول الشاطئ الشمالي لبحيرة بانغونغ في محادثات 6 حزيران/يونيو، ما يشير إلى أن الخلاف بين الجانبين لم يتم حله، وأن عملية تعزيز القوات مستمرة. 

لكن تزايد المخاطر على الأرض يدفع الدولتين الآن إلى رفع مستوى تدخّل مسؤوليهما وتأهّب أجهزتهما لحل المسألة، فبعد وقوع قتلى في أحدث اشتباك في وادي غالوان، تم الارتقاء بالمحادثات الثنائية إلى مستوى وزير الخارجية.

حجم التجهيز الميداني 

لدى جيش التحرير الشعبي الصيني 3 تشكيلات للدفاع عن الحدود، مقرها بالقرب من المناطق المعنية في أكساي تشين، لكن الأعداد الفعلية للجنود في هذه المنطقة لا تبدو مناسبةً لنشوب نزاع على نطاق أوسع مما هو الآن، حيث إن إجمالي قوات جيش التحرير الشعبي في المنطقة لا يتجاوز 1500 جندي.

ولكن إضافةً إلى قوات الحدود، قام جيش التحرير الشعبي بتعبئة قوات قتالية تقليدية إضافية من قوات الاحتياط التشغيلي لمنطقة شينجيانغ العسكرية الجنوبية. وفي مواجهة منطقة "دوكلام" في العام 2017، بدا أن تصرفات جيش التحرير الشعبي تمت بنمطٍ مشابه مع قوات الحدود على خط المواجهة، ولكن مع تشكيلات مناورة منتظمة منتشرة مرة أخرى كاحتياطي.

بحلول نهاية أيار/مايو، تم نشر دبابات القتال الرئيسية وبطاريات المدفعية في المواقع الصينية الحالية شمال جوجرا وشرقها. هذا المزيج من الدروع الثقيلة والمدفعية المتحركة نادر جداً الآن في جيش التحرير الشعبي الصيني بعد إعادة تنظيمه الأخيرة، ولكنه متسق مع حيازات المعدات المعروفة في الجيش. 

وفي قطاع نهر غالوان، تم سحب انتشار صيني صغير جداً في نقطة الدورية 14 (PP14) بحلول نهاية أيار/مايو، مع إنشاء معسكر لجيش التحرير الشعبي على بعد 3 كيلومترات في الأراضي التي احتلتها الصين. وهناك القليل من الدلائل على أن هذه المفرزة مجهزة بالدروع أو المدفعية المستعدة لعملٍ أوسع، لكن لماذا نركّز على هذا التفصيل؟

إنّ التجهيز الميداني في المنطقة من قبل الجانبين، ولا سيما الصين، يؤشر بشكلٍ فاعل في احتمالات تطور الأمور، فمعرفة أنواع التسلح، وأعداد الجنود، ونقاط الانتشار، وأهمية كل نقطة بالنسبة إلى مجمل الموقف المتنازع عليه، يمكن أن يؤدي دوراً حاسماً في توقع الخطوة التالية.

إن الطريق الصيني المتعرج على طول الوادي لا يزال غير مكتمل، ما يعقّد قدرة جيش التحرير الشعبي الصيني على الحفاظ على وجود أكبر في هذه المنطقة في الوقت الحالي، فبالقرب من النقطةPP14 ، وقعت مواجهات ليلة 15 حزيران/يونيو بين القوات الهندية والصينية.

وعلى الرغم من عدم إطلاق أية طلقات، فإن قتالاً جسدياً أدى في النهاية إلى سقوط العديد من القتلى على الجانبين، مع الظروف المناخية القاسية ودرجات الحرارة المتجمدة، ما أدى إلى تفاقم إصابات القوات بشكل خطير. وتشير أجواءٌ وسبل قتالية إلى حذر الطرفين وخوفهما من اندلاع مواجهة أكثر اتساعاً.

أما الآن، فالوضع على طول الضفاف الشمالية لبحيرة بانغونغ مختلف، ولكنه يبدو في الوقت الحاضر العائق الأكثر صعوبة أمام الاختتام الناجح لمحادثات خفض التصعيد. ومنذ أوائل شهر أيار/مايو، وضعت الصين مزيداً من القوات في المنطقة المتنازع عليها بين الإصبع 4 والإصبع 8. 

ووفقاً للمعلومات التي تنشرها الصحافة من مصادر هندية، فإن هذه القوات الإضافية سدّت الطريق من الإصبع 2 إلى الإصبع 8، حيث زعم مصدر واحد أنّ الصينيين حفروا ما يشبه الخندق مع زيادة القوات، لمنع الهند من القيام بدوريات أخرى بين الأصابع 3 و4. ويبدو أن هذه المحاولة الواضحة لترسيخ السيطرة الصينية على المنطقة المتنازع عليها هي نقطة الخلاف الرئيسة بين الجانبين.

عموماً، ترتبط عمليات النشر هذه بالتقارير الواردة في وسائل الإعلام الهندية بأنه بحلول أواخر أيار/مايو، كان لدى الصين ما بين 1200 و1500 جندي في المنطقة المجاورة مباشرة لنقاط النزاع، مع تحويل حوالى 5000 آخرين إلى المنطقة لدعمهم.

واستجابةً للاشتباكات أيضاً، عزّزت الهند شرطة الحدود الهندية التبتية ووحدات الجيش في مواقعها الأمامية على طول مساحة النزاع، مع الدفع بالمزيد من أفراد الجيش من فرقة المشاة الثالثة. وبحسب ما ورد، تم نقل عناصر من اللواء الجبلي 81 التابع للفرقة ولواء المشاة رقم 114 من معسكراتهم المنتظمة في الوادي بين دوربوك وتانغتسي، مع إدخال وحدات إضافية إلى المسرح لتحلّ محل هذه القوات المعبأة كاحتياطي عملياتي.

السياق الجيوسياسي

تجري هذه الجولة من المواجهات في سياق جيوسياسي أكبر وأكثر توتراً بين الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى توترات منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ورغم ذلك، فإن مثل هذه الحوادث ليست تطوراً جديداً، فقد حدثت مواجهات مماثلة في شورمور في العام 2014 وفي دوكلام في العام 2017، لكن في حين يزيد السياق الجيوسياسي الأوسع من تصوّرات التهديد، فإن هذه الحلقة من حلقات النزاعات الجارية ليس من المرجح أن تؤدي إلى حرب حركية مباشرة.

وعليه، ينبغي النظر إلى الاشتباكات الحالية على أنها استمرار لاتجاه الحوادث التي تحدث كل ربيع، عندما يذوب الثلج في هذه المنطقة الجبلية، ويمكن تحقيق مكاسب مرحلية على جانبي الحدود المتنازع عليها. وتقدر الحكومة الهندية أنه بين العامين 2016 و2018، كان هناك 1025 تجاوزاً من قبل جيش التحرير الشعبي الصيني على طول منطقة النزاع LAC. وفي العام 2016، كان هناك 273 تجاوزاً، وارتفع إلى 426 في العام 2017، ثم انخفض مرة أخرى في العام 2018 إلى 326.

ولا تنشر الحكومة الصينية تفاصيل مماثلة عن التجاوزات المتصورة في الأراضي التي تقول إنها ملك لها، لكن الشرارة التي دائماً ما تؤدي إلى مثل هذه الحوادث لا تبدو مختلفة تماماً. في شورمور في العام 2014 ودوكلام في العام 2017، زادت التوترات نتيجة تجاوزات محسوسة خارجة عن الوضع الإقليمي الراهن، وإنشاء بنية أساسية جديدة، أو تعزيز البنية التحتية العسكرية. ويبدو أن تصورات التهديد المتزايدة بسبب تطوير البنية التحتية على طول المنطقة الحدودية كانت على الأقل سبباً لمواجهات الشهر الماضي، أي أن هناك تشابهاً في المسببات مع الأحداث السابقة.

أما من ناحية الخسائر البشريّة، فالقتلى في أعقاب حادثة 16 حزيران/يونيو يوضحون مدى ارتفاع التوترات بين الجانبين. وتعدّ المحادثات العسكرية والدبلوماسية الجارية خطوة إيجابية في إزالة التصعيد، لكنّها لن تكون خطوة دائمة، ومن غير المحتمل أن تؤدّي إلى أيّ توضيح دائم حول موقع حدود المطالبات الهندية أو الصينية على طول منطقة LAC بالضبط.

منذ مواجهة دوكام في العام 2017، عقد رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جين بينغ قمماً سنوية غير رسمية لنزع فتيل التوترات. وقد تثير الاشتباكات الحالية علامات استفهام حول فائدة مثل هذه اللقاءات الرفيعة المستوى، ويرى بعض المراقبين أن مثل هذه القمم توفر فرصاً تشتدّ الحاجة إليها لإجراء حوار رفيع المستوى خلال أوقات الأزمات، بينما يرى البعض الآخر أنهم فشلوا في تحقيق نتيجة ملموسة. حتى ذلك الحين، يتوقع المزيد من المواجهات الحدودية كل ربيع.