التعاون العسكري البحري بين الصين وباكستان يثير قلق الهند

لا يمكن قراءة إصرار الهند على تدعيم قدراتها البحرية وتوسيعها إلا باعتبارها موجهة ضد بكين، بالدرجة نفسها التي يتم توجيهها إلى باكستان، وربما بدرجة أكبر.

  • قوات أمن الحدود الهندية وحراس باكستانيون على الحدود بين البلدين في واجا بداية عام 2020 (أ.ف.ب)
    قوات أمن الحدود الهندية وحراس باكستانيون على الحدود بين البلدين في واجا بداية عام 2020 (أ.ف.ب)

شهدت العلاقات الباكستانيّة- الصينيّة، وخصوصاً على المستوى العسكري، تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، ما تسبّب في تعاظم قلق نيودلهي من تحالف الدولتين ضدها، سواء على المستوى الاقتصاديّ أو حتى في حالة اندلاع نزاع محدود أو موسّع بين نيودلهي وإسلام أباد.

تعود مباعث القلق الهنديّة بشكل أساسيّ إلى الواقع الجغرافي الحالي وتاريخ العلاقات المشتركة بينها وبين بكين، إذ تضرّرت هذه العلاقات بشدّة منذ ما يقارب 7 عقود، على خلفية النزاعات الحدودية بين البلدين، والتي تتركّز في نقطتين أساسيتين تقعان قبالة سلسلة جبال الهيمالايا التي تفصل بين جنوب غرب الصين (التبت) والهند.

  • التعاون العسكري البحري بين الصين وباكستان يثير قلق الهند
    خريطة تفصيليّة للحدود الباكستانيّة-الهنديّة

النقطة الأولى هي إقليم "لاداخ" الصحراوي الذي يتبع إدارياً لولاية "جامو وكشمير" شمال الهند، على طول الحدود المشتركة بينها وبين الصين. ويطالب البلدان بالسيطرة على كامل أراضي هذا الإقليم، الذي تسيطر الصين حالياً على أغلب مناطقه، ما عدا وادي "غالوان" الذي يقع في منتصفه، وتسيطر عليه حالياً الهند. 

النقطة الثانية هي إقليم "أروناجل برديش" الذي تسيطر الهند على معظمه، في حين تطالب الصين بملكيته. يضاف إلى هاتين النقطتين "دولام" الحدودي بين البلدين، الذي تطالب مملكة بوتان أيضاً به.

هذا الملف ظلّ السبب الأساسي وراء عدم تقدم العلاقات المشتركة بين البلدين خلال العقود الماضية، وخصوصاً أنه كان سبباً في نزاع عسكري بينهما في أوائل ستينيات القرن الماضي. كانت إفرازات هذا الملف واضحة بشكل أكبر مؤخراً، بعد الاشتباك الدامي الذي حدث منتصف الشهر الماضي. وفيه اشتبك عشرات الجنود من الجانبين في إقليم لاداخ، ما أدى إلى مقتل نحو 20 جندياً هندياً، وهو ما يعد تطوراً خطيراً، بالنظر إلى حالة السكون النسبي التي عاشتها النقاط الحدودية بين الجانبين لمدة 40 عاماً مضت، وهي فترة شهدت بعض التوترات التي لم تتطور إلى اشتباكات مسلحة، وآخرها كان العام 2017، حيث اعترضت القوات الهندية كتائب هندسية تابعة للجيش الصيني، كانت تحاول بناء طريق قرب مثلث "دولام" الحدودي بين بوتان ونيبال.

  • التعاون العسكري البحري بين الصين وباكستان يثير قلق الهند
    تبادل الجانبان تنفيذ المناورات والتدريبات العسكرية خلال الأسابيع الأخيرة

عقب هذا الاشتباك، اتضح أنّ الصين بدأت منذ أيار/مايو الماضي بحشد أعداد كبيرة من الجنود والآليات في اتجاه المناطق المتنازع عليها، وخصوصاً إقليم لاداخ، وبدأت بوضع علامات هندسية لترقيم النقاط الحدودية وتحديدها. وقد تكثّفت هذه الأعمال عقب الاشتباك الأخير، بالتزامن مع تحليق مستمر للمقاتلات والمروحيات الصينية في القسم الشمالي من إقليم لاداخ.

من جانبها، وضعت الهند سلاحها الجوي في حالة تأهّب دائمة، وأدخلت منظومات للدفاع الجوي ودبابات ثقيلة إلى الوادي الذي تسيطر عليه في هذا الإقليم، وتبادل الجانبان تنفيذ المناورات والتدريبات العسكرية خلال الأسابيع الأخيرة قرب المناطق الحدودية في ما بينهما.

على الرغم من عودة الهدوء، ولو بشكل نسبيّ، إلى النقاط الحدوديّة بين البلدين، بات من الواضح أن الصين شرعت منذ مواجهة العام 2017 في الاستعداد لاحتمال تجدد الصراع بينها وبين نيودلهي في ما يخص المناطق الحدودية المتنازع عليها، وخصوصاً أنها تابعت ما قام به الجيش الهندي في هذه المناطق خلال السنوات الماضية، من تشييد لنقاط مراقبة ومهابط للمروحيات وطرق طويلة للربط بين هذه النقاط، إلا أن التركيز الصيني الأكبر خلال السنوات الأخيرة انصبّ في تدعيم وترسيخ العلاقات العسكرية لبكين مع العدو اللدود لنيودلهي، باكستان.

العلاقات العسكريّة بين باكستان والصّين

  • التعاون العسكري البحري بين الصين وباكستان يثير قلق الهند
    التعاون العسكري البحري بين الصين وباكستان يثير قلق الهند

في أوائل العام الجاري، نفَّذت القوات البحرية الباكستانية والصينية التدريب البحري المشترك (حارس البحر 2020) قبالة ميناء كراتشي الباكستاني. ويعدّ هذا التدريب هو السّادس ضمن سلسلة من المناورات المشتركة التي ينفّذها الجانبان منذ سنوات خلت، لكنّه كان لافتاً بشكل أكبر لأنظار نيودلهي، نظراً إلى التوترات المستمرة بينها وبين الدولتين، وأيضاً بسبب مسار هذه المناورات وتفاصيلها.

وقد شاركت البحرية الصينية في هذا التدريب بفرقاطة الدفاع الجوي من فئة "لويانج"، ومدمّرة من فئة "يونشينج"، وسفينة تزويد بالوقود من فئة "ويشانهو"، لكن القطعة البحرية الأكثر إثارة لاهتمام نيودلهي، كانت سفينة إنقاذ من فئة "لايوجونج" خاصة بعمليات الغواصات، فوجود هذه السفينة يعد مؤشراً مهماً على رغبة باكستان في توسيع أسطولها من الغواصات، وهو ما يعني بالضرورة امتلاك هذا النوع من سفن الإنقاذ المخصصة لمساندة الغواصات ودعمها.

والجدير بالذكر هنا، أن الأسطول الباكستاني الحالي من الغواصات يصل إلى 9 غواصات، وستنضم إليه خلال السنوات المقبلة 13 غواصة جديدة، منها ما بين 6 إلى 8 غواصات صينية قزمية من نوع "يوان"، تم التعاقد عليها بين باكستان والصين بقيمة تجاوزت 5 مليارات دولار.

لم يقتصر القلق الهندي على هذه النقطة فقط، فقد تضمنت هذه التدريبات عمليات الدفاع الجوي والعمليات الصاروخية المضادة للقطع البحرية. وكانت الأخيرة من أكثر ما أثار اهتمام نيودلهي، لأن مخاوفها من تطور القدرات البحرية الباكستانية تزايدت في آذار/مارس الماضي، عقب تدشين الصين ثاني فرقاطة محدثة من فئة "تايب 54 أيه" لصالح البحرية الباكستانية، التي ستتسلَّم ما مجموعه 4 فرقاطات من هذا النوع بحلول العام المقبل.

  • التعاون العسكري البحري بين الصين وباكستان يثير قلق الهند
    مخاوف نيودلهي تزايدت من مارس الماضي، عقب تدشين الصين ثاني فرقاطة محدثة من فئة "تايب 54 أيه" لصالح البحرية الباكستانية

مبعث القلق الهندي في هذا الصدد هو التسليح الممتاز لهذه الفئة من الفرقاطات، حيث يتكوّن تسليحها الرئيسي من 32 خلية إطلاق عمودية لصواريخ الدفاع الجوي المتوسط المدى "أتش كيو-16"، إلى جانب 8 منصات لإطلاق صواريخ "سي - 803" المضادة للقطع البحرية. وستصبح الأخيرة، في حال دخول هذه الفرقاطات في الخدمة، التهديد الأساسي والأخطر الذي يواجه القطع البحرية الهندية، نظراً إلى أن مداها العملياتي يصل إلى 280 كيلومتراً، وتبلغ زنة الرأس الحربي الخاص بها 250 كيلوغراماً، وتصل السرعة القصوى لهذا النوع من الصواريخ إلى 3 ماخ.

والأهم هنا أنّ احتمال إصابة هذا النوع من الصواريخ لأهدافه قد يصل إلى 90 في المائة، نتيجة تزويده بباحث راداري نشط يمكن تحديثه أثناء التحليق في المواقع الجديدة للقطع البحرية المراد استهدافها، عن طريق وصلة بيانات تربطه بقاعدة الإطلاق.

هذا النوع من الصواريخ سيفرض معادلة ميدانية جديدة على سلاح البحرية الهندي، الذي سيجد نفسه مضطراً إلى مراعاة تواجد سفنه على مسافات أبعد من الشواطئ الباكستانية، وبالتالي سيحرمه ذلك من إمكانية شن عمليات بحرية مفاجئة ضد الموانئ الباكستانية، مماثلة لعملية "ترايدنت" التي نفذتها البحرية الهندية في ميناء كراتشي الباكستان في كانون الأول/ديسمبر 1971، وأسفرت حينها عن إغراق 4 قطع بحرية باكستانية وإلحاق أضرار جسيمة بمنشآت الميناء.

يتوقع أن يشهد التعاون العسكري البحري بين بكين وإسلام أباد مزيداً من التطور خلال السنوات المقبلة، وخصوصاً أن البحرية الباكستانية تمتلك حالياً 4 زوارق صواريخ صينية الصنع من فئة "هوجيان"، وتتفاوض معها حالياً على شراء عدة زوارق صاروخية من فئة "هوبي". يُضاف إلى ذلك احتمال إنشاء بكين قاعدة بحرية داخل ميناء في مدينة جوادار الباكستانية، والذي تشيّده حالياً، ويعد النقطة الأخيرة في الممر الاقتصادي المشترك بين البلدين، والذي يبدأ من مدينة كاشي الصينية.

التواجد البحريّ الصينيّ في المحيط الهندي

  • التعاون العسكري البحري بين الصين وباكستان يثير قلق الهند
    ما زال تركيز بكين منصباً على بحر الصين الجنوبي الذي تتواجه فيه بصورة مستمرة مع التواجد البحري الأميركي

من النقاط التي تثير قلق نيودلهي في الوقت الحالي، النشاط المتصاعد للبحرية الصينيّة، وخصوصاً الغواصات، في مياه المحيط الهندي، ولا سيّما أنّ البحرية الهندية تمتلك حالياً أسطول الغواصات الأكبر في منطقة جنوب آسيا.

حتى الآن، ما زال تركيز بكين منصباً على بحر الصين الجنوبي الذي تتواجه فيه بصورة مستمرة مع التواجد البحري الأميركي، لكن رغم ذلك، أثارت زيارات الغواصات الصينية إلى الموانئ الباكستانية والسريلانكية خلال الأشهر الماضية، حفيظة نيودلهي ومخاوفها، فدخول الغواصات الصينية إلى المحيط الهندي عبر مضيق ملقا، وإن كان معلناً وواضحاً للعيان، لكنه لا ينفي امتلاك الغواصات الصينية إمكانية دخول هذا المحيط، من خلال ممرات بحرية بعيدة من المراقبة الهندية، مثل مضيق "سوندا"، الذي يقع غرب العاصمة الإندونيسية جاكرتا أو مضيق "لومبوك"، قرب جزيرة بالي الإندونيسية.

 لذلك، ينفّذ طيران البحرية الهندية بشكل متقطع طلعات لمراقبة حركة الغواصات في المحيط الهندي، باستخدام طائرات الدورية البحرية "بي-8 نبتون" الأميركية الصنع.

يُضاف إلى ذلك الإمكانيات اللوجستية التي تمتلكها الصين حالياً، والتي تستطيع الاستفادة منها في حالة عبور قطعها البحرية إلى المحيط الهندي، حيث تمتلك القدرة على إعادة تسليح وتموين قطعها البحرية، باستخدام الميناء التابع لها في جيبوتي وميناء "جوادار" في باكستان، وهو ما قد يسمح لبكين مستقبلاً بتأسيس أسطول دائم لها في المحيط الهندي.

 لهذا، نستطيع أن نعتبر الإصرار الهندي على تدعيم القدرات البحرية وتوسيعها موجهاً إلى بكين، بالدرجة نفسها التي يتم توجيهه إلى باكستان، وربما بدرجة أكبر، لأنّ البحرية الصينية تعد حالياً التهديد الأكبر للقدرات البحرية الهندية.